فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب قول الله تعالى: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا} [الأحزاب: 23]

باب قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ:
{ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} [الأحزاب: 23] .

( باب قول الله تعالى) ولأبي ذر: عز وجل: ( { من المؤمنين رجال} ) مبتدأ وخبره مقدّم ( { صدقوا ما عاهدوا الله عليه} ) أوّل ما خرجوا إلى أحد لا يولون الأدبار وقال مقاتل ليلة العقبة: من الثبات مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والمقاتلة لإعلاء الدين من صدقني إذ قال لي الصدق فإن المعاهد إذا أوفى بعهده
فقد صدق فيه ( { فمنهم من قضى نحبه} ) أي نذره بأن قاتل حتى استشهد كأنس بن النضر وطلحة والنحب النذر استعير للموت لأنه كنذر لازم في رقبة كل حيوان ( { ومنهم من ينتظر} ) الشهادة كعثمان ( { وما بدلوا} ) العهد ولا غيروه ( { تبديلاً} ) [الأحزاب: 23] بل استمروا على ما عاهدوا الله عليه وما نقضوه كفعل المنافقين الذين قالوا إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلاّ فرارًا وقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار.


[ قــ :2677 ... غــ : 2805 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الْخُزَاعِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسًا ح.
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ حَدَّثَنَا زِيَادٌ قَالَ: حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "غَابَ عَمِّي أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ عَنْ قِتَالِ بَدْرٍ: فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، غِبْتُ عَنْ أَوَّلِ قِتَالٍ قَاتَلْتَ الْمُشْرِكِينَ، لَئِنِ اللَّهُ أَشْهَدَنِي قِتَالَ الْمُشْرِكِينَ لَيَرَيَنَّ اللَّهُ مَا أَصْنَعُ.
فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ وَانْكَشَفَ الْمُسْلِمُونَ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلاَءِ، يَعْنِي أَصْحَابَهُ، وَأَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلاَءِ، يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ.
ثُمَّ تَقَدَّمَ فَاسْتَقْبَلَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، فَقَالَ: يَا سَعْدُ بْنَ مُعَاذٍ، الْجَنَّةَ وَرَبِّ النَّضْرِ، إِنِّي أَجِدُ رِيحَهَا مِنْ دُونِ أُحُدٍ.
قَالَ سَعْدٌ: فَمَا اسْتَطَعْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا صَنَعَ.
قَالَ أَنَسٌ: فَوَجَدْنَا بِهِ بِضْعًا وَثَمَانِينَ ضَرْبَةً بِالسَّيْفِ أَوْ طَعْنَةً بِرُمْحٍ أَوْ رَمْيَةً بِسَهْمٍ، وَوَجَدْنَاهُ قَدْ قُتِلَ وَقَدْ مَثَّلَ بِهِ الْمُشْرِكُونَ، فَمَا عَرَفَهُ أَحَدٌ إِلاَّ أُخْتُهُ بِبَنَانِهِ.
قَالَ أَنَسٌ: كُنَّا نَرَى -أَوْ نَظُنُّ- أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِ وَفِي أَشْبَاهِهِ: { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} إِلَى آخِرِ الآيَةِ".
[الحديث 2805 - طرفاه في: 4048، 4783] .

وبه قال: ( حدّثنا محمد بن سعيد) بكسر العين ( الخزاعي) بضم الخاء المعجمة وتخفيف الزاي وبالعين المهملة البصري الملقب بمردويه قال: ( حدّثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي بالسين المهملة ( عن حميد) الطويل ( قال: سألت أنسًا) .

( حدّثنا) ولأبي ذر قال: وحدّثني بالإفراد، وفي نسخة ح لتحويل السند: وحدّثنا ( عمرو بن زرارة) بفتح العين وسكون الميم وزرارة بضم الزاي وتخفيف الراءين بينهما ألف ابن واقد الهلالي قال: ( حدّثنا زياد) بكسر الزاي وتخفيف التحتية ابن عبد الله العامري البكائي ( قال: حدّثني) بالإفراد ( حميد الطويل عن أنس -رضي الله عنه-) أنه ( قال: غاب عمي أنس بن النضر) بالنون والضاد المعجمة ( عن قتال بدر فقال: يا رسول الله: غبت عن أوّل قتال قاتلت المشركين) لأن غزوة بدر هي أولى غزوة غرّاها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكانت في السنة الثانية من الهجرة ( لئن الله أشهدني) أي أحضرني ( قتال المشركين ليرين الله) بنون التوكيد الثقيلة واللام جواب القسم المقدّر ولأبي ذر عن المستملي ليراني الله بألف بعد الراء وتحتية بعد النون المكسورة المخففة ( ما أصنع فلما كان يوم أُحُد) برفع يوم على أنه فاعل بكان التامة وفي الفرع وأصله يوم بالنصب أيضًا على الظرفية أي يوم قتال أُحُد أو أطلق اليوم
وأراد الواقعة فهو إضمار أو مجاز قاله الكرماني ( وانكشف المسلمون) ، وفي رواية الإسماعيلي: وانهزم الناس وهو معنى انكشف ( قال) أنس بن النضر: ( اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء يعني أصحابه) المسلمين من الفرار ( وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء يعني المشركين) من القتال فاعتذر عن الأولياء وتبرأ عن الأعداء مع أنه لم يرض الأمرين جميعًا ( ثم تقدم) نحو المشركين ( فاستقبله) أي استقبل أنس بن النضر ( سعد بن معاذ) بضم الميم آخره ذال معجمة وزاد في مسند الطيالسي من طريق ثابت عن أنس منهزمًا ( فقال: يا سعد بن معاذ) أريد ( الجنة ورب النضر) أي والده ( إني أجد ريحها) أي ريح الجنة حقيقة أو وجد ريحًا طيبة ذكره طيبها بطيب ريح الجنة ( من دون أحد) أي عنده ( قال سعد) : هو ابن معاذ ( فما استطعت يا رسول الله ما صنع) من إقدامه ولا صنيعه في المشركين من القتل مع أني شجاع كامل القوّة، ولا ما وقع له من الصبر بحيث وجد في جسده ما يزيد على الثمانين من ضربة وطعنة ورمية، كما ( قال أنس) هو ابن مالك ( فوجدنا به) أي بابن النضر ( بضعًا) بكسر الموحدة وقد تفتح ( وثمانين ضربة بالسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم) قال العيني: وكلمة أو في الموضعين للتنويع وفي رواية عبد الله بن بكر عن حميد عند الحرث بن أبي أسامة.
قال أنس: فوجدناه بين القتلى ( ووجدناه قد قتل وقد مثّل به المشركون) بفتح الميم وتشديد المثلثة من المثلة أي قطعوا أعضاءه من أنف وأُذن وغيرهما ( فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه) بإصبعه أو بطرف إصبعه ( قال أنس) : هو ابن مالك ( كنا نرى) بضم النون ( أو نظن) شك من الراوي وهما بمعنى واحد ( أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه: { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه} [الأحزاب: 23] إلى آخر الأية) .




