فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب الحراسة في الغزو في سبيل الله

باب الْحِرَاسَةِ فِي الْغَزْوِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ

[ قــ :2757 ... غــ : 2885 ]
- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ خَلِيلٍ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- تَقُولُ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَهِرَ، فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ قَالَ: لَيْتَ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِي صَالِحًا يَحْرُسُنِي اللَّيْلَةَ، إِذْ سَمِعْنَا صَوْتَ سِلاَحٍ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: أَنَا سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ جِئْتُ لأَحْرُسَكَ.
فَنَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".
[الحديث 2885 - طرفه في: 7231] .

( باب) فضل ( الحراسة) بكسر الحاء الحفظ ( في الغزو في سبيل الله) .

وبه قال: ( حدّثنا إسماعيل بن خليل) الخزاز بمعجمات الكوفي قال: ( أخبرنا علي بن مسهر) بضم الميم وسكون المهملة وكسر الهاء القرشي الكوفي قاضي الموصل قال: ( أخبرنا يحيى بن سعيد) الأنصاري قال: ( أخبرنا عبد الله بن عامر بن ربيعة) القرشي العنزي ( قال: سمعت عائشة -رضي الله عنها- تقول: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سهر) بفتح السين المهملة وكسر الهاء ( فلما قدم المدينة) بعد زمان السهر ( قال) :
( ليت رجلاً من أصحابي صالحًا) صفة لرجلاً ( يحرسني الليلة) ، وعند مسلم من طريق الليث عن يحيى بن سعيد سهر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مقدمه المدينة ليلة فقال: ليت رجلاً صالحًا إلخ.
وظاهره أن السهر والقول معًا كانا بعد قدومه المدينة بخلاف رواية الباب فإن ظاهرها أن السهر كان قبل القدوم والقول بعده وهو محمول على التقديم والتأخير أي سمعت عائشة تقول لما قدم سهر وقال: ليت.
ويؤيده رواية النسائي كان رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أول ما قدم المدينة سهر وليس المراد بقدومه المدينة أول قدومه إليها من الهجرة لأن عائشة إذ ذاك لم تكن عنده ( إذ سمعنا صوت سلاح، فقال) عليه الصلاة
والسلام: ( من هذا) ؟ ( فقال: أنا سعد بن أبي وقاص جئت لأحرسك) وفي رواية مسلم المذكورة فقال: وقع في نفسي خوف على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فجئت أحرسه فدعا له رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( ونام) ولأبي ذر فنام ( النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) .
زاد المؤلّف في التمني من طريق سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد حتى سمعنا غطيطه، وفي الترمذي من طريق عبد الله بن شقيق عن عائشة قالت: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحرس حتى نزلت هذه الآية { والله يعصمك من الناس} [المائدة: 67] إسناده حسن لكنه اختلف في وصله وإرساله وهو يقتضي أنه لم يحرس بعد ذلك بناءً على سبق نزول الآية، لكن ورد في عدة أخبار أنه حرس في بدر وأُحُد والخندق ورجوعه من خيبر وفي وادي القرى وعمرة القضية وفي حنين فكأن الآية نزلت متراخية عن وقعة حنين.

ويؤيده ما في المعجم الصغير للطبراني عن أبي سعيد كان العباس فيمن يحرس النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلما نزلت هذه الآية ترك والعباس إنما لازمه بعد فتح مكة فيحمل على أنها نزلت بعد حنين، وحديث حراسته ليلة حنين أخرجه أبو داود والنسائي وقد تتبع بعضهم أسماء من حرسه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فجمع منهم سعد بن معاذ ومحمد بن مسلمة والزبير وأبا أيوب وذكوان بن عبد قيس والأدرع السلمي وابن الأدرع اسمه محجن، ويقال سلمة وعباد بن بشر والعباس وأبا ريحانة.

