فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب الطعام عند القدوم

باب الطَّعَامِ عِنْدَ الْقُدُومِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُفْطِرُ لِمَنْ يَغْشَاهُ
( باب) مشروعية عمل ( الطعام عند القدوم) أي من السفر.
( وكان ابن عمر) -رضي الله عنهما- فيما وصله إسماعيل القاضي في أحكامه بمعناه ( يفطر) أي إذا قدم من سفر أيامًا ( لمن يغشاه) أي لأجل من يغشاه للسلام عليه والتهنئة بالقدوم لأنه كان لا يصوم في السفر لا فرضًا ولا نفلاً ويكثر من صوم التطوّع حضرًا، فإذا قدم من السفر صام لكنه يفطر أول قدومه لما ذكر، ولأبي ذر عن الكشميهني: يصنع بدل يفطر ومعناه صحيح لكن الأول أصوب كما في الفتح، وفي نسخة قال ابن عمر بدل وكان.


[ قــ :2950 ... غــ : 3089 ]
- حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ نَحَرَ جَزُورًا أَوْ بَقَرَةً.
زَادَ مُعَاذٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ مُحَارِبٍ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ: اشْتَرَى مِنِّي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعِيرًا بِأَوْقِيَّتَيْنِ وَدِرْهَمٍ أَوْ دِرْهَمَيْنِ.
فَلَمَّا قَدِمَ صِرَارًا أَمَرَ بِبَقَرَةٍ فَذُبِحَتْ فَأَكَلُوا مِنْهَا، فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ أَمَرَنِي أَنْ آتِيَ الْمَسْجِدَ فَأُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ، وَوَزَنَ لِي ثَمَنَ الْبَعِيرِ".

وبه قال: ( حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا ( محمد) هو ابن سلام البيكندي السلمي مولاهم قال: ( أخبرنا وكيع) هو ابن الجراح الرؤاسي بضم الراء ثم همزة فسين مهملة أبو سفيان الكوفي ( عن شعبة) بن الحجاج ( عن محارب بن دثار) السدوسي ( عن جابر بن عبد الله) الأنصاري ( رضي الله
عنهما)
( أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما قدم المدينة) من غزوة تبوك وغزوة ذات الرقاع ( نحر جزورًا) ناقة أو جملاً ( أو بقرة) بالشك من الراوي ( زاد معاذ) هو ابن معاذ العنبري مما هو موصول عند مسلم ( عن شعبة) بن الحجاج ( عن محارب) السدوسي أنه ( سمع جابر بن عبد الله) الأنصاري -رضي الله عنه- يقول: ( اشترى مني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعيرًا بوقيتين) بواو مفتوحة من غير همز ولأبي ذر: بأوقيتين بهمزة مضمومة بدل الواو ساكنة ( ودرهم أو درهمين) شك من الراوي وفي رواية عند المؤلّف بأوقية وفي أخرى أحسبه بأربع أواق وفي أخرى بعشرين دينارًا.
وقال المؤلّف: إن رواية وقية أكثر، وجمع القاضي عياض بين هذه الروايات بأن سبب الاختلاف الرواية بالمعنى، وأن المراد أوقية الذهب والأربع أواق بقدر ثمن أوقية الذهب ( فلما قدم) عليه السلام ( صرارًا) بكسر الصاد المهملة وتخفيف الراء الأولى، ووهم من ضبطه بالضاد المعجمة بدل المهملة في أوله موضع يأتي إن شاء الله تعالى قريبًا آخر هذا الباب بيانه ( أمر ببقرة فذبحت) وطبخت ( فأكلوا منها) وهذا الطعام يقال له النقيعة بالنون والقاف مشتق فيما قيل من النقع وهو الغبار لأن المسافر يأتي وعليه غبار السفر.
( فلما قدم المدينة أمرني أن آتي المسجد فأصلي) فيه ( ركعتين) بنصب فأصلي عطفًا على آتي المسجد ( ووزن لي ثمن البعير) سقط لفظة لي عند أبي ذر.




[ قــ :951 ... غــ : 3090 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: "قَدِمْتُ مِنْ سَفَرٍ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: صَلِّ رَكْعَتَيْنِ".
صِرَارٌ: مَوْضِعٌ نَاحِيَةً بِالْمَدِينَةِ.

وبه قال: ( حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك قال: ( حدّثنا شعبة) بن الحجاج ( عن محارب بن دثار عن جابر) أنه ( قال: قدمت من سفر فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( صلِّ ركعتين) .
استشكل إيراد طريق أبي الوليد هذه من حيث عدم المطابقة للترجمة وأن اللائق ذكر ذلك في الباب السابق.
وأجيب: بأنه أشار بذلك إلى أن القدر الذي ذكره طرف من الحديث لأن الحديث عند شعبة عن محارب فروى وكيع طرفًا منه وهو ذبح البقرة عند قدومه المدينة.
وروى أبو الوليد سليمان بن حرب عنه طرفًا منه وهو أمره بالصلاة ركعتين عند القدوم.
وروى معاذ عنه جميعه وفيه قصة البعير وذكر ثمنه لكن باختصار، وقد تابع كلاًّ من هؤلاء عن شعبة في سياقه جماعة قاله في الفتح ( صرار موضع ناحية) بالنصب أي في ناحية ( بالمدينة) على ثلاثة أميال منها من جهة الشرق، وهذا من قول المؤلّف وهو ساقط في رواية أبي ذر وابن عساكر.
وهذا آخر كتاب الجهاد.

كِتاب فَرْضِ الْخُمُسِ
قال الحافظ ابن حجر: ثبتت البسملة للأكثر.


باب فَرْضِ الْخُمُسِ
(باب فرض الخُمس) بضم الخاء المعجمة والميم وكان ابتداء فرضه بآية: { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن للهِ خُمُسه وللرسول} [الأنفال: 41] .
وإضافته لله للتبرك بالابتداء باسمه تعالى، وفي نسخة كتاب بدل باب، وفي نسخة حذف ذلك والاقتصار على قوله فرض الخمس.


