فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أحلت لكم الغنائم»

باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أُحِلَّتْ لَكُمُ الْغَنَائِمُ».

وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: { وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا} [الفتح: 20] الآية.

وَهْيَ لِلْعَامَّةِ حَتَّى يُبَيِّنَهُ الرَّسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
( باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أحلت لكم الغنائم") أي ولم تحل لغيركم ( وقال الله تعالى) : ولأبي ذر: عز وجل بدل قوله تعالى: ( { وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها} ) [الفتح: 20] هي ما أصابوها معه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبعده إلى يوم القيامة ( فعجل لكم هذه) أي غنائم خيبر، واتفقوا على أن الآية نزلت في أهل الحديبية وزاد أبو ذر الآية ( وهي) ولأبي ذر فهي أي الغنيمة ( للعامة) من المسلمين ( حتى يبينه) أي الاستحقاق ( الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه للمقاتلين ولأصحاب الخمس فالقرآن مجمل والسُّنّة مبيّنة له.


[ قــ :2978 ... غــ : 3119 ]
- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا خَالِدٌ حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ عَنْ عَامِرٍ عَنْ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ والأَجْرُ وَالْمَغْنَمُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ».

وبه قال: ( حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: ( حدّثنا خالد) هو ابن عبد الله بن عبد الرحمن الطحان قال: ( حدّثنا حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين ابن عبد الرحمن السلمي ( عن عامر) الشعبي ( عن عروة) بن الجعد ( البارقي) بالموحدة والراء والقاف الأزدي ( -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال) :
( الخيل معقود في نواصيها) ولابن عساكر بنواصيها ( الخير.
الأجر)
هو نفس الخير أي الثواب في الآخرة ( والمغنم) بفتح الميم وسكون المعجمة أي الغنيمة في الدنيا ( إلى يوم القيامة) فيه أن الجهاد لا ينقطع أبدًا وسبق هذا الحديث في الجهاد.




[ قــ :979 ... غــ : 310 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلاَ كِسْرَى بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلاَ قَيْصَرَ بَعْدَهُ.
وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُنْفِقُنَّ كُنُوزَهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ».

وبه قال: ( حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: ( حدّثنا شعيب) هو ابن أبي حمزة قال: ( حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان ( عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز ( عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) :
( إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده) ، أي في العراق ( وإذا هلك قيصر فلا) فليس ( قيصر بعده) أي في الشأم ( والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله) .
بفتح الفاء والقاف أو بكسر الفاء وضم القاف وكلاهما في اليونينية فكنوز رفع على الأول ونصب على الثاني وقد صدق الله تعالى رسوله وأنفقت كنوزهما في سبيل الله.




[ قــ :980 ... غــ : 311 ]
- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ سَمِعَ جَرِيرًا عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلاَ كِسْرَى بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلاَ قَيْصَرَ بَعْدَهُ.
وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ».
[الحديث 311 - طرفاه في: 3619، 669]
وبه قال: ( حدّثنا إسحاق) هو ابن إبراهيم بن راهويه أنه ( سمع جريرًا) بفتح الجيم ابن عبد الحميد ( عن عبد الملك) بن عمير الكوفي ( عن جابر بن سمرة) بفتح السين المهملة وضم الميم ( -رضي الله عنه-) أنه ( قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله) .

وهذا الحديث أخرجه أيضًا في علامات النبوة والأيمان والنذور ومسلم في الفتن.




[ قــ :981 ... غــ : 31 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا سَيَّارٌ حَدَّثَنَا يَزِيدُ الْفَقِيرُ حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أُحِلَّتْ لِي الْغَنَائِمُ».

وبه قال: ( حدّثنا محمد بن سنان) بكسر السين المهملة قال: ( حدّثنا هشيم) بضم الهاء وفتح المعجمة ابن بشير بضم الموحدة وفتح الشين المعجمة الواسطي قال: ( أخبرنا سيار) بفتح السين المهملة وتشديد التحتية ابن أبي سيار واسمه وردان الواسطي قال: ( حدّثنا يزيد الفقير) لأنه أصيب في فقار ظهره ابن صهيب الكوفي قال: ( حدّثنا جابر بن عبد الله) الأنصاري ( -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( أحلت لي الغنائم) هي من خصائصه فلم تحل لأحد غيره وأمته.

