فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب صفة الشمس والقمر بحسبان

باب صِفَةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ { بِحُسْبَانٍ} قَالَ مُجَاهِدٌ: كَحُسْبَانِ الرَّحَى،.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ: بِحِسَابٍ وَمَنَازِلَ لاَ يَعْدُوَانِهَا.
حُسْبَانٌ: جَمَاعَةُ الحِسَابٍ، مِثْلُ شِهَابٍ وَشُهْبَانٍ.
ضُحَاهَا: ضَوْؤُهَا.
أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ: لاَ يَسْتُرُ ضَوْءُ أَحَدِهِمَا ضَوْءَ الآخَرِ، وَلاَ يَنْبَغِي لَهُمَا ذَلِكَ.
سَابِقُ النَّهَارِ: يَتَطَالَبَانِ حَثِيثَينِ.
نَسْلَخُ: نُخْرِجُ أَحَدَهُمَا مِنَ الآخَرِ، وَنُجْرِي كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: وَاهِيَةٌ: وَهْيُهَا تَشَقُّقُهَا.
أَرْجَائِهَا: مَا لَمْ يَنْشَقَّ مِنْهَا، فَهوَ عَلَى حَافَتَيْها كَقَوْلِكَ: عَلَى أَرْجَاءِ الْبِئْرِ.
أَغْطَشَ وَجَنَّ: أَظْلَمَ.
.

     وَقَالَ  الْحَسَنُ: كُوِّرَتْ تُكَوَّرُ حَتَّى يَذْهَبَ ضَوْؤُهَا.
وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ: أَي جَمَعَ مِنْ دَابَّةٍ.
اتَّسَقَ: اسْتَوَى.
بُرُوجًا: مَنَازِلَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ.
فالْحَرُورُ بِالنَّهَارِ مَعَ الشَّمْسِ.
.

     وَقَالَ  ابْنُ عَبَّاسٍ وَرُؤْبَةُ: الْحَرُورُ بِاللَّيْلِ، وَالسَّمُومُ بِالنَّهَارِ.
يُقَالُ: يُولِجُ يُكَوِّرُ وَلِيجَةً، كُلُّ شَىْءٍ أَدْخَلْتُهُ فِي شَىْءٍ.

( باب) تفسير ( صفة الشمس والقمر { بحسبان} ) [الرحمن: 5] .
( قال مجاهد) : فيما وصله الفريابي في تفسيره من طريق ابن أبي نجيح عنه ( كحسبان الرحى) أي يجريان على حسب الحركة المرحوية ووضعها.
( وقال غيره) : مما وصله عبد بن حميد من طريق أبي مالك الغفاري ( بحساب ومنازل لا يعدوانها) .
أي لا يجاوزان المنازل ( حسبان: جماعة الحساب) بالتعريف لأبوي ذر والوقت ( مثل شهاب وشهبان) .
وهذا قول أبي عبيدة في المجاز والمعنى يجريان متعاقبين بحساب معلوم
مقدر في بروجهما ومنازلهما وتتسق أمور الكائنات السفلية وتختلف الفصول والأوقات وتعلم السنون والحساب.

( ضحاها) في قوله: { والشمس وضحاها} [الشمس: 1] .
قال مجاهد فيما وصله عبد بن حميد ( ضؤوها) أي: إذا أشرقت ( أن تدرك القمر) ، يريد { لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر} [يس: 40] .
قال مجاهد فيما وصله الفريابي في تفسيره ( لا يستر ضوء أحدهما ضوء الآخر، ولا ينبغي لهما) أي لا يصح لهما ( ذلك) .
وقال عكرمة، لكل منهما سلطان فلا ينبغي للشمس أن تطلع بالليل ولا يستقيم لوقوع التدبير على المعاقبة، وما ألطف قول ابن الجوزي وقد وصف منافع أثر الشمس في العالم على سبيل التذكير والتعريف بصنع الله الحكيم اللطيف حيث قال: تبرز الشمس بالنهار في حلة الشعاع لانتفاع البصر فإذا ذهب النهار نشرت رداءها المعصفر ونزلت عن الأشهب فركبت الأصفر فهي تستر بالليل لسكون الخلق وتظهر بالنهار لمعايشهم، فتارة تبعد ليرطب الجوّ وينعقد الغيم ويبرد الهواء ويبرز النبات، وتارة تقرب ليجف الحب وينضج الثمر.

