فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب: هل يستأسر الرجل ومن لم يستأسر، ومن ركع ركعتين عند القتل

باب هَلْ يَسْتَأْسِرُ الرَّجُلُ؟ وَمَنْ لَمْ يَسْتَأْسِرْ، وَمَنْ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ عِنْدَ الْقَتْلِ
هذا ( باب) بالتنوين ( هل يستأسر الرجل) ؟ أي هل يسلم نفسه للأسر أم لا؟ ( و) بيان حكم ( من لم يستأسر) لم لم يسلم نفسه للأسر ( ومن ركع) ولأبي ذر: من صلّى ( ركعتين عند القتل) .


[ قــ :2909 ... غــ : 3045 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ أَسِيدِ بْنِ جَارِيَةَ الثَّقَفِيُّ -وَهْوَ حَلِيفٌ لِبَنِي زُهْرَةَ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ- أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَشَرَةَ رَهْطٍ سَرِيَّةً عَيْنًا، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيَّ -جَدَّ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ- فَانْطَلَقُوا، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالْهَدَأَةِ -وَهْوَ بَيْنَ عُسْفَانَ وَمَكَّةَ- ذُكِرُوا لِحَىٍّ مِنْ هُذَيْلٍ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو لِحْيَانَ، فَنَفَرُوا لَهُمْ قَرِيبًا مِنْ مِائَتَىْ رَجُلٍ كُلُّهُمْ رَامٍ، فَاقْتَصُّوا آثَارَهُمْ حَتَّى وَجَدُوا مَأْكَلَهُمْ تَمْرًا تَزَوَّدُوهُ مِنَ الْمَدِينَةِ، فَقَالُوا: هَذَا تَمْرُ يَثْرِبَ، فَاقْتَصُّوا
آثَارَهُمْ، فَلَمَّا رَآهُمْ عَاصِمٌ وَأَصْحَابُهُ لَجَؤوا إِلَى فَدْفَدٍ، وَأَحَاطَ بِهِمُ الْقَوْمُ، فَقَالُوا لَهُمُ: انْزِلُوا وَأَعْطُونَا بِأَيْدِيكُمْ، وَلَكُمُ الْعَهْدُ وَالْمِيثَاقُ وَلاَ نَقْتُلُ مِنْكُمْ أَحَدًا.
فَقَالَ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ أَمِيرُ السَّرِيَّةِ: أَمَّا أَنَا فَوَاللَّهِ لاَ أَنْزِلُ الْيَوْمَ فِي ذِمَّةِ كَافِرٍ، اللَّهُمَّ أَخْبِرْ عَنَّا نَبِيَّكَ، فَرَمَوْهُمْ بِالنَّبْلِ، فَقَتَلُوا عَاصِمًا فِي سَبْعَةٍ.
فَنَزَلَ إِلَيْهِمْ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ بِالْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ، مِنْهُمْ خُبَيْبٌ الأَنْصَارِيُّ وَابْنُ دَثِنَةَ وَرَجُلٌ آخَرُ، فَلَمَّا اسْتَمْكَنُوا مِنْهُمْ أَطْلَقُوا أَوْتَارَ قِسِيِّهِمْ فَأَوْثَقُوهُمْ، فَقَالَ الرَّجُلُ الثَّالِثُ: هَذَا أَوَّلُ الْغَدْرِ، وَاللَّهِ لاَ أَصْحَبُهُمْ، إِنَّ لِي في هَؤُلاَءِ لأُسْوَةً -يُرِيدُ الْقَتْلَى- وجَرَّرُوهُ وَعَالَجُوهُ عَلَى أَنْ يَصْحَبَهُمْ فَأَبَى فَقَتَلُوهُ، فَانْطَلَقُوا بِخُبَيْبٍ وَابْنِ دَثِنَةَ حَتَّى بَاعُوهُمَا بِمَكَّةَ بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ، فَابْتَاعَ خُبَيْبًا بَنُو الْحَارِثِ بْنِ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَكَانَ خُبَيْبٌ هُوَ قَتَلَ الْحَارِثَ بْنَ عَامِرٍ يَوْمَ بَدْرٍ، فَلَبِثَ خُبَيْبٌ عِنْدَهُمْ أَسِيرًا فَأَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عِيَاضٍ أَنَّ بِنْتَ الْحَارِثِ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهُمْ حِينَ اجْتَمَعُوا اسْتَعَارَ مِنْهَا مُوسَى يَسْتَحِدُّ بِهَا فَأَعَارَتْهُ، فَأَخَذَ ابْنًا لِي وَأَنَا غَافِلَةٌ حِينَ أَتَاهُ، قَالَتْ: فَوَجَدْتُهُ مُجْلِسَهُ عَلَى فَخِذِهِ وَالْمُوسَى بِيَدِهِ، فَفَزِعْتُ فَزْعَةً عَرَفَهَا خُبَيْبٌ فِي وَجْهِي، فَقَالَ: تَخْشَيْنَ أَنْ أَقْتُلَهُ؟ مَا كُنْتُ لأَفْعَلَ ذَلِكَ.
وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ أَسِيرًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ خُبَيْبٍ، وَاللَّهِ لَقَدْ وَجَدْتُهُ يَوْمًا يَأْكُلُ مِنْ قِطْفِ عِنَبٍ فِي يَدِهِ وَإِنَّهُ لَمُوثَقٌ فِي الْحَدِيدِ وَمَا بِمَكَّةَ مِنْ ثَمَرٍ.
وَكَانَتْ تَقُولُ إِنَّهُ لَرِزْقٌ مِنَ اللَّهِ رَزَقَهُ خُبَيْبًا.
فَلَمَّا خَرَجُوا مِنَ الْحَرَمِ لِيَقْتُلُوهُ فِي الْحِلِّ قَالَ لَهُمْ خُبَيْبٌ: ذَرُونِي أَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ.
ثُمَّ قَالَ: لَوْلاَ أَنْ تَظُنُّوا أَنَّ مَا بِي جَزَعٌ لَطَوَّلْتُهَا، اللَّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا:
وَلَسْتُ أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا ... عَلَى أَىِّ شِقٍّ كَانَ لِلَّهِ مَصْرَعِي
وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الإِلَهِ، وَإِنْ يَشَأْ ... يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ
فَقَتَلَهُ ابْنُ الْحَارِثِ، فَكَانَ خُبَيْبٌ هُوَ سَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ لِكُلِّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ قُتِلَ صَبْرًا.
فَاسْتَجَابَ اللَّهُ لِعَاصِمِ بْنِ ثَابِتٍ يَوْمَ أُصِيبَ، فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَصْحَابَهُ خَبَرَهُمْ وَمَا أُصِيبُوا، وَبَعَثَ نَاسٌ مِنْ كُفَّارِ قُرَيْشٍ إِلَى عَاصِمٍ حِينَ حُدِّثُوا أَنَّهُ قُتِلَ لِيُؤْتَوْا بِشَىْءٍ مِنْهُ يُعْرَفُ، وَكَانَ قَدْ قَتَلَ رَجُلاً مِنْ عُظَمَائِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ، فَبُعِثَ عَلَى عَاصِمٍ مِثْلُ الظُّلَّةِ مِنَ الدَّبْرِ، فَحَمَتْهُ مِنْ رَسُولِهِمْ، فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى أَنْ يَقْطَعَ مِنْ لَحْمِهِ شَيْئًا".
[الحديث 3045 - أطرافه في: 3989، 4086، 7402] .

