فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب: كيف يكتب هذا: ما صالح فلان بن فلان، وفلان بن فلان، وإن لم ينسبه إلى قبيلته أو نسبه

باب كَيْفَ يُكْتَبُ "هَذَا مَا صَالَحَ فُلاَنُ ابْنُ فُلاَنٍ وَفُلاَنُ ابْنُ فُلاَنٍ وَإِنْ لَمْ يَنْسُبْهُ إِلَى قَبِيلَتِهِ أَوْ نَسَبِهِ"
هذا ( باب) بالتنوين ( كيف يكتب) بضم أوّله وفتح ثالثه مبنيًّا للمفعول أي كيف يكتب الصلح؟
يكتب ( هذا ما صالح فلان بن فلان وفلان بن فلان) فيكتفي بذلك إن كان مشهورًا ( ولم) ولأبي ذر عن الكشميهني وإن لم ( ينسبه إلى قبيلته أو نسبه) ولأبي ذر والأصيلي في نسخة إلى قبيلة بإسقاط المثناة الفوقية التي بعد اللام إذا كان مشهورًا بدون ذلك بحيث يؤمن اللبس وإلا فتتعيّن النسبة.


[ قــ :2579 ... غــ : 2698 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: لَمَّا صَالَحَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَهْلَ الْحُدَيْبِيَةِ كَتَبَ عَلِيٌّ بن أبي طالب رضوان الله عليه بَيْنَهُمْ كِتَابًا فَكَتَبَ "مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-" فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: لاَ تَكْتُبْ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، لَوْ كُنْتَ رَسُولاً لَمْ نُقَاتِلْكَ.
فَقَالَ لِعَلِيٍّ: امْحُهُ.
فَقَالَ عَلِيٌّ: مَا أَنَا بِالَّذِي أَمْحَاهُ.
فَمَحَاهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدِهِ، وَصَالَحَهُمْ عَلَى أَنْ يَدْخُلَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، وَلاَ يَدْخُلُوهَا إِلاَّ بِجُلُبَّانِ السِّلاَحِ.
فَسَأَلُوهُ: مَا جُلُبَّانُ السِّلاَحِ؟ فَقَالَ: الْقِرَابُ بِمَا فِيهِ".

وبه قال: ( حدّثنا محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشددة أبو بكر العبدي البصري المعروف ببندار قال: ( حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال: ( حدّثنا شعبة) بن الحجاج ( عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي الهمداني الكوفي أنه ( قال: سمعت البراء بن عازب -رضي الله عنهما- قال: لما صالح رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أهل الحديبية) بتخفيف الياء في الفرع كأصله وغيره قال القاضي عياض كذا ضبطناه عن المتقنين وعامّة الفقهاء والمحدثون يشدّدونها وهي قرية ليست بالكبيرة سميت ببئر هناك عند مسجد الشجرة ( كتب علي بن أبي طالب رضوان الله عليه) بأمره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وسقط لغير أبوي ذر والوقت ابن أبي طالب ( بينهم) أي بين المسلمين والمشركين ( كتابًا) بالصلح على أن يوضع الحرب بينهم عشر سنين وأن يأمن بعضهم بعضًا وأن يرجع عنهم عامهم ( فكتب محمد رسول الله) فيه حذف أي هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله زاد في رواية غير أبي ذر -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( فقال المشركون لا تكتب محمد رسول الله لو كنت رسولاً لم نقاتلك.
فقال)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( لعليّ) -رضي الله عنه-:
( امحه) بضم الحاء في الفرع كأصله وفي نسخة بفتحها أي امح الخط الذي لم يريدوا إثباته يقال محوت الكتابة ومحيتها ( فقال) ولأبوي ذر والوقت: قال ( عليّ) -رضي الله عنه- ( ما أنا بالذي أمحاه) ليس بمخالفة لأمره عليه الصلاة والسلام بل علم بالقرينة أن الأمر ليس للإيجاب ( فمحاه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد أبو ذر عن الكشميهني والمستملي بيده ( وصالحهم على أن يدخل هو وأصحابه) في العام المقبل مكة ( ثلاثة أيام ولا) بالواو ولأبي ذر فلا ( يدخلوها إلا بجلبان السلاح) بضم الجيم وسكون اللام وبضمها وتشديد الموحدة وقال عياض وبالتشديد ضبطناه وصوّبه ابن قتيبة وبالتخفيف ضبطه الهروي وصوّبه وإنما اشترطوا ذلك ليكون أمارة للسلم لئلا يظن أنهم دخلوها قهرًا ( فسألوه ما جلبان السلاح) بتخفيف الموحدة وتشديدها ( فقال) ولأبي ذر قال: ( القراب بما فيه) .

