فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب قصة يأجوج، ومأجوج

باب قِصَّةِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ
وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ} [الكهف: 94] وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ} - إِلَى قَوْلِهِ - {سَبَبًا} [الكهف: 83] {سَبَبًا}: طَرِيقًا.
إِلَى قَوْلِهِ: {آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ} وَاحِدُهَا زُبْرَةٌ وَهْيَ الْقِطَعُ.
{حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ}: يُقَالُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْجَبَلَيْنِ.
وَ {السُّدَّيْنِ}: الْجَبَلَيْنِ.
{خَرْجًا}: أَجْرًا.
{قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا}: أَصْبُبْ عَلَيْهِ رَصَاصًا، وَيُقَالُ الْحَدِيدُ.
وَيُقَالُ الصُّفْرُ،.

     وَقَالَ  ابْنُ عَبَّاسٍ: النُّحَاسُ.
{فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ}: يَعْلُوهُ، اسْطَاعَ: اسْتَفْعَلَ مِنْ طُعْتُ لَهُ، فَلِذَلِكَ فُتِحَ أَسْطَاعَ يَسْطِيعُ،.

     وَقَالَ  بَعْضُهُمُ: اسْتَطَاعَ يَسْتَطِيعُ.
{وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا * قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ}: أَلْزَقَهُ بِالأَرْضِ.
وَنَاقَةٌ دَكَّاءُ: لاَ سَنَامَ لَهَا، وَالدَّكْدَاكُ مِنَ الأَرْضِ مِثْلُهُ حَتَّى صَلُبَ مِنَ الأَرْضِ وَتَلَبَّدَ.
{وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا * وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ {وَهُمْ مِنْ
كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ} قَالَ قَتَادَةُ: حَدَبٍ أَكَمَةٍ.
"قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: رَأَيْتُ السَّدَّ مِثْلَ الْبُرْدِ الْمُحَبَّرِ.
قَالَ: «قَدْ رَأَيْتَهُ».

(باب قصة يأجوج ومأجوج).

قال في الأنوار: قبيلتان من ولد يافث بن نوح عليه السلام وقيل يأجوج من الترك ومأجوج من الجيل، وعن قتادة فيما ذكره محيي السنة أن يأجوج ومأجوج اثنتان وعشرون قبيلة بنى ذو القرنين السد على إحدى وعشرين قبيلة وبقيت واحدة فهم الترك سموا بالترك لأنهم تركوا خارج السد.

وعن حذيفة مرفوعًا: إن يأجوج أمة ومأجوج أمة كل أمة أربعمائة ألف لا يموت الرجل منهم حتى ينظر إلى ألف ذكر من صلبه كلهم قد حمل السلاح.
قال: وهم ثلاثة أصناف: صنف منهم مثل الأرز شجر بالشام طوله عشرون ومائة ذراع في السماء، وصنف منهم طوله وعرضه سواء عشرون ومائة ذراع وهؤلاء لا يقوم لهم جبل ولا حديد، وصنف منهم يفترش إحدى أذنيه ويلتحف بالأخرى لا يمرون بفيل ولا وحش ولا خنزير إلا أكلوه، ومن مات منهم أكلوه مقدمتهم بالشام وساقتهم بخراسان يشربون أنهار المشرق وبحيرة طبرية.
وعن علي -رضي الله عنه- منهم من طوله شبر ومنهم المفرط في الطول.

وفي كتاب الأمم لابن عبد البر: أن مقدار الربع العامر من الدنيا مائة وعشرون سنة وأن تسعين منها ليأجوج ومأجوج وهم أربعون أمة مختلفو الخلق والقدود في كل أمة ملك ولغة، ومنهم من لا يتكلم إلا همهمة.

