فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب ذكر إدريس عليه السلام

باب ذِكْرِ إِدْرِيسَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ.
وَهوَ جَدُّ أَبِي نُوحٍ، وَيُقَالُ جَدُّ نُوحٍ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: { وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا}
( باب ذكر إدريس عليه) الصلاة و ( السلام) بكسر ذال ذكر وضمها في اليونينية وسقط لفظ باب لأبي ذر ( وهو جد أبي نوح) لأنه نوح بن لامك بن متوشلخ بن أخنوخ وهو إدريس.
( ويقال جد نوح عليهما السلام) مجازًا لأن جد الأب جد، وقوله: وهو جد وقوله: وهو جد الخ ... ثابت لابن عساكر.
وكان إدريس عليه السلام أول نبي أعطي النبوة بعد آدم وشيث عليهما السلام، وأول من خط بالقلم وأدرك من حياة آدم ثلاثمائة سنة وثمان سنين.

وقال ابن كثير: وقد قالت طائفة أنه المشار إليه في حديث معاوية بن الحكم السلمي لما سأل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الخط بالرمل فقال: "إنه كان نبي يخط بالرمل فمن وافق خطه فذاك".
وزعم كثير من المفسرين أنه أول من تكلم في ذلك ويسمونه هرمس الهرامسة ويكذبون عليه في أشياء كثيرة كما كذبوا على غيره من الأنبياء.

( وقول الله) عز وجل بالجر عطفًا على سابقه المجرور بالإضافة: ( { ورفعناه مكانًا عليًّا} ) [مريم: 57] السماء السادسة أو الرابعة أو الجنة أو شرف النبوّة والزلفى وعن ابن أبي نجيح عن مجاهد أنه رفع إلى السماء ولم يمت كما رفع عيسى.
قال في البداية والنهاية: إن أراد أنه لم يمت إلى الآن ففيه نظر وإن أراد أنه رفع حيًّا إلى السماء ثم قبض، فلا ينافي ما ذكره كعب أنه قبض في السماء الرابعة.
وعن ابن عباس أنه قبض في السادسة وصحح ابن كثير أنه قبض في الرابعة.


[ قــ :3190 ... غــ : 3342 ]
- قَالَ عَبْدَانُ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ.
ح.

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: قَالَ أَنَسٌ بْن مَالِكٍ: «كَانَ أَبُو ذَرٍّ -رضي الله عنه- يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: فُرِجَ سَقْفُ بَيْتِي وَأَنَا بِمَكَّةَ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ فَفَرَجَ صَدْرِي، ثُمَّ غَسَلَهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا فَأَفْرَغَهَا فِي صَدْرِي، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَعَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ، فَلَمَّا جَاءَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا قَالَ جِبْرِيلُ لِخَازِنِ السَّمَاءِ: افْتَحْ.
قَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا جِبْرِيلُ، قَالَ: مَعَكَ أَحَدٌ؟ قَالَ: مَعِيَ مُحَمَّدٌ، قَالَ: أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَافْتَحْ.
فَلَمَّا عَلَوْنَا السَّمَاءَ إِذَا رَجُلٌ عَنْ يَمِينِهِ أَسْوِدَةٌ وَعَنْ يَسَارِهِ أَسْوِدَةٌ، فَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ، وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَى، فَقَالَ مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالاِبْنِ الصَّالِحِ.
قُلْتُ: مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا آدَمُ، وَهَذِهِ الأَسْوِدَةُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ نَسَمُ بَنِيهِ، فَأَهْلُ الْيَمِينِ مِنْهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ، وَالأَسْوِدَةُ الَّتِي عَنْ شِمَالِهِ أَهْلُ النَّارِ.
فَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَى.
ثُمَّ عَرَجَ بِي جِبْرِيلُ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ فَقَالَ لِخَازِنِهَا: افْتَحْ، فَقَالَ لَهُ خَازِنُهَا مِثْلَ مَا قَالَ الأَوَّلُ، فَفَتَحَ.
قَالَ أَنَسٌ: فَذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ فِي السَّمَوَاتِ إِدْرِيسَ وَمُوسَى وَعِيسَى وَإِبْرَاهِيمَ، وَلَمْ يُثْبِتْ لِي كَيْفَ مَنَازِلُهُمْ، غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ آدَمَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا وَإِبْرَاهِيمَ فِي السَّادِسَةِ.
.

