فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب ما قيل في درع النبي صلى الله عليه وسلم، والقميص في الحرب

باب مَا قِيلَ فِي دِرْعِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْقَمِيصِ فِي الْحَرْبِ.

     وَقَالَ  النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَمَّا خَالِدٌ فَقَدِ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
( باب ما قيل في درع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من أي شيء كانت ( و) بيان حكم ( القميص في الحرب، وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) : فيما وصله المؤلّف في الزكاة ( أما خالد) هو ابن الوليد ( فقد احتبس أدراعه) أي وقفها ( في سبيل الله) والأدراع جمع درع بكسر الدال المهملة وهي الزردية.


[ قــ :2787 ... غــ : 2915 ]
- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ فِي قُبَّةٍ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَنْشُدُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ.
اللَّهُمَّ إِنْ شِئْتَ لَمْ تُعْبَدْ بَعْدَ الْيَوْمِ.
فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ بِيَدِهِ فَقَالَ: حَسْبُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَدْ أَلْحَحْتَ عَلَى رَبِّكَ.
وَهْوَ فِي الدِّرْعِ، فَخَرَجَ وَهْوَ يَقُولُ: { سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ * بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} .

وَقَالَ وُهَيْبٌ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ "يَوْمَ بَدْرٍ".
[الحديث 2915 - أطرافه في: 3953، 4875، 4877] .

وبه قال: ( حدّثنا) بالإفراد ( محمد بن المثنى) الزمن العنزي قال: ( حدّثنا عبد الوهاب) ابن عبد المجيد الثقفي قال: ( حدّثنا خالد الحذاء عن عكرمة) مولى ابن عباس ( عن ابن عباس رضي الله عنهما) أنه ( قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يوم غزوة بدر ( وهو في قبة) كالخيمة من بيوت العرب.

( اللهم إني أنشدك) بفتح الهمزة وضم الشين أي أسألك ( عهدك) أي بالنصر لرسلك ( ووعدك) بإحدى الطائفتين وهزم حزب الشيطان ( اللهم إن شئت) هلاك المؤمنين ( لم تعبد بعد اليوم) وهذا تسليم لأمر الله فيما يشاء أن يفعله وفيه رد على المعتزلة القائلين بأن الشر غير مراد الله، وإنما قال ذلك لأنه علم أنه خاتم النبيين فلو هلك ومن معه حينئذٍ لم يبعث أحد ممن يدعو إلى الإيمان وفيه أن نفوس الشر لا يرتفع الخوف عنها والإشفاق جملة واحدة لأنه عليه السلام كان وعد النصر وهو الوعد الذي نشده، ولذا قال تعالى عن موسى عليه السلام حين ألقى السحرة حبالهم وعصيهم فأخبر الله تعالى بعد أن أعلمه أنه ناصره وإنه معهما يسمع ويرى فأوجس في نفسه خيفة موسى، ( فأخذ أبو بكر) الصديق -رضي الله عنه- ( بيده) عليه الصلاة والسلام ( فقال: حسبك) أي يكفيك مناشدتك ( يا رسول الله فقد ألححت على ربك) .
بحاءين مهملتين الأولى مفتوحة والأخرى ساكنة داومت على الدعاء أو بالغت وأطلت فيه ( وهو في الدرع) ، جملة حالية وهي موضع الترجمة، ( فخرج) عليه السلام لما علم أنه استجيب له لما وجد أبو بكر في نفسه من القوة والطمأنينة ( وهو يقول: { سيهزم
الجمع}
)
أي سيفرق شملهم ( { ويولون الدبر} ) [القمر: 45] أي الأدبار وإفراده لإرادة الجنس أو لأن كل واحد يولي دبره.

وعند ابن أبي حاتم عن عكرمة لما نزلت { سيهزم الجمع ويولون الدبر} قال عمر أيّ جمع يهزم؟ أي جمع يغلب؟ قال عمر: فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يثب في الدرع وهو يقول: { سيهزم الجمع ويولّون الدبر} فعرفت تأويلها يومئذٍ ( { بل الساعة موعدهم} ) أي موعد عذابهم الأصلي وما يحيق بهم في الدنيا فمن طلائعه ( { والساعة أدهى} ) أشدّ والداهية أمر فظيع لا يهتدى لدوائه ( { وأمر} ) [القمر: 46] مذاقًا من عذاب الدنيا.

وهذا الحديث أخرجه أيضًا في المغازي والتفسير والنسائي في التفسير.

( وقاله وهيب) : بضم الواو مصغرًا ابن خالد بن عجلان فيما وصله المؤلّف في سورة القمر ( حدّثنا خالد) الحذاء أي عن عكرمة عن ابن عباس وزاد أن الذي قاله كان ( يوم بدر) .