ومطابقته للترجمة في قوله فكتب محمد رسول الله ولم ينسبه لأبيه وجده وأقرّه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على ذلك
لأمن اللبس.

وهذا الحديث أخرجه مسلم في المغازي وأبو داود في الحج.




[ قــ :580 ... غــ : 699 ]
- حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ -رضي الله عنه- قَالَ: "اعْتَمَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي ذِي الْقَعْدَةِ، فَأَبَى أَهْلُ مَكَّةَ أَنْ يَدَعُوهُ يَدْخُلُ مَكَّةَ، حَتَّى قَاضَاهُمْ عَلَى أَنْ يُقِيمَ بِهَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ.
فَلَمَّا كَتَبُوا الْكِتَابَ كَتَبُوا: هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالُوا: لاَ نُقِرُّ بِهَا، فَلَوْ نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ مَا مَنَعْنَاكَ، لَكِنْ أَنْتَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ.
قَالَ: أَنَا رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ لِعَلِيٍّ: امْحُ: "رَسُولُ اللَّهِ" قَالَ: لاَ وَاللَّهِ لاَ أَمْحُوكَ أَبَدًا، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْكِتَابَ فَكَتَبَ: هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، لاَ يَدْخُلُ مَكَّةَ سِلاَحٌ إِلاَّ فِي الْقِرَابِ، وَأَنْ لاَ يَخْرُجَ مِنْ أَهْلِهَا بِأَحَدٍ إِنْ أَرَادَ أَنْ يَتَّبِعَهُ، وَأَنْ لاَ يَمْنَعَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ أَرَادَ أَنْ
يُقِيمَ بِهَا.
فَلَمَّا دَخَلَهَا وَمَضَى الأَجَلُ أَتَوْا عَلِيًّا فَقَالُوا: قُلْ لِصَاحِبِكَ اخْرُجْ عَنَّا فَقَدْ مَضَى الأَجَلُ.
فَخَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَتَبِعَتْهُمُ ابْنَةُ حَمْزَةَ -يَا عَمِّ، يَا عَمِّ- فَتَنَاوَلَهَا عَلِيٌّ فَأَخَذَ بِيَدِهَا.

     وَقَالَ  لِفَاطِمَةَ: دُونَكِ ابْنَةَ عَمِّكِ احْمِلِيهَا.
فَاخْتَصَمَ فِيهَا عَلِيٌّ وَزَيْدٌ وَجَعْفَرٌ.
فَقَالَ عَلِيٌّ: أَنَا أَحَقُّ بِهَا وَهْيَ ابْنَةُ عَمِّي.

     وَقَالَ  جَعْفَرٌ: ابْنَةُ عَمِّي وَخَالَتُهَا تَحْتِي.
.

     وَقَالَ  زَيْدٌ: ابْنَةُ أَخِي.
فَقَضَى بِهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِخَالَتِهَا.

     وَقَالَ : الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الأُمِّ،.

     وَقَالَ  لِعَلِيٍّ أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْكَ.
.

     وَقَالَ  لِجَعْفَرٍ أَشْبَهْتَ خَلْقِي وَخُلُقِي.
.

     وَقَالَ  لِزَيْدٍ: أَنْتَ أَخُونَا وَمَوْلاَنَا".

