فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب امتشاط المرأة عند غسلها من المحيض

باب امْتِشَاطِ الْمَرْأَةِ عِنْدَ غُسْلِهَا مِنَ الْمَحِيضِ
( باب امتشاط المرأة) أي تسريح شعر رأسها ( عند غسلها) بفتح الغين وضمها ( من المحيض) أي الحيض.


[ قــ :312 ... غــ : 316 ]
- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قال: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ قال: حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَهْلَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَكُنْتُ مِمَّنْ تَمَتَّعَ وَلَمْ يَسُقِ الْهَدْيَ.
فَزَعَمَتْ أَنَّهَا حَاضَتْ وَلَمْ تَطْهُرْ حَتَّى دَخَلَتْ لَيْلَةُ عَرَفَةَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ لَيْلَةُ عَرَفَةَ، وَإِنَّمَا كُنْتُ تَمَتَّعْتُ بِعُمْرَةٍ.
فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «انْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي وَأَمْسِكِي عَنْ عُمْرَتِكِ».
فَفَعَلْتُ.
فَلَمَّا قَضَيْتُ الْحَجَّ أَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ لَيْلَةَ الْحَصْبَةِ فَأَعْمَرَنِي مِنَ التَّنْعِيمِ، مَكَانَ عُمْرَتِي الَّتِي نَسَكْتُ.

وبه قال: ( حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي ( قال: حدّثنا إبراهيم) بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف المدني نزيل بغداد ( قال: حدّثنا ابن شهاب) الزهري ( عن عروة) بن الزبير بن العوّام ( أن عائشة) رضي الله عنها ( قالت) :

( أهللت) أي أحرمت ورفعت صوتي بالتلبية ( مع رسول الله) وللأصيلي مع النبي ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حجة الوداع، فكنت ممن تمتع ولم يسق الهدي) بفتح الهاء وسكون المهملة وتخفيف الياء أو كسر المهملة مع تشديد الياء اسم لما يهدى بمكة من الأنعام، وفيه التفات من المتكلم إلى الغائب، لأن الأصل أن تقول ممن تمتعت لكن ذكر باعتبار لفظ من ( فزعمت أنها حاضت ولم تطهر) من حيضها ( حتى دخلت ليلة عرفة) فيه دلالة على أن حيضها كان ثلاثة أيام خاصة لأن دخوله عليه الصلاة والسلام مكة كان في الخامس من الحجة، فحاضت يومئذٍ فطهرت يوم عرفة، ويدل على أنها حاضت يومئذٍ قوله عليه الصلاة والسلام في باب كيف تهلّ الحائض بالحج والعمرة من أحرم بعمرة الحديث.
قالت: فحضت ففيه دليل على أن حيضها كان يوم القدوم إلى مكة.
قالت: فلم أزل حائضًا حتى كان يوم عرفة قاله البدر.
( فقالت) وللأصيلي وابن عساكر قالت: ( يا رسول الله هذه ليلة عرفة) وفي بعض النسخ هذا ليلة عرفة.
قال البدر أي هذا الوقت، ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر والأصيلي يوم عرفة ( وإنما كنت تمتعت بعمرة) أي وأنا حائض وفيه تصريح بما تضمنه التمتع لأنه إحرام بعمرة في أشهر الحج ممن على مسافة القصر من الحرم ثم يحج من سنته ( فقال لها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: انقضي رأسك) بضم القاف أي حلّي شعرك ( وامتشطي وأمسكي) بهمزة قطع ( عن عمرتك) أي اتركي العمل في العمرة وإتمامها، فليس المراد الخروج منها فإن الحج والعمرة لا يخرج منهما إلا بالتحلل وحينئذٍ فتكون قارنة، ويؤيده قوله عليه الصلاة والسلام: "يكفيك طوافك لحجك وعمرتك" ولا يلزم من نقض الرأس والامتشاط إبطالها لجوازهما عندنا حال الإحرام، لكن يكرهان خوف نتف الشعر، وقد حملوا فعلها ذلك على أنه كان برأسها أذى، وقيل: المراد أبطلي عمرتك، ويؤيده قولها في العمرة وأرجع
بحجة واحدة وقولها ترجع صواحبي بحج وعمرة وأرجع أنا بالحج، وقوله عليه الصلاة والسلام "هذه مكان عمرتك" قالت عائشة: ( ففعلت) النقض والامتشاط والإمساك ( فلما قضيت) أي أدّيت ( الحج) بعد إحرامي به ( أمر) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخي ( عبد الرحمن) بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه ( ليلة الحصبة) بفتح الحاء وسكون الصاد المهملتين وفتح الموحدة التي نزلوا فيها بالمحصب موضع بين مكة ومنى يبيتون فيه إذا نفروا منها ( فأعمرني) أي اعتمر بي ( من التنعيم) موضع على فرسخ من مكة فيه مسجد عائشة ( مكان عمرتي التي نسكت) من النسك أي التي أحرمت بها وأردت أوّلاً حصولها منفردة غير مندرجة ومنعني الحيض، وفي رواية أبي زيد المروزي أي سكت بلفظ التكلم من السكوت أي التي تركت أعمالها وسكت عنها، وللقابسي شكت بالشين المعجمة والتخفيف والضمير فيه راجع إلى عائشة على سبيل الالتفات من التكلم للغيبة أو المعنى شكت العمرة من الحيض وإطلاق الشكاية عليها كناية عن اختلالها وعدم بقاء استقلالها، وإنما أمرها بالعمرة بعد الفراغ وهي قد كانت حصلت لها مندرجة مع الحج لقصدها عمرة منفردة كما حصل لسائر أزواجه عليه الصلاة والسلام حيث اعتمرن بعد الفراغ من حجهنّ المفرد عمرة منفردة عن حجهن حرصًا منها على كثرة العبادة.


وتمام مباحث الحديث يأتي إن شاء الله تعالى في كتاب الحج بعون الله وقوّته.
ورواته الخمسة ما بين بصري ومدني وفيه التحديث والعنعنة.