[ قــ :95 ... غــ : 3091 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ أَنَّ حُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ: "كَانَتْ لِي شَارِفٌ مِنْ نَصِيبِي مِنَ الْمَغْنَمِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَعْطَانِي شَارِفًا مِنَ الْخُمُسِ، فَلَمَّا أَرَدْتُ أَنْ أَبْتَنِيَ بِفَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاعَدْتُ رَجُلاً صَوَّاغًا مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ أَنْ يَرْتَحِلَ مَعِيَ فَنَأْتِيَ بِإِذْخِرٍ أَرَدْتُ أَنْ أَبِيعَهُ الصَّوَّاغِينَ وَأَسْتَعِينَ بِهِ فِي وَلِيمَةِ عُرْسِي.
فَبَيْنَا أَنَا أَجْمَعُ لِشَارِفَىَّ مَتَاعًا مِنَ الأَقْتَابِ وَالْغَرَائِرِ وَالْحِبَالِ، وَشَارِفَاىَ مُنَاخَانِ إِلَى جَنْبِ حُجْرَةِ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ، فرَجَعْتُ حِينَ جَمَعْتُ مَا جَمَعْتُ، فَإِذَا شَارِفَاىَ قَدِ أُجِبَّتْ أَسْنِمَتُهُمَا، وَبُقِرَتْ خَوَاصِرُهُمَا، وَأُخِذَ مِنْ أَكْبَادِهِمَا، وَلَمْ أَمْلِكْ عَيْنَىَّ حِينَ رَأَيْتُ ذَلِكَ الْمَنْظَرَ مِنْهُمَا، فَقُلْتُ: مَنْ فَعَلَ هَذَا؟ فَقَالُوا: فَعَلَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَهْوَ فِي هَذَا الْبَيْتِ فِي شَرْبٍ مِنَ الأَنْصَارِ، فَانْطَلَقْتُ حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-وَعِنْدَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ- فَعَرَفَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي وَجْهِي الَّذِي لَقِيتُ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَا لَكَ؟ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهَ، مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ قَطُّ، عَدَا حَمْزَةُ عَلَى نَاقَتَىَّ فَأَجَبَّ أَسْنِمَتَهُمَا، وَبَقَرَ خَوَاصِرَهُمَا وَهَا هُوَ ذَا فِي بَيْتٍ مَعَهُ شَرْبٌ.
فَدَعَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِرِدَائِهِ فَارْتَدَى، ثُمَّ انْطَلَقَ يَمْشِي، وَاتَّبَعْتُهُ أَنَا وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، حَتَّى جَاءَ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ حَمْزَةُ فَاسْتَأْذَنَ، فَأَذِنُوا لَهُمْ، فَإِذَا هُمْ شَرْبٌ، فَطَفِقَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَلُومُ حَمْزَةَ فِيمَا فَعَلَ، فَإِذَا حَمْزَةُ قَدْ ثَمِلَ مُحْمَرَّةً عَيْنَاهُ، فَنَظَرَ حَمْزَةُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ، فَنَظَرَ إِلَى رُكْبَتِهِ، ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ فَنَظَرَ إِلَى سُرَّتِهِ، ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ فَنَظَرَ إِلَى وَجْهِهِ.
ثُمَّ قَالَ حَمْزَةُ: هَلْ أَنْتُمْ إِلاَّ عَبِيدٌ لأَبِي؟ فَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَدْ ثَمِلَ، فَنَكَصَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى عَقِبَيْهِ الْقَهْقَرَى، وَخَرَجْنَا مَعَهُ".

وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة الأزدي المروزي قال:
(أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا يونس) بن يزيد الأيلي (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (علي بن الحسين أن) أباه (حسين بن عليّ عليهما السلام) وفي نسخة: -رضي الله عنهما- (أخبره أن) أباه (عليًّا) -رضي الله عنه- (قال: كانت) ولابن عساكر: كان (لي شارف) بالشين المعجمة آخره فاء مسنة من النوق (من نصيبي من المغنم يوم بدر، وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أعطاني شارفًا من الخمس) أي الذي حصل من سرية عبد الله بن جحش وكانت في رجب من السنة الثانية قبل بدر بشهرين، وكان ابن جحش قال لأصحابه: إن لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مما غنمنا الخمس وذلك قبل أن يفرض الخمس فعزل له الخمس وقسم سائر الغنيمة بين أصحابه فوقع رضا الله بذلك كذا قرره ابن بطال، وتبعه ابن الملقن محتجين بما نقلاه من اتفاق أهل السير: إن الخمس لم يكن يوم بدر.
وعن إسماعيل القاضي في غزوة بني قريظة أنه قيل إنه أول يوم فرض فيه الخمس وجاء صريحًا في غنائم حنين وهي آخر غنيمة حضرها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
ويعارض هذا قوله في غزوة بدر من المغازي من البخاري، وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أعطاني مما أفاء الله عليه من الخمس يومئذ إذ ظاهره أن الفيء الذي أعطاه منه كان يوم بدر، وقد ثبت أنه وقع في الغنيمة التي قبل بدر ورضي الله بذلك فكيف يثبته هناك وينفيه فى يوم بدر مع أن سورة الأنفال التي فيها التصريح بفرض الخمس نزل غالبها في قصة بدر.
وقّد جزم الداودي الشارح بأن آية الخمس نزلت يوم بدر، وقال السبكي: نزلت في بدر وغنائمها.

