فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب قول الله تعالى: {وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين. ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه. قال رب أرني أنظر إليك. قال لن تراني} [الأعراف: 143]- إلى قوله - {وأنا أول المؤمنين} [الأعراف: 143] " يقال: دكه: زلزله {فدكتا} [الحاقة: 14]: فدككن، جعل الجبال كالواحدة، كما قال الله عز وجل: {أن السموات والأرض كانتا رتقا}، ولم يقل: كن، رتقا: ملتصقتين، {أشربوا} [البقرة: 93]: ثوب مشرب مصبوغ " قال ابن عباس: {انبجست}: انفجرت، {وإذ نتقنا الجبل} [الأعراف: 171]: رفعنا

باب
قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: { وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً.

     وَقَالَ  مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ * وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي}
-إِلَى قَوْلِهِ- { وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} .
يُقَالُ دَكَّهُ: زَلْزَلَهُ فَدُكَّتَا، فَدُكِكْنَ جَعَلَ الْجِبَالَ كَالْوَاحِدَةِ كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: { أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا} وَلَمْ يَقُلْ كُنَّ رَتْقًا: مُلْتَصِقَتَيْنِ.
{ أُشْرِبُوا} ثَوْبٌ مُشَرَّبٌ مَصْبُوغٌ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ { انْبَجَسَتْ} : انْفَجَرَتْ.
{ وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ} : رَفَعْنَا.

( باب قول الله تعالى { وواعدنا} ) بألف بعد الواو ( { موسى ثلاثين ليلة} ) ذا القعدة ( { وأتممناها بعشر} ) من ذي الحجة ( { فتم ميقات ربه أربعين ليلة} ) .
روي أن موسى عليه الصلاة والسلام وعد بنى إسرائيل بمصر أن يأتيهم بعد مهلك فرعون بكتاب من الله فيه بيان ما يأتون وما يذرون، فلما هلك سأل ربه فأمره بصوم ثلاثين فلما أتم أنكر خلوف فمه فتسوّك
فقالت الملائكة: كنا نشم من فيك رائحة المسك فأفسدته بالسواك فأمره الله تعالى أن يزيد عليه عشرًا ( { وقال موسى} ) لما أراد الانطلاق إلى الجبل ( { لأخيه هارون اخلفني في قومي} ) كن خليفتي فيهم ( { وأصلح} ) أي ارفق بهم ( { ولا تتبع سبيل المفسدين} ) لا تطع من عصى الله ولا توافقه على أمره ( { ولما جاء موسى لميقاتنا} ) لوقتنا الذي وقتناه.
وقال الطيبي قيل لا بد هنا من تقدير مضاف أي لآخر ميقاتنا أو لانقضاء ميقاتنا ( { وكلمه ربه} ) من غير واسطة ( { قال: رب أرني أنظر إليك} ) أرني نفسك بأن تمكنني من رؤيتك وهو دليل على أن رؤيته تعالى جائزة في الجملة لأن طلب المستحيل من الأنبياء محال، لا سيما ممن اصطفاه الله تعالى برسالته وخصه بكرامته وشرفه بتكليمه فيجب حمل الآية على أن ما اعتقد موسى جوازه جائز، لكن ظن أن ما اعتقد جوازه ناجز فرجع النفي في قوله ( { قال لن تراني} ) إلى الإنجاز.

