فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب قول الله تعالى: {إنا أرسلنا نوحا إلى قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم} [نوح: 1]- إلى آخر السورة -

باب قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ} [هود: 25]
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ { بَادِئَ الرَّأْيِ} : مَا ظَهَرَ لَنَا.
{ أَقْلِعِي} : أَمْسِكِي.
{ وَفَارَ التَّنُّورُ} : نَبَعَ الْمَاءُ.
.

     وَقَالَ  عِكْرِمَةُ: وَجْهُ الأَرْضِ.
.

     وَقَالَ  مُجَاهِدٌ { الْجُودِيُّ} : جَبَلٌ بِالْجَزِيرَةِ.
{ دَأْبٌ} : مِثْلُ حَالٌ.

{ إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} إِلَى آخِرِ السُّورَةِ [نوح: 1 - 28] .
{ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ} -إِلَى قَوْلِهِ- { مِنَ الْمُسْلِمِينَ} .

( باب) قول الله عز وجل ( { ولقد} ) جواب قسم محذوف تقديره والله لقد ( { أرسلنا} ) أي بعثنا ( { نوحًا إلى قومه} ) [الأعراف: 59] وهو ابن خمسين سنة.
وقال مقاتل: ابن مائة سنة، وعند ابن جرير ثلاثمائة وخمسين سنة.
وقال ابن عباس: سمي نوحًا لكثرة نوحه على نفسه، واختلف في سبب نوحه فقيل لدعوته على قومه بالهلاك، وقيل لمراجعته ربه في شأن ابنه كنعان وهو نوح بن لامك بن متوشلح بن اخنوخ وهو إدريس وهو أول نبي بعثه الله بعد إدريس، وقال القرطبي: أوّل نبي بعثه الله بعد آدم بتحريم البنات والعمات والخالات، وكان مولده فيما ذكره
ابن جرير بعد وفاة آدم بمائة وستة وعشرين عامًا ومات وعمره ألف سنة وأربعمائة سنة ودفن بالمسجد الحرام، وقيل غير ذلك.
وعن أبي أمامة أن رجلاً قال: يا رسول الله أنبي كان آدم؟ قال: ( نعم) .
قال: فكم كان بينه وبين نوح؟ قال: "عشرة قرون".
رواه ابن حبان وصححه.
قال ابن كثير: وهو على شرط مسلم ولم يخرجوه.

( قال ابن عباس) -رضي الله عنهما- فيما رواه ابن أبي حاتم في قوله تعالى: ( { بادي الرأي} ) [هود: 27] أي ( ما ظهر لنا) .
من غير روية وتأمل بل من أوّل وهلة.
( { أقلعي} ) قال ابن عباس أي ( أمسكي) ومنه اقلعت الحمى وهذا مجاز لأنها موات، وقيل جعل فيها ما تميز به والذي قال إنه مجاز قال لو فتش كلام العرب والعجم ما وجد فيه مثل هذه الآية على حسن نظمها وبلاغة وصفها واشتمال المعاني فيها ( { وفار التنور} ) [هود: 40] قال ابن عباس فيما وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن طلحة أي ( نبع الماء) فيه وارتفع كالقدر يفور، والتنور أشرف موضع في الأرض وأعلاه أو التنور الذي يخبز فيه ابتدأ منه النبوع على خرق العادة، وكان في الكوفة في موضع مسجدها أو في الهند قيل: وكان من حجارة كانت حوّاء تخبز فيه فصار إلى نوح.

( وقال عكرمة) مولى ابن عباس فيما وصله ابن جرير: التنور ( وجه الأرض) وهو قول الزهري أيضًا.
( وقال مجاهد) فيما وصله ابن أبي حاتم ( { الجودي} ) في قوله تعالى: { واستوت على الجوديّ} [هود: 44] هو ( جبل بالجزيرة) المعروفة بابن عمر في الشرق فيما بين دجلة والفرات وزاد ابن أبي حاتم تشامخت الجبال يوم الغرق وتواضع هو لله تعالى فلم يغرق وأرسيت عليه سفينة نوح، وروي أنه ركب السفينة عاشر رجب ونزل عاشر المحرم فصام ذلك اليوم وصار سنة، وذكر ابن جرير وغيره أن الطوفان كان في ثالث عشر آب في شدة القيظ.