وهذا الحديث سبق في الطهارة في باب التيمم.




[ قــ :98 ... غــ : 313 ]
- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «تَكَفَّلَ اللَّهُ لِمَنْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ لاَ يُخْرِجُهُ إِلاَّ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ، وَتَصْدِيقُ كَلِمَاتِهِ، بِأَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، أَوْ يَرْجِعَهُ إِلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ مَعَ مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ».

وبه قال: ( حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: ( حدّثني) بالإفراد ( مالك) الإمام ( عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان ( عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز ( عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) :
( تكفل الله لمن جاهد في سبيله لا يخرجه إلا الجهاد في سبيله وتصديق كلماته.
بأن)
ولابن عساكر أن ( يدخله) بفضله ( الجنة) بعد الشهادة في الحال أو بغير حساب ولا عذاب بعد البعث وتكون فائدة تخصيصه أن ذلك كفارة لجميع خطاياه ولا توزن مع حسناته وعبر عن تفضله تعالى بالثواب بلفظ تكفل الله لتطمئن به النفوس وتركن إليه القلوب ( أو يرجعه) بفتح الياء لأن رجع يتعدى بنفسه أي أو أن يرجعه ( إلى مسكنه الذي خرج منه مع أجر) ولابن عساكر وأبي ذر عن الكشميهني مع ما نال من أجر أي بلا غنيمة إن لم يغنموا ( أو) من أجر مع ( غنيمة) إن غنموا، فالقضية مانعة الخلو لا الجمع لأن الخارج للجهاد ينال الخير بكل حال فإما أن يستشهد فيدخل الجنة وإما أن يرجع بأجر فقط وإما بأجر وغنيمة معًا وهذا بخلاف أو التي في أو يرجعه فإنها تفيد منع كليهما.

وهذا الحديث قد سبق في الإيمان والجهاد.




[ قــ :983 ... غــ : 314 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «غَزَا نَبِيٌّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ فَقَالَ لِقَوْمِهِ: لاَ يَتْبَعْنِي رَجُلٌ مَلَكَ بُضْعَ امْرَأَةٍ وَهْوَ يُرِيدُ أَنْ يَبْنِيَ بِهَا وَلَمَّا يَبْنِ بِهَا، وَلاَ أَحَدٌ بَنَى بُيُوتًا وَلَمْ يَرْفَعْ سُقُوفَهَا، وَلاَ أَحَدٌ اشْتَرَى غَنَمًا أَوْ خَلِفَاتٍ وَهْوَ يَنْتَظِرُ وِلاَدَهَا.
فَغَزَا.
فَدَنَا مِنَ الْقَرْيَةِ صَلاَةَ الْعَصْرِ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ لِلشَّمْسِ: إِنَّكِ مَأْمُورَةٌ وَأَنَا مَأْمُورٌ، اللَّهُمَّ أحْبِسْهَا عَلَيْنَا، فَحُبِسَتْ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، فَجَمَعَ الْغَنَائِمَ، فَجَاءَتْ -يَعْنِي النَّارَ- لِتَأْكُلَهَا فَلَمْ تَطْعَمْهَا، فَقَالَ: إِنَّ فِيكُمْ غُلُولاً، فَلْيُبَايِعْنِي مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ رَجُلٌ، فَلَزِقَتْ يَدُ رَجُلٍ بِيَدِهِ، فَقَالَ: فِيكُمُ الْغُلُولُ، فَلْيُبَايِعْنِي قَبِيلَتُكَ، فَلَزِقَتْ يَدُ رَجُلَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةٍ بِيَدِهِ، فَقَالَ: فِيكُمُ الْغُلُولُ، فَجَاءُوا بِرَأْسٍ بَقَرَةٍ مِنَ الذَّهَبِ فَوَضَعُوهَا، فَجَاءَتِ النَّارُ فَأَكَلَتْهَا.
ثُمَّ أَحَلَّ اللَّهُ لَنَا الْغَنَائِمَ، رَأَى ضَعْفَنَا وَعَجْزَنَا فَأَحَلَّهَا لَنَا".
[الحديث 314 - طرفه في: 5157] .