قال عليّ -رضي الله عنه-: (فلما أردت أن أبتني بفاطمة بنت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أي أدخل بها (واعدت رجلاً صوّاغًا) بفتح الصاد المهملة وتشديد الواو لم يسم (من بني قينقاع) بفتح القافين وضم النون وقد تفتح وتكسر غير منصرف ويجوز صرفه قبيلة من اليهود قاله الكرماني.
وقال في القاموس: شعب من اليهود كانوا بالمدينة (أن يرتحل معي فنأتي بإذخر) بكسر الهمزة وذال معجمة حشيشة طيبة الرائحة (أردت أن أبيعه الصوّاغين وأستعين به) بالنصب عطفًا على أبيعه أي أستعين بثمنه (في وليمة عرسي) بضم العين المهملة.
قال الجوهري: العرس يعني بضم العين طعام الوليمة وأعرس الرجل إذا بنى بأهله وكذلك إذا غشيها.
وفي القاموس نحوه وبكسر العين امرأة الرجل والوليمة طعام الزفاف، وحينئذ فينبغي كسر العين أي طعام وليمة المرأة وإلاّ فيصير المعنى طعام وليمة وليمتي وإنما سمي الطعام الوليمة المعمول عند العرس عرسًا باسم سببه، (فبينا) بغير ميم (أنا أجمع لشارفيّ متاعًا من الأقتاب) جمع قتب وهو معروف (والغرائر) بالغين المعجمة والراء
المكررة جمع غرارة ما يوضع فيها الشيء من التبن وغيره (والحبال وشارفاي) مبتدأ خبره (مناخان) وللأربعة مناختان بزيادة فوقية بعد الحاء فالتذكير باعتبار لفظ شارف والتأنيث باعتبار معناه والمعنى مبركان (إلى جنب حجرة رجل من الأنصار) لم يقف الحافظ ابن حجر على اسمه (رجعت) ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر: فرجعت (حين جمعت ما جمعت) أي من الأقتاب وغيرها (فإذا شارفاي قد أجبت) بهمزة مضمومة وجيم مكسورة وموحدة مشددة وفي اليونينية مصلح قد اجتب بضم الهمزة وكسر الجيم وضم الفوقية وتشديد الموحدة مصحح عليها علوًّا وسفلا فليتأمل.
ويحرر، ولأبي ذر عن الكشميهني جبت بحذف الهمزة وضم الجيم أي قطعت (أسنمتهما) بالرفع نائبًا عن الفاعل (وبقرت) بضم الموحدة وكسر القاف أي شقت (خواصرهما) بالرفع أيضًا كذلك (وأخذ) بضم الهمزة (من أكبادهما فلم) بالفاء، ولأبي ذر عن الكشميهني: ولم (أملك عيني) من البكاء (حين) ولأبي ذر عن الكشميهني: حيث (رأيت ذلك المنظر منهما) بفتح الميم والظاء المعجمة وسقط لفظ منهما في رواية ابن عساكر وإنما بكى عليّ -رضي الله عنه- خوفًا من تقصيره في حق فاطمة -رضي الله عنها- أو في تأخير الابتناء بها لا لمجرد فوات الناقتين (فقلت: من فعل هذا؟) الجب والبقر والأخذ (فقالوا: فعل) أي ذلك (حمزة بن عبد المطلب وهو في هذا البيت في شرب من الأنصار) بفتح الشين المعجمة وسكون الراء جماعة يجتمعون على شرب الخمر اسم جمع عند سيبويه وجمع شارب عند الأخفش (فانطلقت حتى أدخل) بالرفع والنصب ورجح ابن مالك النصب وعبّر بصيغة المضارعة مبالغة في استحضار صورة الحال وإلاّ فكان الأصل أن يقول حتى دخلت (على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعنده زيد بن حارثة فعرف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في وجهي الذي لقيت) من فعل حمزة -رضي الله عنه- (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(ما لك؟ فقلت: يا رسول الله ما رأيت كاليوم قط) أي أفظع (عدا) بالعين والدال المهملتين (حمزة على ناقتيّ) بفتح الفوقية وتشديد التحتية تثنية ناقة (فأجبّ) ولأبي ذر عن الكشميهني: فجب (أسنمتهما وبقر خواصرهما وها هو ذا في بيت معه شرب) بفتح الشين جماعة يجتمعون لشرب الخمر (فدعا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بردائه فارتدى) به (ثم انطلق يمشي واتبعته أنا وزيد بن حارثة حتى جاء البيت الذي فيه حمزة فاستأذن) في الدخول (فأذنوا لهم فإذا هم شرب فطفق) بكسر الفاء الثانية أي جعل (رسول الله يلوم حمزة فيما فعله) بشارفي عليّ (فإذا حمزة قد ثمل) بفتح المثلثة وكسر الميم آخره لام أي سكر حال كونه (محمرة عيناه) بسبب ذلك (فنظر حمزة) -رضي الله عنه- (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم صعد النظر) بفتح الصاد والعين المشددة المهملتين أي رفعه (فنظر إلى ركبته) بالإفراد، ولأبي ذر: ركبتيه بالتثنية (ثم صعد النظر فنظر) حمزة (إلى سرّته ثم صعد النظر فنظر إلى وجهه ثم قال حمزة: هل أنتم إلا عبيد لأبي) أي كعبيد له.
يريد والله أعلم أن عبد الله وأبا طالب كانا كأنهما عبدان لعبد المطلب في الخضوع لحرمته، والجدّ يدعى سيدًا وأنه أقرب إليه منهما فأراد الافتخار عليهم بذلك (فعرف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قد ثمل) أي سكر (فنكص) أي رجع (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على عقبيه) بالتثنية رجوع (القهقرى)، بأن مشى إلى خلف
ووجهه لحمزة خشية أن يزداد عبثه في حال سكره فينتقل من القول إلى الفعل، فأراد أن يكون ما يقع منه بمرأى منه ليدفعه إن وقع منه شيء.

(وخرجنا معه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكان ذلك قبل تحريم الخمر كما في رواية ابن جريج عن ابن شهاب في الشرب، ولذا لم يؤاخذ عليه السلام حمزة بقوله.
ومن تداوى بمباح أو شرب لبنًا أو أكل طعامًا فسكر فقذف غيره فهو كالمجنون والمغمى عليه والصبي يسقط عنهم حدّ القذف وسائر الحدود غير إتلاف الأموال لرفع القلم عنهم فمن سكر من حلال فحكمه حكم هؤلاء.
وحكى الطحاوي الإجماع على أن من سكر من ذلك لا طلاق عليه وهو مذهبنا أيضًا حتى لو سكر مكرهًا عندنا فكذلك، وأما ضمان إتلاف الناقتين فضمانهما لازم لحمزة لو طالبه عليّ به إذ العلماء متفقون على أن جنايات الأموال لا تسقط عن المجانين وغير المكلفين ويلزمهم ضمانها في كل حال كالعقلاء.
وعند ابن أبي شيبة عن أبي بكر بن عياش أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أغرم حمزة ثمن الناقتين.

ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: أعطاني شارفًا من الخمس، وقد سبق في كتاب الشرب.




[ قــ :953 ... غــ : 309 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ -رضي الله عنها- أَخْبَرَتْهُ "أَنَّ فَاطِمَةَ - عَلَيْهَا السَّلاَمُ - ابْنَةَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَأَلَتْ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَقْسِمَ لَهَا مِيرَاثَهَا ممَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ".
[الحديث 309 - أطرافه في: 3711، 4035، 440، 675] .

