فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب الصلح بين الغرماء وأصحاب الميراث والمجازفة في ذلك

باب الصُّلْحِ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ وَأَصْحَابِ الْمِيرَاثِ، وَالْمُجَازَفَةِ فِي ذَلِكَ
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لاَ بَأْسَ أَنْ يَتَخَارَجَ الشَّرِيكَانِ فَيَأْخُذَ هَذَا دَيْنًا وَهَذَا عَيْنًا فَإِنْ تَوِيَ لأَحَدِهِمَا لَمْ يَرْجِعْ عَلَى صَاحِبِهِ.

( باب الصلح بين الغرماء وأصحاب الميراث والمجازفة في ذلك) عند المعاوضة ( وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما- مما وصله ابن أبي شيبة ( لا بأس أن يتخارج الشريكان) أي إذا كان لهما دين على إنسان فأفلس أو مات أو جحد وحلف حيث لا بيّنة فيخرج هذا الشرك مما وقع في نصيب صاحبه وذلك الآخر كذلك في القسمة بالتراضي من غير قرعة مع استواء الدين ( فيأخذ هذا دينًا وهذا عينا فإن توي) بفتح الفوقية وكسر الواو، ولأبي ذر بفتح الواو على لغة طيئ أي هلك ( لأحدهما) شيء مما أخذه ( لم يرجع على صاحبه) قال في النهاية أي إذا كان المتاع بين ورثة لم يقتسموه أو بين شركاء وهو في يد بعضهم دون بعض فلا بأس أن يتبايعوه بينهم وإن لم يعرف كل واحد منهم نصيبه بعينه ولم يقبضه صاحبه قبل البيع وقد رواه عطاء عنه مفسرًا قال: لا بأس أن يتخارج القوم في الشركة تكون فيأخذ هذا عشرة دنانير نقدًا وهذا عشرة دنانير والتخارج تفاعل من الخروج كأنه يخرج كل واحد عن ملكه إلى صاحبه بالبيع.


[ قــ :2589 ... غــ : 2709 ]
- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: "تُوُفِّيَ أَبِي وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَعَرَضْتُ عَلَى غُرَمَائِهِ أَنْ يَأْخُذُوا التَّمْرَ بِمَا عَلَيْهِ فَأَبَوْا، وَلَمْ يَرَوْا أَنَّ فِيهِ وَفَاءً، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: إِذَا جَدَدْتَهُ فَوَضَعْتَهُ فِي الْمِرْبَدِ آذَنْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
فَجَاءَ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فَجَلَسَ عَلَيْهِ وَدَعَا بِالْبَرَكَةِ ثُمَّ قَالَ: ادْعُ غُرَمَاءَكَ فَأَوْفِهِمْ.
فَمَا تَرَكْتُ أَحَدًا لَهُ عَلَى أَبِي دَيْنٌ إِلاَّ قَضَيْتُهُ، وَفَضَلَ ثَلاَثَةَ عَشَرَ وَسْقًا: سَبْعَةٌ عَجْوَةٌ وَسِتَّةٌ لَوْنٌ، أَوْ سِتَّةٌ عَجْوَةٌ وَسَبْعَةٌ لَوْنٌ.
فَوَافَيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَغْرِبَ فَذَكَرْتُ
ذَلِكَ لَهُ، فَضَحِكَ فَقَالَ: ائْتِ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ فَأَخْبِرْهُمَا، فَقَالاَ: لَقَدْ عَلِمْنَا -إِذْ صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا صَنَعَ- أَنْ سَيَكُونُ ذَلِكَ".

وَقَالَ هِشَامٌ عَنْ وَهْبٍ عَنْ جَابِرٍ: "صَلاَةَ الْعَصْرِ" وَلَمْ يَذْكُرْ "أَبَا بَكْرٍ" وَلاَ "ضَحِكَ".

     وَقَالَ : "وَتَرَكَ أَبِي عَلَيْهِ ثَلاَثِينَ وَسْقًا دَيْنًا".

وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ وَهْبٍ عَنْ جَابِرٍ "صَلاَةَ الظُّهْرِ".

وبه قال: ( حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا ( محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشددة العبدي البصري قال: ( حدّثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد بن الصلت الثقفي البصري قال: ( حدّثنا عبيد الله) بضم العين مصغرًا ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب ( عن وهب بن كيسان) بفتح الكاف ( عن جابر بن عبد الله) الأنصاري ( -رضي الله عنهما-) أنه ( قال: توفي أبي) عبد الله ( وعليه دين) ثلاثون وسقًا لرجل من اليهود ( فعرضت على غرمائه أن يأخذوا التمر) بالمثناة الفوقية وسكون الميم ( بما عليه) من الدين ( فأبوا ولم يروا أن فيه وفاء) بما لهم عليه ( فأتيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فدكرت ذلك له فقال) :
( إذا جددته) بإهمال الدالين في الفرع وأصله وغيرهما وبالمعجمتين كما في المصابيح كالتنقيح أي: قطعته ( فوضعته في المربد) بكسر الميم وفتح الموحدة الموضع الذي تجفف فيه الثمرة وجواب إذا قوله ( آذنت) بهمزة ممدودة وتاء الضمير منه مفتوحة أي أعلمت ( رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ووضع موضع المضمر لتقوية الداعي أو للإشعار بطلب البركة منه ونحوه وفي الفرع ضم التاء أيضًا ( فجاء) عليه الصلاة والسلام ( ومعه أبو بكر وعمر) -رضي الله عنهما- ( فجلس عليه) أي على التمر ( ودعا) فيه ( بالبركة ثم قال) : ( ادع غرماءك فأوفهم) دينهم قال جابر: ( فما تركت أحدًا له على أبي دين) اليهودي وغيره ( إلا قضيته وفضل ثلاثة عشر وسقًا) بفتح الضاد المعجمة من فضل ولأبي ذر وفضل بكسرها قال ابن سيده في الحكم: فضل الشيء يفضل أي من باب دخل يدخل وفضل يفضل من باب حذر يحذر ويفضل نادر جعلها سيبويه كمن تموت.
وقال اللحياني فضل يفضل كحسب يحسب نادر كل ذلك بمعنى والفضالة ما فضل من الشيء ( سبعة عجوة) هي من أجود تمور المدينة ( وستة لون) نوع من النخل وقيل هو الدقل ( أو ستة عجوة وسبعة لون) شك من الراوي ( فوافيت مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المغرب فذكرت ذلك له فضحك فقال) : ( ائت أبا بكر وعمر) -رضي الله عنهما- ( فأخبرهما) لكونهما كانا حاضرين معه حين جلس على التمر ودعا فيه بالبركة مهتمين بقصة جابر ( فقالا) لما أخبرهما جابر ( لقد علمنا إذ صنع) أي حين صنع ( رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما صنع أن سيكون ذلك) بفتح الهمزة مفعول علمنا.

( وقال هشام) هو ابن عروة فيما وصله المؤلّف في الاستقراض ( عن وهب) هو ابن كيسان ( عن جابر صلاة العصر) بدل قوله في رواية عبيد الله عن وهب المغرب ( ولم يذكر) هشام ( أبا بكر)
بل اقتصر على عمر ( ولا) ذكر قوله في رواية عبيد الله ( ضحك.
وقال: وترك أبي عليه ثلاثين وسقًا دينًا)
.

( وقال ابن إسحاق) محمد في روايته ( عن وهب عن جابر صلاة الظهر) فاختلفوا في تعيين الصلاة التي صلاها جابر معه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى أعلمه بقصته وهذا لا يقدح في صحة أصل الحديث لأن الغرض منه وهو توافقهم على حصول بركته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد حصل ولا يترتب على تعيين تلك الصلاة كبير معنى.

وهذا الحديث قد مضى في الاستقراض في باب: إذا قاصّ أو جازفه في الدين وتأتي مباحثه إن شاء الله تعالى في علامات النبوّة.