[ قــ :678 ... غــ : 806 ]
- وَقَالَ: "إِنَّ أُخْتَهُ -وَهْيَ تُسَمَّى الرُّبَيِّعَ- كَسَرَتْ ثَنِيَّةَ امْرَأَةٍ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْقِصَاصِ، فَقَالَ أَنَسٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لاَ تُكْسَرُ ثَنِيَّتُهَا.
فَرَضُوا بِالأَرْشِ وَتَرَكُوا الْقِصَاصَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ".

( وقال: إن أخته-) أي أخت أنس بن النضر وهي عمة أنس بن مالك ( وهي تسمى الربيع-) بضم الراء وفتح الموحدة وتشديد التحتية ( كسرت ثنية امرأة) زاد في الصلح فطلبوا الأرش وطلبوا العفو فأبو فأتوا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( فأمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالقصاص، فقال أنس) : هو ابن النضر المستشهد يوم أُحُد ( يا رسول الله، والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنينها) ، قاله توقعًا ورجاءً من فضله تعالى أن يرضى خصمها ليعفو عنها ابتغاء مرضاته ( فرضوا بالأرش) عوضًا عن القصاص ( وتركوا القصاص، فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبرّه) في قسمه وهو ضد الحنث وقصة الربيع هذه سبقت في باب الصلح في الدّية من كتاب الصلح.




[ قــ :679 ... غــ : 807 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ ح.
وحَدَّثَنا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي عَنْ سُلَيْمَانَ أُرَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "نَسَخْتُ الصُّحُفَ فِي الْمَصَاحِفِ فَفَقَدْتُ آيَةً مِنْ سُورَةِ الأَحْزَابِ كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَأُ بِهَا، فَلَمْ أَجِدْهَا إِلاَّ مَعَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيِّ الَّذِي جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَهَادَتَهُ شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ، وَهْوَ .

     قَوْلُهُ : { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} " [الحديث 807 - أطرافه في: 4049، 4679، 4784، 4986، 4988، 4989، 7191، 745] .

وبه قال: ( حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: ( أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة ( عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب.

( وحدّثنا) ولغير أبي ذر حدّثني بالإفراد وإسقاط واو العطف، وفي نسخة ح للتحويل وحدّثني بالإفراد والواو ( إسماعيل) بن أبي أويس ( قال: حدّثني) بالإفراد ( أخي) أبو بكر عبد الحميد ( عن سليمان) بن بلال ( أراه) بضم الهمزة أي أظنه ( عن محمد بن أبي عتيق عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري ( عن خارجة بن زيد) الأنصاري ( أن زيد بن ثابت) الأنصاري ( -رضي الله عنه-) واللفظ لابن أبي عتيق ويأتي لفظ شعيب إن شاء الله تعالى في سورة الأحزاب ( قال: نسخت الصحف في المصاحف ففقدت) بفتح القاف ( آية من سورة الأحزاب) وسقط لأبي ذر سورة ( كنت أسمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرأ بها فلم أجدها إلا مع خزيمة بن ثابت الأنصاري الذي جعل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شهادته شهادة رجلين) خصوصية له -رضي الله عنه- لما كلم عليه الصلاة والسلام رجلاً في شيء فأنكره فقال خزيمة: أنا أشهد فقال عليه الصلاة والسلام: "أتشهد ولم تستشهد" فقال: نحن نصدقك على خبر السماء فكيف بهذا فأمضى شهادته وجعلها بشهادتين وقال لا تعد ( وهو قوله) تعالى: ( { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه} ) [الأحزاب: 3] .

واستشكل كونه أثبتها في المصحف بقول واحد أو اثنين إذ شرط كونه قرآنًا التواتر.
وأجيب: بأنه كان متواترًا عندهم ولذا قال: كنت أسمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرأ بها، وقد روي أن عمر - رضي الله عنه- قال: أشهد لسمعتها من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وكذا عن أُبي بن كعب وهلال بن أمية فهؤلاء جماعة.

وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في التفسير وفي فضائل القرآن والترمذي والنسائي في التفسير هذا.