فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب الموادعة والمصالحة مع المشركين بالمال وغيره، وإثم من لم يف بالعهد

باب الْمُوَادَعَةِ وَالْمُصَالَحَةِ مَعَ الْمُشْرِكِينَ بِالْمَالِ وَغَيْرِهِ، وَإِثْمِ مَنْ لَمْ يَفِ بِالْعَهْدِ وَقَوْلِهِ: { وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ} -جنحوا: طلبوا السلم- { فَاجْنَحْ لَهَا} [الأنفال: 61] الآيَةَ
( باب الموادعة) وهي المسالمة على ترك الحرب والأذى ( والمصالحة مع المشركين بالمال وغيره) كالأسرى ( وإثم من لم يفِ) ولأبي ذر عن الكشميهني: يوفِ بضم التحتية ثم زيادة واو ساكنة وتخفيف الفاء ( بالعهد وقوله) تعالى: ( { وإن جنحوا للسلم} ) وسقط قوله وقوله لأبي ذر وزاد جنحوا طلبوا السلم بفتح السين فيهما وهو من قول المؤلّف ( { فأجنح لها} ) [الأنفال: 61] .
وقال أبو عبيدة: السلم والسلم واحد وهو الصلح وقيل بالفتح الصلح وبالكسر الإسلام زاد ابن عساكر وتوكل على الله إنه هو السميع العليم.
وفي رواية غيره وأبي ذر بعد قوله: { فاجنح لها} الآية.


[ قــ :3028 ... غــ : 3173 ]
- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا بِشْرٌ هُوَ ابْنُ الْمُفَضَّلِ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ قَالَ: "انْطَلَقَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ زَيْدٍ إِلَى خَيْبَرَ، وَهْيَ يَوْمَئِذٍ صُلْحٌ، فَتَفَرَّقَا، فَأَتَى مُحَيِّصَةُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ وَهْوَ يَتَشَحَّطُ فِي دَمٍ قَتِيلاً، فَدَفَنَهُ, ثُمَّ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَانْطَلَقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةُ وَحُوَيِّصَةُ ابْنَا مَسْعُودٍ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَذَهَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَتَكَلَّمُ، فَقَالَ: كَبِّرْ كَبِّرْ -وَهْوَ أَحْدَثُ الْقَوْمِ- فَسَكَتَ، فَتَكَلَّمَا، فَقَالَ: أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ قَاتِلَكُمْ -أَوْ صَاحِبَكُمْ- قَالُوا: وَكَيْفَ نَحْلِفُ وَلَمْ نَشْهَدْ وَلَمْ نَرَ -قَالَ: فَتُبْرِئكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ.
فَقَالُوا: كَيْفَ نَأْخُذُ أَيْمَانَ قَوْمٍ كُفَّارٍ؟ فَعَقَلَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ عِنْدِهِ".

وبه قال: ( حدّثنا مسدّد) هو ابن مسرهد قال: ( حدّثنا بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة ( هو ابن المفضل) بفتح الضاد المعجمة المشددة ابن لاحق البصري قال: ( حدّثنا يحيى) هو ابن سعيد الأنصاري ( عن بشير بن يسار) بضم الموحدة وفتح الشين المعجمة مصغرًا ويسار بتحتية وسين مهملة مخففة المدني مولى الأنصار ( عن سهل بن أبي حثمة) بفتح السين المهملة وسكون الهاء وحثمة بفتح الحاء المهملة وسكون المثلثة وفتح الميم واسمه عبد الله الأنصاري المدني أنه ( انطلق عبد الله بن سهل) الحارثي ( ومحيصة بن مسعود بن زيد) بضم الميم وفتح الحاء المهملة وتشديد التحتية وفتح الصاد المهملة الأنصاري المدني، وقيل الصواب ابن كعب بدل زيد ( إلى خيبر) في أصحاب لهما يمتارون تمرًا ( وهي يومئذ صُلح فتفرقا) أي ابن سهل ومحيصة ( فأتى محيصة إلى عبد الله بن سهل) فوجده في عين قد كسرت عنقه وطرح فيها ( وهو يتشحط) بالشين المعجمة والحاء المهملة أي يضطرب ( فيدم) حال كونه ( قتيلاً) ولأبي ذر عن الكشميهني في دمه بالضمير ( فدفنه ثم قدم المدينة فانطلق عبد الرحمن بن سهل) أخو عبد الله بن سهل ( ومحيصة و) أخوه ( حويصة ابنا مسعود إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ليخبروه بذلك ( فذهب عبد الرحمن يتكلم فقال) عليه الصلاة والسلام له:
( كبر كبر) بالجزم على الأمر وكرره للمبالغة أي قدم الأسن يتكلم ( وهو) أي عبد الرحمن ( أحدث القوم) سنًا ( فسكت فتكلما) أي محيصة وحويصة بقضية قتل عبد الله ( فقال) عليه الصلاة والسلام: ( أتحلفون) أطلق الخطاب للثلاثة بعرض اليمين عليهم ومراده من يختص به وهو أخوه لأنه كان معلومًا عندهم أن اليمين مختص بالوارث، وإنما أمر أن يتكلم أكبر لأنه لم يكن المراد بكلامه حقيقة الدعوى لأنه لا حق لابني العم فيها، بل المراد سماع الصورة الواقعة وكيفيتها ويحتمل أن يكون عبد الرحمن وكّل الأكبر أو أمره بتوكيله فيها ( وتستحقون قاتلكم) ولأبي ذر دم قاتلكم ( أو صاحبكم) بالنصب أو بالجر على رواية أبي ذر.
قال النووي: المعنى يثبت حقكم على من حلفتم عليه وذلك الحق أعم من أن يكون قصاصًا أو دية ( قالوا: وكيف نحلف ولم نشهد) قتله ( ولم نر؟) من قتله ( قال) عليه الصلاة والسلام: ( فتبرئكم) بسكون الموحدة في الفرع أي تبرأ إليكم ( يهود) من دعواكم ( بخمسين) أي يمينًا ( فقالوا: كيف نأخذ أيمان قوم كفار؟) قال الخطابي: بدأ عليه الصلاة والسلام بالمدعين في اليمين فلما نكلوا ردّها على المدعى عليهم فلم يرضوا بأيمانهم ( فعقله) أي أدّى ديته ( النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من عنده) من خالص ماله أو من بيت المال لأنه عاقلة المسلمين ووليّ أمرهم وفيه أن حكم القسامة مخالف لسائر الدعاوى من جهة أن اليمين على المدعي وأنها خمسون يمينًا واللوث هنا هو العداوة الظاهرة بين المسلمين واليهود.

وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الصلح والأدب والدّيات والأحكام ومسلم في الحدود وأبو داود والترمذي وابن ماجه في الدّيات والنسائي في القضاء والقسامة.