فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب من ينكب في سبيل الله

باب مَنْ يُنْكَبُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ

[ قــ :2673 ... غــ : 2801 ]
- حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ إِسْحَاقَ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "بَعَثَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَقْوَامًا مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ إِلَى بَنِي عَامِرٍ فِي سَبْعِينَ، فَلَمَّا قَدِمُوا قَالَ لَهُمْ خَالِي: أَتَقَدَّمُكُمْ، فَإِنْ أَمَّنُونِي حَتَّى أُبَلِّغَهُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَإِلاَّ كُنْتُمْ مِنِّي قَرِيبًا.
فَتَقَدَّمَ فَأَمَّنُوهُ، فَبَيْنَمَا يُحَدِّثُهُمْ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ أَوْمَؤوا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ فَطَعَنَهُ فَأَنْفَذَهُ، فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ.
ثُمَّ مَالُوا عَلَى بَقِيَّةِ أَصْحَابِهِ فَقَتَلُوهُمْ إِلاَّ رَجُلاً أَعْرَجَ صَعِدَ الْجَبَلَ، قَالَ هَمَّامٌ: وَأرَاهُ آخَرَ مَعَهُ، فَأَخْبَرَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُمْ قَدْ لَقُوا رَبَّهُمْ فَرَضِيَ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ؛ فَكُنَّا نَقْرَأُ أَنْ بَلِّغُوا قَوْمَنَا أَنْ قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا، ثُمَّ نُسِخَ بَعْدُ، فَدَعَا عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا؛ عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَبَنِي لِحْيَانَ وَبَنِي عُصَيَّةَ الَّذِينَ عَصَوُا اللَّهَ وَرَسُولَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".

( باب) فضل ( من ينكب في سبيل الله) بضم أوله وفتح ثالثه وآخره موحدة أي من أدمي عضو منه أو أعم وفي بعض النسخ تنكب على وزن تفعل.

وبه قال: ( حدّثنا حفص بن عمر الحوضي) بفتح الحاء المهملة وسكون الواو وبالضاد المعجمة نسبة إلى حوض داود محلة ببغداد وسقط الحوضي لأبي ذر قال: ( حدّثنا همام) بفتح الهاء وتشديد الميم الأولى ابن يحيى البصري ( عن إسحاق) بن عبد الله بن أبي طلحة ( عن أنس -رضي الله عنه-) أنه ( قال: بعث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أقوامًا من بني سليم إلى بني عامر في سبعين) وهم المشهورون بالقرّاء لأنهم كانوا أكثر قراءة من غيرهم، وسليم: بضم السين المهملة وفتح اللام وسكون التحتية وقد وهم الدمياطي هذه الرواية بأن بني سليم مبعوث إليهم والمبعوث هم القرّاء وهم من الأنصار، وقال ابن حجر: التحقيق أن المبعوث إليهم بنو عامر وأما بنو سليم فغدروا بالقرّاء المذكورين، والوهم في هذا السياق من حفص بن عمر شيخ البخاري، فقد أخرجه هو في المغازي عن موسى بن إسماعيل عن
همام فقال: بعث أخًا لأم سليم في سبعين راكب وكان رئيس المشركين عامر بن الطفيل الحديث.

فلعل الأصل بعث أقوامًا معهم أخو أم سليم إلى بني عامر فصارت من بني سليم.
( فلما قدموا) بئر معونة ( قال لهم خالي) : حرام بن ملحان ( أتقدمكم) ، أي إلى بني سليم ( فإن أمنوني) بتشديد الميم ( حتى أبلّغهم) بضم الهمزة وفتح الموحدة وتشديد اللام المكسورة ( عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه يدعوهم إلى الإيمان ( وإلاّ) أي وإن لم يؤمنوني ( كنتم مني قريبًا، فتقدم) إليهم ( فأمنوه فبينما) بالميم هو ( يحدّثهم) أي يحدّث بني سليم ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذ أومؤوا) جواب بينما أي أشاروا وفي رواية أومئ بضم الهمزة وكسر الميم أي أشير ( إلى رجل منهم) هو عامر بن الطفيل ( فطعنه) برمح ( فأنفذه) بالفاء والذال المعجمة في جنبه حتى خرج من الشق الآخر ( فقال) : أي حرام المطعون ( الله أكبر فزت) بالشهادة ( ورب الكعبة ثم مالوا على بقية أصحابه) أي أصحاب حرام ( فقتلوهم إلا رجلاً أعرج) بالنصب، وهذا الرجل هو كعب بن يزيد الأنصاري وهو من بني أمية كما عند الإسماعيلي، ولأبي ذر: رجل أعرج بالرفع، وقال الكرماني: وفي بعضها يكتب بدون ألف على اللغة الربيعية ( صعد الجبل.
قال همام)
: الراوي ( فأراه) بضم الهمزة بعد الفاء ولأبي ذر وأراه بالواو أي أظنه ( آخر معه) هو عمرو بن أمية الضمري ( فأخبر جبريل عليه الصلاة والسلام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنهم قد لقوا ربهم فرضي عنهم وأرضاهم فكنا نقرأ) أي في جملة القرآن ( أن بلغوا قومنا أن قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا ثم نسخ) لفظه ( بعد) من التلاوة.