وقد روي أن نوحًا لما يئس من صلاح قومه دعا عليهم دعوة غضب الله عليهم فلبى دعوته وأجاب طلبته قال تعالى: { ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون} [الصافات: 75] وأمره أن يغرس شجرًا ليعمل منه السفينة فغرسه وانتظره مائة سنة ثم نجره في مائة سنة أخرى وأمره أن يجعل طولها ثمانين ذراعًاً وعرضها خمسين ذراعًا.
وقال قتادة: كان طولها ثلاثمائة ذراع في عرض خمسين.
وقال الحسن البصري: ستمائة في عرض ثلاثمائة.
وعن ابن عباس ألف ومائتا ذراع في عرض ستمائة.
وكانت ثلاث طبقات كل واحد عشرة أذرع، فالسفلى للدواب والوحوش والوسطى للناس والعليا للطيور وكان لها غطاء من فوقها مطبق عليها، وفتحت أبواب السماء بماء منهمر وفجرت الأرض عيونًا، وأمره الله تعالى أن يحمل في السفينة من كل زوجين اثنين من الحيوانات وسائر ما له روح من المأكولات وغيرها لبقاء نسلها ومن آمن ومن أهل بيته إلا من كان كافرًا، وارتفع الماء على أعلى جبل في الأرض خمسة عشر ذراعًاً، وقيل: ثمانين ذراعًاً، وعم الأرض كلها طولها وعرضها ولم يبق على وجه الأرض أحد واستجاب الله دعوته حيث قال: { رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارًا} فلم تبق منهم عين تطرف وهذا كما قاله الحافظ
عماد الدين بن كثير يردّ على من زعم من المفسرين وغيرهم أن عوج بن عنق ويقال ابن عناق كان موجودًا من قبل نوح وإلى زمان موسى، ويقولون: كان كافرًا متمرّدًا جبارًا عنيدًا، ويقولون عنق أمه بنت آدم من زنا لأنه كان يأخذ لطوله السمك من قرار البحر ويشويه في عين الشمس، وإنه كان يقول لنوح وهو في السفينة ما هذه القصعة التي بك ويستهزئ به، ويذكرون أن طوله كان ثلاثة آلاف ذراع وثلاثمائة وثلاثًا وثلاثين ذراع إلى غير ذلك من الهذيانات التي لولا أنها مسطرة في كثير من كتب التفاسير وغيرها من التواريخ وغيرها من أيام الناس لما تعرضنا لحكايتها لسقاطتها وركاكتها ثم انها مخالفة للمعقول والمنقول.

أما المعقول: فكيف يسوغ أن الله يهلك ولد نوح لكفره وأبوه نبي الأمة وزعيم أهل الإيمان ولا يهلك عوج بن عنق وهو أظلم وأطعن على ما ذكروا ولا يرحم منهم أحدًا ويترك هذا الجبار العنيد، الفاجر الشديد، الكافر الشيطان المريد على ما ذكروا.

وأما المنقول فقال الله تعالى: { ثم أغرقنا الآخرين} [الشعراء: 66] وقال: { رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارًا} [نوح: 26] ثم هذا الطول الذي ذكروا مخالف لما في الصحيحين عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن الله تعالى خلق آدم طوله ستون ذراعًاً ثم لم يزل الخلق ينقص حتى الآن، فهذا نص الصادق المصدوق المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى وإن هو إلا وحي يوحى أنه لم يزل ينقص حتى الآن أي لم يزل الناس في نقصان طولهم من آدم إلى يوم إخباره وهلم جرًّا إلى يوم القيامة، وهذا يقتضي أنه لم يوجد من ذرية آدم من كان أطول منه، وكيف يترك ويصار إلى قول الكذبة الكفرة من أهل الكتاب الذين بدّلوا كتب الله المنزلة وحرّفوها وأوّلوها ووضعوها على غير مواضعها عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة، وما أظن هذا الخبر عن عوج بن عنق إلاّ اختلاقًا من بعض زنادقتهم وكفارهم الذين كانوا أعداء الأنبياء والله أعلم.

