فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب: إذا حرق المشرك المسلم هل يحرق

باب إِذَا حَرَّقَ الْمُشْرِكُ الْمُسْلِمَ هَلْ يُحَرَّقُ؟
هذا ( باب) بالتنوين ( إذا حرق المشرك) الرجل ( المسلم هل يحرق) ؟ هذا المشرك جزاء لفعله.


[ قــ :2884 ... غــ : 3018 ]
- حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- "أَنَّ رَهْطًا مِنْ عُكْلٍ ثَمَانِيَةً قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاجْتَوَوُا الْمَدِينَةَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْغِنَا رِسْلاً، قَالَ: مَا أَجِدُ لَكُمْ إِلاَّ أَنْ تَلْحَقُوا بِالذَّوْدِ، فَانْطَلَقُوا فَشَرِبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا حَتَّى صَحُّوا وَسَمِنُوا، وَقَتَلُوا الرَّاعِيَ وَاسْتَاقُوا الذَّوْدَ، وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ، فَأَتَى الصَّرِيخُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،
فَبَعَثَ الطَّلَبَ، فَمَا تَرَجَّلَ النَّهَارُ حَتَّى أُتِيَ بِهِمْ فَقَطَّعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ ثُمَّ أَمَرَ بِمَسَامِيرَ فَأُحْمِيَتْ فَكَحَلَهُمْ بِهَا وَطَرَحَهُمْ بِالْحَرَّةِ يَسْتَسْقُونَ فَمَا يُسْقَوْنَ حَتَّى مَاتُوا".

قَالَ أَبُو قِلاَبَةَ: قَتَلُوا وَسَرَقُوا وَحَارَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَسَعَوْا فِي الأَرْضِ فَسَادًا.

وبه قال: ( حدّثنا معلى) بضم الميم وتشديد اللام المفتوحة ولغير أبي ذر ابن أسد قال: ( حدّثنا وهيب) بضم الواو وفتح الهاء ابن خالد ( عن أيوب) السختياني ( عن أبي قلابة) بكسر القاف عبد الله بن زيد الجرمي ( عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رهطًا من عكل) بضم العين وسكون الكاف قبيلة معروفة ( ثمانية) نصب بدلاً من رهطًا أو بيانًا له ( قدموا على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاجتووا المدينة) بالجيم الساكنة وفتح المثناة والواو الأولى من الاجتواء أي كرهوا الإقامة بها أو لم يوافقهم طعامها ( فقالوا: يا رسول الله ابغنا رسلاً) بكسر الراء وسكون السين المهملة أي اطلب لنا لبنًا ( قال) : ولأبي ذر: فقال:
( ما أجد لكم إلا أن تلحقوا بالذود) بفتح الذال المعجمة آخره مهملة من بين الثلاث إلى العشرة من الإبل ( فانطلقوا فشربوا من أبوالها وألبانها حتى صحّوا وسمنوا) وللإسماعيلي من رواية ثابت ورجعت إليهم ألوانهم ( وقتلوا الراعي) يسارًا غلامه عليه الصلاة والسلام ( واستاقوا الذود) افتعال من السوق وهو السير العنيف ( وكفروا بعد إسلامهم فأتى الصريخ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بالصاد المهملة والخاء المعجمة فعيل بمعنى فاعل أي صوت المستغيث ( فبعث) عليه الصلاة والسلام ( الطلب) في آثارهم، وفي حديث سلمة بن الأكوع خيلاً من المسلمين أميرهم كرز بن جابر الفهري، ولمسلم من رواية معاوية بن قرّة عن أنس أنهم شباب من الأنصار قريب من عشرين رجلاً وبعث معهم قائفًا يقتص آثارهم ( فما ترجل النهار) بالجيم أي ارتفع ( حتى أُتي بهم) بضم الهمزة وكسر المثناة الفوقية إليه عليه الصلاة والسلام ( فقطع أيديهم وأرجلهم) بتشديد الطاء في اليونينية أي أمر بها فقطعت وظاهره أنه قطع يدي كل واحد ورجليه لكن يردّه رواية الترمذي من خِلاف وللمؤلّف من رواية الأوزاعي لم يحسمهم أي لم يكوِ ما قطع منهم بالنار لينقطع الدم بل تركهم ينزفون ( ثم أمر) عليه الصلاة والسلام ( بمسامير فأُحميت) بضم الهمزة رباعيًا وهو المعروف في اللغة ( فكحلهم بها) بالتخفيف أي أمر بذلك، وفي رواية: فأكحلوا بهمزة مضمومة وكسر الحاء وإنما فعل ذلك بهم لما في رواية التيمي أنهم كانوا فعلوا بالرعاء مثل ذلك وعليه ينزل تبويب البخاري ولولا ذلك لم تكن ثمّ مناسبة، وقيل: إنه منسوخ بآية المائدة: { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله} [المائدة: 33] الآية.
قاله الشافعي.
( وطرحهم بالحرة) بالحاء والراء المهملتين أرض ذات حجارة سود معروفة بالمدينة ( يستسقون فما يسقون حتى ماتوا) .

