فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب التحريض على الرمي

باب التَّحْرِيضِ عَلَى الرَّمْيِ،
وَقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60]
( باب التحريض على الرمي) بالسهام.
( وقول الله تعالى) بالجر عطفًا على التحريض، ولأبي ذر عز وجل بدل قوله تعالى: ( { وأعدّوا} ) أيها المؤمنون ( { لهم} ) لناقضي العهد أو الكفار ( { ما استطعتم من قوّة} ) من كل ما يتقوى به في الحرب، وفي حديث مسلم عن عقبة بن عامر مرفوعًا { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة} "ألا أن القوة الرمي" قالها ثلاثًا.
وخصّه عليه الصلاة والسلام بالذكر لأنه أقواه.
قاله البيضاوي كالزمخشري، وتعقبه الطيبي بأن تفسير النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- القوة بالرمي يخالف ما ذكره ولأن ما في قوله تعالى: { ما استطعتم} موصوله والعائد محذوف ومن قوة بيان له فالمراد بها نفس القوة وفي هذا البيان والمبين إشارة إلى أن هذه العادة لا تستثبت بدون المعالجة والإدمان الطويل وليس شيء من عدة الحرب وأداتها أحوج إلى المعالجة والإدمان عليها مثل القوس والرمي بها ولذلك كرر عليه الصلاة والسلام تفسير القوة بالرمي ( { ومن رباط الخيل} ) أي التي تربط في سبيل الله تعالى فعال
بمعنى مفعول وعطفها على القوة من عطف الخاص على العام كعطف جبريل وميكائيل على الملائكة ( { ترهبون به} ) تخوّفون به ( { عدوّ الله وعدوّكم} ) [الأنفال: 60] .
يعني كفار مكة.


[ قــ :2771 ... غــ : 2899 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ سَلَمَةَ بْنَ الأَكْوَعِ -رضي الله عنه- قَالَ: "مَرَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَسْلَمَ يَنْتَضِلُونَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ، فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا، ارْمُوا وَأَنَا مَعَ بَنِي فُلاَنٍ.
قَالَ: فَأَمْسَكَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ بِأَيْدِيهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَا لَكُمْ لاَ تَرْمُونَ؟ قَالُوا: كَيْفَ نَرْمِي وَأَنْتَ مَعَهُمْ؟ فقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ارْمُوا فَأَنَا مَعَكُمْ كُلِّكُمْ".
[الحديث 2899 - طرفاه في: 3373، 3507] .

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي قال: ( حدّثنا حاتم بن إسماعيل) بالحاء المهملة بعدها ألف ففوقية الكوفي ( عن يزيد بن أبي عبيد) بضم العين مصغرًا من غير إضافة مولى سلمة بن الأكوع أنه ( قال: سمعت سلمة بن الأكوع) اسم الأكوع سنان بن عبد الله الأسلمي ( -رضي الله عنه- قال: مرّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على نفر) عدة من رجال من ثلاثة إلى عشرة ( من أسلم) القبيلة المشهورة وهي بلفظ أفعل التفضيل من السلامة حال كونهم ( ينتضلون) بالضاد المعجمة أي يترامون والنضال الرمي مع الأصحاب.
قال الجوهري: يقال ناضلت فلانًا فنضلته إذا غلبته وانتضل القوم تناضلوا أي رموا للسبق ( فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( ارموا بني إسماعيل) أي يا بني إسماعيل بن إبراهيم الخليل وهو أبو العرب، ففيه كما قال الخطابي أن أهل اليمن من ولده أو أراد بنوّة القوة لأنهم رموا مثل رميه، ورجح على الأول لما سيأتي إن شاء الله تعالى في مناقب قريش ( فإن أباكم) إسماعيل عليه الصلاة والسلام ( كان راميًا ارموا وأنا مع بني فلان) وفي حديث أبي هريرة عند ابن حبان في صحيحه "ارموا وأنا مع ابن الأدرع" واسمه محجن كما عند الطبراني وقيل اسمه كما عند ابن مندة قال والأدرع لقب واسمه ذكوان ( قال: فأمسك أحد الفريقين بأيديهم) من الرمي والباء في بأيديهم زائدة في المفعول ( فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) : ( ما لكم لا ترمون) ( قالوا: كيف نرمي وأنت معهم) ؟ ذكر ابن إسحاق في المغازي عن سفيان ابن قرة الأسلمي عن أشياخ من قومه من الصحابة قال: بينا محجن بن الأدرع يناضل رجلاً من أسلم يقال له: نضلة، الحديث.
وفيه فقال نضلة وألقى قوسه من يده والله لا أرمي معه وأنت معه وفيه فقال نضلة: لا يغلب من كنت معه ( قال) ولأبي ذر: فقال ( النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) : ( ارموا فأنا) بالفاء ( معكم كلكم) بجر اللام تأكيدًا للضمير المجرور.

واستشكل كونه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع الفريقين وأحدهما مغلوب، وأجاب الكرماني: بأن المراد بالمعية معية القصد إلى الخير وإصلاح النية والتدرب فيه للقتال.

وهذا الحديث أخرجه أيضًا في أحاديث الأنبياء ومناقب قريش.




[ قــ :77 ... غــ : 900 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْغَسِيلِ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ بَدْرٍ حِينَ صَفَفْنَا لِقُرَيْشٍ وَصَفُّوا لَنَا: «إِذَا أَكْثَبُوكُمْ فَعَلَيْكُمْ بِالنَّبْلِ».
[الحديث 900 - طرفاه في: 3984، 3985] .

وبه قال: ( حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: ( حدّثنا عبد الرحمن بن الغسيل) هو عبد الرحمن بن سليمان بن عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة الأنصاري المدني ( عن حمزة ابن أبي أسيد) بضم الهمزة وفتح السين المهملة وسكون التحتية ولأبي ذر في نسخة: أسيد بفتح الهمزة وكسر المهملة وقد حكى البغوي الخلاف في فتح الهمزة، وقال الداودي عن ابن معين الضم أصوب الأنصاري الساعدي ( عن أبيه) أبي أسيد مالك بن ربيعة بن البدن بفتح الموحدة والمهملة بعدها نون شهد بدرًا وأُحدًا وما بعدها وهو آخر البدريين موتًا -رضي الله عنه- أنه ( قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم بدر حين صففنا لقريش وصفّوا لنا) :
( إذا أكثبوكم) بهمزة مفتوحة فكاف ساكنة فمثلثة مفتوحة فموحدة مضمومة أي إذا دنوا منكم وقاربوكم قربًا نسيبًا بحيث تنالهم السهام لا قربًا تلتحمون معهم به ( فعليكم) أن ترموهم ( بالنبل) بفتح النون وسكون الموحدة جمع نبلة وهي السهام العربية اللطاف والهمزة في أكثبوكم لتعدية كثب ولذلك عدّاها إلى ضميرهم، وفي رواية أبي ذر: أكتبوكم بالمثناة الفوقية بدل المثلثة والكتيبة بالمثناة القطعة العظيمة من الجيش والجمع الكتائب ولعل الداودي شرح على هذه الرواية فقال المعنى كاثروكم فليتأمل.

وإنما أمرهم بالرمي عند القرب لأنهم إذا رموهم على بُعد قد لا يصل إليهم ويذهب في غير منفعة وإلى ذلك الإشارة بقوله في رواية أبي داود: استبقوا نبلكم وليس المراد الدنوّ الذي لا يليق به إلا المطاعنة بالرماح والمضاربة بالسيوف كما لا يخفى.