وذكر الباجي عن عبد الرَّحمن بن ثابت أن الأرض خمسمائة عام منها ثلاثمائة بحور ومائة وتسعون ليأجوج ومأجوج وسبع للحبشة وثلاث لسائر الناس كذا رأيته والعهدة فيه على ناقله، وقد قال الحافظ ابن كثير ذكر ابن جرير هنا عن وهب بن منبه أثرًا فيه ذكر ذي القرنين ويأجوج ومأجوج فيه طول وغرابة ونكارة في أشكالهم وصفاتهم وطولهم وقصر بعضهم وآذانهم، وكذا روى ابن أبي حاتم في ذلك أحاديث لا تصح أسانيدها، وقد قال كعب فيما ذكره محيي السنّة: إن آدم عليه السلام احتلم ذات يوم فامتزجت نطفته بالتراب فخلق الله من ذلك الماء يأجوج ومأجوج فهم يتصلون بنا من جهة الأب دون الأم، وحكاه النووي في شرح مسلم.
قال ابن كثير: وهذا القول غريب جدًّا ثم لا دليل عليه لا من عقل ولا من نقل ولا يجوز الاعتماد هاهنا على ما يحكيه بعض أهل الكتاب لما عندهم من الأحاديث المفتعلة والله أعلم.

(وقول الله تعالى) بالجر عطفًا على المجرور السابق ({قالوا يا ذا القرنين}) وفي مصحف ابن مسعود قال الذين من دونهم يا ذا القرنين ({إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض}) [الكهف: 86] .
أي في أرضنا بالقتل والتخريب وإتلاف الزرع وسقط قوله قصة الخ ..
(وقول الله) ولابن عساكر باب قول الله (تعالى: {ويسألونك}) يا محمد كفار مكة ({عن}) خبر ({ذي القرنين}) روى ابن جرير والأموي في مغازيه بسند ضعيف من حديث عقبة بن عامر -رضي الله عنه- أنه كان شابًّا من الروم وأنه بنى الإسكندرية وأنه علا به ملك في السماء وذهب به إلى السد ورأى أقوامًا مثل وجوه الكلاب.
قال ابن كثير: وهو خبر إسرائيلي وفيه من النكارة أنه من الروم وإنما الذي كان من الروم الإسكندر الثاني، وأما الإسكندر الأول فقد طاف بالبيت مع الخليل صلوات الله عليه وسلامه أول ما بناه وآمن به واتبعه كما ذكره الأزرقي وكان وزيره الخضر، وأما الثاني فهو الإسكندر اليوناني وزيره أرسطاطاليس الفيلسوف وكان قبل المسيح بنحو ثلاثمائة سنة وسمي ذا القرنين لأنه ملك المشرق والمغرب، أو لأنه طاف قرني الدنيا شرقها وغربها، أو لأنه انقرض في أيامه قرنان من الناس، أو لأنه كان له قرنان أي ضفيرتان أو كان لتاجه قرنان، أو لأنه كان في رأسه شبه القرنين، أو لقب بذلك لشجاعته كما يقال الكبش للشجاع كأنه ينطح أقرانه.
وعن علي أنه كان عبدًا ناصح الله فناصحه دعا قومه إلى الله فضربوه على قرنه فمات فأحياه الله فدعا قومه إلى الله فضربوه على قرنه فمات فأحياه الله فسموه ذا القرنين، واختلف في نبوته مع الاتفاق على إيمانه وصلاحه {قل سأتلو عليكم منه} أي من أخباره {ذكرًا * إنّا مكنّا له في الأرض} أي مكنّا له أمره في التصرف فيها كيف شاء فحذف المفعول {وآتيناه من كل شيء} طلبه وتوجه إليه ({سببًا}) وصلة توصله إليه من العلم والقدرة.
وقال عبد الرَّحمن بن زيد أي تعليم الألسنة كان لا يغزو قومًا إلا كلمهم بلسانهم، وقيل علمًا بالطرق والمسالك فسخرنا له أقطار الأرض كما سخرنا الريح لسليمان عليه السلام، وقول كعب الأحبار مستدلاً بهذه الآية إن ذا القرنين كان يربط حبله بالثريا أنكره عليه معاوية بن أبي سفيان وهو إنكار صحيح لا سبيل للبشر إلى شيء من ذلك ولا إلى الرقي في أسباب السماوات قاله ابن كثير {فأتبع سببًا} [الكهف: 83 - 85] .
أي (طريقًا إلى قوله: {ائتوني}) بسكون الهمزة وهي قراءة أبي بكر عن عاصم ({زبر الحديد} واحدها زبرة) بضم الزاي وسكون الموحدة (وهي القطع) بكسر القاف وفتح الطاء ويقال كل قطعة زنة قنطار بالدمشقي أو تزيد عليه، وفي رواية أبي ذر بعد قوله: ({ويسألونك عن ذي القرنين} إلى قوله: {سببًا} طريقًا إلى قوله: {ائتوني زبر الحديد} واحدها زبرة.
ولابن عساكر بعد قوله: {ذكرًا} إلى قوله: ({آتوني زبر الحديد * حتى إذا ساوى بين الصدفين}) بفتح الصاد والدال ولغير أبي ذر الصدفين بضمهما وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو وابن عامر وهي لغة قريش ولأبي بكر ضم الصاد وإسكان الدال.