وبه قال: ( حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: ( أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة ( عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب ( قال: أخبرني) بالإفراد ( عمرو بن أبي سفيان) بفتح العين وسكون الميم ( ابن أسيد بن جارية) بفتح الهمزة وكسر السين المهملة وجارية بالجيم ( الثقفي وهو حليف لبني زهرة) بضم الزاي وسكون الهاء ( وكان من أصحاب أبي هريرة أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: بعث رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لما قدم عليه بعد أُحُد رهط من عضل والقارة فقالوا: يا رسول الله إن
فينا إسلامًا فابعث معنا نفرًا من أصحابك يفقهوننا ( عشرة رهط) ما دون العشرة من الرجال ولا يكون فيهم امرأة ( سرية) نصب على البيان ( عينًا) أي جاسوسًا وانتصابه بدل من سرية.
وعند ابن إسحاق أنهم كانوا ستة نفر من أصحابه وهم: مرثد بن أبي مرثد الغنوي حليف حمزة بن عبد المطلب، وخالد بن البكير الليثي حليف بني عديّ، وعاصم بن ثابت بن أبي الأقلح، وخبيب بن عدي، وزيد بن الدثنة، وعبد الله بن طارق.
وما في الصحيح أصح وقد عدّ فيهم مغيث بن عبيد البلوي حليف الأنصار ( وأمّر عليهم عاصم بن ثابت) أي ابن أبي الأقلح ( الأنصاري جدّ عاصم بن عمر بن الخطاب) لأمه لأن أم عاصم بن عمر هي بنت عاصم بن ثابت واسمها جميلة بفتح الجيم.
وقال مصعب الزهري: إنما هو خال عاصم لا جدّه لأن عاصم بن عمر بن الخطاب أمه جميلة بنت ثابت بن أبي الأقلح أُخت عاصم بن ثابت وكان اسمها عاصية.
قال الكرماني: وعليه الأكثر وسقط قوله ابن الخطاب لغير أبي ذر، وعند ابن إسحاق وأمّر عليهم مرثد بن أبي مرثد وما في الصحيح أصح.