( { دأب} ) في قوله تعالى: { مثل دأب قوم نوح} [غافر: 32] قال مجاهد فيما وصله الفريايى هو ( مثل حال) .
ولأبي ذر وابن عساكر: دأب حال فأسقط لفظ مثل ( { واتل عليهم نبأ نوح} ) أي خبره مع قومه ( { إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم} ) عظم وشق عليكم ( { مقامي} ) أي إقامتي بينكم مدة مديدة ألف سنة إلا خمسين عامًا أو قيامي على الدعوة ( { وتذكيري} ) إياكم ( { بآيات الله} ) بحججه ( إلى قوله { من المسلمين} ) [يونس: 71] أي المنقادين لحكمه، وهذه الآية ثبتت في الفرع وعليها رقم أبي ذر وابن عساكر.

( باب قول الله تعالى) : سقط هذا لأبي ذر وابن عساكر ( { إنّا أرسلنا نوحًا إلى قومه أن أنذر} ) أي بأن أنذر أي بالإنذار أو بأن قلنا له أنذر ( { قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم} ) [نوح: 1] عذاب الآخرة أو الطوفان ( إلى آخر السورة) وسقط لأبي ذر من قوله ( أن أنذر) إلى قوله { أليم} .


[ قــ :3184 ... غــ : 3337 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ سَالِمٌ:.

     وَقَالَ  ابْنُ عُمَرَ - رضي الله عنهما-: «قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النَّاسِ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ ذَكَرَ الدَّجَّالَ فَقَالَ: إِنِّي لأُنْذِرُكُمُوهُ، وَمَا مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ أَنْذَرَهُ قَوْمَهُ، لَقَدْ أَنْذَرَ نُوحٌ قَوْمَهُ، وَلَكِنِّي أَقُولُ لَكُمْ فِيهِ قَوْلاً لَمْ يَقُلْهُ نَبِيٌّ لِقَوْمِهِ: تَعْلَمُونَ أَنَّهُ أَعْوَرُ، وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ».

وبه قال: ( حدّثنا عبدان) هو لقب عبد الله بن عثمان العتكي مولاهم المروزي ( قال: أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي ( عن يونس) بن يزيد الأيلي ( عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه قال ( قال سالم) : هو ابن عبد الله بن عمر ( وقال ابن عمر -رضي الله عنهما-: قام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الناس فأثنى على الله بما هو أهله ثم ذكر الدجال) بتشديد الجيم بوزن فعال من أبنية المبالغة الكثير الكذب وهو من الدجل وهو الخلط والتلبيس والتمويه ( فقال) :
( إني لأنذركموه) أخوّفكموه والجملة مؤكدة بأن واللام وكونها اسمية ( وما من نبي إلا أنذره قومه لقد أنذر نوح قومه) خصه بعد التعميم لأنه أوّل نبي أنذر قومه أو أوّل مشرع من الرسل أو أبو البشر الثاني وذريته هم الباقون في الدنيا لا غيرهم ( ولكني أقول لكم فيه) سقط لفظ لكم لابن عساكر ( قولا لم يقله نبي لقومه) مبالغة في التحذير ( تعلمون أنه) أي الدجال ( أعور) عين اليمنى أو اليسرى ( وإن الله) عز وجل ( ليس بأعور) .
تعالى الله عن كل نقص وجل عن أن يشبه بالمحدثات.