وبه قال: ( حدّثنا محمد بن العلاء) الهمداني الكوفي قال: ( حدّثنا ابن المبارك) عبد الله ( عن معمر) هو ابن راشد ( عن همام بن منبه) بفتح الهاء وتشديد الميم ومنبه بضم الميم وفتح النون وتشديد الموحدة المكسورة ( عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه ( قال: قال رسول الله) ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر قال النبي ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( غزا) أي أراد ( نبي من الأنبياء) أن يغزو وعند الحاكم في مستدركه من طريق كعب الأحبار
أن هذا النبي هو يوشع بن نون وكان الله تعالى قد نبأه بعد موسى عليه الصلاة والسلام وأمره بقتال الجبارين ( فقال لقومه) بني إسرائيل ( لا يتبعني) بالجزم على النهي ويجوز الرفع على النفي ( رجل ملك بضع امرأة) بضم الموحدة وسكون المعجمة أي عقد نكاح امرأة ( وهو) أي والحال أنه ( يريد أن يبني بها) أي يدخل عليها وتزف إليه ( ولما يبن بها) ، أي والحال أنه لم يدخل عليها لتعلق قلبه غالبًا بها فيشتغل عما هو عليه من الطاعة وربما ضعف فعل جوارحه بخلاف ذلك بعد الدخول ( ولا) يتبعني ( أحد بنى بيوتًا) بالجمع ( ولم يرفع سقوفها، ولا أحد) ولابن عساكر وأبي ذر عن الحموي والمستملي ولا آخر بالخاء المعجمة والراء ( اشترى غنمًا) أي حوامل ( أو خلفات) بفتح الخاء المعجمة وكسر اللام بعدها فاء مخففة جمع خلفة وهي الحامل من النوق وقد تطلق على غير النوق، ( وهو) أي والحال أنه ( ينتظر ولادها) بكسر الواو وبعد الدال هاء مصدر ولد يلد ولادًا وولادة وأو في قوله غنمًا أو خلفات للتنويع، ويكون قد حذف وصف الغنم بالحمل لدلالة الثاني عليه ويؤكد كونها للتنويع رواية أبي يعلى عن محمد بن العلاء: ولا رجل له غنم أو بقر أو خلفات، ويحتمل أن تكون للشك أي هل قال غنمًا بغير صفة أو خلفات أي بصفة أنها حوامل، والمراد أن لا تتعلق قلوبهم بإنجاز ما تركوه معوّقًا.