وفي الباب أحاديث كحديث عثمان مرفوعًا: حرس ليلة في سبيل الله خير من ألف ليلة يقام ليلها ويصام نهارها.
رواه الحاكم وصححه ابن ماجه.
وحديث أنس مرفوعًا عند ابن ماجه أيضًا: حرس ليلة في سبيل الله أفضل من صيام رجل وقيامه في أهله ألف سنة السنة ثلاثمائة يوم اليوم كألف سنة، لكن قال المنذري: ويشبه أن يكون موضوعًا وحديث ابن عمر مرفوعًا.
"ألا أنبئكم بليلة أفضل من ليلة القدر حارس حرس في أرض خوف لعله أن لا يرجع إلى أهله" أخرجه الحاكم وقال: على شرط البخاري.




[ قــ :758 ... غــ : 886 ]
- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ عَنْ أَبِي حَصِينٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ وَالْقَطِيفَةِ وَالْخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ» لَمْ يَرْفَعْهُ إِسْرَائِيلُ ومحمدُ بنُ جُحادةَ عَنْ أَبِي حَصِينٍ.
[الحديث 886 - طرفاه في: 887، 6435] .

وبه قال: ( حدّثنا يحيى بن يوسف) بن أبي كريمة أبو يوسف الزمي بكسر الزاي وتشديد الميم الخراساني نزيل بغداد قال: ( أخبرنا أبو بكر) الحناط بالنون المقبري وزاد أبو ذر يعني ابن عياش بتشديد التحتية وبعد الألف شين معجمة ( عن أبي حصين) بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين عثمان بن عاصم الأسدي ( عن أبي صالح) ذكوان السمان الزيات ( عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) .
أنه ( قال) :
( تعس) بفتح الفوقية وكسر العين المهملة وتفتح بعدها سين مهملة انكب على وجهه أو بعد أو هلك أو شقي ( عبد الدينار و) عبد ( الدرهم و) عبد ( القطيفة) بفتح القاف وكسر الطاء دثار ( و) عبد ( الخميصة) .
بفتح الخاء المعجمة وكسر الميم كساء أسود مربّع له أعلام وخطوط يعني إن طلب ذلك قد استبعده وصار عمله كله في طلبها كالعبادة لها فهو مجاز عن حرصه عليه وتحمله الذل لأجله ( إن أعطي) بضم أوله وكسر ثالثه أي إن أعطي ما له عمل ( رضي) عن خالقه ( وإن لم يعط لم يرض) بما قدر له فصح أنه عبد في طلب ذلك فوجب الدعاء عليه بالتعس لأنه أوقف عمله على متاع الدنيا الفاني وترك النعيم الباقي ( لم يرفعه) أي لم يرفع الحديث ( إسرائيل) بن يونس ( ومحمد بن جحادة) بضم الجيم وفتح الحاء المهملة المخففة وبعد الألف دال مهملة كلاهما ( عن أبي حصين) عثمان الأسدي بل وقفاه عليه وسقط لغير أبي ذر ومحمد بن جحادة قال البخاري.




[ قــ :758 ... غــ : 887 ]
- وَزَادَنَا عَمْرٌو قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ: إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ، وَإِذَا شِيكَ فَلاَ انْتَقَشَ.
طُوبَى لِعَبْدٍ آخِذٍ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَشْعَثٍ رَأْسُهُ مُغْبَرَّةٍ قَدَمَاهُ، إِنْ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي السَّاقَةِ كَانَ فِي السَّاقَةِ.
إِنِ اسْتَأْذَنَ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ، وَإِنْ شَفَعَ لَمْ يُشَفَّعْ».