وقوله: ( سابق النهار) يريد قوله تعالى: { وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ} [يس: 40] .
قال مجاهد فيما وصله الفريابي أيضًا ( يتطالبان حثيثان) أي سريعان ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر حثيثين بالنصب بالياء أي فلا تسبق آية الليل آية النهار وهما النيران ( نسلخ) : أي ( نخرج أحدهما من الآخر) ، قال ابن كثير: والمعنى في هذا أنه لا فترة بين الليل والنهار بل كل منهما يعقب الآخر بلا مهلة ولا تراخ لأنهما مسخران دائبين يتطالبان طلبًا حثيثًا.
وقال في الانتصاف: يؤخذ من قوله تعالى: { ولا الليل سابق النهار} أن النهار تابع لليل إذ جعل الشمس التي هي آية النهار غير مدركة للقمر الذي هو آية الليل فنفى الإدراك الذي يمكن أن يقع وهو يستدعي تقدم القمر وتبعية الشمس، فإنه لا يقال أدرك السابق اللاحق لكن يقال: أدرك اللاحق السابق، فالليل إذًا متبوع والنهار تابع.

فإن قيل: فالآية مصرحة بأن الليل لا يسبق النهار.
فجوابه: أنه مشترك الإلزام إذ الأقسام المحتملة ثلاثة إما تبعية النهار لليل كمذهب الفقهاء أو عكسه وهو منقول عن طائفة من النحاة واجتماعهما، فهذا القسم الثالث منفي بالاتفاق فلم يبق إلا تبعية النهار لليل وعكسه والسؤال وارد عليهما لا سيما من قال: إن النهار سابق الليل يلزم من طريق البلاغة أن يقول ولا الليل يدرك النهار فإن المتأخر إذا نفي إدراكه كان أبلغ من نفي سبقيته مع أنه ناء عن قوله: { لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر} [يس: 40] .
نأيًا ظاهرًا فالتحقيق أن المنفي السبقية الموجبة لتراخي النهار عن الليل وتخلل زمن آخر بينهما فيثبت التعاقب، وحينئذ يكون القول بسبق الليل مخالفًا لصدر الآية.
فإن عدم الإدراك الدال على التأخر والتبعية وبين السبق بونًا بعيدًا ولو كان تابعًا متأخرًا لكان حريًّا أن يوصف بعدم الإدراك ولا يبلغ به عدم السبق فتقدم الليل على النهار مطابق لصدر الآية صريحًا ولعجزها بتأويل حسن اهـ.

ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ينسلخ يخرج بلفظ المضارع فيهما ويخرج بالتحتية المفتوحة وضم الراء.

( ويجري) بضم أوله وكسر ثالثه ( كل واحد منهما) .
أي من الليل والنهار في فلك، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: ويجري كل منهما بفتح أول يجري وكسر رائه وكل بالرفع منوّنًا.

( واهية) : يشير إلى قوله تعالى: { فهي يومئذ واهية} [الحاقة: 16] .
قال الفراء ( وهيها) بسكون الهاء ( تشققها) .
وقوله والملك على ( أرجائها) أي ( ما لم ينشق منها، فهي) أي الملائكة ( على حافتيه) بالتثنية ولأبي ذر فهو أي الملك ولابن عساكر فهم جمع باعتبار الجنس وللكشميهني على حافتيها أي السماء وعن سعيد بن جبير على حافات الدنيا ( كقولك: على أرجاء البئر) والأرجاء جمع رجا بالقصر، وقوله تعالى: ( { اغطش} ) [النازعات: 29] .
ليلها ( { و} ) قوله: ( { فلما} { جنَّ} ) [الأنعام: 76] عليه الليل أي ( أظلم) ، فيهما ونقل تفسير الأول به عن قتادة فيما أخرجه عبد بن حميد والثاني عن أبي عبيدة.

( وقال الحسن) البصري فيما وصله ابن أبي حاتم في قوله تعالى: { إذا الشمس} ( { كورت} ) [التكوير: 1] ( تكوّر) بفتح الواو المشددة ( حتى يذهب ضؤوها) وأخرج الطبري عن ابن عباس { كورت} أي أظلمت.
وعن مجاهد اضمحلت.
والتكوير في الأصل الجمع وحينئذ فالمراد أنها تلف ويرمى بها فيذهب ضوءها قاله ابن كثير في تفسيره.