(يقال عن ابن عباس) مما وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة في قوله تعالى: {بين الصدفين} قال: أي بين (الجبلين) وقيل الصدفان ناحيتا الجبلين، وقال أبو عبيدة: الصدف كل بناء عظيم مرتفع (والسدين): بضم السين ولأبي ذر السدين بفتحها وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو وحفص لغتان (الجبلين) سد ذو القرنين بينهما بسد وهما جبلا أرمينية وأذربيجان وقيل
جبلان بأواخر الشمال في منقطع أرض الترك منفيان من ورائهما يأجوج ومأجوج، والمعنى أنه وضع بعضه على بعض من الأساس حتى حاذى به رؤوس الجبلين طولاً وعرضًا (خرجًا) أي (أجرًا) عظيمًا نخرجه من أموالنا {قال} للعملة: ({انفخوا}) في الأكوار والحديد ({حتى إذا جعله}) أي المنفوخ فيه ({نارًا}) كالنار بالإحماء ({قال آتوني أفرغ عليه قطرًا}) أي (أصبب عليه رصاصًا}) بفتح الراء وتكسر ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر أصب بموحدة مشددة ولأبي ذر: أصب عليه قطرًا (ويقال الحديد) أي المذاب (ويقال الصفر) بالضم رواه ابن أبي حاتم من طريق الضحاك وهو النحاس.

(وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما- فيما وصله ابن أبي حاتم بإسناد صحيح إلى عكرمة عنه: (النحاس) ورواه من طريق السدي أيضًا قال: القطر النحاس وبناه لهم بالحديد والنحاس، ومن طريق وهب بن منبه قال: شرفه بزبر الحديد والنحاس المذاب وجعل خلاله عرقًا من نحاس أصفر فصار كأنه برد محبر من صفرة النحاس وحمرته وسواد الحديد، وحكى الحافظ ابن كثير: أن الخليفة الواثق بعث في دولته بعض أمرائه في جيش لينظروا إلى السد وينعتوه له إذا رجعوا فرأوا بناءه من الحديد والنحاس ورأوا فيه بابًا عظيمًا عليه أقفال عظيمة وبقية اللبن والعمد في برج هناك وذكروا أن عنده حرسًا من الملوك المتاخمة له وأنه عال منيف شاهق.
({فما اسطاعوا}) بحذف التاء حذرًا من تلاقي متقاربين ({أن يظهروه}) أي أن (يعلوه) بالصعود لارتفاعه وانملاسه واسطاعوا جمع مفرده (استطاع) بالتاء قبل الطاء، ولأبي ذر: اسطاع بحذفها أصله (استفعل من اطعت له) بهمزة مفتوحة وفتح الطاء، ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر: من طعت بإسقاط الهمزة وضم الطاء وسكون العين.
قال العيني: لأنه مر فعل يفعل كنصر ينصر ولكنه أجوف واوي لأنه من الطوع يقال طاع له وطعت له كقال له وقلت له ولما نقل طاع إلى باب الاستفعال صار استطاع على وزن استفعل ثم حذفت التاء للتخفيف بعد نقل حركتها إلى الهمزة فصار أسطاع بفتح الهمزة وسكون السين وأشار إلى هذه بقوله: (فلذلك فتح اسطاع) أي فلأجل حذف التاء ونقل حركتها إلى الهمزة قيل اسطاع (يسطيع) بفتح الهمزة في الماضي وفتح الياء في المستقبل، (و) لكن (قال بعضهم: استطاع يستطيع) بالمثناة الفوقية فيهما وفتح حرف المضارعة في الثاني في الفرع وغيره مما رأيته من الأصول.
وقال العيني كابن حجر كالكرماني بضمه فمن فتح فمن الثلاثي ومن ضم فمن الرباعي.
({وما استطاعوا له نقبًا}) لثخنه وصلابته.
وظاهر هذا أنهم لم يتمكنوا من ارتقائه ولا من نقبه لأحكام بنائه وصلابته وشدته، ولا يعارضه حديث أبي هريرة عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المروي عند أحمد: أن يأجوج ومأجوج ليحفرون السد كل يوم حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم: ارجعوا فستحفرونه غدًا فيعودون إليه فيجدونه كأشد ما كان، حتى إذا بلغت مدتهم وأراد الله أن يبعثهم على الناس حفروا حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم ارجعوا إن شاء الله ويستثني فيعودون إليه وهو كهيئته حين تركوه فيحفرونه ويخرجون على الناس الحديث.