[ قــ :3185 ... غــ : 3338 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَلاَ أُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا عَنِ الدَّجَّالِ مَا حَدَّثَ بِهِ نَبِيٌّ قَوْمَهُ: إِنَّهُ أَعْوَرُ، وَإِنَّهُ يَجِيءُ مَعَهُ بِمِثَالِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَالَّتِي يَقُولُ إِنَّهَا الْجَنَّةُ هِيَ النَّارُ، وَإِنِّي أُنْذِرُكُمْ كَمَا أَنْذَرَ بِهِ نُوحٌ قَوْمَهُ».

وبه قال: ( حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: ( حدّثنا شيبان) بفتح الشين المعجمة وبعد التحتية الساكنة موحدة مفتوحة ابن عبد الرحمن النحوي ( عن يحيى) بن أبي كثير ( عن أبي سلمة) بن عبد الرَّحمن بن عوف أنه قال: ( سمعت أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( ألا) بالتخفيف ( أحدثكم حديثًا عن الدجال ما حدّث به نبي قومه: إنه) أي الدجال ( أعور وإنه يجيء معه) إذا ظهر ( بمثال الجنة و) مثال ( النار) ولابن عساكر: معه تمثال بمثناة مكسورة بدل الموحدة أي صورة الجنة والنار يبتلي الله تعالى به عباده بما أقدره عليه من مقدوراته كإحياء الميت الذي يقتله وأمره السماء أن تمطر فتمطر، والأرض أن تنبت فتنبت بقدرة الله تعالى ومشيئته، ثم يعجزه الله تعالى فلا يقدر على قتل ذلك الرجل ولا غيره فيقتله عيسى عليه السلام ( فالتي يقول إنها الجنة هي النار) وبالعكس ( وإني) بالواو أو لابن عساكر فإني ( أنذركم) أخوّفكم منه ( كما أنذر به نوح قومه) .
وكذا غيره من الأنبياء كما مرّ، وذلك لأن فتنته عظيمة جدًا تدهش العقول وتحير
الألباب مع سرعة مروره في الأرض فلا يمكث بحيث يتأمل الضعفاء دلائل الحدوث والنقص فيصدقون بصدقه في هذه الحالة، فلذا حذرت الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قومهم من فتنته ونبهوا عليه.

وهذا الحديث أخرجه مسلم في الفتن.




[ قــ :3186 ... غــ : 3339 ]
- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَجِيءُ نُوحٌ وَأُمَّتُهُ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: هَلْ بَلَّغْتَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ أَىْ رَبِّ.
فَيَقُولُ لأُمَّتِهِ: هَلْ بَلَّغَكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: لاَ، مَا جَاءَنَا مِنْ نَبِيٍّ.
فَيَقُولُ لِنُوحٍ مَنْ يَشْهَدُ لَكَ؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأُمَّتُهُ، فَنَشْهَدُ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ، وَهْوَ .

     قَوْلُهُ  جَلَّ ذِكْرُهُ: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة: 143] وَالْوَسَطُ الْعَدْلُ».
[الحديث 3339 - طرفاه في: 4487، 7349] .

وبه قال: ( حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري قال: ( حدّثنا عبد الواحد بن زياد) العبدي مولاهم البصري قال: ( حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران ( عن أبي صالح) ذكوان الزيات ( عن أبي سعيد) سعد بن مالك الأنصاري -رضي الله عنه- أنه ( قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( يجيء نوح وأمته) يوم القيامة ( فيقول الله تعالى) له ( هل بلغت) ؟ رسالتي إلى قومك ( فيقول: نعم) .
بلغتها ( أي رب.
فيقول)
عز وجل ( لأمته: هل بلغكم؟ فيقولون: لا.
ما جاءنا من نبيّ.
فيقول)
تعالى ( لنوح: من يشهد لك) أنك بلغتهم ( فيقول) يشهد لي ( محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأمته فنشهد) له ( أنه قد بلغ) أمته ( وهو قوله جل ذكره { وكذلك جعلناكم أمة وسطًا لتكونوا شهداء على الناس} [البقرة: 143] والوسط) هو ( العدل) .
وهذا من نفس الحديث لا مدرج فيه.

