فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب إذا أسلم قوم في دار الحرب، ولهم مال وأرضون، فهي لهم

باب إِذَا أَسْلَمَ قَوْمٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَهُمْ مَالٌ وَأَرَضُونَ فَهْيَ لَهُمْ
هذا ( باب) بالتنوين ( إذا أسلم قوم) من أهل الحرب ( في دار الحرب ولهم مال وأرضون فهي لهم) .


[ قــ :2921 ... غــ : 3058 ]
- حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: "قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ تَنْزِلُ غَدًا -فِي حَجَّتِهِ- قَالَ: وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مَنْزِلاً؟ ثُمَّ قَالَ: نَحْنُ نَازِلُونَ غَدًا بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ الْمُحَصَّبِ حَيْثُ قَاسَمَتْ قُرَيْشٌ عَلَى الْكُفْرِ.
وَذَلِكَ أَنَّ بَنِي كِنَانَةَ حَالَفَتْ قُرَيْشًا عَلَى بَنِي هَاشِمٍ أَنْ لاَ يُبَايِعُوهُمْ وَلاَ يُؤْوُوهُمْ".
قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَالْخَيْفُ الْوَادِي.

وبه قال: ( حدّثنا محمود) هو ابن غيلان قال: ( أخبرنا عبد الرزاق) بن همام، ولأبي ذر وحده كما في الفتح حدّثنا عبد الله هو ابن المبارك بدل أخبرنا عبد الرزاق قال: ( أخبرنا معمر) هو ابن راشد ( عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب ( عن علي بن حسين) بدون تعريف ابن علي زيد العابدين ( عن عمرو بن عثمان بن عفان) الأموي القرشي المدني ( عن أسامة بن زيد) -رضي الله عنهما- أنه ( قال: قلت: يا رسول الله أين تنزل غدًا -في حجته) ؟ حجة الوداع ( قال) :
( وهل ترك لنا عقيل) بفتح العين وكسر القاف ابن أبي طالب ( منزلاً) زاد في باب توريث دور مكة وبيعها وشرائها من كتاب الحج: وكان عقيل ورث أبا طالب هو وطالب ولم يرث جعفر ولا عليّ شيئًا لأنهما كانا مسلمين، وكان عقيل وطالب كافرين أي عند وفاة أبيهما لأن عقيلاً أسلم بعد ذلك.
قيل: ولما كان أبو طالب أكبر ولد عبد المطلب احتوى على أملاكه وحازها وحده على عادة الجاهلية من تقديم الأسن فتسلط عقيل أيضًا بعد الهجرة عليها.
وقال الداودي: باع عقيل ما كان للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولمن هاجر من بني عبد المطلب كما كانوا يفعلون بدور من هاجر من المؤمنين وإذا أجاز عليه الصلاة والسلام لعقيل تصرفه قبل إسلامه فما بعد الإسلام بطريق الأولى.

وبهذا تحصل المطابقة بين الحديث والترجمة.

( ثم قال) عليه الصلاة والسلام: ( نحن نازلون غدًا بخيف بني كنانة) بكسر الكاف وبنونين بينهما ألف ( المحصب) بفتح الصاد بلفظ المفعول من التحصيب عطف بيان أو بدل من الخيف.
وفي الحج من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الغد يوم النحر وهو بمنى "نحن نازلون غدًا بخيف بني كنانة" وفيه تجوّز عن الزمان المستقبل القريب بلفظ الغد كما يتجوّز بالأمس عن الماضي لأن النزول في المحصب إنما يكون في الثالث عشر من الحجة لا في اليوم الثاني من العيد الذي هو الغد حقيقة ( حيث قاسمت قريش) وفي باب نزول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مكة من الحج حيث تقاسموا بمثناة قبل
القاف بلفظ الجماعة أي تحالفوا ( على الكفر) ( وذلك أن بني كنانة حالفت قريشًا) وفي الحج وذلك أن قريشًا وكنانة تحالفت ( على بني هاشم) زاد في الحج من رواية الوليد وبني عبد المطلب أو بني المطلب بالشك ( أن لا يبايعوهم ولا يؤووهم) وفي الحج أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم.
قال الإمام النووي: معنى تقاسمهم على الكفر تحالفهم على إخراج النبي وبني هاشم والمطلب من مكة إلى خيف بني كنانة وكتبوا بينهم الصحيفة المشهورة فيها أنواع من الباطل فأرسل الله عليها الأرضة فأكلت ما فيها من الكفر وتركت ما فيها من ذكر الله فأخبر جبريل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبر به عمه أبا طالب فأخبرهم عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذلك فوجدوه كما أخبر، وقد ذكر الخطيب أن قوله هنا وذلك أن بني كنانة إلخ المعطوف على حديث أسامة مدرج في رواية الزهري عن علي بن حسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة، وإنما هو عند الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة وذلك أن ابن وهب رواه عن يونس عن الزهري ففصل بين الحديثين: وروى محمد بن أبي حفصة عن الزهري الحديث الأول فقط، وروى شعيب والنعمان بن راشد وإبراهيم بن سعد والأوزاعي عن الزهري الحديث الثاني فقط عن أبي سلمة عن أبي هريرة.
قال الحافظ ابن حجر: بعد أن ذكر ذلك أحاديث الجميع عند البخاري وطريق ابن وهب عنده لحديث أسامة في الحج ولحديث أبي هريرة في التوحيد وأخرجهما مسلم معًا في الحج.

