فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب قول الله {واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها} [مريم: 16] "

باب قولِ اللهِ: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا} [مريم: 16] .
نَبَذْنَاهُ: أَلْقَيْنَاهُ.
اعْتَزَلَتْ شَرْقِيًّا: مِمَّا يَلِي الشَّرْقَ: فَأَجَاءَهَا: أَفْعَلْتُ مِنْ جِئْتُ، وَيُقَالُ أَلْجَأَهَا: اضْطَرَّهَا.
تَسَّاقَطْ: تَسْقُطْ.
قَصِيًّا: قَاصِيًا.
فَرِيًّا: عَظِيمًا.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ نِسْيًا: لَمْ أَكُنْ شَيْئًا.
.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ النِّسْيُّ: الْحَقِيرُ.
.

     وَقَالَ  أَبُو وَائِلٍ: عَلِمَتْ مَرْيَمُ أَنَّ التَّقِيَّ ذُو نُهْيَةٍ حِينَ قَالَتْ: {إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا}.
قَالَ وَكِيعٌ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ {سَرِيًّا}: نَهَرٌ صَغِيرٌ بِالسُّرْيَانِيَّةِ.

هذا (باب) بالتنوين ({واذكر}) ولأبي ذر: باب قول الله تعالى واذكر ({في الكتاب مريم إذ
انتبذت من أهلها}) [مريم: 16] قال ابن عباس فيما وصله الطبري في قوله تعالى: {فنبذناه} [الصافات: 145] في قصة يونس أي (ألقيناه) بالقاف (اعتزلت) {شرقيًّا}، قال أبو عبيدة: (مما يلي الشرق) من بيت المقدس أو من دارها للعبادة لا يقال هذا تكرار، فقد سبق باب في قول الله تعالى: {واذكر في الكتاب مريم} لأن هذا الباب معقود لأخبار عيسى والسابق لأخبار أمه مريم (فأجاءها} المخاض من (أفعلت من جئت) أي من مزيد جاء تقول جئت إذا أخبرت عن نفسك ثم إذا أردت تعدي به إلى غيرك تقول: أجأت زيدًا فالضمير هنا يرجع إلى مريم وفاعل أجاء المخاض (ويقال: ألجأها) أي (اضطرها) المخاض وهو الطلق إلى جذع النخلة وكانت يابسة.
قال في الكشاف: أجاء منقول من جاء إلا أن استعماله قد تغير بعد النقل إلى معنى الإلجاء.

{تساقط} [مريم: 25] بتشديد السين أصله تتساقط فأدغمت التاء الثانية في السين وهي قراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو وابن عامر والكسائي أي (تسقط) بفتح أوله وضم ثالثه، وهذا قول أبي عبيد لكنه ضبط تساقط بضم أوله من الرباعي وهي قراءة حفص روي أنها كانت نخلة يابسة ولا رأس لها ولا ثمرة وكان الوقت شتاء فهزته فجعل الله له رأسًا وخوصًا ورطبًا يسليها بذلك لما فيه من المعجزة الدالة على براءة ساحتها.

{قصيًا} في قوله تعالى: {فانتبذت به مكانًا قصيًا} [مريم: 22] أي (قاصيًا) قال ابن عباس: أقصى وادي بيت لحم فرارًا من قومها أن يعيِّروها بولادتها من غير زوج (فريًّا) في قوله: {لقد جئت شيئًا فريًّا} [مريم: 27] أي (عظيمًا) وقيل منكرًا (قال ابن عباس: نسيًّا) في قوله تعالى: {يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيًّا} [مريم: 23] أي (لم أكن شيئًا وقال غيره) أي غير ابن عباس: (النسي) هو (الحقير) وهذا قول السدي.

