فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب درجات المجاهدين في سبيل الله، يقال: هذه سبيلي وهذا سبيلي

باب دَرَجَاتِ الْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
يُقَالُ هَذِهِ سَبِيلِي، وَهَذَا سَبِيلِي
قَالَ أَبُو عَبْدُ اللهِ: غُزًّا وَاحِدُهَا غَازٍ.
هُمْ دَرَجَاتٌ: لَهُمْ دَرَجَات.

( باب درجات المجاهدين في سبيل الله.
يقال هذه سبيلي، وهذا سبيلي)
يريد المؤلّف أن السبيل يؤنث ويذكر وبذلك جزم الفرّاء ( قال أبو عبد الله) : البخاري ( غُزًّا) بضم المعجمة وتشديد الزاي ( وأحدها غازٍ هم درجات) أي ( لهم درجات) أي منازل قاله أبو عبيدة، وقال غيره أي وهم ذوو درجات وثبت قوله قال أبو عبد الله: إلى آخره.
في رواية أبي ذر عن الحموي والمستملي.


[ قــ :2662 ... غــ : 2790 ]
- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ عَنْ هِلاَلِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النبيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَصَامَ رَمَضَانَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، جَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ جَلَسَ فِي أَرْضِهِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلاَ نُبَشِّرُ النَّاسَ؟ قَالَ: إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ -أُرَاهُ قَالَ: وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ- وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ» قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ عَنْ أَبِيهِ «وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ».
[الحديث 2790 - طرفه في: 7423] .

وبه قال: ( حدّثنا يحيى بن صالح) الوحاظي الشامي قال: ( حدّثنا فليح) بضم الفاء وفتح اللام وبعد التحتية الساكنة حاء مهملة عبد الملك بن سليمان ( عن هلال بن عليّ) الفهري المدني ( من عطاء بن يسار) بالتحتية والمهملة المخففة الهلالي المدني ( عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه ( قال: قال رسول الله) ولأبي ذر: قال النبي ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) : ( من آمن بالله وبرسوله وأقام الصلاة وصام رمضان) لم يذكر الزكاة والحج ولعله سقط من أحد رواته، وقد ثبت الحج في الترمذي في حديث معاذ بن جبل وقال فيه: ولا أدري أذكر الزكاة أم لا.
وأيضًا فإن الحديث لم يذكر لبيان الأركان فكأن الاقتصار على ما ذكر إن كان محفوظًا لأنه هو المتكرر غالبًا وأما الزكاة فلا تجب إلا على من له مال بشرطه والحج لا يجب إلا مرة على التراخي.

( كان حقًّا على الله) بطريق الفضل والكرم لا بطريق الوجوب ( أن يدخله الجنة جاهد في سبيل الله أو جلس في أرضه التي ولد فيها) .
وفي نسخة: في بيته الذي ولد فيه وفيه تأنيس لمن حرم الجهاد وأنه ليس محرومًا من الأجر بل له من الإيمان والتزام الفرائض ما يوصله إلى الجنة وإن قصر عن درجة المجاهدين.
( فقالوا: يا رسول الله) في الترمذي أن الذي خاطبه بذلك هو معاذ بن جبل، وعند الطبراني: وأبو الدرداء ( أفلا نبشر الناس) ؟ بذلك ( قال) : ( إن في الجنة مائة درجة أعدّها الله للمجاهدين في سبيل الله ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض) قال الطيبي وتبعه الكرماني: لما سوى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بين الجهاد وبين عدمه وهو المراد بالجلوس في أرضه التي ولد فيها في دخول المؤمن
بالله ورسوله المقيم للصلاة الصائم لرمضان في الجنة استدرك -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قوله الأول بقوله الثاني: إن في الجنة مائة درجة إلى آخره، وتعقب بأن التسوية ليست على عمومها وإنما هي في أصل دخول الجنة لا في تفاوت الدرجات كما مرّ.