( { والليل وما وسق} ) [الانشقاق: 17] .
ولابن عساكر يقال: وسق أي ( جمع من دابة) وزاد قتادة ونجم وقال عكرمة ما ساق من ظلمة.
( اتسق) يريد قوله تعالى: { والقمر إذا اتسق} [الانشقاق: 18] أي ( استوى) وقوله تعالى: { جعل في السماء} { بروجًا} [الفرقان: 61] .
أي ( منازل الشمس والقمر) وهي اثنا عشر، وقيل هي قصور في السماء للحرس، وقيل هي الكواكب العظام.

( { الحرور} ) ولأبي ذر فالحرور بالفاء يريد قوله تعالى: { ولا الظل ولا الحرور} [فاطر: 21] .
فسره بأنه يكون ( بالنهار مع الشمس) .
قاله أبو عبيدة.
( وقال ابن عباس الحرور) : ولأبي ذر وابن عساكر وقال ابن عباس ورؤبة بضم الراء وسكون الهمزة وفتح الموحدة ابن العجاج: الحرور ( بالليل، والسموم بالنهار) وتفسير رؤبة ذكره أبو عبيدة عنه في المجاز ( يقال: يولج) أي ( يكوّر) بالراء أي يلف النهار في الليل ( وليجة) ، يريد قوله تعالى: { ولا المؤمنين وليجة} [التوبة: 16] .
وفسره بقوله ( كل شيء أدخلته في شيء) هو قول أبي عبيدة وزاد بعد قوله في شيء ليس منه فهو وليجة والمعنى لا تتخذوا وليًّا ليس من المسلمين.


[ قــ :3052 ... غــ : 3199 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ -رضي الله عنه- قَالَ: "قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأَبِي ذَرٍّ حِينَ غَرَبَتِ الشَّمْسُ: أتَدْرِي أَيْنَ
تَذْهَبُ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَإِنَّهَا تَذْهَبُ حَتَّى تَسْجُدَ تَحْتَ الْعَرْشِ، فَتَسْتَأْذِنَ فَيُؤْذَنَ لَهَا، وَيُوشِكُ أَنْ تَسْجُدَ فَلاَ يُقْبَلَ مِنْهَا، وَتَسْتَأْذِنَ فَلاَ يُؤْذَنَ لَهَا، فيُقَالُ لَهَا: ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ، فَتَطْلُعُ مِنْ مَغْرِبِهَا.
فَذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى: { وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [يس: 38] ".
[الحديث 3199 - أطرافه في: 4802، 4803، 7424، 7433] .

وبه قال: ( حدّثنا محمد بن يوسف) قال: ( حدّثنا سفيان بن الأعمش) سليمان بن مهران ( عن إبراهيم التيمي عن أبيه) يزيد من الزيادة ابن شريك بن طارق التيمي الكوفي ( عن أبي ذر) جندب بن جنادة ( -رضي الله عنه-) أنه ( قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأبي ذر حين غربت الشمس) :
( تدري) بحذف همزة الاستفهام والغرض منه إعلامه بذلك، ولأبي ذر: أتدري ( أين تذهب) زاد في التوحيد: هذه ( قلت: الله ورسوله أعلم.
قال: فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش)
منقادة لله تعالى انقياد الساجد من المكلفين أو تشبيهًا لها بالساجد عند غروبها.

قال ابن الجوزي: ربما أشكل هذا الحديث على بعض الناس من حيث إنّا نراها تغيب في الأرض، وفي القرآن العظيم أنها تغيب في عين حمئة أي ذات حمأة أي طين فأين هي من العرش؟ والجواب: أن الأرضين السبع في ضرب المثال كقطب رحى والعرش لعظم ذاته بمثابة الرحى فأينما سجدت الشمس سجدت تحت العرش وذلك مستقرها.
وقال ابن العربي: أنكر قوم سجودها وهو صحيح ممكن لا يحيله العقل وتأوّله قوم على التسخير الدائم ولا مانع أن تخرج عن مجراها فتسجد ثم ترجع اهـ.