وبه قال: ( حدّثنا عبيد الله بن موسى) بضم العين مصغرًا أبو محمد العبسي مولاهم الكوفي ( عن إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق ( عن) جده ( أبي إسحاق) السبيعي ( عن البراء) وللأصيلي زيادة ابن عازب ( -رضي الله عنه-) أنه ( قال: اعتمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في ذي القعدة) بفتح القاف في الفرع كأصله وغيرهما ( فأبى أهل مكة أن يدعوه) بفتح الدال أي امتنعوا أن يتركوه ( يدخل مكة حتى قاضاهم) من القضاء وهو إحكام الأمر وإمضاؤه ( على أن يقيم بها ثلاثة أيام) فقط ( فلما كتبوا الكتاب) بخط علي ( كتبوا هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله) زاد في غير رواية أبي ذر -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( فقالوا) : أي المشركون ( لا نقرّ بها) أي بالرسالة ( فلو) بالفاء ولأبي ذر ولو ( نعلم أنك رسول الله ما منعناك) من دخول مكة وعبّر بالمضارع بعد لو التي للماضي لتدل على الاستمرار أي استمر عدم علمنا برسالتك في سائر الأزمنة من الماضي والمضارع وهذا كقوله تعالى: { لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم} [الحجرات: 7] قاله في شرح المشكاة ( لكن أنت محمد بن عبد الله قال) :
( أنا رسول الله وأنا محمد بن عبد الله ثم قال لعليّ امح رسول الله) بالرفع على الحكاية ولأبي الوقت امح رسول الله بالنصب على المفعولية ( قال) أي علي ( لا والله لا أمحوك أبدًا) لعلمه بالقرائن أن الأمر ليس للإيجاب ( فأخذ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الكتاب فكتب) إسناد الكتابة إليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على سبيل المجاز لأنه الآمر بها، وقيل كتب وهو لا يحسن بل أطلقت يده بالكتابة ولا ينافي هذا كونه أميًّا لا يحسن الكتابة لأنه ما حرك يده تحريك من يحسن الكتابة إنما حركها فجاء المكتوب صوابًا من غير قصد فهو معجزة ودفع بأن ذلك مناقض لمعجزة أخرى وهو كونه أميًّا لا يكتب وفي ذلك إفحام الجاحد وقيام الحجة والمعجزات يستحيل أن يدفع بعضها بعضًا وقيل لما أخذ القلم أوحى الله إليه فكتب، وقيل ما مات حتى كتب ( هذا) إشارة إلى ما في الذهن مبتدأ خبره قوله ( ما قاضى) ومفسر له زاد أبو ذر عن الكشميهني عليه ( محمد بن عبد الله لا يدخل) بفتح أوّله وضم ثالثه ( مكة سلاح) بالرفع وللأصيلي إلا وله ولأبي الوقت بسلاح بزيادة حرف الجر ولأبوي الوقت وذر لا يدخل بضم أوله وكسر ثالثه مكة سلاحًا بالنصب على المفعولية ( إلا في القراب) وقوله لا يدخل مفسر لقوله قاضى وكذا قوله ( وأن لا يخرج) بفتح أوّله وضم الراء ( من أهلها بأحد) أي من الرجال ( إن أراد أن يتبعه) بتشديد المثناة الفوقية ولأبي ذر والأصيلي يتبعه بسكونها ( وأن لا يمنع أحدًا من أصحابه أراد أن يقيم بها) أي بمكة.

( فلما دخلها) أي مكة في العام القابل ( ومضى الأجل) وهو الأيام الثلاثة أي قرب انقضاؤها كقوله تعالى: { فإذا بلغن أجلهن} [البقرة: 34] قال الكرماني ولا بدّ من هذا التأويل لئلا يلزم عدم الوفاء بالشرط ( أتوا عليًّا) -رضي الله عنه- ( فقالوا: قل لصاحبك) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: لأصحابك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومن معه ( أخرج عنا فقد مضى الأجل) زاد البيهقي فحدّثه عليّ بذلك فقال نعم ( فخرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فتبعتهم ابنة) وللأصيلي بنت ( حمزة) اسمها عمارة أو أمامة ( يا عم يا عم) مرتين أي تقول له عليه الصلاة والسلام يا عم لأنه عمها من الرضاعة ( فتناولها علي) وللأصيلي علي بن أبي طالب ( فأخذ بيدها وقال لفاطمة عليها السلام: دونك) بكسر الكاف أي خذي ( ابنة عمك حملتها) بلفظ الماضي ولعل الفاء سقطت، وقد ثبتت في رواية النسائي من الوجه الذي أخرجه منه البخاري، ولأبي ذر عن الكشميهني: احمليها.
وعند الحاكم من مرسل الحسن فقال علي لفاطمة وهي في هودجها: أمسكيها عندك ( فاختصم فيها) أي بعد أن قدموا المدينة كما في حديث علي عند أحمد والحاكم ( علي وزيد) هو ابن حارثة ( وجعفر) أخو علي في أيّهم تكون عنده ( فقال علي: أنا أحق بها وهي ابنة عمي) زاد في حديث علي عند أبي داود: وعندي ابنة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهي أحق بها.
( وقال جعفر: ابنة عمي وخالتها) أي أسماء بنت عميس ( تحتي) زوجتي، ( وقال زيد: ابنة أخي) لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آخى بين زيد وأبيها حمزة ( ققضى بها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لخالتها) زوجة جعفر.
وفي حديث ابن عباس عند ابن سعد في شرف المصطفى بسند ضعيف فقال جعفر أولى بها فرجح جانب جعفر باجتماع قرابة الرجل والمرأة ( وقال) عليه الصلاة والسلام: ( الخالة بمنزلة الأم) في الحضانة لأنها تقرب منها في الحنوّ والشفقة والاهتداء إلى ما يصلح الولد ولم يقدح في حضانتها كونها متزوّجة بمن له مدخل في الحضانة بالعصوبة وهو ابن العم.

