فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب إذا نزل العدو على حكم رجل

باب إِذَا نَزَلَ الْعَدُوُّ عَلَى حُكْمِ رَجُلٍ
هذا ( باب) بالتنوين ( إذا نزل العدوّ) من المشركين ( على حكم رجل) من المسلمين ينفذ إذا أجازه الإمام.


[ قــ :2907 ... غــ : 3043 ]
- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ هُوَ ابْنُ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: "لَمَّا نَزَلَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ عَلَى حُكْمِ سَعْدٍ هُوَ ابْنُ مُعَاذٍ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-وَكَانَ قَرِيبًا مِنْهُ- فَجَاءَ عَلَى حِمَارٍ، فَلَمَّا دَنَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ، فَجَاءَ فَجَلَسَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لَهُ: إِنَّ هَؤُلاَءِ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِكَ.
قَالَ: فَإِنِّي أَحْكُمُ أَنْ تُقْتَلَ الْمُقَاتِلَةُ، وَأَنْ تُسْبَى الذُّرِّيَّةُ.
قَالَ: لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ الْمَلِكِ".
[الحديث 3043 - أطرافه في: 3804، 4121، 6262] .

وبه قال: ( حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: ( حدّثنا شعبة) بن الحجاج ( عن سعد بن إبراهيم) بن عبد الرحمن بن عوف القرشي المدني ( عن أبي أمامة) بضم الهمزة وفتح الميمين بينهما ألف سعد ( هو ابن سهل بن حنيف) بضم الحاء المهملة وفتح النون مصغرًا الأنصاري ( عن أبي سعيد) سعد بن مالك بن سنان ( الخدري) الأنصاري ( -رضي الله عنه-) أنه ( قال: لما نزلت بنو قريظة) القبيلة المشهورة من اليهود من قلعتهم ( على حكم سعد) هو ابن معاذ، وكان عليه الصلاة والسلام فيما ذكره ابن إسحاق قد حاصرهم خمسًا وعشرين ليلة وقذف الله في قلوبهم الرعب فأذعنوا أن ينزلوا على حكم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فحكم فيهم سعد بن معاذ وكان قد رمي في غزوة الخندق بسهم قطع منه الأكحل فلما نزلت على حكمه ( بعث رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي في طلبه ( وكان) سعد ( قريبًا منه) لأنه عليه الصلاة والسلام قد جعله في خيمة رفيدة الأسلمية ليعوده من قريب في مرضه الذي أصابه
من تلك الرمية ( فجاء) ومعه قومه من الأنصار ( على حمار) وقد وطؤوا له بوسادة من أدم وأحاطوا به في طريقهم يقولون له أحسن في مواليك فقال لهم: لقد آن لسعد أن لا تأخذه في الله لومة لائم وكان رجلاً جسيمًا ( فلما دنا) أي قرب من رسول الله ( قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( قوموا إلى سيدكم) فقاموا إليه وأنزلوه ( فجاء) سعد ( فجلس إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال له) عليه الصلاة والسلام: ( إن هؤلاء) اليهود من بني قريظة ( نزلوا على حكمك) فيهم ( قال) سعد ( فإني أحكم) فيهم ( أن تقتل) الطائفة ( المقاتلة) منهم وهم الرجال ( وأن تسبى الذرية) أي النساء والصبيان ( قال) عليه السلام: ( لقد حكمت فيهم بحكم الملك) بكسر اللام أي بحكم الله.
ونقل القاضي عياض أن بعضهم ضبطه في البخاري بكسر اللام وفتحها فإن صح الفتح فالمراد به جبريل يعني بالحكم الذي جاء به الملك عن الله، وعورض بأنه لم ينقل نزول ملك في ذلك بشيء ولو نزل بشيء اتبع وترك الاجتهاد، وبأنه ورد في بعض ألفاظ الصحيح قضيت بحكم الله.
نعم ورد في غير البخاري مما ذكره بعضهم أنه قال في حكم سعد بذلك طرقني الملك سحرًا.
قال ابن المنير: ويستفاد من هذا الحديث لزوم حكم المحكم برضا الخصمين سواء كان في أمور الحرب أو غيرها وهو رد على الخوارج الذين أنكروا التحكيم على عليّ -رضي الله عنه-، وفيه أيضًا تصحيح القول بأن المصيب واحد أن المجتهد ربما أخطأ ولا حرج عليه ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: "لقد حكمت بحكم الملك" فدل ذلك على أن حكم الله في الواقعة متقرر فمن أصابه فقد أصاب الحق ولولا ذلك لم يكن لسعد مزية في الصواب لا يقال كانت المسألة قطعية والمسائل القطعية لله فيها حكم واحد لأنّا نقول: بل كانت اجتهادية ظنية، ولهذا كان رأي الأنصار أن يعفى عن اليهود خلافًا لسعد وما كان الأنصار ليتفق أكثرهم على خلاف الصواب قطعًا، وفيه جواز الاجتهاد في زمنه عليه الصلاة والسلام وبحضرته فكيف بعد وفاته؟ وفيه أنه يسوغ للإمام الأعظم إذا كانت له حكومة في نفسه أن يولي نائبًا يحكم بينه وبين خصمه للضرورة وينفذ ذلك على خصمه إذا كان عدلاً ولا يقدح فيه أنه حكم له وهو نائبه نقله في المصابيح.

وهذا الحديث أخرجه أيضًا في فضائل سعد والاستئذان والمغازي ومسلم في المغازي، وأبو داود في الأدب، والنسائي في المناقب والسِّيَر والفضائل.