فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب من تكلم بالفارسية والرطانة

باب مَنْ تَكَلَّمَ بِالْفَارِسِيَّةِ وَالرَّطَانَةِ
وَقَوْلِهِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: { وَاخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ} [الروم: 22] .

     وَقَالَ : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ} [إبراهيم: 4] .

( باب من تكلم بالفارسية) أي باللغة الفارسية ( والرطانة) بفتح الراء ويجوز كسرها وهي التكلم بلسان العجم ( وقوله تعالى) : بالجر عطفًا على السابق، ولأبي ذر ( وقول الله عز وجل: { واختلاف ألسنتكم} ) أي: ومن آيات الله اختلاف لغاتكم أو أجناس نطقكم وأشكاله خالف جلّ وعلا بين هذه الأشياء حتى لا تكاد تسمع منطقين متفقين في همس واحد ولا جهارة ولا حدّة ولا رخاوة ولا فصاحة ولا لكنة ولا نظم ولا أسلوب ولا غير ذلك من صفات النطق وأحواله ( { وألوانكم} ) بياض الجلد وسواده أو تخطيطات الأعضاء وهيئاتها وألوانها ولاختلاف ذلك وقع التعارف، وإلا فلو اتفقت
وتشاكلت وكانت ضربًا واحدًا لوقع التجاهل والالتباس ولتعطلت مصالح كثيرة ( { وما أرسلنا} ) ولأبي ذر وقال وما أرسلنا ( { من رسول إلاّ بلسان قومه} ) [الروم: 22] فيه إشارة إلى أن نبينا محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان عارفًا بجميع الألسنة لشمول رسالته الثقلين على اختلاف ألسنتهم ليفهم عنهم ويفهموا عنه.


[ قــ :2932 ... غــ : 3070 ]
- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ أَخْبَرَنَا حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ:.

قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَبَحْنَا بُهَيْمَةً لَنَا وَطَحَنْتُ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ فَتَعَالَ أَنْتَ وَنَفَرٌ.
فَصَاحَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا أَهْلَ الْخَنْدَقِ، إِنَّ جَابِرًا قَدْ صَنَعَ سُؤْرًا، فَحَيَّهَلاً بِكُمْ".
[الحديث 3070 - طرفاه في: 4101، 4102] .

وبه قال: ( حدّثنا عمرو بن علي) بفتح العين وسكون الميم أبو حفص الباهلي البصري قال: ( حدّثنا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد النبيل البصري قال: ( أخبرنا حنظلة ابن أبي سفيان) الجمحي القرشي قال: ( أخبرنا سعيد بن ميناء) بكسر الميم وسكون التحتية وبالنون ممدودًا ويقصر أبو الوليد المكي ( قال: سمعت جابر بن عبد الله) الأنصاري ( -رضي الله عنهما- قال: قالت) : يوم الخندق ( يا رسول الله ذبحنا بهيمة لنا) بضم الموحدة وفتح الهاء.
سكون التحتية مصغر بهمة بإسكان الهاء ولد الضأن الذكر والأنثى ( وطحنت) بسكون النون ( صاعًا من شعير) وفي رواية وطحنت بسكون التاء أي امرأته فقوله هنا وطحنت أي أمرتها أن تطحن ( فتعال أنت ونفر) .
أي ومعك نفر ( فصاح النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال) :
( يا أهل الخندق إن جابرًا قد صنع سؤرًا) ، بضم السين المهملة وإسكان الواو من غير همز وفي اليونينية بالهمز هو بالفارسية أي طعامًا دعا إليه الناس ( فحيَّهلا بكم) .
بتخفيف اللام منونة أي فأقبلوا وأسرعوا أهلاً بكم أتيتم أهلكم وفي اليونينية بالتشديد من غير تنوين، وهذا موضع الترجمة.




[ قــ :933 ... غــ : 3071 ]
- حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُمِّ خَالِدٍ بِنْتِ خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَتْ: "أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَ أَبِي وَعَلَىَّ قَمِيصٌ أَصْفَرُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: سَنَهْ سَنَهْ.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَهْيَ بِالْحَبَشِيَّةِ: حَسَنَةٌ.
قَالَتْ: فَذَهَبْتُ أَلْعَبُ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ، فَزَبَرَنِي أَبِي.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: دَعْهَا.
ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَبْلِي وَأَخْلِقِي، ثُمَّ أَبْلِي وَأَخْلِفِي، ثُمَّ أَبْلِي وَأَخْلِقِي، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَبَقِيَتْ حَتَّى دكن".
[الحديث 3071 - أطرافه في: 3874، 583، 5845، 5993] .

وبه قال: ( حدّثنا حبان بن موسى) بكسر الحاء المهملة وتشديد الموحدة وبالنون أبو محمد السلمي المروزي قال: ( أخبرنا عبد الله) بن المبارك ( عن خالد بن سعيد عن أبيه) سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص ( عن أم خالد) اسمها أمة بفتح الهمزة ( بنت خالد بن سعيد) الأموية أنها ( قالت: أتيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع أبي وعليّ قميص أصفر قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( سنه سنه) بفتح السين المهملة وكسرها القابسي وسكون الهاء فيهما ولأبي ذر سناه سناه بألف بعد النون فيهما، وحكى ابن قرقول تشديد النون لغير أبي ذر.