( فغزا) يوشع بمن تبعه من بني إسرائيل ممن لم يتصف بتلك الصفة ( فدنا من القرية) هي أريحا بهمزة مفتوحة فراء مكسورة فتحتية ساكنة فحاء مهملة مقصورًا ( صلاة العصر أو قريبًا من ذلك) .
وعند الحاكم من روايته عن كعب: وقت عصر يوم الجمعة فكادت الشمس أن تغرب ويدخل الليل، وعند ابن إسحاق فتوجه ببني إسرائيل إلى أريحا فأحاط بها ستة أشهر فلما كان السابع نفخوا في القرون فسقط سور المدينة فدخلوها وقتلوا الجبارين، وكان القتال يوم الجمعة فبقيت منهم بقية وكادت الشمس تغرب وتدخل ليلة السبت فخاف يوشع عليه الصلاة والسلام أن يعجزوا لأنه لا يحل لهم قتالهم فيه ( فقال للشمس: إنك مأمورة) .
أمر تسخير بالغروب ( وأنا مأمور) أمر تكليف بالصلاة أو القتال قبل غروبك وهل مخاطبته للشمس حقيقة وأن الله تعالى خلق فيها تمييزًا وإدراكًا يأتي ذلك إن شاء الله تعالى في الفتن، في سجودها تحت العرش واستئذانها من حيث تطلع ( اللهم احبسها علينا) حتى نفرع من قتالهم ( فحبست) بضم الحاء وكسر الموحدة أي ردت على أدراجها أو وقفت أو بطئت حركتها ( حتى فتح الله عليه) ولأبي ذر عن الكشميهني: عليهم ( فجمع) يوشع ( الغنائم) زاد في رواية سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عند النسائي وابن حبان: وكانوا إذا غنموا غنيمة بعث الله عليها النار فتأكلها ( فجاءت -يعني النار- لتأكلها فلم تطعمها) ، بفتح أوّله وثالثه أي لم تذق طعمها وهو على طريق المبالغة إذ كان الأصل أن يقال فلم تأكلها وكان المجيء علامة للقبول وعدم الغلول ( فقال) يوشع عليه الصلاة والسلام: ( إن فيكم غلولاً) ، أي سرقة من الغنيمة ( فليبايعني من كل قبيلة رجل) أي فبايعوه ( فلزقت يد رجل بيده) ، بكسر الزاي ( فقال) يوشع: ( فيكم الغلول، فليبايعني) بالتحتية بعد اللام، ولأبي ذر: فلتبايعني بالفوقية ( قبيلتك) أي فبايعته ( فلزقت يد رجلين أو ثلاثة بيده) ، وفي رواية ابن المسيب رجلين
بالجزم ( فقال) يوشع ( فيكم الغلول، فجاؤوا برأس مثل رأس بقرة) ولابن عساكر: البقرة بالتعريف ( من الذهب، فوضعوها فجاءت النار فأكلتها) ، قال ابن المنير: جعل الله علامة الغلول إلزاق يد الغال وألهم ذلك يوشع فدعاهم للمبايعة حتى تقوم له العلامة المذكورة، وكذلك يوفق الله تعالى خواص هذه الأمة من العلماء لمثل هذا الاستدلال.

فقد روي في الحكايات المسندة عن الثقات أنه كان بالمدينة محمة يغسل فيها النساء وأنه جيء إليها بامرأة فبينما هي تغسل إذ وقفت عليها امرأة فقالت: إنك زانية وضربت يدها على عجيزة المرأة الميتة فألزقت يدها فحاولت وحاول النساء نزع يدها فلم يمكن ذلك فرفعت إلى والي المدينة فاستشار الفقهاء فقال قائل بقطع يدها، وقال آخر بقطع بضعة من الميتة لأن حرمة الحي آكد فقال الوالي: لا أبرم أمرًا حتى أؤامر أبا عبد الله فبعث إلى مالك -رحمه الله- فقال: لا تقطع من هذه ولا من هذه ما أرى هذه إلاَّ امرأة تطلب حقها من الحدّ فحدّوا هذه القاذفة فضربها تسعة وسبعين سوطًا ويدها ملتصقة فلما ضربها تكملة الثمانين انحلت يدها، فإما أن يكون مالك -رحمه الله- اطلع على هذا الحديث فاستعمله بنور التوفيق في مكانه، وإما أن يكون وفق فوافق وقد كان الزاق يد الغال بيد يوشع تنبيها على أنها يد عليها حق يطلب أن يتخلص منه، أو دليلاً على أنها يد ينبغي أن يضرب عليها ويحبس صاحبها حتى يؤدي الحق إلى الإمام وهو من جنس شهادة اليد على صاحبها يوم القيامة.

واستنبط من هذا الحديث أن أحكام الأنبياء قد تكون بحسب الأمر الباطن.

( ثم أحل الله لنا الغنائم) ، خصوصية لنا وكان ابتداء ذلك من غزوة بدر ( رأى) سبحانه وتعالى ( ضعفنا وعجزنا فأحلها لنا) رحمة بنا لشرف نبينا عليه الصلاة والسلام ولم يحلها لغيرنا لئلا يكون قتالهم لأجل الغنيمة لقصورهم في الإخلاص بخلاف هذه الأمة المحمدية فإن الإخلاص فيهم غالبًا جعلنا الله من المخلصين بمنه وكرمه، وفي التعبير بلنا تعظيم حيث أدخل عليه الصلاة والسلام نفسه الكريمة معنا، وفي قوله إن الله رأى عجزنا وضعفنا إشارة إلى أن الفضيلة عند الله تعالى هي إظهار العجز والضعف بين يديه تعالى.

وهذا الحديث أخرجه أيضًا في النكاح ومسلم في المغازي.