وبه قال: ( حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي العامري قال: ( حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري ( عن صالح) هو ابن كيسان ( عن ابن شهاب) الزهري أنه ( قال: أخبرني) بالإفراد ( عروة بن الزبير) بن العوّام ( أن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- أخبرته أن فاطمة) الزهراء ( عليها السلام ابنة) ولأبي ذر: بنت ( رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سألت أبا بكر الصديق) رضي الله عنه ( بعد وفاة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يقسم لها ميراثها ما ترك) بدل من قوله ميراثها أو عطف بيان ولابن عساكر وأبى ذر عن الكشميهني مما ترك ( رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مما أفاء الله عليه) وهو ما أخذ من الكفار على سبيل الغلبة بلا قتال ولا إيجاف أي إسراع خيل أو ركاب أو نحوهما من جزية أو ما هربوا عنه لخوف أو غيره أو صولحوا عليه بلا قتال وسمي فيئًا لرجوعه من الكفار إلى المسلمين.
وأما الغنيمة فهي ما أُخذ من الكفار بقتال أو إيجاف ولو بعد انهزامهم وما أخذ من دراهم اختلاسًا أو سراقة أو لقطة ولم تحل الغنيمة إلا لنا وقد كانت في أول الإسلام له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خاصة يصنع فيها ما يشاء، وعليه يحمل إعطاؤه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من لم يشهد بدرًا ثم نسخ بعد ذلك فخمسه كالفيء لآية: { اعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمُسه} [الأنفال: 41] .
وسميت بذلك لأنها فضل وفائدة محضة.
والمشهور تغاير الفيء والغنيمة وقيل يقع
اسم كل منهما على الآخر إذا أفرد فإن جمع بينهما افترقا كالفقير والمسكين وقيل اسم الفيء يقع على الغنيمة دون العكس، وقد كان عليه السلام يخمس الفيء خمسة أخماس الآية: { ما أفاء الله على رسوله} [الحشر: 7] .
ويقسم خمسه على خمسة أسهم فالقسمة من خمسة وعشرين.

سهم منها له عليه الصلاة والسلام كان ينفق منه على مصالحه وما فضل منه يصرف في السلاح وسائر المصالح، وأما بعد وفاته عليه السلام فمصرف هذا السهم المصالح العامة كسدّ الثغور وعمارة الحصون والقناطر وأرزاق القضاة والأئمة.

والسهم الثاني: لذوي القربى من بني هاشم وبني المطلب.

والثالث: لليتامى والفقراء.

والرابع: والخامس: للمساكين وابن السبيل.

وأما الأربعة الأخماس فهي للمرتزقة وهم المرصدون للجهاد بتعيين الإمام.
وكانت للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حياته مضمومة إلى خمس الخمس فحملة ما كان له من الفيء أحد وعشرون سهمًا.
سهم منها للمصالح كما مرّ والمراد أنه كان يجوز له أن يأخذ ذلك لكنه لم يأخذه وإنما كان يأخذ خُمس الخمس كما مرّ.

وأما الغنيمة فلخمسها حكم الفيء فيخمس خمسة أسهم للآية، وأربعة أخماسها للغانمين.

وقال الجمهور: مصرف الفيء كله إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصرفه بحسب المصلحة لقول عمر الآتي:
فكانت هذه خالصة لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.




[ قــ :953 ... غــ : 3093 ]
- فَقَالَ لَهَا أَبُو بَكْرٍ: "إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: لاَ نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ.
فَغَضِبَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَهَجَرَتْ أَبَا بَكْرٍ، فَلَمْ تَزَلْ مُهَاجِرَتَهُ حَتَّى تُوُفِّيَتْ، وَعَاشَتْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سِتَّةَ أَشْهُرٍ.
قَالَتْ: وَكَانَتْ فَاطِمَةُ تَسْأَلُ أَبَا بَكْرٍ نَصِيبَهَا مِمَّا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ خَيْبَرَ وَفَدَكٍ، وَصَدَقَتِهِ بِالْمَدِينَةِ، فَأَبَى أَبُو بَكْرٍ عَلَيْهَا ذَلِكَ.

     وَقَالَ : لَسْتُ تَارِكًا شَيْئًا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعْمَلُ بِهِ إِلاَّ عَمِلْتُ بِهِ، فَإِنِّي أَخْشَى إِنْ تَرَكْتُ شَيْئًا مِنْ أَمْرِهِ أَنْ أَزِيغَ، فَأَمَّا صَدَقَتُهُ بِالْمَدِينَةِ فَدَفَعَهَا عُمَرُ إِلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ،.
وَأَمَّا خَيْبَرُ وَفَدَكٌ فَأَمْسَكَهَا عُمَرُ.

     وَقَالَ : هُمَا صَدَقَةُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كَانَتَا لِحُقُوقِهِ الَّتِي تَعْرُوهُ وَنَوَائِبِهِ، وَأَمْرُهُمَا إِلَى مَنْ وَلِيَ الأَمْرَ، قَالَ: فَهُمَا عَلَى ذَلِكَ إِلَى الْيَوْمِ".


قال أبو عبدِ اللهِ: اعتراكَ, افتعلت, من عَرَوتهُ فأصبته, ومنه: يَعروهُ, واعتراني.

[الحديث 3093 - أطرافه في: 3713، 4036، 441، 676] .

( فقال لها) أي لفاطمة -رضي الله عنها- ( أبو بكر: إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) : وفي رواية معمر عن الزهري في الفرائض سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: ( لا نورث) بالنون.
وفي حديث الزبير
عند النسائي: إنّا معاشر الأنبياء لا نورث ( ما تركنا صدقة) بالرفع خبر المبتدأ الذي هو ما تركنا والكلام جملتان الأولى فعلية والثانية اسمية.
قال ابن حجر في فتح الباري: ويؤيده وروده في بعض طرق الصحيح ما تركنا فهو صدقة وحرفه الإمامية فقالوا: لا يورث بالمثناة التحتية بدل النون وصدقة نصب على الحال وما تركنا مفعول لما لم يسم فاعله فجعلوا الكلام جملة واحدة ويكون المعنى أن ما يترك صدقة لا يورث وهذا تحريف يخرج الكلام عن نمط الاختصاص الذي دل عليه قوله عليه السلام في بعض الطرق: "نحن معاشر الأنبياء لا نورث" ويعود الكلام بما حرفوه إلى أمر لا يختص به الأنبياء لأن آحاد الأمة إذا وقفوا أموالهم أو جعلوها صدقة انقطع حق الورثة عنها فهذا من تحاملهم أو تجاهلهم، وقد أورده بعض أكابر الإمامية على القاضي شاذان صاحب القاضي أبي الطيب فقال أي القاضي شاذان، وكان ضعيف العربية قويًا في علم الخلاف: لا أعرف نصب صدقة من رفعها ولا أحتاج إلى علمه فإنه لا خفاء بي وبك أن فاطمة وعليًّا من أفصح العرب لا تبلغ أنت ولا أمثالك إلى ذلك منهما فلو كانت لهما حجة فيما لحظته لأبدياها حينئذ لأبي بكر فسكت ولم يحر جوابًا، وإنما فعل الإمامية ذلك لما يلزمهم على رواية الجمهور من فساد مذهبهم لأنهم يقولون بأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يورث كما يورث غيره من عموم المسلمين لعموم الآية الكريمة.

