فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب من أراد غزوة فورى بغيرها، ومن أحب الخروج يوم الخميس

باب مَنْ أَرَادَ غَزْوَةً فَوَرَّى بِغَيْرِهَا، وَمَنْ أَحَبَّ الْخُرُوجَ يَوْمَ الْخَمِيسِ
هذا ( باب) بيان ( من أراد غزوة فورّى) بتشديد الراء سترها وكنّى عنها ( بغيرها) ، أي بغير تلك الغزوة التي أرادها والتورية أن يذكر لفظًا يحتمل معنيين: أحدهما أقرب من الآخر مثلاً فيسأل عنه وعن طريقه فيفهم السامع بسبب ذلك أنه يقصد المكان القريب، فالمتكلم صادق لكن الخلل وقع من فهم السامع خاصة، وأصله من وراء الإنسان لأن من ورّى بشيء فكأنه جعله وراءه، وقيده السيرافي في شرح سيبويه بالهمزة قال: وأصحاب الحديث يسقطونها اهـ.

وليس ذلك خطأ منهم في الصحاح واريت الشيء أي أخفيته وتوارى هو أي استتر قال: وتقول وريت الخبر تورية إذا سترته وأظهرت غيره، ولا يقال إن كونه مأخوذًا من وراء الإنسان يقتضي أن يكون مهموزًا لأن همزة وراء ليست أصلية وإنما هي منقلبة عن ياء فإذا لوحظ في فعل معنى وراء لم يجز فيه الإتيان بالهمزة لفقدان الموجب لقلبها في الفعل وثبوته في وراء، وهذا مما يقتضي القطع بخطأ من خطأ المحدثين ولا أدري مع هذا كيف يصح كلام السيرافي فتأمله قاله في المصابيح.

( و) بيان ( من أحب الخروج) إلى السفر ( يوم الخميس) .
روي في حديث ضعيف عند الطبراني عن نبيط بن شريط مرفوعًا: ( بورك لأمتي في بكورها يوم الخميس) ولا يلزم من حبه عليه الصلاة والسلام لذلك المواظبة عليه، وقد خرج عليه الصلاة والسلام في بعض أسفاره يوم السبت ولعله كان يحبه أيضًا كما روي: بارك الله لأمتي في سبتها وخميسها.


[ قــ :2816 ... غــ : 2947 ]
- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ -رضي الله عنه-وَكَانَ قَائِدَ كَعْبٍ مِنْ بَنِيهِ- قَالَ: "سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُرِيدُ غَزْوَةً إِلاَّ وَرَّى بِغَيْرِهَا".

وبالسند قال: ( حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة وفتح الكاف قال: ( حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد ( الليث) بن سعد ( عن عقيل) بضم العين وفتح القاف ( عن ابن شهاب) الزهري ( قال: أخبرني) بالإفراد ( عبد الرحمن بن عبد الله) يقال لعبد الله هذا رؤية ( ابن كعب بن مالك) الأنصاري ( أن) أباه ( عبد الله بن كعب) زاد في اليونينية بين الأسطر من غير رقم عليه -رضي الله عنه-
( وكان) أي عبد الله ( قائد كعب) أبيه حين عمي ( من بنيه) عبد الله هذا وأخويه عبيد الله بالتصغير وعبد الرحمن ( قال) : أي عبد الله ( سمعت) أبي ( كعب بن مالك) هو ابن أبي كعب عمرو الشيباني ( حين تخلف عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في غزوة تبوك ( ولم يكن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يريد غزوة إلاّ ورّى بغيرها) لئلا يتفطن العدوّ فيستعد للدفع.




[ قــ :817 ... غــ : 948 ]
- وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ -رضي الله عنه-: يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَلَّمَا يُرِيدُ غَزْوَةً يَغْزُوهَا إِلاَّ وَرَّى بِغَيْرِهَا، حَتَّى كَانَتْ غَزْوَةُ تَبُوكَ فَغَزَاهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَرٍّ شَدِيدٍ، وَاسْتَقْبَلَ سَفَرًا وَمَفَازًا وَاسْتَقْبَلَ غَزْوَ عَدُوٍّ كَثِيرٍ، فَجَلَّى لِلْمُسْلِمِينَ أَمْرَهُمْ لِيَتَأَهَّبُوا أُهْبَةَ عَدُوِّهِمْ، وَأَخْبَرَهُمْ بِوَجْهِهِ الَّذِي يُرِيدُ".