وهذا الحديث سيأتي ذكره في تفسير سورة البقرة.




[ قــ :3187 ... غــ : 3340 ]
- حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا أَبُو حَيَّانَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: «كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي دَعْوَةٍ، فَرُفِعت إِلَيْهِ الذِّرَاعُ -وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ.
فَنَهَسَ مِنْهَا نَهْسَةً.

     وَقَالَ : أَنَا سَيِّدُ الْقَوْمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
هَلْ تَدْرُونَ بِمَنْ يَجْمَعُ اللَّهُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَيُبْصِرُهُمُ النَّاظِرُ، وَيُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي، وَتَدْنُو مِنْهُمُ الشَّمْسُ، فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ: أَلاَ تَرَوْنَ إِلَى مَا أَنْتُمْ فِيهِ، إِلَى مَا بَلَغَكُمْ؟ أَلاَ تَنْظُرُونَ إِلَى مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ؟ فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ: أَبُوكُمْ آدَمُ: فَيَأْتُونَهُ فَيَقُولُونَ يَا آدَمُ أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ، خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ، وَأَمَرَ الْمَلاَئِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ، وَأَسْكَنَكَ الْجَنَّةَ.
أَلاَ تَشْفَعُ لَنَا إِلَى رَبِّكَ؟ أَلاَ تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ وَمَا بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ: رَبِّي غَضِبَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلاَ يَغْضَبُ بَعْدَهُ مِثْلَهُ،
وَنَهَانِي عَنِ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ.
نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى نُوحٍ.
فَيَأْتُونَ نُوحًا فَيَقُولُونَ: يَا نُوحُ أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ؛ وَسَمَّاكَ اللَّهُ عَبْدًا شَكُورًا.
أَمَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ أَلاَ تَرَى إِلَى مَا بَلَغَنَا؟ أَلاَ تَشْفَعُ لَنَا إِلَى رَبِّكَ؟ فَيَقُولُ: رَبِّي غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلاَ يَغْضَبُ بَعْدَهُ مِثْلَهُ.
نَفْسِي نَفْسِي، ائْتُوا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
فَيَأْتُونِي، فَأَسْجُدُ تَحْتَ الْعَرْشِ، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، وَسَلْ تُعْطَهُ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ: لاَ أَحْفَظُ سَائِرَهُ».
[الحديث 3340 - طرفاه في: 3361، 471] .