استشكل بأن الإجماع كما قاله القاضي أن من وجب قتله فاستسقى يسقى.
وأجيب: بأنه ليس في الحديث ما يدل على أنه أمر بذلك ولا أذن فيه أو أنهم بارتدادهم لم تكن لهم حرمة، ولذلك
قال أصحابنا: من معه ماء يحتاج إليه لعطش وهناك مرتدّ لو لم يسقه مات يتوضأ به ولا يسقيه بخلاف الذمي والبهيمة.

( قال أبو قلابة) بن عبد الله ( قتلوا وسرقوا) لأنهم أخذوا اللقاح من حرز مثلها وهذا أخذه أبو قلابة استنباطًا لكنه نوزع فيه بأن هذه ليست سرقة وإنما هي حرابة.
( وحاربوا الله ورسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وسعوا في الأرض فسادًا) .



باب
هذا ( باب) بالتنوين من غير ترجمة وهو كالفضل من سابقه.


[ قــ :885 ... غــ : 3019 ]
- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «قَرَصَتْ نَمْلَةٌ نَبِيًّا مِنَ الأَنْبِيَاءِ، فَأَمَرَ بِقَرْيَةِ النَّمْلِ فَأُحْرِقَتْ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنْ قَرَصَتْكَ نَمْلَةٌ أَحْرَقْتَ أُمَّةً مِنَ الأُمَمِ تُسَبِّحُ».
[الحديث 3019 - طرفه في: 3319] .

وبه قال: ( حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة وفتح الكاف قال: ( حدّثنا الليث) بن سعد ( عن يونس) بن يزيد الأيلي ( من ابن شهاب) الزهري ( عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة) بن عبد الرحمن ( أن أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول) :
( قرصت) بفتح القاف والراء والصاد المهملتين أي لدغت ( نملة نبيًّا من الأنبياء) هو عزير.
وعند الترمذي الحكيم أنه موسى ( فأمر بقرية النمل) موضع اجتمعاهن ( فأحرقت) بتاء التأنيث أي القرية، ولأبي ذر: فأحرق أي النمل لجواز التعذيب بالنار وإحراق النمل قصاصًا وهو غير مكلف في شرعه، واستدلّ به على جواز حرق الحيوان المؤذي لأن شرع من قبلنا شرع لنا إذا لم يأتِ في شرعنا ما يرفعه.
نعم ورد فيه النهي عن التعذيب بالنار إلا في القصاص بشرطه، وكذا لا يجوز عندنا قتل النمل لحديث ابن عباس في السُّنن: "أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عن قتل النملة والنحلة".

( فأوحى الله إليه) إلى ذلك النبي ( أن قرصتك نملة) بفتح الهمزة وبهمزة الاستفهام مقدرة أو ملفوظ بها ( أحرقت أمة من الأمم تسبح الله) تعالى في بدء الخلق فهلا نملة واحدة أي فهلا أحرقت نملة واحدة وهي التي آذتك بخلاف غيرها فلم يصدر منها جناية وفيه إشارة إلى أنه لو أحرق التي قرصته لما عوتب وقيل لم يقع عليه العتب في أصل القتل ولا في الإحراق بل في الزيادة على النملة الواحدة وهو يدل لجوازه في شرعه، وتعقب بأنه لو كان كذلك لم يعاتب أصلاً ورأسًا أو أنه من باب حسنات الأبرار سيئات المقربين.
وقد روي أن لهذه القصة سببًا وهو أن هذا النبي مرّ على قرية أهلكها الله بذنوب أهلها فوقف متعجبًا فقال: يا رب كان فيهم صبيان ودواب ومن لم يقترف ذنبًا ثم
نزل تحت شجرة فجرت له هذه القصة فنبهه الله على أن الجنس المؤذي يقتل وإن لم يؤذِ وتقتل أولاده وإن لم تبلغ الأذى، والحاصل أنه لم يعاتبه إنكارًا لما فعل بل جوابًا له وإيضاحًا لحكمة شمول الإهلاك لجميع أهل تلك القرية فضرب له المثل بذلك أي إذا اختلط من يستحق الإهلاك بغيره وتعين إهلاك الجميع طريقًا إلى إهلاك المستحق جاز إهلاك الجميع.

وهذا الحديث أخرجه مسلم في الحيوان وأبو داود في الأدب والنسائي في الصيد وابن ماجه.