     وَقَالَ  أَنَسٌ: فَلَمَّا مَرَّ جِبْرِيلُ بِإِدْرِيسَ قَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالأَخِ الصَّالِحِ، فَقُلْتُ مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا إِدْرِيسُ.
ثُمَّ مَرَرْتُ بِمُوسَى فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالأَخِ الصَّالِحِ.
وَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا مُوسَى.
ثُمَّ مَرَرْتُ بِعِيسَى فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالأَخِ الصَّالِحِ.
قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: عِيسَى.
ثُمَّ مَرَرْتُ بِإِبْرَاهِيمَ فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالاِبْنِ الصَّالِحِ.
قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا إِبْرَاهِيمُ -قَالَ: وَأَخْبَرَنِي ابْنُ حَزْمٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَأَبَا حَبَّةَ الأَنْصَارِيَّ كَانَا يَقُولاَنِ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ثُمَّ عُرِجَ بِي حَتَّى ظَهَرْتُ
لِمُسْتَوًى أَسْمَعُ صَرِيفَ الأَقْلاَمِ.
قَالَ ابْنُ حَزْمٍ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ -رضي الله عنهما-: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فَفَرَضَ اللَّهُ عَلَىَّ خَمْسِينَ صَلاَةً، فَرَجَعْتُ بِذَلِكَ حَتَّى أَمُرَّ بِمُوسَى فَقَالَ مُوسَى: مَا الَّذِي فُرِضَ عَلَى أُمَّتِكَ؟ قُلْتُ: فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسِينَ صَلاَةً، قَالَ: فَرَاجِعْ رَبَّكَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تُطِيقُ ذَلِكَ، فَرَجَعْتُ، فَرَاجَعْتُ رَبِّي فَوَضَعَ شَطْرَهَا.
فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ: رَاجِعْ رَبَّكَ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ فَوَضَعَ شَطْرَهَا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: رَاجِعْ رَبَّكَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تُطِيقُ ذَلِكَ، فَرَجَعْتُ فَرَاجَعْتُ رَبِّي فَقَالَ: هِيَ خَمْسٌ وَهْيَ خَمْسُونَ، لاَ يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَىَّ، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ: رَاجِعْ رَبَّكَ، فَقُلْتُ: قَدِ اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَبِّي.
ثُمَّ انْطَلَقَ حَتَّى أَتَى السِّدْرَةَ الْمُنْتَهَى، فَغَشِيَهَا أَلْوَانٌ لاَ أَدْرِي مَا هِيَ.
ثُمَّ أُدْخِلْتُ الْجَنَّةَ فَإِذَا فِيهَا جَنَابِذُ اللُّؤْلُؤِ، وَإِذَا تُرَابُهَا الْمِسْكُ».

( قال عبدان) : هو لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة المروزي، وهذا التعليق وصله الجوزقي من طريق محمد بن الليث عن عبدان ولأبي ذر: وحدّثنا عبدان، ولابن عساكر: حدّثنا بغير واو قال: ( أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: ( أخبرنا يونس) بن يزيد الأيلي ( عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب ( ح) لتحويل الإسناد.