وتعقبه في الفتح: بأنه إن أراد بالخروج الوقوف فواضح وإلاّ فلا دليل على الخروج.
قال ابن كثير: وقد حكى ابن حزم وابن المناوي وغير واحد من العلماء الإجماع على أن السماوات كرية مستديرة، واستدلّ لذلك بقوله: { في فلك يسبحون} [يس: 40] قال الحسن، يدورون.
وقال ابن عباس: في فلكة مثل فلكة المغزل، ولا تعارض بين هذا وبين الحديث وليس فيه أن الشمس تصعد إلى فوق السماوات حتى تسجد تحت العرش بل هي تغرب عن أعيننا وهي مستمرة في فلكها الذي هي فيه وهو الرابع فيما قاله غير واحد من علماء التسيير وليس في الشرع ما ينفيه، بل في الحس وهو الكسوفات ما يدل عليه ويقتضيه.
فإذا ذهبت فيه حتى تتوسطه وهو وقت نصب الليل مثلاً في اعتدال الزمان فإنها تكون أبعد ما تكون تحت العرش لأنها تغيب من جهة وجه العالم، وهذا محل سجودها كما يناسبها كما أنها أقرب ما تكون من العرش وقت الزوال من جهتنا فإذا كانت في محل سجودها ( فتستأذن) عطف على المنصوب السابق بحتى في الطلوع من المشرق على عادتها ( فيؤذن لها) ، فتبدو من جهة المشرق وهي مع ذلك كارهة لعصاة بني آدم أن تطلع عليهم وهو يدل على أنها تعقل كسجودها ( ويوشك) بكسر المعجمة أي يقرب ( أن تسجد فلا يقبل منها) ، أي لا يؤذن لها أن تسجد ( وتستأذن) في المسير إلى مطلعها ( فلا يؤذن لها، يقال)
ولأبي ذر عن الكشميهني فيقال ( لها: ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها فذلك) أي قوله فإنها تذهب الخ ... ( قوله تعالى: { والشمس تجري لمستقر لها} ) [يس: 38] لحد معين ينتهي إليه دورها فشبه بمستقر المسافر إذا قطع مسيره أو لكبد السماء فإن حركتها فيه يوجد فيها ابطاء يظن أن لها هناك وقفة.
وقال ابن عباس: لا تبلغ مستقرها حتى ترجع إلى منازلها وقيل إلى انتهاء أمرها عند خراب العالم، وقيل لحدّ لها من مسيرها كل يوم في مرأى عيوننا وهو المغرب، وقيل منتهى أمرها لكل يوم من المشارق والمغارب فإن لها في دورها ثلاثمائة وستين مشرقًا ومغربًا تطلع كل يوم من مطلع وتغرب من مغرب ثم لا تعود إليهما إلى العام القابل ( { ذلك} ) الجري على هذا التقدير والحساب الدقيق الذي يكل الفطن عن إحصائه ( { تقدير العزيز} ) الغالب بقدرته على كل مقدور ( { العليم} ) [يس: 38] المحيط علمه بكل معلوم، وظاهر هذا أنها تجري في كل يوم وليلة بنفسها كقوله تعالى في الآية الأخرى: { وكُل في فلك يسبحون} [يس: 40] أي يدورون وهو مغاير لقول أصحاب الهيئة أن الشمس مرصعة في الفلك إذ مقتضاه أن الذي يسير هو الفلك وهذا منهم على طريق الحدس والتخمين فلا عبرة به.

وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في التفسير والتوحيد ومسلم في الإيمان وأبو داود في الحروب والترمذي في الفتن والتفسير والنسائي في التفسير.




[ قــ :3053 ... غــ : 300 ]
- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ الدَّانَاجُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ مُكَوَّرَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».

وبه قال: ( حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: ( حدّثنا عبد العزيز بن المختار) قال: ( حدّثنا عبد الله) بن فيروز ( الداناج) بدال مهملة وبعد الألف نون مخففة فألف فجيم معرب داناه ومعناه بالفارسية العالم وهو تابعي صغير بصري ( قال: حدّثني) بالإفراد ( أبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) : أنه ( قال) :
( الشمس والقمر مكوّران) بتشديد الواو المفتوحة مطويان ذاهبا الضوء.
وزاد البزار وابن أبي شيبة في مصنفه والإسماعيلي في مستخرجه في النار ( يوم القيامة) .
لأنهما عبدا من دون الله وليس المراد من تكويرهما فيها تعذيبهما بذلك لكنه زيادة تبكيت لمن كان يعبدهما في الدنيا ليعلموا أن عبادتهم لهما كانت باطلة.