[ قــ :788 ... غــ : 916 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ بِثَلاَثِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ".
.

     وَقَالَ  يَعْلَى: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ "دِرْعٌ مِنْ حَدِيدٍ".
.

     وَقَالَ  مُعَلًّى: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ.

     وَقَالَ : "رَهَنَهُ دِرْعًا مِنْ حَدِيدٍ".

وبه قال: ( حدّثنا محمد بن كثير) العبدي البصري قال: ( أخبرنا سفيان) بن عيينة ( عن الأعمش) سليمان بن مهران ( عن إبراهيم) النخعي ( عن الأسود) بن يزيد ( عن عائشة -رضي الله عنها) أنها ( قالت) : ( توفي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ودرعه) ذات الفضول ( مرهونة عند يهودي) يسمى بأبي الشحم ( بثلاثين صاعًا) أي في مقابلة ثلاثين صاعًا ( من شعير) فالباء للمقابلة.

( وقال يعلى) : بفتح أوله وثالثه بوزن يرضى ابن عبيد الطنافسي الكوفي مما سبق موصولاً في الرهن في السلام ( حدّثنا الأعمش) أي في روايته عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة وزاد فقال: إنه ( درع من حديد) .

( وقال معلى) : بضم الميم وفتح العين المهملة وتشديد اللام المفتوحة ابن أسد العمي البصري فيما وصله في الاستقراض ( حدّثنا عبد الواحد) بن زياد البصري قال: ( حدّثنا الأعمش) سليمان أي عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة ( وقال) : فيه أيضًا ( رهنه درعًا من حديد) .




[ قــ :789 ... غــ : 917 ]
- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَثَلُ الْبَخِيلِ وَالْمُتَصَدِّقِ مَثَلُ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُبَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ قَدِ اضْطَرَّتْ أَيْدِيَهُمَا إِلَى تَرَاقِيهِمَا، فَكُلَّمَا هَمَّ الْمُتَصَدِّقُ بِصَدَقَتِهِ اتَّسَعَتْ عَلَيْهِ حَتَّى تُعَفِّيَ أَثَرَهُ، وَكُلَّمَا
هَمَّ الْبَخِيلُ بِالصَّدَقَةِ انْقَبَضَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ إِلَى صَاحِبَتِهَا وَتَقَلَّصَتْ عَلَيْهِ وَانْضَمَّتْ يَدَاهُ إِلَى تَرَاقِيهِ.
فَسَمِعَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: فَيَجْتَهِدُ أَنْ يُوَسِّعَهَا فَلاَ تَتَّسِعُ".

وبه قال: ( حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري قال: ( حدّثنا وهيب) بضم الواو مصغرًا ابن خالد قال: ( حدّثنا ابن طاوس) عبد الله ( عن أبيه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال) :
( مثل البخيل والمتصدق مثل) وفي الزكاة ( كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد) بضم الجيم وتشديد الموحدة ( قد اضطرت) ألجئت ( أيديهما إلى تراقيهما) جمع ترقوة وهي العظم الكبير الذي بين ثغرة النحر والعاتق وهما ترقوتان من الجانبين وخصهما بالذكر لأنهما عند الصدر وهو مسكن القلب وهو يأمر الأمر وينهاه ( فكلما همَّ المتصدّق بصدقته) ولأبي ذر عن الكشميهني: بصدقة ( اتسعت عليه حتى تعفي أثره) بضم الفوقية وسكون العين وفي الفرع وأصله بفتح العين وتشديد الفاء أي تمحو الجبة أثر مشيه لسبوغها ومراده أن الصدقة تستر خطايا المتصدق كما يستر الثوب الذي يجر على الأرض أثر مشي لابسه بمرور الذيل عليه ( وكلما همَّ البخيل بالصدقة انقبضت كل حلقة) بسكون اللام من الجبة ( إلى صاحبتها وتقلصت) أي انزوت ( عليه وانضمت يداه إلى تراقيه) والمعنى أن البخيل إذا حدّث نفسه بالصدقة شحت نفسه وضاق صدره وانقبضت يداه ( فسمع) أي أبو هريرة ( النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول) : ( فيجتهد أن يوسعها) أي الجبة ( فلا تتّسع) .

قال الكرماني فإن قلت: مجموع الحديث سمعه أبو هريرة من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فما وجه اختصاصه بالكلمة الأخيرة؟ وأجاب: بأن لفظ يقول يدل على الاستمرار والتكرار فلعله عليه السلام كررها دون أخواتها.

ومطابقة الحديث للترجمة في قوله جبتان فإنه روي بالباء الموحدة وهو المناسب لذكر القميص في الترجمة، وروي بالنون كما عند المؤلّف في باب: مثل المتصدق والبخيل من الزكاة من طريق أبي حنظلة وابن هرمز وهو المناسب للدرع.