(وقال أبو وائل) بالهمزة شقيق بن سلمة: (علمت مريم أن التقي ذو نهية) بضم النون وبعد الهاء الساكنة تحتية مفتوحة.
وقال عياض بالضم: الرواية، وقد يقال بفتحها أي عقل لأنه ينهى صاحبه عن القبائح ويقال فيه ذو نهاية حكاه ثابت، وقد تكون النهية من النهي بمعنى الفعلة الواحدة منه والنهية بالفتح واحد النهي مثل ثمرة وتمر أي أن له من نفسه في كل حال زاجرًا ينهاه كما يقال التقي ملجم يقال نهيته ونهوته (حين قالت) لجبريل عليه السلام لما أتاها بصورة شاب أمرد سويّ الخلق لتستأنس بكلامه: إني أعوذ بالرحمن منك ({إن كنت تقيًّا}) أي تتقي الله وتحتفل بالاستعاذة فانته عني.

(وقال) بالواو ولغير أبي ذر قال (وكيع) هو ابن الجراح (عن إسرائيل) بن يونس (عن) جدّه (أبي إسحاق) السبيعي (عن البراء) بن عازب ({سريًّا}) [مريم: 24] في قوله تعالى: {قد جعل ربك تحتك سريًّا} [مريم: 24] هو: (نهر صغير بالسريانية) رواه ابن أبي حاتم هكذا عن الراء موقوفًا، وفي تفسير ابن مردويه عن ابن عمر مرفوعًا: السريّ في هذه الآية نهر أخرجه الله لمريم لتشرب منه.


[ قــ :3279 ... غــ : 3436 ]
- حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَمْ يَتَكَلَّمْ فِي الْمَهْدِ إِلاَّ ثَلاَثَةٌ: عِيسَى، وَكَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ جُرَيْجٌ كَانَ يُصَلِّي، فَجَاءَتْهُ أُمُّهُ فَدَعَتْهُ، فَقَالَ: أُجِيبُهَا أَوْ أُصَلِّي؟ فَقَالَتِ: اللَّهُمَّ لاَ تُمِتْهُ حَتَّى تُرِيَهُ وُجُوهَ الْمُومِسَاتِ، وَكَانَ جُرَيْجٌ فِي صَوْمَعَتِهِ، فَتَعَرَّضَتْ لَهُ امْرَأَةٌ وَكَلَّمَتْهُ فَأَبَى، فَأَتَتْ رَاعِيًا فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا، فَوَلَدَتْ غُلاَمًا، فَقَالَتْ: مِنْ جُرَيْجٍ، فَأَتَوْهُ فَكَسَرُوا صَوْمَعَتَهُ وَأَنْزَلُوهُ وَسَبُّوهُ، فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى، ثُمَّ أَتَى الْغُلاَمَ فَقَالَ: مَنْ أَبُوكَ يَا غُلاَمُ؟ قَالَ: الرَّاعِي، قَالُوا نَبْنِي صَوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَبٍ؟ قَالَ: لاَ، إِلاَّ مِنْ طِينٍ.
وَكَانَتِ امْرَأَةٌ تُرْضِعُ ابْنًا لَهَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَمَرَّ بِهَا رَجُلٌ رَاكِبٌ ذُو شَارَةٍ، فَقَالَتِ: اللَّهُمَّ اجْعَلِ ابْنِي مِثْلَهُ، فَتَرَكَ ثَدْيَهَا وَأَقْبَلَ عَلَى الرَّاكِبِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى ثَدْيِهَا يَمَصُّهُ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَمَصُّ إِصْبَعَهُ، ثُمَّ مُرَّ بِأَمَةٍ فَقَالَتِ: اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلِ ابْنِي مِثْلَ هَذِهِ، فَتَرَكَ ثَدْيَهَا فَقَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا، فَقَالَتْ: لِمَ ذَاكَ؟ فَقَالَ: الرَّاكِبُ جَبَّارٌ مِنَ الْجَبَابِرَةِ، وَهَذِهِ الأَمَةُ يَقُولُونَ سَرَقْتِ زَنَيْتِ وَلَمْ تَفْعَلْ».