واستنبط منه أن الخالة مقدمة في الحضانة على العمة لأن صفية بنت عبد المطلب كانت موجودة حينئذ وإذا قدمت على العمة مع كونها أقرب العصبات من النساء فهي مقدمة على غيرها.

وفيه تقديم أقارب الأم على أقارب الأب وغير ذلك مما يأتي إن شاء الله تعالى في محله.

( وقال) عليه الصلاة والسلام ( لعلي) ( أنت مني وأنا منك) أي في النسب والسابقية والمحبة وغيرها ( وقال لجعفر: أشبهت خلْقي وخُلُقي) بفتح الخاء في الأول وضمها في الثانية وهي منقبة جليلة لجعفر ( وقال لزيد) ( أنت أخونا) في الإيمان ( ومولانا) من جهة أنه أعتقه فطيب -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قلوبهم بنوع من التشريف على ما يليق بهم بالحال وإن كان قضى لجعفر فقد بيّن وجه ذلك.

وهذا الحديث أخرجه الترمذي أيضًا ويأتي بقية مباحثه، إن شاء الله تعالى في عمرة القضية.


باب الصُّلْحِ مَعَ الْمُشْرِكِينَ.
فِيهِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ
وَقَالَ عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «ثُمَّ تَكُونُ هُدْنَةٌ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِي الأَصْفَرِ».

وَفِيهِ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ "لقد رأيتنا يوم أبي جندل"، وَأَسْمَاءُ، وَالْمِسْوَرُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

( باب) حكم ( الصلح مع المشركين فيه عن أبي سفيان) صخر بن حرب في شأن هرقل المسوق أول الكتاب والغرض منه هنا الإشارة إلى مدة الصلح المذكورة في قوله ونحن منه في مدة وغير ذلك.

( وقال عوف بن مالك) بفتح العين المهملة وسكون الواو آخره فاء الأشجعي الغطفاني فيما وصله المؤلّف بتمامه في الجزية من طريق أبي إدريس الخولاني ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ( ثم تكون هدنة) بضم الهاء وسكون الدال أي صلح ( بينكم وبين الأصفر) هم الروم.

( وفيه) أي في الباب روى ( سهل بن حنيف) بضم الحاء المهملة الأنصاري الأوسي فيما وصله في آخر الجزية وللأصيلي وفيه عن سهل بن حنيف ( لقد رأيتنا يوم أبي جندل) بفتح الجيم وسكون النون وفتح الدال المهملة آخره لام العاص بن سهيل حين حضر من مكة إلى الحديبية يرسف في قيوده إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكان يكتب هو وأبو سهيل بن عمرو كتاب الصلح، وكان أبو جندل قد أسلم بمكة فحبسه أبوه فهرب، وجاء إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخذ أبوه سهيل يجره ليردّه إلى قريش، فجعل أبو جندل يصرخ بأعلى صوته: يا معشر المسلمين أرد إلى المشركين يفتنوني في ديني، فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يا أبا جندل اصبر واحتسب فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين بمكة فرجًا ومخرجًا وإنّا قد عقدنا بيننا وبينهم صلحًا وعهدًا ولا نغدر بهم" وسقط قوله: لقد رأيتنا يوم أبي جندل لغير أبي ذر كما في الفرع وأصله.
وقال في الفتح: ولم يقع في رواية أبي ذر والأصيلي لقد رأيتنا يوم أبي جندل وللأصيلي كما في الفرع، وأصله: رأتنا بهمزة ففوقية ساكنة فنون فألف فليتأمل.