( قال الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب: ( والخيف) المذكور المنسوب لبني كنانة هو ( الوادي) .
وقال غيره: ما ارتفع من سيل الوادي ولم يبلغ أن يكون جبلاً.




[ قــ :9 ... غــ : 3059 ]
- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ "أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- اسْتَعْمَلَ مَوْلًى لَهُ يُدْعَى هُنَيًّا عَلَى الْحِمَى فَقَالَ: يَا هُنَىُّ اضْمُمْ جَنَاحَكَ عَنِ الْمُسْلِمِينَ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ مُسْتَجَابَةٌ.
وَأَدْخِلْ رَبَّ الصُّرَيْمَةِ وَرَبَّ الْغُنَيْمَةِ، وَإِيَّاىَ وَنَعَمَ ابْنِ عَوْفٍ وَنَعَمَ ابْنِ عَفَّانَ، فَإِنَّهُمَا إِنْ تَهْلِكْ مَاشِيَتُهُمَا يَرْجِعَا إِلَى نَخْلٍ وَزَرْعٍ، وَإِنَّ رَبَّ الصُّرَيْمَةِ وَرَبَّ الْغُنَيْمَةِ إِنْ تَهْلِكْ مَاشِيَتُهُمَا يَأْتِنِي بِبَنِيهِ فَيَقُولُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ.
أَفَتَارِكُهُمْ أَنَا لاَ أَبَا لَكَ؟ فَالْمَاءُ وَالْكَلأُ أَيْسَرُ عَلَىَّ مِنَ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، وَإيمُ اللَّهِ إِنَّهُمْ لَيَرَوْنَ أَنِّي قَدْ ظَلَمْتُهُمْ؛ إِنَّهَا لَبِلاَدُهُمْ، فَقَاتَلُوا عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَأَسْلَمُوا عَلَيْهَا فِي الإِسْلاَمِ.
وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلاَ الْمَالُ الَّذِي أَحْمِلُ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا حَمَيْتُ عَلَيْهِمْ مِنْ بِلاَدِهِمْ شِبْرًا".