وذهب النحاس إلى أنه يصح النصب على الحال وأنكره القاضي لتأييده مذهب الإمامية لكن قدره ابن مالك ما تركناه متروك صدقة فحذف الخبر وبقي الحال كالعوض منه ونظيره قراءة بعضهم: { ونحن عصبة} [يوسف: 8] .

( فغضبت فاطمة بنت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فهجرت أبا بكر فلم تزل مهاجرته حتى توفيت وعاشت بعد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ستة أشهر) وفي رواية معمر: فهجرته فاطمة فلم تكلمه حتى ماتت، ووقع عند عمر بن شبة وجه آخر عن معمر فلم تكلمه في ذلك المال.
ولذا نقل الترمذي عن بعض مشايخه أن معنى قول فاطمة لأبي بكر وعمر: لا أكلمكما أي في هذا الميراث، وتعقب بأن قرينة قوله غضبت يدل على أنها امتنعت من الكلام جملة وكذا صريح الهجر قاله في الفتح.
وقال الكرماني: وأما غضب فاطمة فهو أمر حصل على مقتضى البشرية وسكن بعد ذلك أو الحديث كان متأولاً عندها بما فضل من معاش الورثة وضروراتهم ونحوها، وأما هجرانها فمعناه انقباضها عن لقائه لا الهجران المحرم من ترك السلام ونحوه ولفظ مهاجرته بصيغة اسم الفاعل لا المصدر اهـ.

ولعل فاطمة -رضي الله عنها- لما خرجت غضبى من عند أبي بكر تمادت في اشتغالها بشأنها ثم بمرضها والهجران المحرم إنما هو أن يلتقيا فيعرض هذا وهذا.

( قالت) عائشة -رضي الله عنها-: ( وكانت فاطمة تسأل أبا بكر نصيبها مما ترك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من) سهمه في ( خيبر) بعدم الصرف وهو الخمس ( وفدك) بفتح الفاء والدال المهملة ولأبي ذر وفدك بعدمه بلد بينها وبين المدينة ثلاث مراحل وكانت له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خاصة ( وصدقته بالمدينة) بنصب
صدقته عطفًا على المنصوب السابق وبالجر عطفًا على المجرور أي نخل بني النضير التي في أيدي بني فاطمة وكانت قريبة من المدينة ووصية مخيريق يوم أُحد، وكانت سبع حوائط في بني النضير وما أعطاه الأنصار من أرضهم وحقه من الفيء من أموال بني النضير وثلث أرض وادي القرى أخذه في الصلح حين صالح اليهود وحصنان من حصون خيبر الوطيح والسلالم حين صالح اليهود ونصف فدك وسهمه من خمس خيبر وما افتتح فيها عنوة ( فأبى) أي امتنع ( أبو بكر عليها ذلك وقال: لست تاركًا شيئًا كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعمل به إلاّ عملت به فإني أخشى إن تركت شيئًا) بكسر همزة إن تركت ( من أمره أن أزيغ) بفتح الهمزة وكسر الزاي وبعد التحتية الساكنة عين معجمة أي أن أميل عن الحق إلى غيره.

قالت عائشة: ( فأما صدقته) عليه الصلاة والسلام ( بالمدينة فدفعها عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- ( إلى عليّ وعباس) لينتفعا منها بقدر حقهما لا على جهة التمليك ( فأما) بالفاء ولأبي ذر: وأما ( خيبر) أي الذي يخص النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منها ( وفدك فأمسكهما عمر) ولم يدفعهما لغيره ( وقال: هما صدقة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كانتا لحقوقه التي تعروه) أي التي تنزل به ( ونوائبه) أي الحوادث التي تصيبه ( وأمرهما إلى من ولي الأمر) بعده عليه الصلاة والسلام فكان أبو بكر -رضي الله عنه- يقدم نفقة أمهات المؤمنين وغيرها مما كان يصرفه عليه الصلاة والسلام فيصرفه من مال خيبر وفدك وما فضل عن ذلك جعله في المصالح وعمل عمر بعده بذلك فلما كان عثمان تصرف في فدك بحسب ما رأى فأقطعها لمروان لأنه تأول أن الذي يختص به -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يكون للخليفة بعده فاستغنى عثمان عنها بأمواله فوصل بها بعض أقاربه.

( قال) الزهري حين حدث بهذا الحديث ( فهما) أي الذي كان يخصه عليه الصلاة والسلام من خيبر وفدك ( على ذلك) يتصرف فيهما من ولي الأمر ( إلى اليوم) .. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في المغازي في غزوة خيبر.

( قال أبو عبد الله) البخاري مفسرًا لقوله في الحديث تعروه بما في القرآن من قوله تعالى: أن نقول إلا ( اعتراك افتعلت) بسكون اللام وفتح الفوقية أي أنه من باب الافتعال وأصله ( من عروته فأصبته ومنه يعروه واعتراني) وهذا وقع في المجاز لأبي عبيدة وسقط قوله قال أبو عبد الله إلى آخره لابن عساكر، وزاد أبو ذر في رواية الحموي هنا ترجمة فقال قصة فدك وهي زيادة مستغنى عنها بما سبق في الحديث المتقدم.