وبه قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي قال: (حدّثنا جرير بن حازم) بالحاء المهملة والزاي ابن زيد الأزدي (عن محمد بن سيرين) الأنصاري (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(لم يتكلم في المهد) وهو ما يهيأ للصبي أن يربى فيه (إلا ثلاثة).
واستشكل الحصر بما روي من كلام غير الثلاثة.
وأجيب: باحتمال أن يكون المعنى لم يتكلم في بني إسرائيل أو قاله قبل أن يعلم الزيادة أو الثلاثة بقيد المهد.

فالأول: (عيسى) ابن مريم عليهما السلام.

(و) الثاني (كان في بني إسرائيل رجل يقال له جريج) وفي حديث أبي سلمة أنه كان تاجرًا وكان ينقص مرة ويزيد أخرى فقال: ما في هذه التجارة خير لألتمسن تجارة هي خير من هذه فبنى صومعة وترهب فيها.
وعند أحمد وكانت أمه تأتيه فتناديه فيشرف عليها فتكلمه و (كان يصلّي) يومًا (جاءته) ولأبي ذر عن الكشميهني فجاءته (أمه فدعته) فقالت يا جريج (فقال) في نفسه: (أجيبها) وأقطع صلاتي (أو أصلي) فآثر الصلاة على إجابتها بعد أن دعته ثلاثًا كما في الرواية الأخرى أنها دعته ثلاثًا (فقالت: اللهم لا تمته حتى تريه وجوه المومسات) بضم الميم الأولى وكسر الثانية بينهما واو ساكنة الزانيات ولم تدع عليه بوقوع الفاحشة مثلاً رفقًا منها.
(وكان جريج في صومعته فتعرضت له امرأة) راعية ترعى الغنم أو كانت بنت ملك القرية (فكلمته) أن يواقعها بالفاء في الفرع وفي اليونينية وكلمته بالواو بدل الفاء (فأبى) أن يفعل ذلك (فأتت راعيًا فأمكنته من
نفسها) فواقعها فحملت منه (فولدت غلامًا) فقيل لها: ممن هذا الغلام؟ (فقالت: من جريج) زاد أحمد فأخذت وكان من زنى منهم قتل، وزاد أبو سلمة في روايته فذهبوا إلى الملك فأخبروه فقال: أدركوه فأتوني به (فأتوه فكسروا) بالفاء ولأبي ذر وكسروا (صومعته) بالفؤوس والمساحي (وأنزلوه) منها (وسبوه) زاد أحمد عن وهب بن جرير وضربوه فقال ما شأنكم قالوا: إنك زنيت بهذه.
وعند أحمد أيضًا من طريق أبي رافع أنهم جعلوا في عنقه وعنقها حبلاً وجعلوا يطوفون بهما على الناس، وفي رواية أبي سلمة أن الملك أمر بصلبه (فتوضأ) بالفاء، ولأبي ذر: وتوضأ فيه أن الوضوء لا يختص بهذه الأمة خلافًا لمن زعم ذلك.
نعم الذي يختص بها الغرة والتحجيل في الآخرة (وصلّى) في حديث عمران فصلّى ركعتين وزاد وهب بن جرير ودعا (ثم أتى الغلام فقال: من أبوك يا غلام)؟ زاد في رواية وهب بن جرير فطعنه بإصبعه، وفي رواية أبي سلمة فأتي بالمرأة والصبي وفمه في ثديها فقال له جريج: يا غلام من أبوك؟ فنزع الغلام فمه من الثدي (فقال): ولغير أبي ذر قال (الراعي) لم يسم، وزاد في رواية وهب بن جرير فوثبوا إلى جريج فجعلوا يقبلونه.
وفي هذا إثبات كرامات الأولياء ووقوع ذلك لهم باختيارهم وطلبهم (قالوا: نبني) لك (صومعتك من ذهب.
قال) جريح: (لا إلاّ من طين) كما كانت ففعلوا.

