فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب إقبال المحيض وإدباره

باب إِقْبَالِ الْمَحِيضِ وَإِدْبَارِهِ
وَكُنَّ نِسَاءٌ يَبْعَثْنَ إِلَى عَائِشَةَ بِالدُّرْجَةِ فِيهَا الْكُرْسُفُ فِيهِ الصُّفْرَةُ فَتَقُولُ: لاَ تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ، تُرِيدُ بِذَلِكَ الطُّهْرَ مِنَ الْحَيْضَةِ.
وَبَلَغَ ابْنَةَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ نِسَاءً يَدْعُونَ بِالْمَصَابِيحِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ يَنْظُرْنَ إِلَى الطُّهْرِ فَقَالَتْ: مَا كَانَ النِّسَاءُ يَصْنَعْنَ هَذَا.
وَعَابَتْ عَلَيْهِنَّ.

( باب إقبال المحيض وإدباره وكن نساء) بالرفع بدل من ضمير كن على لغة أكلوني البراغيث، وفائدة ذكره بعد أن علم من لفظ كنّ إشارة إلى التنويع والتنوين يدل عليه أي كان ذلك من بعضهن لا من كلهن ( يبعثن إلى عائشة) رضي الله عنها ( بالدرجة) بكسر الدال وفتح الراء والجيم جمع درج بالضم ثمّ السكون، وبضم أوّله وسكون ثانيه في قول ابن قرقول، وبه ضبطه ابن عبد البرّ في الموطأ، وعند الباجي بفتح الأوّلين ونوزع قيه وهي وعاء أو خرقة ( فيها الكرسف) بضم الكاف وإسكان الراء وضم السين آخره فاء أي القطن ( فيه) أي في القطن ( الصفرة) الحاصلة من أثر دم الحيض بعد وضع ذلك في الفرج لاختبار الطهر، وإنما اختير القطن لبياضه ولأنه ينشف الرطوبة فيظهر فيه من آثار الدم ما لم يظهر في غيره.
( فتقول) عائشة لهن: ( لا تعجلن حتى ترين) بسكون اللام والمثناة التحتية ( القصة البيضاء تريد بذلك الطهر من الحيضة) بفتح القاف وتشديد الصاد المهملة ماء أبيض يكون آخر الحيض يتبين به نقاء الرحم تشبيهًا بالجص وهو النورة، ومنه قصص داره أي جصصها.
وقال الهروي: معناه أن يخرج ما تحتشي به الحائض نقيًا كالقصة كأنه ذهب إلى الجفوف.

قال القاضي عياض: وبينهما عند النساء وأهل المعرفة فرق بيِّن انتهى.

قال في الصابيح وسببه أن الجفوف عدم والقصة وجود والوجود أبلغ دلالة، وكيف لا والرحم قد يجف في أثناء الحيض، وقد تنظف الحائض فيجف رحمها ساعة، والقصة لا تكون إلا طهرًا انتهى.
وفيه دلالة على أن الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض.
وهذا الأثر رواه مالك في

الموطأ من حديث علقمة بن أبي علقمة المدني عن أمه مرجانة مولاة عائشة، وقد علم أن إقبال المحيض يكون بالدفعة من الدم وإدباره بالقصة أو بالجفاف.

( وبلغ ابنة) ولابن عساكر بنت ( زيد بن ثابت) هي أم كلثوم زوج سالم بن عبد الله بن عمر أو أختها أم سعد والأول اختاره الحافظ ابن حجر ( أن نساء) من الصحابيات ( يدعون بالمصابيح) أي يطلبنها ( من جوف الليل ينظرن إلى) ما يدل على ( الطهر فقالت: ما كان النساء يصنعن هذا وعابت عليهن) ذلك لكون الليل لا يتبين فيه البياض الخالص من غيره، فيحسبن أنهم طهرن وليس كذلك فيصلين قبل الطهر.



[ قــ :316 ... غــ : 320 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ كَانَتْ تُسْتَحَاضُ، فَسَأَلَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «ذَلِكِ عِرْقٌ وَلَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ، فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلاَةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي».

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي ( قال: حدّثنا سفيان) بن عيينة ( عن هشام) أي ابن عروة ( عن أبيه) عروة بن الزبير ( عن عائشة) رضي الله عنها.

( أن فاطمة بنت أبي حبيش) بضم الحاء المهملة وفتح الموحدة آخره معجمة ( كانت تستحاض) بضم التاء مبنيًّا للمفعول ( فسألت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال ذلك) بكسر الكاف ( عرق) بكسر العين وسكون الراء يسمى العاذل ( ليست بالحيضة) بفتح الحاء وقد تكسر ( فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي) لا يقتضي تكرار الاغتسال لكل صلاة بل يكفي غسل واحد، لا يقال إنه معارض باغتسال أم حبيبة لكل صلاة لأنه أجيب بأنه إما لأنها كانت ممن يجب عليه ذلك لاحتمال الانقطاع عند كل صلاة، أو كانت متطوعة به وبهذا نص الشافعي.