[ قــ :954 ... غــ : 3094 ]
- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَرْوِيُّ حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ -وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرٍ ذَكَرَ لِي ذِكْرًا مِنْ حَدِيثِهِ ذَلِكَ، فَانْطَلَقْتُ حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ الْحَدِيثِ فَقَالَ مَالِكٌ-: بَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ فِي أَهْلِي حِينَ مَتَعَ النَّهَارُ، إِذَا رَسُولُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَأْتِينِي فَقَالَ: أَجِبْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ حَتَّى
أَدْخُلَ عَلَى عُمَرَ، فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى رِمَالِ سَرِيرٍ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فِرَاشٌ، مُتَّكِئٌ عَلَى وِسَادَةٍ مِنْ أَدَمٍ.
فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ثُمَّ جَلَسْتُ، فَقَالَ: يَا مَالِ إِنَّهُ قَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ قَوْمِكَ أَهْلُ أَبْيَاتٍ، وَقَدْ أَمَرْتُ فِيهِمْ بِرَضْخٍ، فَاقْبِضْهُ، فَاقْسِمْهُ بَيْنَهُمْ.
فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَوْ أَمَرْتَ لَه غَيْرِي.
قَالَ: فاقْبِضْهُ أَيُّهَا الْمَرْءُ.
فَبَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ عِنْدَهُ أَتَاهُ حَاجِبُهُ يَرْفَأ فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِي عُثْمَانَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرِ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ يَسْتَأْذِنُونَ.
قَالَ: نَعَمْ، فَأَذِنَ لَهُمْ، فَدَخَلُوا، فَسَلَّمُوا وَجَلَسُوا.
ثُمَّ جَلَسَ يَرْفَأ يَسِيرًا، ثُمَّ قَالَ: هَلْ لَكَ فِي عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَذِنَ لَهُمَا، فَدَخَلاَ، فَسَلَّمَا فَجَلَسَا فَقَالَ عَبَّاسٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَ هَذَا -وَهُمَا يَخْتَصِمَانِ فِيمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ مالِ بَنِي النَّضِيرِ- فَقَالَ الرَّهْطُ -عُثْمَانُ وَأَصْحَابُهُ- يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اقْضِ بَيْنَهُمَا وَأَرِحْ أَحَدَهُمَا مِنَ الآخَرِ.
فقَالَ عُمَرُ: تَيْدَكُمْ؛ أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: لاَ نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ؟ يُرِيدُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَفْسَهُ.
قَالَ الرَّهْطُ: قَدْ قَالَ ذَلِكَ.
فَأَقْبَلَ عُمَرُ عَلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ فَقَالَ: أَنْشُدُكُمَا اللَّهَ أَتَعْلَمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ قَالَ ذَلِكَ؟ قَالاَ: قَدْ قَالَ ذَلِكَ.
قَالَ عُمَرُ: فَإِنِّي أُحَدِّثُكُمْ عَنْ هَذَا الأَمْرِ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ خَصَّ رَسُولَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي هَذَا الْفَىْءِ بِشَىْءٍ لَمْ يُعْطِهِ أَحَدًا غَيْرَهُ.
ثُمَّ قَرَأَ: { وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ} -إِلَى قَوْلِهِ- { قَدِيرٌ} [الحشر: 7] فَكَانَتْ هَذِهِ خَالِصَةً لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَوَاللَّهِ مَا احْتَازَهَا دُونَكُمْ، وَلاَ اسْتَأْثَرَ بِهَا عَلَيْكُمْ، قَدْ أَعْطَاكُمُوهُ وَبَثَّهَا فِيكُمْ حَتَّى بَقِيَ مِنْهَا هَذَا الْمَالُ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَتِهِمْ مِنْ هَذَا الْمَالِ، ثُمَّ يَأْخُذُ مَا بَقِيَ فَيَجْعَلُهُ مَجْعَلَ مَالِ اللَّهِ.
فَعَمِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِذَلِكَ حَيَاتَهُ.
أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ، هَلْ تَعْلَمُونَ ذَلِكَ؟ قَالُوا: نَعَمْ.
ثُمَّ قَالَ لِعَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ: أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمَانِ ذَلِكَ؟ قَالَ عُمَرُ: ثُمَّ تَوَفَّى اللَّهُ نَبِيَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَبَضَهَا أَبُو بَكْرٍ فَعَمِلَ فِيهَا بِمَا عَمِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُ فِيهَا لَصَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ، ثُمَّ تَوَفَّى اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ، فَكُنْتُ أَنَا وَلِيَّ أَبِي بَكْرٍ، فَقَبَضْتُهَا سَنَتَيْنِ مِنْ إِمَارَتِي أَعْمَلُ فِيهَا بِمَا عَمِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَا عَمِلَ فِيهَا أَبُو بَكْرٍ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنِّي فِيهَا لَصَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ.
ثُمَّ جِئْتُمَانِي تُكَلِّمَانِي وَكَلِمَتُكُمَا وَاحِدَةٌ وَأَمْرُكُمَا وَاحِدٌ، جِئْتَنِي يَا عَبَّاسُ تَسْأَلُنِي نَصِيبَكَ مِنِ ابْنِ أَخِيكَ، وَجَاءَنِي هَذَا -يُرِيدُ عَلِيًّا- يُرِيدُ نَصِيبَ امْرَأَتِهِ مِنْ أَبِيهَا.
فَقُلْتُ لَكُمَا: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: لاَ نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ.
فَلَمَّا بَدَا لِي أَنْ أَدْفَعَهُ إِلَيْكُمَا قُلْتُ: إِنْ شِئْتُمَا دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا عَلَى أَنَّ عَلَيْكُمَا عَهْدَ اللَّهِ وَمِيثَاقَهُ لَتَعْمَلاَنِ فِيهَا بِمَا عَمِلَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبِمَا عَمِلَ فِيهَا أَبُو بَكْرٍ وَبِمَا عَمِلْتُ فِيهَا مُنْذُ وَلِيتُهَا.
فَقُلْتُمَا: ادْفَعْهَا إِلَيْنَا، فَبِذَلِكَ دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا.
فَأَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ، هَلْ دَفَعْتُهَا إِلَيْهِمَا بِذَلِكَ؟ قَالَ الرَّهْطُ: نَعَمْ.
ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ فَقَالَ: أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ، هَلْ دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا بِذَلِكَ؟ قَالاَ: نَعَمْ , قَالَ: فَتَلْتَمِسَانِ مِنِّي قَضَاءً غَيْرَ
ذَلِكَ؟ فَوَاللَّهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ، لاَ أَقْضِي فِيهَا قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ، فَإِنْ عَجَزْتُمَا عَنْهَا فَادْفَعَاهَا إِلَىَّ، فَإِنِّي أَكْفِيكُمَاهَا".

وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن محمد الفروي) بفتح الفاء وسكون الراء وكسر الواو القرشي المدنيّ الأموي قال: (حدّثنا مالك بن أنس) إمام دار الهجرة (عن ابن شهاب) الزهري (عن مالك بن أوس بن الحدثان) بفتح الهمزة وسكون الواو وبالسين المهملة.
والحدثان بالحاء والدال المهملتين والمثلثة المفتوحات وبعد الألف نون ابن عوف بن ربيعة النصري بالنون من بني نصر بن معاوية اختلف في صحبته.
قال الزهري: (وكان محمد بن جيبر) بضم الجيم وفتح الموحدة ابن مطعم (ذكر لي ذكرًا من حديثه ذلك) أي الآتي ذكره (فانطلقت حتى أدخل) بالنصب أي إلى أن أدخل والرفع على أن تكون عاطفة ورجح ابن مالك النصب (على مالك بن أوس فسألته عن ذلك الحديث فقال مالك: بينا) بغير ميم ولأبي ذر: بينما (أنا جالس في أهلي حين متع النهار) بميم ففوقية فعين مهملة مفتوحات اشتد حره وارتفع وطال وجواب بينما قوله (إذا رسول عمر بن الخطاب) يحتمل أن يكون الرسول يرفأ الحاجب (يأتيني فقال؛ أجب أمير المؤمنين فانطلقت معه حتى أدخل) بالنصب والرفع (على عمر فإذا هو جالس على رمال سرير) بكسر راء رمال وقد تضم ما ينسج من سعف النخل ونحوه (ليس بينه وبينه فراش متكئ على وسادة من أدم فسلمت عليه ثم جلست فقال: يا مالِ) بكسر اللام على اللغة المشهورة أي يا مالك على الترخيم ويجوز الضم على أنه صار اسمًا مستقلاً فيعرب إعراب المنادى المفرد (إنه قدم علينا من قومك أهل أبيات) من بني نصر بن معاوية بن أبي بكر بن هوازن وكان قد أصابهم جدب في بلادهم فانتجعوا المدينة (وقد أمرت لهم) والذي في الفرع وأصله فيهم (برضخ) بفتح الراء وسكون الضاد آخره خاء معجمتين أي بعطية قليلة غير مقدرة (فاقبضه) بكسر الموحدة (فاقسمه بينهم.
فقلت: يا أمير المؤمنين لو أمرت به غيري) أي بأن يدفع الرضخ لهم غيري وفي رواية أبي ذر عن الحموي والمستملي له باللام بدل به بالموحدة ولعله قال ذلك تحرجًا من قبول الأمانة (قال) عمر (اقبضه) ولأبي ذر: فاقبضه (أيها المرء) لم يبين هل قبضه أم لا والظاهر أنه قبضه لعزم عمر عليه (فبينا) بغير ميم ولأبي ذر؛ فبينما (أنا جالس عنده أتاه حاجبه يرفأ) بمثناة تحتية مفتوحة فراء ساكنة ثم فاء فألف وقد تهمز.
قال الحافظ ابن حجر: وهي روايتنا من طريق أبي ذر: وكان يرفأ من موالي عمر أدرك الجاهلية ولا يعرف له صحبة (فقال: هل لك) رغبة (في عثمان) بن عفان (وعبد الرحمن بن عوف والزبير) بن العوّام (وسعد بن أبي وقاص) زاد النسائي وعمر بن شبة من طريق عمرو بن دينار عن ابن شهاب على الأربعة طلحة بن عبيد الله حال كونهم (يستأذنون؟) في الدخول عليك (قال: نعم.
فأذن لهم فدخلوا فسلموا وجلسوا ثم جلس يرفأ يسيرًا ثم قال: هل لك في عليّ وعباس) زاد شعيب في روايته في المغازي يستأذنان (قال) عمر -رضي الله عنه-: (نعم.
فأذن لهما) بفتح الهمزة وكسر الذال المعجمة (فدخلا فسلما فجلسا فقال عباس) لعمر: (يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا) أي عليّ (وهما يختصمان) أي يتنازعان ويتجادلان (فيما أفاء الله على رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب (من بني النضير) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: من مال بني النضير (فقال الرهط عثمان وأصحابه: يا أمير المؤمنين اقض بينهما وأرح أحدهما من الآخر.
قال): ولأبي ذر: فقال (عمر: تيدكم)، بفتح المثناة الفوقية وسكون التحتية ونصب الدال على وزن فاجمعوا كيدكم وليس في الفرع غيرها، ونسبها عياض للقابسي وعبدوس، وحكى سيبويه عن بعض العرب بيس فلان بفتح الموحدة.
قال عياض: فالياء يعني التحتية مسهلة من همزة والتاء يعني الفوقية مبدلة من واو لأنه في الأصل وأدة اهـ.

فالنصب على المصدر والتقدير تيدوا تيدكم، ولأبي ذر: تئدكم بفتح المثناة وهمزة مكسورة.

قال في الفتح: وفتح الدال وضبطها غيره بالقلم بإسكانها وآخر بالقلم أيضًا برفعها وللأصيلي تئدكم، بكسر أوّله وضم الدال مع الهمزة المفتوحة وضبطها بعضهم بالقلم بسكون الدال، وعند بعضهم تيدكم بكسر الفوقية كأنه مصدر تاد يتيد فترك همزه.
قال في القاموس: التيد الرفق يقال تيدك يا هذا أي: اتئد وتيدك زيدًا أي أمهله اما مصدر والكاف مجرورة أو اسم فعل والكاف للخطاب.
وقال ابن مالك: لا يكون إلا اسم فعل، ويقال: تيد زيد اهـ.

والمعنى هنا اصبروا وأمهلوا على رسلكم (أنشدكم) بفتح الهمزة وضم الشين أي أسألكم (بالله الذي بإذنه تقوم السماء) فوق رؤوسكم بغير عمد (والأرض) على الماء تحت أقدامكم (هل تعلمون أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: لا نورث) معاشر الأنبياء (ما تركنا صدقة) بالرفع خبر المبتدأ الذي هو ما الموصولة وتركنا صلته والعائد محذوف أي الذي تركناه صدقة (يريد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نفسه) وكذا غيره من الأنبياء بدليل قوله في الرواية الأخرى: "إنا معاشر الأنبياء" فليس خاصًّا به عليه الصلاة والسلام، وأما قول زكريا: { يرثني ويرث من آل يعقوب} [مريم: 6] .
وقوله: { وورث سليمان داود} [النحل: 16] .
فالمراد ميراث العلم والنبوة والحكمة.