( فانطلقوا) أي الرهط العشرة ( حتى إذا كانوا بالهدأة) بفتح الهاء وسكون الدال المهملة وفتح الهمزة، ولغير الكشميهني: بالهدأة بفتح الدال وقد تحذف الهمزة ( وهو) موضع ( بين عسفان) بضم العين وسكون السين ( ومكة ذكروا) بضم المعجمة وكسر الكاف مبنيًّا للمفعول ( لحي من هذيل) بضم الهاء وفتح الذال المعجمة ( يقال لهم بنو لحيان) بكسر اللام، وحكى فتحها وسكون الحاء المهملة وهو ابن هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر وعند الدمياطي أنهم بقايا جرهم ( لا فنفروا لهم) بتشديد الفاء وفي اليونينية بتخفيفها أي استنجدوا لأجلهم ( قريبًا) بالنصب على المفعولية، وفي نسخة: فنفروا بتخفيف الفاء قريبًا بالنصب بنزع الخافض، وفي أخرى: فنفروا بالتخفيف أيضًا قريب بالرفع أي خرج إليهم قريب ولأبي الوقت: فنفذوا بذال معجمة بدل الراء ( من مائتي رجل كلهم رامٍ) بالنبل ( فاقتصوا) أي اتبعوا ( آثارهم حتى وجدوا مأكلهم تمرًا) اسم مكان نصب بتقدير الجار على حدّ رميت مرمى زيد وتمرًا نصب مفعول وجدوا ( تزودوه من المدينة) صفة لتمرًا ( فقالوا: هذا تمر يثرب فاقتصوا آثارهم فلما رآهم عاصم) أمير السرية ( وأصحابه لجؤوا) بالجيم أي استندوا ( إلى فدفد) بفاءين مفتوحتين بينهما دال مهملة ساكنة وآخره دال مهملة أيضًا رابية مشرفة ( وأحاط بهم القوم فقالوا لهم: انزلوا وأعطونا) بهمزة قطع ( بأيديكم ولكم العهد والميثاق ولا نقتل منكم أحدًا.
قال)
ولأبي ذر فقال ( عاصم بن ثابت أمير السرية: أما أنا فوالله لا أنزل اليوم في ذمة كافر) أي في عهده ( اللهم أخبر عنّا نبيك) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( فرموهم) أي رمى الكفار المسلمين ( بالنبل) بفتح النون وسكون الموحدة بالسهام العربية ( فقتلوا عاصمًا) أمير السرية ( في) جملة ( سبعة) من العشرة، وعند ابن إسحاق أنهم كانوا ستة نفر كما مر وأنهم قتلوا منهم ثلاثة وأسروا ثلاثة ( فنزل إليهم ثلاثة رهط بالعهد والميثاق منهم: خبيب) بضم الخاء المعجمة وفتح الموحدة الأولى بينهما تحتية ساكنة ابن عدي ( الأنصاري) الأوسي، ( وابن دثنة) بفتح الدال المهملة وكسر المثلثة وفتحها وفتح النون زيد بن معاوية بن عبيد الأنصاري البياضي،
( ورجل آخر) هو عبد الله بن طارق البلوي حليف بني ظفر من الأنصار كما عند ابن هشام في السيرة ( فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيّهم فأوثقوهم) بها ( فقال الرجل الثالث) : وهو عبد الله بن طارق ( هذا أول الغدر والله لا أصحبكم إن في هؤلاء) ولأبي ذر: إن لي في هؤلاء ( الأسوة) بالنصب اسم إن أي اقتداء ( يريد القتلى) عاصمًا والستة ( فجرّروه) بفتح الراء الأولى المشددة ولأبي ذر عن الحموي والمستملي وجرروه بالواو بدل الفاء ( وعالجوه على أن يصحبهم) إلى مكة ( فأبى) أي فامتنع من الرواح معهم ( فقتلوه) بمرّ الظهران فقبره هناك، ( فانطلقوا بخبيب وابن دثنة حتى باعوهما بمكة بعد وقعة بدر) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: وقيعة بدر بكسر القاف ومثناة تحتية ساكنة.
قال الكرماني وقوله بعد وقعة بدر متعلق بقوله بعث رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذ الكل كان بعده إلا البيع فقط أي المذكور في قوله ( فابتاع) أي فاشترى ( خبيبًا بنو الحرث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف) وهم عقبة وأبو سروعة وأخوهما لأمهما حجر بن أبي إهاب، واشترى ابن دثنة صفوان بن أمية بضم الهمزة منهم وقتله بمكة بأبيه كما عند ابن إسحاق ( وكان خبيب هو قتل الحرث بن عامر يوم بدر) فأخّروه عندهم حتى تنقضي الأشهر الحُرم ( فلبث خبيب عندهم أسيرًا) .