( قال عبد الله) أي ابن المبارك، وقال الكرماني وفي بعضها أي النسخ أبو عبد الله أي البخاري وسقط في بعضها قال عبد الله ( وهي) أي سنه ( بـ) اللغة ( الحبشية حسنة) وهي الرطانة بغير العربي.
( قالت) أم خالد ( فذهبت ألعب بخاتم النبوّة) الذي بين كتفيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( فزبرني) بفتح الفاء والزاي والموحدة والراء أي نهرني ( أبي قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) : ( دعها) أي اتركها ( ثم قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) : ( أبلي وأخلقي) بهمزة قطع مفتوحة وكسر اللام وبالقاف في الثاني من أبليت الثوب إذا جعلته عتيقًا وأخلقي أيضًا من باب الإفعال وهو بمعناه أيضًا، وجاز أن يكونا من الثلاثي وليس قوله أخلقي بعد أبلي عطف الشيء على نفسه لأن في المعطوف تأكيدًا وتقوية ليس في المعطوف عليه كقوله تعالى: { كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ} [النبأ: 4 - 5] أو معنى أخلقي خرقي ثيابك وارقعيها، ولأبي ذر والمروزي: وأخلقي بالفاء.
قال ابن الأثير: بمعنى العوض والبدل أي اكتسي خلفه بعد بلائه يقال: خلف الله وأخلف بالهمز أي جعلك الله ممن يخلفه عليك بعد ذهابه وتمزقه ( ثم أبلي وأخلقي ثم أبلي وأخلقي) ثلاثًا والذي في اليونينية أخلفي بالفاء في الثلاثة لا بالقاف.

( قال عبد الله) بن المبارك ( فبقيت) أي أم خالد ( حتى دكن) أي الثوب بدال مهملة مفتوحة وكاف مفتوحة وتكسر ونون للكشميهني ورجحه أبو ذر أي اسودّ لونه من كثرة ما لبس من الدكنة وهي غبرة كدرة، وللمستملي والحموي حتى ذكر بالذال المعجمة المفتوحة والراء بدل المهملة والنون مبنيًّا للفاعل، وعند ابن الدكن ذكر دهرًا وهو تفسير لرواية من روى ذكر وكأنه أراد بقي هذا القميص مدة من الزمان طويلة نسيها الراوي فعبر عنها بقوله ذكر دهرًا أي زمانًا طويلاً نسيت تحديده ففي ذكر على هذا ضمير يرجع إلى الراوي أي ذكر الراوي دهرًا نسي الذي روى عنه تحديده، وقيل في ذكر ضمير القميص أي بقي هذا القميص حتى ذكر دهرًا مجازًا.
وقال الكرماني وفي بعضها ذكرت بلفظ المعروف أي بقيت حتى ذكرت دهرًا طويلاً وفي بعضها حتى ذكرت بلفظ المجهول أي حتى صارت مذكورة عند الناس لخروجها عن العادة اهـ.

وقال في المصابيح: والضمير في بقيت عائد على الخميصة فذكّر وأنّث باعتبارين إذ المراد بالقميص هو الخميصة وأحسن من هذا أن يعود ضمير المؤنث على أم خالد وضمير المذكر على القميص.

وهذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في اللباس والأدب وأخرجه أبو داود في اللباس.




[ قــ :934 ... غــ : 307 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه "أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ أَخَذَ تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ فَجَعَلَهَا فِي فِيهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْفَارِسِيَّةِ: كِخْ، كِخْ، أَمَا تَعْرِفُ أَنَّا لاَ نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ"؟
وبه قال: ( حدثنا محمد بن بشار) بفتح الموحدة والشين المعجمة المشددة بندار العبدي البصري قال: ( حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال: ( حدّثنا شعبة) بن الحجاج ( عن محمد بن زياد) بكسر الزاي وتخفيف التحتية أبي الحرث القرشي البصري لا الألهاني ( عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن الحسن بن علي) -رضي الله عنهما- ( أخذ تمرة من تمر الصدّقة فجعلها في فيه، فقال له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: بالفارسية) : ( كخ كخ، أما تعرف أنا لا نأكل الصدقة) ، بفتح الكاف وكسرها وسكون الخاء المعجمة وكسرها منوّنة فيهما كلمة يزجر بها الصبيان عن المستقذرات يقال له: كخ أي اتركها وارم بها وهي كلمة أعجمية عرّبت، ولذا أدخلها المؤلّف عليّ هذا الباب قاله الداودي.
وقال ابن المنير: وجه مناسبته أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خاطبه بما يفهمه مما لا يتكلم به الرجل مع الرجل فهو كمخاطبة الأعجمي بما يفهمه من لغته، ومقصود البخاري من إدراج هذا الباب في الجهاد أن الكلام بالفارسية يحتاج إليه المسلمون لأجل رسل العجم، وسقط قوله بالفارسية في بعض الأصول وضبب عليها في الفرع كأصله، وهذا الحديث قد سبق في الزكاة.