ورواه ابن ماجه والترمذي وقال غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
قال ابن كثير: وإسناده جيد قوي ولكن متنه في رفعه نكارة لمخالفته الآية.
ورواه كعب بنحوه، ولعل أبا هريرة تلقاه من فإنه كثيرًا ما كان يجالسه فحدث به أبو هريرة فتوهم بعض الرواة أنه مرفوع فرفعه.

({قال هذا}) السد والاقدار ({رحمة من ربي}) على عباده ({فإذا جاء وعد ربي}) وقت وعده بخروج يأجوج ومأجوج ({جعله}) أي السد ({دكاء}) أي (ألزقه بالأرض) بالزاي (و) كذلك يقال (ناقة دكاء) بالمد أي (لا سنام لها) مستوية الظهر (والدكداك من الأرض مثله) أي الملزق المستوى بها (حتى صلب من الأرض وتلبد) ولم يرتفع وسقط لأبي ذر وابن عساكر: من الأرض ({وكان وعد ربي حقًّا}) أي كائنًا لا محالة وهذا آخر حكاية قول ذي القرنين ({وتركنا بعضهم يومئذٍ}) أي بعض يأجوج ومأجوج حين يخرجون من وراء السد ({يموج في بعض}) مزدحمين في البلاد أو يموج بعض الخلق في بعض فيضطربون ويختلطون إنسهم وجنهم حيارى (حتى إذا فتحت) ولابن عساكر: باب حتى إذا فتحت ({يأجوج ومأجوج}) [الكهف: 96 - 98] .

قال في الكشاف: حتى متعلقة بحرام يعني في قوله وحرام على قرية وهي غاية له لأن امتناع رجوعهم لا يزول حتى تقوم الساعة وهي حتى التي يحكى بعدها الكلام والكلام المحكى هو الجملة من الشرط والجزاء أعني إذا وما في حيزها وقال الحوفي: هي غاية والعامل فيها ما دل عليه المعنى من تأسفهم على ما فرطوا فيه من الطاعة حين فاتهم الاستدراك.
وقال ابن عطية: "حتى" متعلقة بقوله وتقطعوا، ويحتمل على بعض التأويلات المتقدمة أن تتعلق بيرجعون، ويحتمل أن تكون حرف ابتداء وهو الأظهر بسبب إذا لأنها تقتضي جوابًا هو المقصود ذكره قال أبو حيان وكون حتى متعلقة بتقطعوا فيه بعد من حيث كثرة الفصل لكنه من حيث المعنى جيد وهو أنهم لا يزالون مختلفين على دين الحق إلى قرب مجيء الساعة فإذا جاءت الساعة انقطع ذلك كله وتلخص في تعلق "حتى" أوجه:
أحدها: أنها متعلقة بحرام.
الثاني: أنها متعلقة بمحذوف دل عليه المعنى وهو قول الحوفي.
الثالث: أنها متعلقة بتقطعوا.
الرابع: أنها متعلقة بيرجعون وتلخص في حتى وجهان:
أحدهما: أنها حرف ابتداء وهو قول الزمخشري وابن عطية فيما اختاره، والثاني: أنها حرف جر بمعنى إلى وفي جواب إذا أوجه:
أحدها: أنه محذوف فقدره أبو إسحاق قالوا يا ويلنا وقدره غيره فحينئذ يبعثون.