وبه قال: ( حدثني) بالإفراد، ولأبي ذر عن المستملي: حدّثنا ( إسحاق بن نصر) هو إسحاق بن إبراهيم بن نصر السعدي قال: ( حدّثنا محمد بن عبيد) بضم العين مصغرًا الطنافسي الأحدب الكوفي قال: ( حدّثنا أبو حيان) بالحاء المهملة وتشديد الياء التحتية يحيى بن سعيد بن حيان التيمي ( عن أبي زرعة) هرم بن عمرو البجلي ( عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه ( قال: كنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في دعوة) بفتح الدال وكسرها في اليونينية طعام مدعوّ إليه ضيافة ( فرفع إليه الذراع) بضم الراء مبنيًّا للمفعول قال السفاقسي الصواب رفعت لأن الذراع مؤنثة.
قال في المصابيح: وهذا خبط لأن هذا إسناد إلى ظاهر غير الحقيقي فيجوز التأنيث وعدمه، بل أقول: لو كان التأنيث هنا حقيقيًّا لم يجب اقتران الفعل بعلامة التأنيث لوجود الفاصل كقولك قام في الدار هند، ( وكانت) أي الذراع ( تعجبه) لأنها أعجل نضجًا وأخف على المعدة وأسرع هضمًا مع لذتها وحلاوة مذاقها ولذا اسم فيها ( فنهس منها نهسة) بسين مهملة فيهما أخذ لحمها من العظم بأطراف أسنانه، ولأبي ذر والأصيلي فنهش منها نهشة بالشين المعجمة فيهما أخذه بأضراسه ( وقال) :
( أنا سيد القوم) وضبب على القوم في الفرع أصله وفي الهامش مصححًا عليه سيد الناس ( يوم القيامة) خصه بالذكر لارتفاع سؤدده وتسليم الجميع له فيه إذا كان سيدهم في يوم القيامة ففي الدنيا أولى، وقوله: لا تخيروا بين الأنبياء أي تخييرًا يؤدّي إلى تنقيص أو لا تخيروا في ذات النبوّة والرسالة إذ الأنبياء فيهما على حد واحد والتفاضل بأمور أخر أو خصه لأن القصة قصة يوم القيامة ( هل تدرون بمن) وللكشميهني بم وللحموي والمستملي ثم بالمثلثة بدل الموحدة وتشديد الميم ( يجمع الله الأوّلين والآخرين في صعيد واحد) أرض مستوية واسعة ( فيبصرهم الناظر) أي يحيط بهم بصر الناظر بحيث لا يخفى عليه منهم شيء لاستواء الأرض وعدم الحجاب ( ويسمعهم الداعي) بضم الياء من الإِسماع ( وتدنو منهم الشمس) فيبلغهم من الغم والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون ( فيقول بعض الناس) لبعض: ( ألا ترون إلى ما أنتم فيه) من الغم والكرب ( إلى ما بلغكم) بدل من قوله إلى ما أنتم فيه ( ألا) بالتخفيف كالسابقة للعرض أو التحضيض ( تنظرون إلى من يشفع لكم إلى ربكم) ؟ حتى يريحكم من مكانكم هذا ( فيقول بعض الناس: أبوكم آدم فيأتونه فيقولون) له: ( يا آدم أنت أب البشر) كتب بغير واو بعد الموحدة من أب ولا ذر أبو البشر بإثبات الواو ( خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه) الإضافة إليه تعالى إضافة تعظيم للمضاف
وتشريف ( وأمر الملائكة فسجدوا لك وأسكنك الجنة) زاد في رواية همام في التوحيد وعلمك أسماء كل شيء وضع شيء موضع أشياء أي المسميات لقوله تعالى: { وعلم آدم الأسماء كلها} [البقرة: 31] أي أسماء المسميات أراد التقصي واحدًا فواحدًا حتى يستغرق المسميات كلها ( ألا تشفع لنا إلى ربك.
ألا ترى ما نحن فيه وما بلغنا)
؟ بفتح الغين من الكرب والعرق ( فيقول) آدم عليه السلام: ( ربي غضب) اليوم ( غضبًا لم يغضب قبله مثله ولا يغضب بعده مثله) والمراد من الغضب لازمه وهو إرادة إيصال الشر إلى المغضوب عليه.
وقال النووي: المراد ما يظهره تعالى من انتقامه فيمن عصاه وما يشاهده أهل الجمع من الأهوال التي لم تكن ولا يكون مثلها ولا ريب أنه لم يتقدّم قبل ذلك اليوم مثله ولا يكون بعده مثله ( ونهاني عن الشجرة) أي عن أكلها ( فعصيته) ولأبي ذر فعصيت بحذف الضمير ( نفسي نفسي) مرّتين أي نفسي التي تستحق أن يشفع لها لأن المبتدأ والخبر إذا كانا متحدين فالمراد بعض لوازمه أو قوله نفسي مبتدأ والخبر محذوف وعند سعيد بن منصور من رواية ثابت إني أخطأت وأنا في الفردوس فإن يغفر لي اليوم فحسبي ( اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى نوح) بيان لقوله اذهبوا إلى غيري ( فيأتون نوحًا فيقولون) له: ( يا نوح أنت أول الرسل إلى أهل الأرض) استشكلت الأولية هنا بأن آدم نبي مرسل وكذا شيث وإدريس وهم قبل نوح وأجيب بأن الأولية مقيدة بقوله إلى أهل الأرض لأن آدم ومن بعده لم يرسلوا إلى أهل الأرض.