وهاهنا تنبيه وهو: هل يجوز بعد نسخ تلاوة الآية أن يمسها المحدّث ويقرأها الجنب؟ قال الآمدي: تردد فيه الأصوليون والأشبه المنع من ذلك، وكلام السهيلي يقتضي خلاف ذلك فإنه قال: إن هذا المذكور ليس عليه رونق الإعجاز، إنه لم ينزل بهذا النظم ولكن بنظم معجز كنظم القرآن، فإن قيل: إنه خبر فلا ينسخ؟ قلنا: لم ينسخ منه الخبر وإنما نسخ منه الحكم فإن حكم القرآن أن يتلى في الصلاة وأن لا يمسه إلا طاهر وأن يكتب بين الدفتين وأن يكون تعلمه فرض كفاية وكل ما نسخ رفعت منه هذه الأحكام وإن بقي محفوظًا فهو منسوخ، فإن تضمن حكمًا جاز أن يبقى ذلك الحكم معمولاً به اهـ.

وزاد ابن جرير من طريق عمر بن يونس عن عكرمة عن إسحاق بن أبي طلحة عن أنس وأنزل الله: { ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتًا بل أحياء عند ربهم يرزقون} [آل عمران: 169] ( فدعا عليهم) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( أربعين صباحًا) في القنوت ( على رعل) بكسر الراء وسكون العين المهملة آخره لام مجرور بدل من عليهم بإعادة العامل ورعل هم بطن من بني سليم ( وذكوان) بفتح المعجمة وسكون الكاف ( وبني لحيان) بكسر اللام وسكون الحاء المهملة ( وبني عصية) بضم العين وفتح الصاد المهملتين وتشديد الياء التحتية ( الذين عصوا الله ورسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسيأتي في أواخر الجهاد إن شاء الله تعالى أنه دعا على أحياء من بني سليم حيث قتلوا القراء.
قال في الفتح: وهو أصرح في المقصود.




[ قــ :674 ... غــ : 80 ]
- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ جُنْدُبِ بْنِ سُفْيَانَ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ فِي بَعْضِ الْمَشَاهِدِ قَدْ دَمِيَتْ إِصْبَعُهُ فَقَالَ: هَلْ أَنْتِ إِلاَّ إِصْبَعٌ دَمِيتِ، وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا لَقِيتِ".
[الحديث 80 - طرفه في: 6146] .

وبه قال: ( حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري قال: ( حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري ( عن الأسود بن قيس) ولأبي ذر هو ابن قيس ( عن جندب بن سفيان) بضم الجيم وسكون النون وفتح الدال وضمها ابن عبد الله بن سفيان -رضي الله عنه- ( أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان في بعض المشاهد) أي أمكنة الشهادة قيل كان في غزوة أُحُد ( وقد دميت أصبعه) بفتح الدال أي جرحت أصبعه فظهر منها الدم ( فقال) : مخاطبًا لها لما توجعت على سبيل الاستعارة أو حقيقة على سبيل المعجزة تسلية لها:
( هل أنتِ إلا أصبع دميت) بفتح الدال وسكون التحتية وكسر الفوقية صفة للأصبع والمستثنى فيه أعم عام الصفة لم ما أنت بأصبع موصوفة بشيء إلا بأن دميت فتثبتي فإنك ما ابتليت بشيء من الهلاك أو القطع إلا أنك دميت ولم يكن ذلك هدرًا ( و) لكنه ( في سبيل الله) ورضاه ( ما لقيت) .

بسكون التحتية وكسر الفوقية، ولغير أبي ذر: دميت لقيت بسكون الفوقية، وهذا مما تعلق به الملحدون في الطعن فقالوا: هذا شعر نطق به، والقرآن ينفي عنه أن يكون شاعرًا وأجيب بأنه رجز والرجز ليس بشعر على مذهب الأخفش وإنما يقال لصاحبه فلان الراجز لا الشاعر إذ الشعر لا يكون إلا بيتًا تامًّا مقفى على أحد أنواع العروض المشهورة وبأن الشعر لا بدّ فيه من قصد ذلك فما لم يكن مصدره عن نيّة له وروية فيه وإنما هو اتفاق كلام يقع موزونًا ليس منه فالمنفي صنعة الشاعرية لا غير.

وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الأدب ومسلم في المغازي والترمذي في التفسير والنسائي في اليوم والليلة.