(و) الثالث (كانت امرأة) لم تسم (ترضع ابنًا لها) لم يسم أيضًا (من بني إسرائيل فمر بها رجل راكب) لم يسم (ذو شارة) بالشين المعجمة والراء المخففة صاحب حسن أو هيئة أو ملبس حسن يتعجب منه ويشار إليه (فقالت) المرأة المرضعة: (اللهم اجعل ابني مثله) في الهيئة الجميلة (فترك) المرضع (ثديها وأقبل) بالواو ولأبي ذر فأقبل (على) الرجل (الراكب فقال: اللهم لا تجعلني مثله ثم أقبل على ثديها يمصه) بفتح الميم.

(قال أبو هريرة) بالسند السابق (كأني أنظر إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يمص إصبعه) فيه المبالغة في إيضاح الخبر بتمثيله بالفعل.
(ثم مرّ) بضم الميم وتشديد الراء مبنيًا للمفعول (بأمه) زاد وهب بن جرير عند أحمد تضرب (فقالت: اللهم لا تجعل ابني مثل هذه) المرأة (فترك ثديها فقال): ولأبي ذر وقال (اللهم اجعلني مثلها.
فقالت): أي الأم لابنها و (لم) قلت (ذاك)؟ ولأبي ذر فقالت له ذلك أي عن سبب ذلك (فقال) الابن: أما (الراكب) هو (جبار من الجبابرة) وفي رواية الأعرج فإنه كافر (و) أما (هذه الأمة) فهم (يقولون سرقت زنيت) بكسر التاء فيهما على المخاطبة للمؤنث، ولأبي ذر: سرقت زنت بسكونها على الخبر (و) الحال أنها (لم تفعل) شيئًا من السرقة والزنا.
وفي رواية الأعرج يقولون لها: تزني.
وتقول: حسبي الله، ويقولون لها: تسرقي.
وتقول: حسبي الله.

والرابع: شاهد يوسف قال تعالى ({وشهد شاهد من أهلها} [يوسف: 26] وفسّر بأنه كان ابن خال زليخا صبيًا تكلم في المهد وهو منقول عن ابن عباس وسعيد بن جبير والضحاك.

والخامس: الصبي الرضيع الذي قال لأمه وهي ماشطة بنت فرعون لما أراد فرعون إلقاء أمه في النار اصبري يا أماه فإنا على الحق رواهما أحمد والبزار وابن حبان والحاكم من حديث بلفظ: لم
يتكلم في المهد إلا أربعة فذكرها ولم يذكر الثالث الذي هنا، لكنه اختلف في شاهد يوسف فروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس ومجاهد أنه كان ذا لحية.
وعن قتادة والحسن أيضًا أنه كان حكيمًا من أهلها، ورجح بأنه لو كان طفلاً لكان مجرد قوله إنها كاذبة كافيًا وبرهانًا قاطعًا لأنه من المعجزات ولما احتيج أن يقول من أهلها فرجح كونه رجلاً لا طفلا وشهادة القريب على قريبه أولى بالقبول من شهادته له.

السادس: ما في قصة الأخدود لما أتي بالمرأة ليلقى بها في النار لتكفر ومعها صبي مرضع فتقاعست فقال لها: يا أماه اصبري فإنك على الحق.
رواه مسلم من حديث صهيب.

السابع: زعم الضحاك في تفسيره أن يحيى بن زكريا عليهما السلام تكلم في المهد أخرجه الثعلبي، وفي سيرة الواقدي أن نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تكلم في أوائل ما ولد.
وعن ابن عباس: قال: كانت حليمة تحدّث أنها أول ما فطمت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تكلم فقال: "الله أكبر كبيرًا والحمد لله كثيرًا وسبحان الله بكرة وأصيلاً".
الحديث رواه البيهقي.

وعن معيقيب اليماني قال: حججت حجة الوداع فدخلت دارًا فيها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ورأيت منه عجبًا جاءه رجل من أهل اليمامة بغلام يوم ولد فقال له رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يا غلام من أنا"؟ قال: أنت رسول الله.
قال: "صدقت بارك الله فيك".
ثم إن الغلام لم يتكلم بعد حتى شبّ فكنا نسميه مبارك اليمامة رواه البيهقي من حديث معرض بالضاد المعجمة.




