فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب مسح الغبار عن الرأس في سبيل الله

باب مَسْحِ الْغُبَارِ عَنِ الرأسِ فِي سَبِيلِ الله
( باب) عدم كراهة ( مسح الغبار عن الناس في السبيل) كذا في عدة نسخ مقابلة على اليونينية وفي بعض الأصول عن الرأس في سبيل الله، وقيل: إن التعبير بالناس تصحيف.
قال العيني.
ولا وجه لدعوى التصحيف لأنه إذا لم يكره مسح الغبار عن رأس من هو فى سبيل الله فكذلك مسح غيرها.


[ قــ :2684 ... غــ : 2812 ]
- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ لَهُ وَلِعَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: ائْتِيَا أَبَا سَعِيدٍ فَاسْمَعَا مِنْ حَدِيثِهِ.
فَأَتَيْنَاهُ وَهُوَ وَأَخُوهُ فِي حَائِطٍ لَهُمَا يَسْقِيَانِهِ، فَلَمَّا رَآنَا جَاءَ فَاحْتَبَى وَجَلَسَ فَقَالَ: "كُنَّا نَنْقُلُ لَبِنَ الْمَسْجِدِ لَبِنَةً لَبِنَةً، وَكَانَ عَمَّارٌ يَنْقُلُ لَبِنَتَيْنِ لَبِنَتَيْنِ، فَمَرَّ بِهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَسَحَ عَنْ رَأْسِهِ الْغُبَارَ.

     وَقَالَ : وَيْحَ عَمَّارٍ تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ، عَمَّارٌ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ».

وبه قال: ( حدّثنا إبراهيم بن موسى) الرازي الصغير قال: ( أخبرنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي قال: ( حدّثنا خالد) الحذاء ( عن عكرمة أن ابن عباس) -رضي الله عنهما- ( قال له) أي لعكرمة ( ولعلي) أي ولابنه عليّ ( بن عبد الله) بن عباس أبي الحسن العابد ( ائتيا أبا سعيد) الخدري -رضي الله عنه- ( فاسمعا من حديثه فأتيناه) ولأبي ذر عن الكشميهني فأتيا ( وهو وأخوه) أي من الرضاعة وليس لأبي سعيد أخ شقيق ولا أخ من أبيه ولا من أمه إلا قتادة بن النعمان، ولا يصح أن يكون هو فإن عليّ بن عبد الله بن عباس ولد في آخر خلافة عليّ ومات قتادة بن النعمان، قبل ذلك في أواخر خلافة عمر.
( في حائط) أي بستان ( لهما يسقيانه، فلما رآنا) أبو سعيد ( جاء) فأخذ رداءه ( فاحتبى وجلس فقال: كنا ننقل لبن المسجد) بفتح اللام وكسر الموحدة طوبه النيء المتخذ لعمارته ( لبنة لبنة) مرتين ( وكان عمار) هو ابن ياسر ( ينقل لبنتين لبنتين) ذرهما مرتين كلبنة ( فمرّ به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومسح عن رأسه الغبار وقال) : ( ويح عمار تقتله الفئة الباغية) ، هم أهل الشام، وسقط لأبي ذر قوله تقتله الفئة الباغية، وفي البزار أن أبا سعيد هذا الساقط عند أبي ذر من أصحابه لا من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( عمار يدعوهم) أي يدعو عمار الفئة الباغية وهم أصحاب معاوية الذين قتلوه في وقعة صفين ( إلى) طاعة ( الله) إذ طاعة عليّ الإمام إذ ذاك من طاعة الله وقال ابن بطال: يريد والله أعلم أهل مكة الذين أخرجوا عمارًا من دياره وعذبوه في ذات الله قال: ولا يمكن أن يتأوّل ذلك على المسلمين لأنهم أجابوا دعوة الله تعالى، وإنما يدعى إلى الله من كان خارجًا عن الإسلام ( ويدعونه) أي الفئة الباغية أو أهل مكة ( إلى) سبب ( النار) لكنهم معذورون للتأويل الذي ظهر لهم لأنهم كانوا مجتهدين ظانين أنهم يدعونه إلى الجنة وإن كان في نفس الأمر بخلاف ذلك فلا لوم عليهم في اتباع ظنونهم الناشئة عن الاجتهاد، وإذ قلنا المراد
أهل مكة وأنهم دعوه إلى الرجوع إلى الكفر، وأن هذا كان أول الإسلام فلم قال: يدعوهم بلفظ المستقبل فيكون قد عبّر بالمستقبل موضع الماضي كما يقع التعبير بالماضي موضع المستقبل فمعنى يدعوهم دعاهم إلى الله فأشار عليه الصلاة والسلام إلى ذكر هذا لما طابقت شدّته في نقله لبنتين شدّته في صبره بمكة على العذاب تنبيهًا على فضيلته وثباته في أمر الله قاله ابن بطال.

والأول هو ظاهر السياق لا سيما مع قوله: تقتله الفئة الباغية، ولا يصح أن يقال: إن مراده الخوارج الذين بعث عليّ عمارًا يدعوهم إلى الجماعة لأن الخوارج إنما خرجوا على عليّ بعد قتل عمار بلا خلاف، فإن ابتداء أمر الخوارج كان عقب التحكيم، وكان عقب انتهاء القتال بصفّين، وكان قتل عمار قبل ذلك قطعًا، لكن ابن بطال تأدب حيث لم يتعرض لذكر صفين إبعادًا لأهلها عن نسبة البغي إليهم وفيما تقدم من الاعتذار عنهم بكونهم مجتهدين والمجتهد إذا أخطأ له أجر ما يكفي عن هذا التأويل البعيد.

وهذا الحديث قد مرّ في باب التعاون في بناء المسجد من كتاب الصلاة.