قال ابن شهاب الزهري: ( فأخبرني) بالإفراد ( عبيد الله) بضم العين مصغرًا ( ابن عياض) بكسر العين المهملة وتخفيف التحتية وبعد الألف ضاد معجمة القباري من القارة ( أن بنت الحرث) اسمها زينب كما عند خلف في الأطراف ( أخبرته أنهم حين اجتمعوا) أي لقتله ( استعار منها موسى) بعدم الصرف لأنه على وزن فعلى وبه على أنه على وزن مفعل على خلاف بين الصرفيين والذي في اليونينية الصرف ( يستحدّ بها) أي يحلق بها شعر عانته لئلا يظهر عند قتله ( فأعارته) قالت: ( فأخذ) خبيب ( ابنًا لي و) الحال ( أنا غافلة حين أتاه) ولأبي ذر: حتى ( وكان اسم ابنها) هذا أبا الحسين بن الحرث بن عدي بن نوفل بن عبد مناف وهو جد عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي الحسين المكي المحدث من أقران الزهري.
( قالت: فوجدته مجلسه) بضم الميم وسكون الجيم وكسر اللام أي الصبيّ ( على فخذه) بالخاء والذال المعجمة ( و) الحال أن ( الموسى بيده) بيد خبيب ( ففزعت) بكسر الزاي وسكون العين ( فزعة) بفتح الفاء وسكون الزاي ( عرفها خبيب في وجهي فقال: تخشين أن أقتله) بحذف همزة الاستفهام ( ما كنت لأفعل ذلك) وعند ابن سعد: ما كنت لأغدر ( والله) أي: قالت بنت الحرث والله ( ما رأيت أسيرًا قط خيرًا من خبيب، والله لقد وجدته يومًا يأكل من قطف عنب) بكسر القاف وسكون الطاء أي عنقود عنب ( في يده و) الحال ( إنه لموثق) بفتح المثلثة أي لمقيد ( في الحديد و) الحال أن ( ما بمكة من ثمر) بفتح المثلثة والميم ( وكانت تقول: إنه لرزق من الله رزقه خبيبًا) وهذه كرامة جعلها الله تعالى لخبيب آية على الكفار وبرهانًا لنبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وتصحيحًا لرسالته عند الكافرة وأهل بلدها الكفار والكرامة ثابتة للأولياء عند أهل السُّنَّة والفرق بينها وبين المعجزة التحدي كما هو مقرر في موضعه.
( فلما خرجوا) بخبيب ( من الحرم ليقتلوه في الحل قال لهم خبيب: ذروني) أي اتركوني ( اركع ركعتين فتركوه فركع ركعتين) وعند ابن سعد أنه ركعهما في موضع
مسجد التنعيم ( ثم قال: لولا أن تظنوا أن ما بي جزع) أي من القتل ( لطولتها) يعني الصلاة.
وفي نسخة: لطولتهما أي الركعتين وهو جواب لولا.
والظاهر أنه سقط من النسخة التي شرح عليها الكرماني فقدره بنحو: لزدت على ركعتين أو لأطلتهما بعد أن صرح بحذفه ( اللهم أحصهم عددًا) أي عمهم بالهلاك، وزاد موسى بن عقبة: ولا تبق منهم أحدًا واقتلهم بددًا بفتح الموحدة يعني متفرقين فلم يحل الحول ومنهم أحد حيّ وقال خبيب بعد فراغه من الدعاء عليهم: ( ما أبالي) ، ولأبي ذر عن الكشميهني: وما أن أبالي، وله أيضًا عن الحموي والمستملي: ولست أبالي ( حين أقتل مسلمًا -على أيّ شق) بكسر الشين المعجمة وفي المغازي على أي جنب ( كان لله مصرعي) .