[ قــ :380 ... غــ : 3437 ]
- حَدَّثَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنْ مَعْمَرٍ ح.
وحَدَّثَنِي مَحْمُودٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: «قَالَ النبيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ: لَقِيتُ مُوسَى، قَالَ فَنَعَتَهُ فَإِذَا رَجُلٌ حَسِبْتُهُ قَالَ مُضْطَرِبٌ رَجِلُ الرَّأْسِ كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ.
قَالَ: وَلَقِيتُ عِيسَى، فَنَعَتَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: رَبْعَةٌ أَحْمَرُ، كَأَنَّمَا خَرَجَ مِنْ دِيمَاسٍ -يَعْنِي الْحَمَّامَ- وَرَأَيْتُ إِبْرَاهِيمَ وَأَنَا أَشْبَهُ وَلَدِهِ بِهِ.
قَالَ: وَأُتِيتُ بِإِنَاءَيْنِ أَحَدُهُمَا لَبَنٌ وَالآخَرُ فِيهِ خَمْرٌ، فَقِيلَ لِي: خُذْ أَيَّهُمَا شِئْتَ، فَأَخَذْتُ اللَّبَنَ فَشَرِبْتُهُ، فَقِيلَ لِي: هُدِيتَ الْفِطْرَةَ -أَوْ أَصَبْتَ الْفِطْرَةَ- أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَخَذْتَ الْخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ».

وبه قال: ( حدثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا ( إبراهيم بن موسى) أبو إسحاق التميمي الفراء الرازي الصغير قال: ( أخبرنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني ( عن معمر) هو ابن راشد الأزدي ( ح) لتحويل السند قال:
( وحدثني) بالإفراد ( محمود) هو ابن غيلان قال: ( حدّثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني ولفظ الحديث هنا لعبد الرزاق قال: ( أخبرنا معمر) هو ابن راشد ( عن الزهري) محمد بن مسلم أنه ( قال: أخبرني) بالإفراد ( سعيد بن المسيب عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه ( قال:
رسول الله)
ولأبي ذر النبي ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليلة أسري به) إلى بيت المقدس ولأبي ذر عن الكشميهني بي بدل به.

( لقيت موسى قال فنعته) أي وصفه ( فإذا رجل) قال عبد الرزاق بن همام ( حسبته) أي معمرًا ( قال مضطرب) أي طويل غير شديد أو خفيف اللحم، وفي رواية هشام في قصة موسى بلفظ: ضرب، وفسر بتخفيف اللحم، ورجح القاضي عياض هذه على التي في هذا الباب لما فيها من الشك.
قال: وقد وقع في الرواية الأخرى جسيم وهو ضدّ الضرب إلا أن يراد بالجسيم الزيادة في الطول.
قال في الفتح: وهذا الذي يتعين المصير إليه ويؤيده قوله في الرواية الآتية بعد هذه إن شاء الله تعالى كأنه من رجال الزط وهم طوال غير غلاظ ( رجل) شعر ( الرأس) مسترسله، وقال ابن السكيت: شعر رجل، إذا لم يكن شديد الجعودة ولا سبطًا ( كأنه) لطوله ( من رجال شنوءة) بفتح الشين المعجمة وضم النون وبعد الواو الساكنة همزة مفتوحة ثم هاء تأنيث حيّ من اليمن.