( حدّثنا) ولابن عساكر عن الزهري قال أنس بن مالك: وحدّثنا ولأبي ذر وأخبرنا ( أحمد بن صالح) أبو جعفر المصري قال: ( حدّثنا عنبسة) بفتح العين المهملة وسكون النون وبعد الموحدة المفتوحة سين مهملة ابن خالد قال: ( حدّثنا يونس) بن يزيد وهو عم عنبسة ( عن ابن شهاب) الزهري أنه ( قال) : قال أنس ولأبي ذر وابن عساكر ( قال أنس بن مالك: كان أبو ذر) جندب بن جنادة ( -رضي الله عنه- يحدث أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) :
( فرج) بضم الفاء مبنيًا للمفعول أي فتح ( سقف بيتي) ولأبي ذر: عن سقف بيتي ( وأنا بمكة) جملة حالية ( فنزل جبريل) عليه السلام من الموضع الذي فتحه من السقف مبالغة في المفاجأة ( ففرج) بفتحات أي شق ( صدري) في رواية للمصنف إلى مراق البطن ( ثم غسله بماء زمزم) لأنه أفضل المياه أو يقوّي القلب ( ثم جاء بطست) بسين مهملة مؤنثة ( من ذهب) وكان ذلك قبل تحريم الذهب ( ممتلئ) صفة لطست وذكر على معنى الإناه ( حكمة وإيمانًا) بنصبهما على التمييز تمثيل لينكشف بالمحسوس ما هو معقول وتمثيل المعاني جائز كما أن سورة البقرة تجيء يوم القيامة كأنها ظلة ولابن عساكر الحكمة والإيمان ( فافرغها) أي الطست والمراد ما فيها ( في صدري ثم أطبقه) وختم عليه حتى لا يجد العدو إليه سبيلاً ( ثم أخد بيدي) جبريل ( فعرج بي إلى السماء فلما جاء إلى السماء الدنيا قال جبريل لخازن السماء) الدنيا: ( افتح) بابها ( قال) الخازن: ( من هذا) ؟ الذي قال افتح ( قال: هذا جبريل) ولم يقل أنا لأن قائلها يقع في العناء وسقط لفظ هذا لأبي ذر ( قال: معك) ولابن عساكر قال: ما معك ( أحد؟ قال) : نعم ( معي محمد) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( قال: أرسل إليه) ليعرج به ( قال: نعم) أرسل إليه ( فافتح فلما علونا السماء) زاد أبو ذر الدنيا وهي صفة للسماء والظاهر
أنه كان معهما غيرهما من الملائكة ( إذا رجل عن يمينه أسودة) أشخاص ( وعن يساره أسودة) أشخاص أيضًا ( فإذا نظر قبل) أي جهة ( يمينه ضحك) سرورًا ( وإذا نظر قبل شماله بكى) حزنًا ( فقال: مرحبًا بالنبي الصالح والابن الصالح) أي أصبت رحبًا لا ضيقًا أيها النبي التام في نبوته والابن البارّ في بنوّته ( قلت: من هذا يا جبريل؟ قال: هذا آدم وهذه الأسودة) التي ( عن يمينه وعن شماله نسم بنيه) بفتح النون والسين المهملة أي أرواحهم ( فأهل اليمين منهم أهل الجنة) والجنة فوق السماء السابعة في جهة يمينه ( والأسودة التي عن شماله أهل النار) .
والنار في سجين الأرض السابعة في جهة شماله فيكشف له عنهما حتى ينظر إليهم ( فإذا نظر قبل يمينه ضحك وإذا نظر قبل شماله بكى، ثم عرج به جبريل حتى أتى السماء الثانية فقال لخازنها: افتح) بابها ( فقال لها خازنها مثل ما قال الأول ففتح) بابها ( قال أنس) -رضي الله عنه-: ( فذكر) أبو ذر ( أنه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( وجد في السماوات إدريس، وموسى، وعيسى وإبراهيم) عليهم الصلاة والسلام ( ولم يثبت) أبو ذر ( لي كيف منازلهم) أي لم يعين لكل نبي سماء ( غير أنه ذكر أنه وجد) ولأبي ذر: أنه قد وجد ( آدم في السماء الدنيا وإبراهيم في السادسة وقال أنس: فلما مرّ جبريل بإدريس قال: مرحبًا بالنبي الصالح والأخ الصالح) ولم يقل والابن لأنه لم يكن من آبائه ( فقلت) لجبريل: ( من هذا قال: هذا إدريس) وهذا موضع الترجمة.

وفي حديث مالك بن صعصعة عند الشيخين أن إدريس في السماء الرابعة ولا ريب أنه
موضع عليّ وإن كان غيره من الأنبياء أرفع مكانًا منه.
( ثم مررت بموسى.
فقال: مرحبًا بالنبي
الصالح والأخ الصالح قلت)
أي لجبريل ولأبي ذر فقلت بالفاء قبل القاف وله أيضًا فقال: أي
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو من الالتفات ( من هذا؟ قال) : ولأبي ذر فقال: ( هذا موسى ثم مررت بعيسى
فقال: مرحبًا بالنبي الصالح قلت)
لجبريل: ( من هذا؟ قال) : هذا ( عيسى) وليست ثم هنا على بابها
في الترتيب فقد اتفقت الروايات على أن المرور بعيسى كان قبل المرور بموسى ( ثم مررت بإبراهيم
فقال: مرحبًا بالنبي الصالح والابن الصالح قلت من هذا)
يا جبريل: ( قال: هذا إبراهيم) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وقالوا: مرحبًا بالنبي الصالح ولم يقولوا بالنبي الصادق مثلاً لأن لفظ الصالح عام لجميع الخصال
الحميدة، فأرادوا وصفه بما يعم كل الفضائل.