وقوله: {فإذا هي شاخصة} (الأنبياء: 97] .
عطف على هذا المقدر.
والثاني أن جوابها الفاء في قوله: فإذا هي قاله الحوفي والزمخشري وابن عطية.
وقوله: يأجوج ومأجوج هو على حذف مضاف أي سد يأجوج ومأجوج ({وهم}) يعني يأجوج ومأجوج أو الناس كلهم ({من
كل حدب}) نشر من الأرض سمي به القبر لظهوره على وجه الأرض ({ينسلون}) [الأنبياء: 96] .
يسرعون.
(قال قتادة) فيما ذكره عبد الرَّحمن في تفسيره (حدب) أي (أكمة) ولأبي ذر: حدب أكمة برفعهما (قال) ولأبي ذر وقال (رجل) صحابي لم يسم (للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: رأيت السد) بفتح السين.
ولأبي ذر بضمها (مثل البرد المحبر) بضم الميم وفتح الحاء المهملة والموحدة المشددة طريقة حمراء وطريقة سوداء (قال) عليه الصلاة والسلام: قد (رأيته) وصله ابن أبي عمر.


[ قــ :3194 ... غــ : 3346 ]
- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ زَيْنَبَ ابْنَةَ أَبِي سَلَمَةَ حَدَّثَتْهُ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ زَيْنَبَ بْنتِ جَحْشٍ - رضي الله عنهن -: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعًا يَقُولُ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ -وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا- قَالَتْ زَيْنَبُ بْنتُ جَحْشٍ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الْخُبْثُ".
[الحديث 3346 - أطرافه في: 3598، 7059، 7135] .

وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن بكير المخزومي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين ابن خالد (عن ابن شهاب) الزهري (عن عروة بن الزبير) بن العوّام (أن زينب ابنة) ولأبي ذر: بنت (أبي سلمة) المخزومي ربيبة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (حدثته عن أم حبيبة) رملة (بنت أبي سفيان) صخر بن حرب زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عن زينب ابنة) ولأبي ذر: بنت (جحش) زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (رضي الله عنهن أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دخل عليها) الضمير لزينب حال كونه (فزعًا) بكسر الزاي خائفًا (يقول):
(لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب) قيل: خص العرب بالذكر إشارة إلى ما وقع من قتل عثمان منهم أو أراد ما يقع من مفسدة يأجوج ومأجوج أو من الترك من المفاسد العظيمة في بلاد الإسلام (فتح اليوم) نصب على الظرفية (من ردم يأجوج ومأجوج) أي من سدهما (مثل هذه وحلق) بتشديد اللام وبالقاف -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بإصبعه) بالإفراد، ولأبي ذر وابن عساكر: بإصبعيه (الإبهام والتي تليها) وللمؤلّف في الفتن من طريق سفيان بن عيينة عن الزهري وعقد سفيان تسعين أو مائة، ولمسلم من حديث أبي هريرة من طريق وهيب وعقد وهيب بيده تسعين فاختلف في العاقد.
وأجاب ابن العربي: بأن العقد مدرج ليس من قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وإنما الرواة عبروا عن الإشارة في قوله مثل هذه بذلك (قالت) ولأبي ذر فقالت (زينب ابنة) ولأبي ذر بنت (جحش فقلت يا رسول الله أنهلك) بكسر اللام في اليونينية (وفينا الصالحون؟ قال) عليه الصلاة والسلام: (نعم إذا كثر الخبث) بفتح الخاء المعجمة والموحدة وبالمثلثة الفسوق والفجور أو الزنا خاصة أو أولاده.
قال في الكواكب: والظاهر أنه المعاصي مطلقًا.

وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الفتن، وأخرجه مسلم أيضًا واتفقا على إخراجه من طريق
الزهري، لكن رواه مسلم عن زينب بنت أبي سلمة عن حبيبة بنت أم حبيبة بنت أبي سفيان عن أمها أم حبيبة والبخاري أسقط حبيبة، وفي الإسناد على هذا من الغرائب نادرة عزيزة الوقوع من ذلك رواية الزهري عن عروة وهما تابعيان واجتماع أربع نسوة في سنده كلهن يروي بعضهن عن بعض ثم كل منهن صحابية ثم اثنتان ربيبتان واثنتان زوجتان -رضي الله عنهن-.