واستشكل بقوله من حديث جابر: أعطيت خمسًا.
وفيه: وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة.
وأجيب: بأن بعثة نوح إلى أهل الأرض باعتبار الواقع لصدق أنهم قومه بخلاف عموم بعثة نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لقومه ولغير قومه، ويأتي إن شاء الله تعالى مزيد لذلك في محاله بعون الله وقوّته.

( وسماك الله) في سورة الإسراء ( عبدًا شكورًا) تحمد الله تعالى على مجامع حالاته ( أما) بتخفيف الميم ولأبي ذر عن الكشميهني ألا ( ترى إلى ما نحن فيه.
ألا ترى إلى ما بلغنا)
.
بفتح الغين ( ألا تشفع لنا إلى ربك) ؟ حتى يريحنا من مكاننا ( فيقول) نوح عليه السلام: ( ربي غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله ولا يغضب بعده مثله نفسي نفسي) مرتين ( ائتوا النبي) محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المعروف أن نوحًا يدلهم على إبراهيم وإبراهيم على موسى وموسى على عيسى وعيسى على النبي محمد "-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-" قال نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ( فيأتوني فأسجد تحت العرش) : زاد أحمد في مسنده قدر جمعة ( فيقال: يا محمد ارفع رأسك واشفع تشفع) أي تقبل شفاعتك ( وسل تعطه) .

( قال محمد بن عبيد) مصغرًا من غير إضافة لشيء الأحدب: ( لا أحفظ سائره) أي باقي الحديث لأنه مطوّل معلوم من رواية غيره.

وهذا الحديث أخرجه أيضًا في التفسير، ومسلم في الإِيمان، والترمذي في الزهد والأطعمة، والنسائي في الوليمة مختصرًا وفي التفسير مطوّلاً، وابن ماجه في الأطعمة.




[ قــ :3189 ... غــ : 3341 ]
- حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ نَصْرٍ أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضي الله عنه-: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَرَأَ: { فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} مِثْلَ قِرَاءَةِ الْعَامَّةِ".
[الحديث 3341 - أطرافه في: 3345، 3376، 4869، 4870، 4871، 487، 4873، 4874] .

وبه قال: ( حدّثنا نصر بن علي بن نصر) الجهضمي الأزد البصري وسقط لأبي ذر ابن نصر قال: ( أخبرنا أبو أحمد) محمد بن عبد الله بن الزبير بن عمير بن درهم الزبير ( عن سفيان) الثور ( عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي ( عن الأسود بن يزيد) النخعي ( عن عبد الله) بن مسعود ( -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قرأ { فهل من مدكر} ) [القمر: 15] بالإدغام والدال المهملة ( مثل قراءة العامة) .
لا بفك الإدغام ولا بالمعجمة كما قريء في الشواذ وأصله مذتكر بذال معجمة مفتعل من الذكر فاجتمع حرفان متقاربان في المخرج والأول ساكن وألفينا الثاني مهموسًا فأبدلناه بمجهور يقاربه في المخرج وهو الدال المهملة ثم قلبت الذال دالاً وأدغمت في الدال المهملة.

فإن قلت: ما وجه المطابقة بين الحديث والترجمة؟ أجيب: من قوله في الآية الثانية وتذكيري بآيات الله والآية في شأن سفينة نوح والضمير في قوله: { ولقد تركناها} [القمر: 15] آية يعتبر بها إذ شاع خبرها واستمر، أو تركت حتى نظر إليها أوائل هذه الأمة.

وهذا الحديث أخرجه أيضًا في التفسير وأحاديث الأنبياء، ومسلم في الصلاة، وأبو داود في الحروف، والترمذي في القراءات، والنسائي في التفسير.