( و) في الباب أيضًا روت ( أسماء) بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما- فيما وصله في الهبة بلفظ قدمت عليّ أمي راغبة في عهد قريش لأن فيه معنى الصلح ( والمسور) بن مخرمة فيما وصله في كتاب الشروط ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ويأتي إن شاء الله تعالى بعد سبعة أبواب.


[ قــ :580 ... غــ : 700 ]
- وَقَالَ مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "صَالَحَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى ثَلاَثَةِ أَشْيَاءَ: عَلَى أَنَّ مَنْ أَتَاهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ رَدَّهُ إِلَيْهِمْ، وَمَنْ أَتَاهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَرُدُّوهُ.
وَعَلَى أَنْ يَدْخُلَهَا مِنْ قَابِلٍ وَيُقِيمَ بِهَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، وَلاَ يَدْخُلَهَا إِلاَّ بِجُلُبَّانِ السِّلاَحِ: السَّيْفِ وَالْقَوْسِ وَنَحْوِهِ.
فَجَاءَ أَبُو جَنْدَلٍ يَحْجُلُ فِي قُيُودِهِ فَرَدَّهُ إِلَيْهِمْ".

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: لَمْ يَذْكُرْ مُؤَمَّلٌ عَنْ سُفْيَانَ أَبَا جَنْدَلٍ،.

     وَقَالَ : "إِلاَّ بِجُلُبِّ السِّلاَحِ".

( وقال موسى بن مسعود) أبو حذيفة النهدي فيما وصله أبو عوانة في صحيحه وغيره ( حدّثنا سفيان بن سعيد) هو الثوري ( عن أبي إسحاق) هو السبيعي ( عن البراء بن عازب -رضي الله عنهما-)
أنه ( قال) : ( صالح النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المشركين يوم الحديبية) بالتخفيف ( على ثلاثة أشياء -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن من أتاه من المشركين ردّه إليهم) بدل من قوله ثلاثة أشياء، ( ومن أتاهم من المسلمين لم يردّوه) إليه ( وعلى أن يدخلها من قابل) أي مكة من عام قابل والواو في ومن وعلى للعطف على السابق ( ويقيم) بالنصب عطفًا على السابق ( بها) أي بمكة ( ثلاثة أيام) أي لا غير ( ولا يدخلها إلا بجلبان السلاح) بتخفيف الموحدة وتشديدها ( السيف والقوس ونحوه) بالجر فيها بدلاً من سابقها.

قال في التنقيح: كذا وقع مفسرًا هنا وهو مخالف لقوله في السياق السابق فسألوه ما جلبان السلاح قال: القراب بما فيه وهو الأصوب.
قال الأزهري: الجلبان يشبه الجراب من الأدم يضع فيه الراكب سيفه مغمودًا ويضع فيه سوطه وأدائه ويعلقها في آخرة الرحل أو واسطته اهـ.

قال في المصابيح: فعلى ما قاله الأزهري لا يخالف ما في هذا الحديث السياق الأول أصلاً فإنه هنا فسر السلاح الذي يوضع في الجلبان بالسيف والقوس ونحوه ولم يفسره في الأول حيث قال: القراب بما فيه فأيّ تخالف وقع فتأمله.

( فجاء) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فجعل ( أبو جندل) عبد الله أو العاص بن سهيل ( يحجل في قيوده) بفتح الياء وسكون الحاء المهملة وضم الجيم أي يمشي مثل الحجلة الطير الذي يرفع رجلاً ويضع أخرى لأن المقيد لا يمكنه أن ينقل رجليه معًا ( فردّه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( إليهم) محافظة للعهد ومراعاة للشرط ولأن أباه في الغالب لا يبلغ به الهلاك ( قال: لم يذكر) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي في نسخة قال أبو عبد الله أي البخاري لم يذكر ( مؤمل) بتشديد الميم الثانية مفتوحة ابن إسماعيل في روايته لهذا الحديث ( عن سفيان) الثوري ( أبا جندل) فتابع موسى بن إسماعيل إلا في قصة أبي جندل فلم يذكرها ( وقال) بدل قوله إلا بجلبان السلاح ( إلا بجلب السلاح) بضم الجيم واللام وتشديد الموحدة وإسقاط الألف والنون ولم يشدد الموحدة في الفرع.

وطريق مؤمل هذا أخرجه موصولاً أحمد في مسنده عنه.