(قال الرهط): عثمان وأصحابه (قد قال) عليه الصلاة والسلام (ذلك.
فأقبل عمر على عليّ وعباس) -رضي الله عنهم- (فقال: أنشدكما الله) بإسقاط حرف الجر وسقط لفظ الجلالة لأبي ذر (أتعلمان أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد قال ذلك؟) أي: لا نورث ما تركنا صدقة (قالا: قد قال ذلك) وسقطت هذه الجملة من قوله قالا لأبي ذر (قال عمر: فإني أحدثكم عن هذا الأمر إن الله قد خص رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في هذا الفيء بشيء لم يعطه أحدًا غيره ثم قرأ: { وما أفاء الله على رسوله منهم} إلى قوله: { قدير} [الحشر: 6] .
(فكانت هذه) أي بني النضير وخيبر وفدك (خالصة لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لا حق لأحد فيها غيره فكان ينفق منها نفقته ونفقة أهله ويصرف الباقي في مصالح المسلمين.
هذا مذهب الجمهور.
وقال الشافعي: يقسم الفيء خمسة أقسام كما مرّ مفصلاً، وتأول عمر هذا بأنه يريد الأخماس الأربعة (والله) ولأبي ذر: ووالله (ما احتازها) بحاء مهملة ساكنة وزاي مفتوحة من الحيازة وهي الجمع يقال: حاز الشيء واحتازه جمعه وضمه (دونكم) وللكشميهني ما اختارها بالخاء المعجمة والراء (ولا استأثر) بالمثناة الفوقية وبعد الهمزة الساكنة مثلثة
أي ما تفرد (بها عليكم قد أعطاكموه) أي الفيء، وللكشميهني: أعطاكموها أي أموال الفيء (وبثها) بالموحدة المفتوحة والمثلثة المشددة المفتوحة أي فرقها (فيكم حتى بقي منها هذا المال فكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ينفق على أهله نفقة سنتهم من هذا المال ثم يأخذ ما بقي فيجعله مجعل) بفتح الميم والعين المهملة بينهما جيم ساكنة (مال الله) في السلاح والكراع ومصالح المسلمين، وهذا لا يعارضه حديث عائشة أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- توفي ودرعه مرهونة على شعير لأنه يجمع بينهما بأنه كان يدخر لأهله قوت سنتهم ثم في طول السنة يحتاج لمن يطرقه إلى إخراج شيء منه فيخرجه فيحتاج إلى تعويض ما أخذ منها فلذلك استدان (فعمل) بكسر الميم (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذلك حياته.
أنشدكم بالله) بحرف الجر (هل تعلمون ذلك؟ قالوا: نعم.
ثم قال لعليّ وعباس: أنشدكما بالله) ولأبي ذر: أنشدكما الله بإسقاط الجار (هل تعلمان ذلك؟) زاد في رواية عقيل عن ابن شهاب في الفرائض قالا: نعم.
(قال عمر: ثم توفى الله نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال أبو بكر: أنا وليّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقبضها أبو بكر فعمل فيها بما عمل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والله يعلم أنه فيها لصادق بار) بتشديد الراء (راشد تباع للحق) زاد في مسلم بعد قوله قال أبو بكر: أنا وليّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فجئتما تطلب ميراثك من ابن أخيك ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها فقال أبو بكر قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ما نورث ما تركنا صدقة.
ثم توفى الله أبا بكر فكنت أنا وليّ أبي بكر فقبضتها سنتين من إمارتي) بكسر الهمزة (اعمل) بفتح الميم (فيها بما عمل) بكسرها (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وما عمل فيها أبو بكر والله يعلم أني فيها لصادق بارّ راشد تابع للحق ثم جئتماني تكلماني وكلمتكما واحدة وأمركما واحد جئتني يا عباس تسألني نصيبك) أي ميراثك (من ابن أخيك) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وجاءني هذا يريد عليًّا يريد نصيب امرأته) أي ميراثها (من أبيها) عليه الصلاة والسلام (فقلت لكما: إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(لا نورث ما تركنا صدقة فلما بدا) أي ظهر (لي أن أدفعه إليكما قلت إن شئتما دفعتها إليكما على أن عليكما عهد الله وميثاقه لتعملان فيها بما عمل فيها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبما عمل فيها أبو بكر وبما عملت فيها منذ وليتها) بفتح الواو وتخفيف اللام أي لتتصرفا فيها وتنتفعا منها بقدر حقكما كما تصرف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبو بكر وعمر لا على جهة التمليك إذ هي صدقة محرمة التمليك بعده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقلتما ادفعها إلينا فبذلك دفعتها إليكما فأنشدكم بالله) بحرف الجر (هل دفعتها إليهما بذلك؟ قال الرهط): عثمان وأصحابه (نعم.
ثم أقبل) عمر (على عليّ وعباس فقال: أنشدكما بالله هل دفعتها إليكما بذلك؟ قالا: نعم.
قال فتلتمسان) أي أفتطلبان (مني قضاء غير ذلك فوالله الذي بإذنه تقوم السماء) بغير عمد (والأرض) على الماء (لا أقضي فيها قضاء غير ذلك) وعند أبي داود: والله لا أقضي بغير ذلك حتى تقوم الساعة (فإن عجزتما عنها فادفعاها إليّ فإني أكفيكماها).

وقد استشكل الخطابي هذه القصة بأن عليًّا وعباسًا إذا كانا قد أخذا هذه من عمر على شريطة أن يتصرفا فيها كما تصرف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والخليفتان بعده وعلما أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "لا نورث ما تركنا صدقة" فإن كانا سمعاه من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فكيف يطلبانه من أبي بكر، وإن كانا سمعاه من أبي
بكر أو في زمنه بحيث أفاد عندهما العلم بذلك فكيف يطلبانه بعد ذلك من عمر؟ وأجيب: بأنهما اعتقدا أن عموم قوله: "لا نورث" مخصوص ببعض ما يخلفه دون بعض، وأمّا مخاصمة علي وعباس بعد ذلك فلم تكن في الميراث بل في ولاية الصدقة وصرفها كيف تصرف وعورض بقوله في آخر الحديث في رواية النسائي ثم جئتماني الآن تختصمان يقول هذا أريد نصيبي من ابن أخي ويقول هذا أريد نصيبي من امرأتي والله لا أقضي بينكما إلا بذلك أي إلا بما تقدم من تسليمها على سبيل الولاية.