[ قــ :3054 ... غــ : 301 ]
- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرٌو أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّهُ كَانَ يُخْبِرُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَصَلُّوا».

وبه قال: ( حدّثنا يحيى بن سليمان) بن يحيى أبو سعيد الجعفي الكوفي ( قال: حدّثني) بالإفراد ( ابن وهب) عبد الله المصري ( قال: أخبرني) بالإفراد ( عمرو) بفتح العين ابن الحرث المصري ( أن عبد الرحمن بن القاسم حدّثه عن أبيه) القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهم ( عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه كان يخبر عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال) :
( إن الشمس والقمر لا يخسفان) بفتح أوله على أنه لازم وسكون الخاء المعجمة وكسر السين المهملة ويجوز ضم أوله على أنه متعدّ أي لا يذهب الله نورهما ( لموت أحد) من العظماء ( ولا لحياته) ، لم يقل أحد أن الكسوف لحياة أحد فذكر ذلك إنما هو تتميم للتقسيم أو لدفع توهم من يقول لا يلزم من نفي كونه سببًا للفقد أن لا يكون سببًا للإيجاد فعم عليه الصلاة والسلام النفي لدفع هذا التوهم، وهذا القول صدر منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما مات ابنه إبراهيم وقال الناس: إنما كسفت لموته إبطالاً لما كان أهل الجاهلية يعتقدونه من تأثيرهما ( ولكنهما) أي خسوفهما ( آيتان) ولأبي ذر آية بالإفراد ( من آيات الله) ، الدالة على وحدانيته وعظيم قدرته ( فإذا رأيتموهما) بالتثنية أي كسوف كل واحد منهما على انفراده ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فإذا رأيتموه أي الكسوف ( فصلّوا) .
أي صلاة الكسوف.
وحكمة الكسوف أن الله تعالى لما أجرى في سابق علمه أن الكواكب تعبد من دونه وخاصة النيرين قضى عليهما بالخسوف والكسوف وجعلهما لها بمنزلة الحتوف وصير ذلك دلالة على أنهما مع إشراق نورهما وما يظهر من حسن آثارهما مأموران مقهوران في مصالح العباد مسيران، وفي يوم القيامة مكوّران، فعبدة الشمس زعمت أنها ملك من الملائكة له نفس وعقل ومنها نور الكواكب وضياء العالم وهي ملك الفلك، فلذا يستحق التعظيم والسجود.
ومن سنتهم إذا نظروا إلى الشمس قد أشرقت سجدوا لها وقالوا: ما أحسنك من نور لا تقدر الأبصار أن تمتدّ بالنظر إليك فلك المجد والتسبيح وإياك نطلب وإليك نسعى لندرك السكنى بقربك إلى غير ذلك مما نقل عنهم من الخرافات.
فسبحان من حجبهم عن رؤية الحقائق وحاد بهم عن متون الطرائق، فجهلوا أن صفات المخلوق تباين صفات الخالق، وأن العبادة لا يستحقها إلا من هو للحب والنوى فالق.

وأما مطابقة الحديث للترجمة فمن حيث إن الكسوف والخسوف العارضين لهما من صفاتهما وقد مرّ هذا الحديث في أبواب كسوف الشمس من كتاب الصلاة.




[ قــ :3055 ... غــ : 30 ]
- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ».

وبه قال: ( حدّثنا إسماعيل بن أبي أويس) هو إسماعيل بن عبد الله بن عبد الله المدني وسقط ابن أبي أويس لأبي ذر قال: ( حدّثني) بالإفراد ( مالك) الإمام ( عن زيد بن أسلم) العدوي
( عن عطاء بن يسار) بالسين المهملة المخففة ( عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-) أنه ( قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يوم مات ابنه إبراهيم:
( إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله) ، علامتان يخوّف بهما عباده ( لا يخسفان) بالخاء المعجمة مع فتح أوله ( لموت أحد ولا لحياته) ، لأنهما خلقان مسخران ليس لهما سلطان في غيرهما ولا قدرة لهما على الدفع عن أنفسهما ( فإذا رأيتم ذلك) الخسوف ( فاذكروا الله) .
وفي حديث أبي بكرة عند المؤلّف في باب: الصلاة في كسوف الشمس فصلوا وادعوا حتى يكشف ما بكم.