[ قــ :3195 ... غــ : 3347 ]
- حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «فَتَحَ اللَّهُ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلَ هَذهِ، وَعَقَدَ بِيَدِهِ تِسْعِينَ».
[الحديث 3347 - طرفه في: 7136] .

وبه قال: ( حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي قال: ( حدّثنا وهيب) بضم الواو مصغرًا ابن خالد بن عجلان البصري قال: ( حدّثنا ابن طاوس) عبد الله ولابن عساكر عن ابن طاوس ( عن أبيه) طاوس ( عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال) :
( فتح الله من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وعقد بيده تسعين) والمراد بالتمثيل التقريب لا حقيقة التحديد، وقد سبق أنهم يحفرون كل يوم حتى لا يبقى بينهم وبين أن يخرقوه إلا يسير فيقولن غدًا نأتي فنفرغ منه فيأتون إليه فيجدونه عاد لهيئته، فإذا جاء الوعد قالوا عند المساء غدًا إن شاء الله تعالى فإذا أتوا نقبوه وخرجوا.

وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الفتن وكذا مسلم.




[ قــ :3196 ... غــ : 3348 ]
- حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنِ الأَعْمَشِ حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: يَا آدَمُ.
فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ.
فَيَقُولُ: أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ.
قَالَ: وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟ قَالَ: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ.
فَعِنْدَهُ يَشِيبُ الصَّغِيرُ، وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا، وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى، وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ.
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَيُّنَا ذَلِكَ الْوَاحِدُ؟ قَالَ: أَبْشِرُوا فَإِنَّ مِنْكُمْ رَجُلاً وَمِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ أَلْفٌ.
ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ.
فَكَبَّرْنَا فَقَالَ: أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ.
فَكَبَّرْنَا.
فَقَالَ: أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ.
فَكَبَّرْنَا فَقَالَ: مَا أَنْتُمْ فِي النَّاسِ إِلاَّ كَالشَّعَرَةِ السَّوْدَاءِ فِي جِلْدِ ثَوْرٍ أَبْيَضَ, أَوْ كَشَعَرَةٍ بَيْضَاءَ فِي جِلْدِ ثَوْرٍ أَسْوَدَ».
[الحديث 3348 - أطرافه في: 4741، 6530، 7483] .

وبه قال: ( حدثني) - بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا ( إسحاق بن نصر) نسبه لجده واسم أبيه إبراهيم المروزي وقيل البخاري قال: ( حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة ( عن الأعمش) سليمان بن مهران أنه قال: ( حدّثنا أبو صالح) ذكوان الزيات ( عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال) :
( يقول الله تعالى) زاد في سورة الحج يوم القيامة ( يا آدم فيقول) ولأبي ذر عن الكشميهني قال ( لبيك) أي إجابة لك بعد إجابة ولزومًا لطاعتك فهو من المصادر المثناة لفظًا ومعناها التكرير بلا حصر ومثله ( وسعديك) أي أسعدني إسعادًا بعد إسعاد ( والخير في يديك فيقول) الله تعالى له ( أخرج) بفتح الهمزة وكسر الراء من الناس ( بعث النار) أي مبعوثها وهم أهلها ( قال) يا رب ( وما بعث النار) ؟ أي وما مقدار مبعوث النار ( قال) تعالى ( من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين) نصب قال العيني: على التمييز ويجوز الرفع خبر مبتدأ محذوف ( فعنده) أي عند قوله تعالى آدم أخرج بعث النار ( يشيب الصغير) من شدة الهول لو تصور وجوده لأن الهم يضعف القوي ويسرع بالشيب، أو هو محمول على الحقيقة لأن كل أحد يبعث على ما مات عليه فيبعث الطفل طفلاً فإذا وقع ذلك يشيب الطفل من شدة الهول ( وتضع كل ذات حمل حملها) لو فرض وجودها أو أن من ماتت حاملاً بعثت حاملاً فتضع حملها من الفزع ( وترى الناس سكارى) من الخوف ( وما هم بسكارى) من الشراب، أو المعنى كأنهم سكارى من شدة الأمر الذي أدهش عقولهم وما هم بسكارى على الحقيقة كذا قرره، قال في فتوح الغيب: وهو يؤذن بأن قوله تعالى: { وما هم بسكارى} [الحج: ] .
بيان لإرادة معنى السكر من قوله { وترى الناس سكارى} فإنه إما أن يراد به التشبيه كما يقال وترى الناس كالسكارى، وشبهوا بالسكارى بسبب ما غشيهم من الخوف فبقوا مسلوبي العقول كالسكران، أو أن يراد الاستعارة كأنه قيل ترى الناس خائفين فوضع موضعه سكارى، ولذا بيّن بقوله من الخوف وصرح وما هم بسكارى من الشراب.
ومن علامات المجاز صحة سلبه كما إذا قلت للبليد حمار يصح نفيه وكذا هنا نفي السكر الحقيقي بقوله: وما هم بسكارى مؤكدًا بالباء لأن هذا السكر أمر لم يعهد مثله.