وبه قال: ( حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس ( قال حدّثني) بالإفراد ( مالك) الإمام الأعظم ( عن زيد بن أسلم عن أبيه) أسلم مولى عمر بن الخطاب ( أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- استعمل مولى له يدعى هنيًّا) بضم الهاء وفتح النون وتشديد التحتية وقد تهمز ( على الحمى) بكسر الحاء المهملة وفتح الميم مقصورًا وهو موضع يعينه الإمام لنحو نعم الصدقة ممنوعًا عن الغير وعند ابن سعد من طريق عمير بن هني عن أبيه أنه كان على حمى الربذة ( فقال) : أي عمر له ( يا هني اضمم جناحك عن المسلمين) أي اكفف يدك عن ظلمهم ( واتق دعوة المظلوم) فإنها لا تحجب عن الله، ولأبي ذر:
المسلمين كذا في عدة من فروع اليونينية كهي وغيرها، وعزا الأولى في فتح الباري للإسماعيلي والدارقطني وأبي نعيم وتبعه العيني والعجب منه أنها في المتن الذي ساقه بلفظ المظلوم ( فإن دعوة المظلوم مستجابة وأدخل) بفتح الهمزة وكسر الخاء المعجمة يعني أدخل في الحمى والمرعى ( رب الصريمة) بضم الصاد المهملة وفتح الراء وهي القطيعة من الإبل بقدر الثلاثين ( ورب الغنيمة) بضم الغين المعجمة وفتح النون تصغير غنم والمراد القليل منهما كما دلّ عليه التصغير ( وإياي ونعم ابن عوف) عبد الرحمن ( ونعم ابن عفان) عثمان كان القياس أن يقول: وإياك لأن هذه الكلمة للتحذير وتحذير المتكلم نفسه قليل كما مرّ ولكنه بالغ فيه من حيث أنه حذّر نفسه ومراده تحذير من يخاطبه وهو أبلغ لأنه ينهى نفسه ومراده نهي من يخاطبه عن إيثار ابن عوف وابن عفان على غيرهما في الرعى أو تقديمهما على الغير وخصّهما بالذكر على طريق المثال لأنهما كانا من مياسير الصحابة ولم يرد بذلك منعهما البتّة وإنما أراد أنه إذا لم يسع المرعى إلا نعم أحد الفريقين فنعم المقلين أولى وقد بين وجه ذلك بقوله: ( فإنهما) أي ابن عوف وابن عفان ( أن تهلك) بكسر اللام والجزم ( ماشيتهما يرجعان إلى) عوض ذلك من أموالهما من ( نخل وزرع) وغيرهما ( وإن رب الصريمة) القليلة ( ورب الغنيمة) القليلة اللذين ليس لهما إلا ذاك ( أن تهلك ماشيتهما يأتني) مجزوم بحذف الياء ( ببنيه) أي بأولاده، ولغير الكشميهني كما في الفتح بيته بمثناة فوقية قبلها تحتية ساكنة بلفظ مفرد البيت والمعنى متقارب ( فيقول: يا أمير المؤمنين يا أمير المؤمنين) مرتين أي نحن فقراء محتاجون أو نحو ذلك وعند غير أبي ذر: يا أمير المؤمنين مرة واحدة ( أفتاركهم أنا) بهمزة الاستفهام الإنكاري أي أنا لا أتركهم محتاجين ولا أجوّز ذلك فلا بدّ لي من إعطاء الذهب والفضة لهم بدل الماء والكلأ من بيت المال ( لا أبا لك) بغير تنوين لأنه كالمضاف وظاهره الدعاء عليه لكنه على المجاز لا الحقيقة ( فالماء والكلأ أيسر عليّ من الذهب والورق) أي من إنفاقهما من بيت المال ( وإيم الله إنهم) أي أرباب المواشي القليلة من أهل المدينة وقراها ( ليرون) بفتح المثناة التحتية أي ليعتقدون وبضمها أي ليظنون ( أني قد ظلمتهم أنها) أي هذه الأراضي ( لبلادهم فقاتلوا) بفاء قبل القاف ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر قاتلوا ( عليها في الجاهلية وأسلموا عليها) عفوًا ( في الإسلام) فكانت أموالهم لهم وهذا بخلاف من أسلم من أهل العنوة فإن أرضه فيء للمسلمين لأنهم غلبوا على بلادهم كما غلبوا على أموالهم بخلاف أهل الصلح في ذلك، وإنما ساع لعمر -رضي الله عنه- ذلك، لأنه كان مواتًا فحماه لنعم الصدقة ومصلحة المسلمين ( والذي نفسي بيده لولا المال الذي أحمد عليه) من لا يجد ما يركبه ( في سبيل الله) من الإبل والخيل ( ما حميت عليهم من بلادهم شبرًا) وجاء عن مالك أن عدّة ما كان في الحمى في عهد عمر بلغ أربعين ألفًا من إبل وخيل وغيرهما.

ومطابقة الحديث للترجمة في قوله إنها لبلادهم إلى آخرها وأشار بالترجمة إلى الردّ على من قال من الحنفية إن الحربي إذا أسلم في دار الحرب وأقام بها حتى غلب المسلمون عليها فهو أحق بجميع ماله إلا أرضه وعقاره فإنها تكون فيئًا للمسلمين، وقد خالفهم أبو يوسف في ذلك فوافق الجمهور
قاله في فتح الباري وهذا الأثر تفرّد به البخاري عن الجماعة.
وقال الدارقطني فيه: غريب صحيح.