أي مطرحي على الأرض.

( وذلك) أي قتلي ( في ذات الإله) أي في وجه الله وطلب ثوابه ( وإن يشأ- يبارك على أوصال شلو) بكسر الشين المعجمة وسكون اللام أي أوصال جسد ( ممزع) بضم الميم الأولى وفتح الثانية والزاي المشددة وبعدها عين مهملة أي مقطع مفرق وهذان البيتان من قصيدة أولها:
لقد جمع الأحزاب حولي وألبوا ... قبائلهم واستجمعوا كل مجمع
وقد قربوا أبناءهم ونساءهم ... وقربت من جذع طويل ممنع
ساقها ابن إسحاق ثلاثة عشر بيتًا تأتي إن شاء الله تعالى في السير بعون الله.

وقال ابن هشام: أكثر أهل العلم بالشعر ينكرها لخبيب ( فقتله ابن الحرث) عقبة بالتنعيم وصلبه ثم، وقيل بل قتله أبو سروعة بكسر السين المهملة وفتحها عقبة بن الحرث بن عامر بن نوفل كما رواه أبو داود الطيالسي وغيره ( فكان خبيب هو سن الركعتين لكل امرئ مسلم قتل صبرًا) أي مصبورًا محبوسًا للقتل، وإنما صار فعل خبيب سنّة لأنه فعل في حياة الشارع -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- واستحسنه، وقد صلّى هاتين الركعتين زيد بن حارثة مولاه عليه الصلاة والسلام في حياته عليه الصلاة والسلام لما أراد رجل قتله كما رويناه من طريق السهيلي بسنده إلى الليث بن سعد بلاغًا عنه ( فاستجاب لعاصم بن ثابت) أمير السرية دعاءه ( يوم أصيب) حيث قال: اللهم أخبر عنا نبيك ( فأخبر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أصحابه خبرهم وما أصيبوا) أي مع ما جرى عليهم ( وبعث ناس من كفار قريش إلى عاصم) أمير السرية ( حين حدثوا) بضم الحاء المهملة وكسر الدال أي حين أخبروا ( أنه قتل ليؤتوا) بفتح التاء ( بشيء منه) نحو رأسه ( يعرف) به ( وكان) أي عاصم ( قد قتل رجلاً من عظمائهم يوم) وقعة ( بدر) وهو عقبة بن أبي معيط ( فبعث على عاصم مثل) بضم الموحدة وكسر العين المهملة مبنيًّا للمفعول ومثل بالرفع نائبًا عن الفاعل، ولأبي ذر عن المستملي: فبعث الله على عاصم مثل نصب على المفعولية ( الظلة) بضم المعجمة وتشديد اللام أي السحابة المظلة ( من الدبر) بفتح الدال المهملة وإسكان الموحدة ذكور النحل أو الزنابير ( فحمته) أي حفظته ( من رسولهم فلم يقدروا على أن يقطع) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: أن يقطعوا ( من لحمه شيئًا) ولأبي ذر عن الكشميهني: فلم يقدر بضم أوله وفتح
ثالثه، ولأبي ذر عن المستملي والكشميهني: أن يقطع بضم أوّله وفتح ثالثه مبنيًّا للمفعول من لحمه شيء بالرفع نائبًا عن الفاعل لأنه كان حلف لا يمس مشركًا ولا يمسه مشرك فبرّ قسمه، وإنما لم يحمه الله تعالى من القتل وحماه من قطع شيء من بدنه لأن القتل موجب للشهادة بخلاف القطع فلا ثواب فيه مع ما فيه من هتك حرمته وذكر أنه لما أنزل بخبيب إذا هو رطب لم يتغير بعد أربعين يومًا ودمه على جرحه وهو يبض دمًا كالمسك.

وهذا الحديث أخرجه أيضًا في التوحيد وفي المغازي وأبو داود في الجهاد والنسائي في السير وفيه الشعر دون الدعاء.