وبه قال: ( وحدّثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا ( أحمد بن محمد) هو ابن موسى المروزي أبو العباس مردويه الكلاباذي السمسار قال: ( أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: ( أخبرنا يونس) بن يزيد ( عن) ابن شهاب ( الزهري قال: أخبرني) بالإفراد ( عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك قال: سمعت) جدي ( كعب بن مالك) اعترضه الدارقطني بأن عبد الرحمن لم يسمع من جده كعب، وإنما سمع من أبيه عبد الله، واستدلّ لذلك بما رواه سويد بن نصر عن ابن المبارك حيث قال عن أبيه عن كعب كما قال الجماعة، لكن جوّز الحافظ ابن حجر سماعه له عن جده كأبيه وثبته فيه أبوه فكان في أكثر الأحوال يرويه عن أبيه عن جدّه، وربما رواه عن جده لكن رواية سويد بن نصر توجب أن يكون الاختلاف فيها على ابن المبارك، وحينئذ فتكون رواية أحمد بن محمد شاذة ولا يترتب على تخريجها كبير تعليل فإن الاعتماد إنما هو على الرواية المتصلة انتهى.

وحمله بعضهم على أن يكون ذكر "ابن" موضع "عن" تصحيفًا من بعض الرواة، فكأنه كان
أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله عن كعب بن مالك ( -رضي الله عنه- يقول: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قلما)
يوصل اللام بالميم وفي نسخة أبي ذر قل ما يفصلها منها ( يريد غزوة يغزوها إلاّ ورّى) بتشديد الراء
أي سترها وكنى عنها ( بغيرها حتى كانت غزوة تبوك) في رجب سنة تسع من الهجرة بتقديم المثناة
الفوقية على المهملة والمشهور في تبوك منع الصرف للعلمية والتأنيث ومن صرفها أراد الموضع ( فغزاها
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حرّ شديد واستقبل سفرًا بعيدًا ومفازًا)
بفتح الفاء والزاي البرية التي بين المدينة
وتبوك سميت مفازًا تفاؤلاً بالفوز، وإلاّ فهي مهلكة كما قالوا للديغ سليم، ( واستقبل غزو عدوّ كثير فجلا) قال الزركشي وابن حجر والدماميني وغيرهم: بالجيم وتشديد اللام زاد ابن حجر فقال: ويجوز تخفيفها.
وقال العيني: بتخفيف اللام وضبطه الدمياطي في حديث سعد في المغازي بالتشديد وهو خطأ أي أظهر ( للمسلمين أمرهم) بالجمع ولأبي ذر عن الحموي أمره ( ليتأهبوا أهبة عدوّهم) أي
ليكونوا على أهبة يلاقون بها عدوّهم ويعتدّوا لذلك ( وأخبرهم بوجهه الذي يريد) أي بجهته التي يريدها وهي جهة تبوك.




[ قــ :818 ... غــ : 949 ]
- وَعَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ -رضي الله عنه- كَانَ يَقُولُ: "لَقَلَّمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْرُجُ إِذَا خَرَجَ فِي سَفَرٍ إِلاَّ يَوْمَ الْخَمِيسِ".

( و) بالسند السابق عن ابن المبارك ( عن يونس) بن يزيد ( عن) ابن شهاب ( الزهري قال: أخبرني) بالإفراد ( عبد الرحمن) عم عبد الرحمن بن عبد الله ( بن كعب بن مالك -رضي الله عنه- أن كعب بن مالك كان يقول: لقلما كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخرج) في يوم من الأيام ( إذا خرج في سفر إلا يوم الخميس) فإن أكثر خروجه في السفر فيه، وقد وهم من زعم أن هذا الحديث معلق.




[ قــ :819 ... غــ : 950 ]
- حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا هِشَامٌ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ -رضي الله عنه- "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ يَوْمَ الْخَمِيسِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يَخْرُجَ يَوْمَ الْخَمِيسِ".

وبه قال: ( حدّثني) وفي بعض النسخ: حدّثنا ( عبد الله بن محمد) المسندي بفتح النون قال: ( حدّثنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني قال: ( أخبرنا معمر) هو ابن راشد ( عن) ابن شهاب ( الزهري عن عبد الرحمن) أخي عبد الله ( بن كعب بن مالك عن أبيه) كعب بن مالك ( -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خرج يوم الخميس) من المدينة ( في غزوة تبوك وكان يحب أن يخرج) في السفر جهاد أو غيره ( يوم الخميس) .

والمطابقة بين الأحاديث والترجمة ظاهرة، وحاصل ما سبق في أسانيدها أن الزهري سمع من عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب كما في الحديثين الأولين ومن عمه عبد الرحمن بن كعب كما في باقيها.
وكذا روى أيضًا عن أبيه عبد الله بن كعب نفسه، وكذا عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب عن عمه عبيد الله بن كعب بالتصغير.