[ قــ :3056 ... غــ : 303 ]
- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَخْبَرَتْهُ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ خَسَفَتِ الشَّمْسُ قَامَ فَكَبَّرَ وَقَرَأَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَقَامَ كَمَا هُوَ فَقَرَأَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً وَهْيَ أَدْنَى مِنَ الْقِرَاءَةِ الأُولَى، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً وَهْيَ أَدْنَى مِنَ الرَّكْعَةِ الأُولَى، ثُمَّ سَجَدَ سُجُودًا طَوِيلاً، ثُمَّ فَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ سَلَّمَ وَقَدْ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ، فَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ: إِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَافْزَعُوا إِلَى الصَّلاَةِ".

وبه قال: ( حدّثنا يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن بكير بضم الموحدة وفتح الكاف مصغرًا قال: ( حدّثنا الليث) بن سعد الإمام ( عن عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن خالد بن عقيل بفتح العين الأيلي بفتح الهمزة وسكون التحتية ( عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه ( قال: أخبرني) بالإفراد ( عروة) بن الزبير ( أن عائشة رضي الله عنها أخبرته أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم خسفت الشمس) بفتح الخاء المعجمة والسين والفاء ( قام) في المسجد لا الصحراء لخوف الفوات بالانجلاء ( فكبّر) تكبيرة الإحرام بعد أن صف الناس وراءه ( وقرأ قراءة طويلة) نحوًا من سورة البقرة ( ثم ركع ركوعًا طويلاً) مسبحًا فيه قدر مائة آية من البقرة ( ثم رفع رأسه) من الركوع ( فقال سمع الله لمن حمده وقام كما هو) لم يسجد ( فقرأ قراءة طويلة) في قيامه ( وهي أدنى من القراءة الأولى) نحوًا من سورة آل عمران ( ثم ركع ركوعًا طويلاً وهي) أي هذه الركعة ( أدنى من الركعة الأولى) مسبحًا فيه قدر ثمانين آية.
وفي الفرع تضبيب على قوله وهي وبأعلاه رقم أبي ذر وابن عساكر مصححًا عليهما، ( ثم سجد سجودًا طويلاً) مسبحًا فيه قدر مائة آية ( ثم فعل في الركعة الآخرة) بمد الهمزة من غير ياء بعد الخاء ( مثل ذلك) الذي فعله في الركعة الأولى، لكن القراءة في أولها كالنساء وفي ثانيها المائدة ( ثم سلم.
وقد تجلت الشمس)
بمثناة فوقية وفتح الجيم وتشديد اللام أي صفت.
( فخطب الناس فقال) في الخطبة ( في كسوف الشمس والقمر) :
( إنهما آيتان من آيات الله لا يخسفان) بفتح أوله وكسر ثالثه ( لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموهما) بالتثنية أي كسوف الشمس والقمر، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: رأيتموها بالإفراد
أي الكسفة ( فافزعوا) بفتح الزاي أي التجئوا وتوجهوا ( إلى الصلاة) المعهودة السابق فعلها منه عليه الصلاة والسلام.




[ قــ :3057 ... غــ : 304 ]
- حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنِي قَيْسٌ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لاَ يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَصَلُّوا».

وبه قال: ( حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر حدّثنا ( محمد بن المثنى) العنزي الزمن قال: ( حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان ( عن إسماعيل) بن أبي خالد الأحمسي البجلي مولاهم الكوفي أنه ( قال: حدّثني) بالإفراد ( قيس) هو ابن أبي حازم واسمه عوف الأحمسي البجلي ( عن أبي مسعود) عقبة بن عمرو البدري ( -رضي الله عنه-) قال في الفتح: ووقع في بعض النسخ عن ابن مسعود بالموحدة والنون وهو تصحيف ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال) :
( الشمس والقمر لا ينكسفان) بكاف مفتوحة وكسر السين مع فتح أوله ( لموت أحد ولا لحياته) سقط قوله ولا لحياته من رواية أبي ذر ( ولكنهما آيتان من آيات الله، فإذا رأيتموهما) بالتثنية ولأبي ذر عن الحموي والمستملي رأيتموها بالإفراد أي الكسفة ( فصلّوا) .
ركعتين في كل ركعة ركوعان أو ركعتين كسنة الظهر.