وقال الطيبي في شرح المشكاة: هذا الجواب من الأسلوب الحكيم أي بشرهم بدخول الجنة بالإيمان والصوم والصلاة ولا تكتف بذلك بل زد على تلك البشارة بشارة أخرى وهي الفوز بدرجات الشهداء فضلاً من الله ولا تقنع بذلك أيضًا بل بشّرهم بالفردوس الذي هو أعلى، وتعقبه في فتح الباري فقال: لو لم يرد الحديث إلا كما وقع هنا ( كان) ما قال متجهًا، لكن ورد في الحديث زيادة دلّت على أن قوله إن في الجنة مائة درجة تعليل لتلك البشارة المذكورة فعند الترمذي من رواية معاذ قلت: يا رسول الله ألا أخبر الناس؟ قال: "ذر الناس يعملوا فإن في الجنة مائة درجة" فظهر أن المراد لا تبشر الناس بما ذكرته من دخول الجنة لمن آمن وعمل الأعمال المفروضة عليه فيقفوا عند ذلك ولا يتجاوزوه إلى ما هو أفضل منه من الدرجات التي تحصل في الجهاد، وهذه هي النكتة في قوله: أعدها الله للمجاهدين، وتعقبه العيني بأن قوله: لكن وردت في الحديث زيادة على آخره غير مسلم لأن الزيادة المذكورة في حديث معاذ بن جبل وكلام الطيبي وغيره في حديث أبي هريرة وكل واحد من الحديثين مستقل بذاته، والراوي مختلف فكيف يكون ما في حديث معاذ تعليلاً لما في حديث أبي هريرة على أن حديث معاذ لا يعادل حديث أبي هريرة ولا يدانيه فإن عطاء بن يسار لم يدرك معاذًا اهـ.

وهذا الذي قاله العيني ليس مانعًا مما ذكره الحافظ ابن حجر فالحديث يبيّن بعضه بعضًا وإن تباينت طرقه واختلفت مخارجه ورواته على ما لا يخفى.

( فإن سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة) أي أفضلها ( وأعلى الجنة) .
يعني أرفعها.

وقال ابن حيان: المراد بالأوسط السعة، وبالأعلى الفوقية.
قال يحيى بن صالح شيخ البخاري ( أراه) بضم الهمزة أي أظنه ( قال: وفوقه عرش الرحمن) بفتح القاف قيل وقيده الأصيلي بضمها، ولم يصححه ابن قرقول بل قال: إنه وهم عليه.
قال في المصابيح: ووجهه أن فوق من الظروف الملازمة للظرفية فلا تستعمل غير منصوبة أصلاً والضمير المضاف إليه فوق ظاهر التركيب عوده إلى الفردوس، وقال السفاقسي: راجع إلى الجنة كلها.
قال في المصابيح: والتذكير حينئذ باعتبار كون الجنة مكانًا وإلاّ فمقتضى الظاهر على ذلك أن يقال وفوقها.

( ومنه) أي من الفردوس ( تفجر أنهار الجنة) الأربعة المذكورة في قوله تعالى: { فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن أبي يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى} [محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: 15] .
وأصل تفجر تتفجر فحذفت إحدى التائين تخفيفًا وقيل الفردوس مستنزه أهل الجنة، وفي الترمذي هو ربوة الجنة.

وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في التوحيد والترمذي.

( قال محمد بن فليح) فيما وصله في التوحيد ( عن أبيه) فليح ( وفوقه عرش الرحمن) فلم يشك كما شك يحيى بن صالح حيث قال: أراه.




[ قــ :663 ... غــ : 791 ]
- حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا جَرِيرٌ حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ عَنْ سَمُرَةَ قَالَ: "قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي فَصَعِدَا بِي الشَّجَرَةَ فَأَدْخَلاَنِي دَارًا هِيَ أَحْسَنُ وَأَفْضَلُ، لَمْ أَرَ قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهَا، قَال أَمَّا هَذِهِ الدَّارُ فَدَارُ الشُّهَدَاءِ".

وبه قال: ( حدّثنا موسى) بن إسماعيل التبوذكي قال: ( حدّثنا جرير) هو ابن حازم قال: ( حدّثنا أبو رجاء) عمران بن ملحان العطاردي البصري ( عن سمرة) أي ابن جندب -رضي الله عنه- أنه ( قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( رأيت الليلة رجلين) أي ملكين وهما جبريل وميكائيل ( أتيا فصعدا بي الشجرة فأدخلاني) بالفاء ولأبي ذر وأدخلاني ( دارًا هي أحسن وأفضل) أي من الأولى المذكورة في هذا الحديث المسوق مطوّلاً في الجنائز حيث قال: وأدخلاني دارًا لم أرَ قط أحسن منها فيها رجال وشيوخ وشباب ونساء وصبيان، ثم أخرجاني منها فصعدا بي الشجرة وأدخلاني دارًا هي أحسن وأفضل ( لم أرَ قطّ أحسن منها، قالا) أي الملكان ولأبي ذر عن المستملي قال: ( أما هذه الدار فدار الشهداء) وهو يدل على أن منازل الشهداء أرفع المنازل.