فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب: ليس الكاذب الذي يصلح بين الناس

باب لَيْسَ الْكَاذِبُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ
( باب) بالتنوين ( ليس الكاذب الذي يصلح بين الناس) أي ليس من يصلح بين الناس كاذبًا فهو من باب القلب قاله في الفتح.


[ قــ :2574 ... غــ : 2692 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ حُمَيْدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَهُ أَنَّ أُمَّهُ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عُقْبَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ فَيَنْمِي خَيْرًا أَوْ يَقُولُ خَيْرًا».

وبه قال: ( حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي قال: ( حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن عبد الرحمن بن عوف ( عن صالح) هو ابن كيسان ( عن ابن شهاب) الزهري ( أن حميد بن عبد الرحمن) بضم الحاء وفتح الميم مصغرًا ابن عوف ( أخبره أن أمه أم كلثوم) بضم الكاف وبالمثلثة ( بنت عقبة) بضم العين وسكون القاف ابن أبي معيط أُخت عثمان بن عفان لأمه ( أخبرته أنها سمعت رسول الله) وللأصيلي النبي ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول) :
( ليس الكذاب الذي) ولأبي الوقت والأصيلي: بالذي ( يصلح بين الناس) بضم الياء من الإصلاح والجملة في محل نصب خبر ليس ( فينمي خيرًا) بفتح المثناة التحتية وسكون النون وكسر الميم يقال: نميت الحديث بالتخفيف أنميه إذا بلغته على وجه الإصلاح وطلب الخير فإذا بلغته على وجه الإفساد والنميمة قلت نميته بالتشديد كذا قال أبو عبيدة وابن قتيبة والجمهور، وقال الحربي: هي مشددة وأكثر المحدثين يخففها وهذا لا يجوز ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يلحن ومن خفف لزمه أن يقول خير يعني بالرفع.
قال ابن الأثير: وهذا ليس بشيء فإن خيرًا ينتصب بينمي كما ينتصب بقال.

( أو يقول خيرًا) شك من الراوي، وليس المراد نفي ذات الكذب بل نفي إثمه فالكذب كذب سواء كان للإصلاح أو لغيره وقد يرخص في بعض الأوقات في الفساد القليل الذي يؤمل فيه الصلاح الكثير، وعند مسلم والنسائي من رواية يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه في آخر هذا الحديث ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس أنه كذب إلا في ثلاث يعني الحرب والإصلاح بين الناس وحديث الرجل امرأته، لكن هذه الزيادة مدرجة كما بيّن ذلك مسلم من طريق يونس عن الزهري فجوّز قوم الكذب في هذه الثلاثة وقاس بعضهم عليها أمثالها وقالوا: إن الكذب مذموم فيما فيه مضرّة أو ما ليس فيه مصلحة ومنعه بعضهم مطلقًا وحملوا المذكور هنا على التورية كأن يقول للظالم دعوت لك أمس يعني اللهم اغفر للمسلمين ويعد امرأته بعطية شيء ويريد إن قدّر الله وأن يظهر من نفسه قوّة في الحرب.
قال المهلب: وإنما أطلق عليه السلام للمصلح بين الناس أن يقول ما علم من الخير بين الفريقين ويسكت عما سمع من الشر بينهم لا أنه يخبر بالشيء على خلاف ما هو عليه.
وقال في المصابيح: وليس في تبويب البخاري ما يقتضي جواز الكذب في الإصلاح، وذلك أنه قال: ليس الكاذب الذي يصلح بين الناس وسلب الكاذب عن الإصلاح لا يسلتزم كون ما يقوله كذبًا لجواز أن يكون صدقًا بطريق التصريح أو التعريض وكذا الواقع في الحديث فإنه ليس فيه الكذاب الذي يصلح بين الناس واتفقوا على أن المراد بالكذب في حق المرأة والرجل إنما هو فيما لا يسقط حقًّا عليه أو عليها أو أخذ ما ليس لها أو له وعلى جواز الكذب عند الاضطرار كما لو قصد ظالم قتل رجل هو مختف عنده فله أن ينفي كونه عنده ويحلف على ذلك ولا يأثم.

وهذا الحديث ثابت في رواية أبي ذر عن الحموي والمستملي ساقط عند غيرهما.