( ولكن عذاب الله شديد) تعليل لإثبات السكر المجازي لما نفى عنهم السكر الحقيقي وهل هذا الخوف لكل أحد أو لأهل النار خاصة.
قال قوم: الفزع أكبر وغيره يختص بأهل النار أما أهل الجنة فيحشرون آمنين قال تعالى: { لا يحزنهم الفزع الأكبر} [الأنبياء: 103] .
وقال آخرون: الخوف عام والله يفعل ما يشاء.
( قالوا) : أي من حضر من الصحابة ( يا رسول الله وأينا ذلك الواحد) ؟ ولأبي الوقت ذاك بألف بدل اللام ( قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ( أبشروا) بقطع الهمزة وكسر المعجمة ( فإن منكم رجل) بالرفع مبتدأ مؤخر وفي أن يقدر ضمير الشأن محذوفًا أي فإنه منكم رجل، ولأبي ذر: رجلاً بالنصب وهو ظاهر ( ومن يأجوج ومأجوج ألف) بالرفع ولأبي ذر ألفًا بالنصب كما مرّ في رجل ورجلاً.
وفي سورة الحج من يأجوج ومأجوج تسعمائة وتسعة وتسعين ومنكم واحد الحديث.
والحكم للزائد.

( ثم قال) عليه الصلاة والسلام: ( و) الله ( الذي نفسي بيده إني أرجو أن تكونوا) أي أمته المؤمنون به ( ربع أهل الجنة فكبرنا) سرورًا بهذه البشارة العظيمة ( فقال) عليه الصلاة والسلام: ( أرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة فكبرنا) سرورًا لذلك ( فقال) عليه الصلاة والسلام ( أرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة) ولا يعارض هذا ما في الترمذي وحسنه عن بريدة مرفوعًا: أهل الجنة
عشرون ومائة صف ثمانون منها من هذه الأمة وأربعون منها من سائر الأمم لأنه ليس في حديث الباب الجزم بأنهم نصف أهل الجنة فقط، وإنما هو رجاء رجاه لأمته ثم أعلمه الله تعالى بعد ذلك أن أمته ثلثًا أهل الجنة ( فكبرنا) سرورًا بما أنعم الله به تعالى وتكريرًا لإعطاء ربعًا ثم نصفًا لأنه أوقع في النفس وأبلغ في الإكرام مع الحمل لهم على تجديد الشكر.
( فقال) عليه الصلاة والسلام: ( ما أنتم في الناس) في المحشر ( إلا كالشعرة السوداء) بفتح العين ( في جلد ثور أبيض) سقط لابن عساكر لفظ جلد ( أو كشعرة بيضاء في جلد ثور أسود) وأو للتنويع أو شك من الراوي.
وهذا في المحشر كما مرّ.
وأما في الجنة فهم نصف الناس هناك أو ثلثاهم كما مرّ.

ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: فإن منكم رجل ومن يأجوج ومأجوج ألف إذ فيه الإِشارة إلى كثرتهم وأن هذه الأمة بالنسبة إليهم نحو عشر العُشر.

وهذا الحديث أخرجه أيضًا في التفسير وتأتي بقية مباحثه إن شاء الله تعالى في أواخر الرقاق بعون الله تعالى وقوته.