( وزادنا عمرو) بفتح العين وسكون الميم ابن مرزوق أحد مشايخه وفي نسخة وزاد لنا عمرو ( قال: أخبرنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن أبيه عن أبي صالح) ذكوان ( عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال) :
( تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة) : لم يقل وعبد القطيفة ( إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط) ، بكسر الخاء المعجمة بدل قوله في الأولى لم يرض والذي زاده عمر وهو قوله ( تعس وانتكس) ، بالسين المهملة أي عاوده المرض كما بدأ به أو انقلب على رأسه وهو دعاء عليه بالخيبة لأن من انتكس فقد خاب وخسر ( وإذا شيك) بكسر الشين المعجمة وبعد التحتية الساكنة كاف أصابته شوكة ( فلا انتقش) .
بالقاف والشين المعجمة أي فلا خرجت شوكته بالمنقاش يقال: نقشت الشوك إذا استخرجته ( طوبى) اسم الجنة أو شجرة فيها ( لعبد آخذ) بمدّ الهمزة وبعد الخاء المعجمة المكسورة ذال معجمة اسم فاعل من الأخذ مجرور صفة لعبد فيمتنع من السعي للدينار والدرهم ( بعنان فرسه) بكسر العين أي لجامها في الجهاد ( في سبيل الله، أشعث) بالمثلثة مجرور بالفتحة لمنعه من الصرف على أنه صفة للمجرور من قوله طوبى لعبد ( رأسه) بالرفع فاعل، ولأبي ذر: أشعث بالرفع.
قال في الفتح: على أنه صفة الرأس أي رأسه أشعث، وتعقبه في العمدة فقال: لا يصح عند المعربين والرأس فاعل وكيف يكون صفته والصفة لا تتقدم على الموصوف، والتقدير الذي قدّره يؤدّي إلى إلغاء قوله رأسه بعد قوله أشعث انتهى.

والظاهر أنه خبر لمبتدأ محذوف تقديره وهو أشعث ( مغبرة قدماه) بسكون الغين وتشديد الراء وإعرابه مثل أشعث رأسه.
وقال الطيبي في شرح المشكاة: أشعث رأسه ومغبرة قدماه حالان من العبد لأنه موصوف ( إن كان في الحراسة) أي حراسة العدو خوفًا من هجومه ( كان في الحراسة) ، وهي مقدمة الجيش ( وإن كان في الساقة) مؤخر الجيش ( كان في الساقة) .
وفي اتحاد الشرط والجزاء دلالة على فخامة الجزاء وكمالها أي فهو في أمر عظيم فهو نحو فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله.
وقال ابن الجوزي: المعنى أنه خامل الذكر لا يقصد السموّ فأيّ موضع اتفق له كان فيه فمن لازم هذه الطريقة كان حرِيًّا ( إن استأذن لم يؤذن له، وإن شفع) أي عند الناس ( لم يشفع) .
بتشديد الفاء المفتوحة أي لم تقبل شفاعته.

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: لَمْ يَرْفَعْهُ إِسْرَائِيلُ وَمُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ عَنْ أَبِي حَصِينٍ.
.

     وَقَالَ : "تَعْسًا"، فكَأَنَّهُ يَقُولُ: فَأَتْعَسَهُمُ اللَّهُ.
"طُوبَى": فُعْلَى مِنْ كُلِّ شَىْءٍ طَيِّبٍ وَهْيَ يَاءٌ حُوِّلَتْ إِلَى الْوَاوِ، وَهْيَ مِنْ يَطِيبُ.

( قال أبو عبد الله) البخاري: ( لم يرفعه إسرائيل ومحمد بن جحادة عن أبي حصين) وسبق هذا قريبًا وهو ساقط في رواية أبي ذر ( وقال ( تعسًا) ) لفظ القرآن فتعسًا لهم ( كأنه يقول: فأتعسهم الله) .
وأما ( طوبى) ، فهي ( فعلى) بضم الفاء وسكون العين وفتح اللام ( من كل شيء طيب وهي ياء) في الأصل أي طيبى بطاء مضمومة فياء ساكنة ثم ( حوّلت) أي الياء ( إلى الواو) ، لانضمام ما قبلها ( وهي من يطيب) .
بفتح أوله وكسر ثانيه.
قال في الفتح إن قوله فتعسًا إلخ في رواية المستملي وحده وهو على عادة البخاري في شرح اللفظة التي توافق ما في القرآن.

والحديث أخرجه أيضًا في الرقاق وابن ماجه في الزهد.