فإن قلت: إن أرني يكفي في الطلب لأنه تعالى إذا أراه نفسه لا بد أن ينظر إليه فما فائدة إردافه بقوله أنظر إليك؟ أجيب: بأن فائدته التوكيد والكشف التام فإنه لما أردفه به أفاد طلب رفع المانع وكشف الحجاب والتمكن من الرؤية بحيث لا يختلف عنه النظر البتة ونحوه قولك نظرت بعيني وقبضت بيدي ( إلى قوله { وأنا أول المؤمنين} ) [الأعراف: 142 - 143] قيل: معناه أنا أوّل من آمن بأنك لا ترى في الدنيا وسقط لأبي ذر من قوله: { وأتممناها} إلى آخر { لن تراني} ( يقال دكه) : يريد تفسير قوله تعالى { فلما تجلى ربه للجبل جعله دكًا} [الأعراف: 143] أي ( زلزله) وقال غيره: جعله مدكوكًا مفتتًا ( فدكتا) بفتح الكاف وفي اليونينية بكسرها ولعله سبق قلم في قوله تعالى: { وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة} [الحاقة: 14] أي ( فدككن) بالجمع لأن الجبال جمع والأرض في حكم الجمع لكنه ( جعل الجبال كالواحدة) فلذلك قيل فدكتا بالتثنية ( كما قال الله عز وجل: { إن السماوات والأرض كانتا رتقًا} ) [الأنبياء: 30] بالتثنية في كانتا ( ولم يقل كن رتقًا) بالجمع على القياس بل جعل كل واحدة منهما كواحدة ( ملتصقتين { أشربوا} ) في قوله تعالى: { وأشربوا في قلوبهم العجل} [البقرة: 93] ( ثوب مشرب) أي مصبوغ يعني اختلط حب العجل بقلوبهم كما يختلط الصبغ بالثوب.
( قال ابن عباس) مما وصله ابن أبي حاتم في قوله تعالى: ( { انبجست} ) أي ( انفجرت) وفي قوله تعالى: ( { وإذ نتقنا الجبل} ) [الأعراف: 171] أي ( رفعنا) .
الجبل فوقهم روي أن موسى عليه السلام لما رجع إلى قومه وقد أتاهم بالتوراة فأبوا أن يقبلوها ويعملوا بها، فأمر الله تعالى جبريل عليه السلام أن يقلع جبلاً قدر عسكرهم وكان فرسخًا في فرسخ فرفعه فوق رؤوسهم مقدار قامة الرجل وكانوا ستمائة ألف وقال: إن لم تقبلوها وإلاً ألقيت عليكم هذا الجبل.


[ قــ :3243 ... غــ : 3398 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «النَّاسُ يَصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ، فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى آخِذٌ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ الْعَرْشِ، فَلاَ أَدْرِي أَفَاقَ قَبْلِي أَمْ جُوزِيَ بِصَعْقَةِ الطُّورِ».

وبه قال: ( حدّثنا محمد بن يوسف) البيكندي قال: ( حدّثنا سفيان) بن عيينة ( عن عمرو بن يحيى) بفتح العين ( عن أبيه) يحيى بن عمارة المازني الأنصاري ( عن أبي سعيد) الخدري ( -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال) :
( الناس يصعقون) يغشى عليهم ( يوم القيامة فأكون أول من يفيق) من الغشى ( فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش، فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور) .
التي صعقها لما سأل الرؤية فلم يكلف بصعقة أخرى.
وفيه فضيلة لموسى لكن لا يلزم من إفاقته قبل نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يكون أفضل منه، بل قيل إن قوله: فلا أدري أفاق قبلي يحتمل أن عليه الصلاة والسلام قاله قبل أن يعلم أنه أول من تنشق عنه الأرض.

وتأتي مباحث ذلك إن شاء الله تعالى في محله بعون الله تعالى، وفي نسخة هنا باب بالتنوين.




[ قــ :344 ... غــ : 3399 ]
- حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: «قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لَوْلاَ بَنُو إِسْرَائِيلَ لَمْ يَخْنَزِ اللَّحْمُ، وَلَوْلاَ حَوَّاءُ لَمْ تَخُنْ أُنْثَى زَوْجَهَا الدَّهْرَ».

وبه قال: ( حدثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا ( عبد الله بن محمد الجعفي) المسندي قال: ( حدّثنا عبد الرزاق) بن همام قال: ( أخبرنا معمر) بسكون العين المهملة وفتح الميمين ابن راشد البصري ( عن همام) بفتح الهاء وتشديد الميم ابن منبه الصنعاني ( عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه ( قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم) بفتح التحتية وسكون الخاء المعجمة وفتح النون بعدها زاي أي لم ينتن قيل لأنهم كانوا أمروا بترك ادّخار السلوى فادخروه حتى أنتن فاستمر نتن اللحم من ذلك الوقت، وقيل لم يكن اللحم يخنز حتى منع بنو إسرائيل عن ادخاره فلما ادخروه اختنز عقوبة لهم ( ولولا حوّاء) بالمد ( لم تخن أنثى زوجها الدهر) .
لأنها رغبت آدم في أكل الشجرة بعد وسوسة إبليس فسرى في أولادها مثل ذلك.

وهذا الحديث سبق في أول أحاديث الأنبياء.