( قال) : أي ابن شهاب ( وأخبرني) بالإفراد ( ابن حزم) بالحاء المهملة المفتوحة وسكون الزاي أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري قاضي المدينة ( أن ابن عباس وأبا حيّة الأنصارى) بتشديد المثناة التحتية ولأبي ذر وابن عساكر: وأبا حيّة بالموحدة بدل التحتية وهو الصواب، ورواية ابن حزم عن أبي حيّة منقطعة لأنه استشهد بأحد قبل مولد ابن حزم بمدة كما مرّ ذلك مع زيادة في أول كتاب الصلاة ( كانا) أي ابن عباس وأبو حيّة ( يقولان: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم عرج بي حتى) بضم العين وكسر الراء مبنيًا للمفعول ولأبي ذر: ثم عرج بي جبريل حتى ( ظهرت) أي علوت ( لمستوى) بفتح الواو أي موضع شرف يستوي عليه وهو المصعد.
وقال التوربشتي: اللام للعلة أي علوت لاستعلاء مستوى أو لرؤيته أو لمطالعته، ويحتمل أن يكون متعلقًا بالمصدر أي ظهرت
ظهور المستوى، ويحتمل أن يكون بمعنى، إلى يقال: أوحى لها أي إليها والمعنى أني قمت مقامًا بلغت فيه من رفعة المحل إلى حيث اطلعت على الكوائن وظهر لي ما يراد من أمر الله تعالى وتدبيره في خلقه وهذا والله هو المنتهى الذي لا تقدم لأحد عليه، وللحموي والمستملي بمستوى بالموحدة بدل اللام ( أسمع) فيه ( صريف الأقلام) أي تصويتها حالة كتابة الملائكة ما يقضيه الله تعالى.

( قال ابن حزم) عن شيخه ( وأنس بن مالك) عن أبي ذر: ( قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ففرض الله عليّ) بتشديد التحتية أي وعلى أمتي ( خمسين صلاة) في كل يوم وليلة ( فرجعت بذلك حتى أمر بموسى) بهمزة مفتوحة فميم مضمومة فراء مشدّدة ( فقال لي موسى: ما الذي فرض) أي ربك ( على أمتك؟ قلت) له: ( فرض) ربي ( عليهم خمسين صلاة) في كل يوم وليلة، ولأبي ذر وابن عساكر: فرض بضم الفاء مبنيًّا للمفعول في الموضعين خمسون صلاة بالرفع نائبًا عن الفاعل ( قال) موسى: ( فراجع ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك) وسقط لفظ ذلك لأبي ذر ( فرجعت) من عند موسى ( فراجعت ربي فوضع شطرها فرجعت إلى موسى فقال: راجع ربك فذكر مثله فوضع شطرها) أي جزءًا منها.
وفي رواية ثابت أن التخفيف كان خمسًا خمسًا وحمل باقي الروايات عليها متعين على ما لا يخفى ( فرجعت إلى موسى فأخبرته) سقط لابن عساكر لفظ فأخبرته ( فقال) موسى: ( راجع ربك) ولابن عساكر فقال ذلك أي راجع ربك ففعلت أي فرجعت فراجعت ربي فوضع شطرها فرجعت إلى موسى فأخبرته بذلك فقال: راجع ربك ( فإن أمتك لا تطيق ذلك فراجعت ربي، فقال) جل وعلا: ( هي خمس) بحسب الفعل ( وهي خمسون) بحسب الثواب { من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} [الأنعام: 160] ( لا يبدل القول لدي) يحتمل أن يراد أني ساويت بين الخمس والخمسين في الثواب، وهذا القول غير مبدل أو جعلت الخمسين خمسًا ولا تبديل فيه، وإنما وقعت المراجعة للعلم بأن ذلك غير واجب قطعًا لأن ما كان واجبًا قطعًا لا يقبل التخفيف أو الفرض خمسين.
ثم نسخها بخمس رحمة لهذه الأمة المحمدية.
واستشكل بأنه نسخ قبل البلاغ.
وأجيب: بأنه نسخ بعده بالنسبة إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( فرجعت إلى موسى فقال: راجع ربك.
فقلت: قد استحييت من ربي)
أن أراجعه بعد قوله تعالى: لا يبدل القول لدي ( ثم انطلق) جبريل ( حتى أتى السدرة المنتهى) وفي نسخة إلى السدرة المنتهى، ولابن عساكر: حتى أتى بي سدرة المنتهى، ولأبي ذر: بي السدرة المنتهى وهي في أعلى السماوات وسميت بالمنتهى لأن علم الملائكة ينتهي إليها ولم يجاوزها أحد إلا نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( فغشيها ألوان لا أدري ما هي) هو كقوله تعالى: { إذ يغشى السدرة ما يغشى} [النجم: 16] فالإبهام للتفخيم والتهويل وإن كان معلومًا ( ثم أدخلت) ولأبي ذر: ثم أدخلت الجنة ( فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ) بفتح الجيم والنون بعدها ألف فموحدة مكسورة فذال معجمة جمع جنبذة وهي القبة ( وإذا ترابها المسك) .
رائحة.

واستنبط من هذا الحديث فوائد كثيرة يأتي إن شاء الله تعالى في سورة هود الإِلمام بشيء منها في بابه بعون الله تعالى، وقد مرّ الحديث أوّل الصلاة.