( قال) عليه الصلاة والسلام: ( ولقيت عيسى فنعته) أي وصفه ( النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: ربعة) ليس طويلاً ولا قصيرًا والتأنيث على تأويل النفس ( أحمر كأنما خرج من ديماس) قال عبد الرزاق ( يعني الحمام) ولم يقع ذلك في رواية هشام.
( ورأيت إبراهيم وأنا أشبه ولده به.
قال: وأتيت)
بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول ( بإناءين أحدهما لبن) كان القياس أن يقول فيه لبن كما قال في اللاحق فيه خمر ولكنه أراد تكثير اللبن فكأن الإناء انقلب لبنًا ( والآخر فيه خمر) قبل أن يحرم ( فقيل لي) القائل جبريل ( خذ أيهما شئت فأخذت اللبن فشربته فقيل لي) القائل هو أيضًا جبريل ( هديت الفطرة) الإسلامية ( أو أصبت الفطرة) بالشك من الراوي ( أما) بفتح الهمزة وتخفيف الميم ( إنك لو أخذت الخمر غوت أمتك) لأنها أم الخبائث وجالبة لكل شرّ.

وهذا الحديث قد سبق في باب: وكلم الله موسى تكليمًا.
وتأتي بقية مباحثه إن شاء الله تعالى بعون الله في الكلام على الإسراء من السيرة النبوية.




[ قــ :381 ... غــ : 3438 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «رَأَيْتُ عِيسَى وَمُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ، فَأَمَّا عِيسَى فَأَحْمَرُ جَعْدٌ عَرِيضُ الصَّدْرِ،.
وَأَمَّا مُوسَى فَآدَمُ جَسِيمٌ سَبْطٌ كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ الزُّطِّ».

وبه قال: ( حدّثنا محمد بن كثير) العبدي البصري قال: ( أخبرنا إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق قال: ( أخبرنا عثمان بن المغيرة) الثقفي مولاهم الكوفي الأعشى ( عن مجاهد) هو ابن جبر بفتح الجيم وسكون الموحدة المخزومي مولاهم المكي الإمام في التفسير ( عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) تعقبه الحافظ أبو ذر كما هو بهامش اليونينية ونقله عنه غير واحد من الأئمة بأن الصواب ابن عباس بدل ابن عمر، فالغلط من الفربري أو البخاري حدث به كذا، وجزم به الغساني
والتيمي وغيرهما وهو المحفوظ، واحتج لذلك بأنه في جميع الطرق عن محمد بن كثير وغيره عن مجاهد عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه ( قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( رأيت عيسى وموسى وإبراهيم فأما عيسى فأحمر) اللون وهو عند العرب الشديد البياض مع الحمرة ( جعد) بفتح الجيم وسكون العين أي جعد الشعر ضد السبط ( عريض الصدر أما موسى فآدم) بالمد أي أسمر كأحسن ما يُرى ( جسيم) اعترضه التيمي بأن الجسيم إنما ورد في صفة الدجال.
وأجيب: بأن الجسامة تطلق على السمن وعلى الطول والمراد هنا طويل ( سبط) بفتح السين وسكون الموحدة وكسرها وفتحها ( كأنه من رجال الزط) بضم الزاي وتشديد الطاء المهملة جنس من السودان أو نوع من الهنود طوال الأجساد مع نحافة، وهذا يؤيد أن معنى قوله جسيم طويل.




[ قــ :38 ... غــ : 3439 ]
- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ حَدَّثَنَا مُوسَى عَنْ نَافِعٍ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: ذَكَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا بَيْنَ ظَهْرَىِ النَّاسِ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، أَلاَ إِنَّ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُمْنَى كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ».

وبه قال: ( حدّثنا إبراهيم بن المنذر) الحزامي المدني قال: ( حدّثنا أبو ضمرة) أنس بن عياض المدني قال: ( حدّثنا موسى) بن عقبة ( عن نافع) مولى ابن عمر أنه قال: ( قال عبد الله) بن عمر -رضي الله عنهما-: ( ذكر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بفتح الذال والكاف مبنيًّا للفاعل، والنبيّ فاعل ( يومًا) ظرف ( بين ظهري الناس) بفتح الظاء المعجمة وسكون الهاء بلفظ التثنية.
ولأبي ذرّ: ظهراني الناس؛ بزيادة الألف والنون للتأكيد، أي جالسًا في وسط الناس مستظهرًا لا مستخفيًا ( المسيح الدجّال) فعّال من أبنية المبالغة.
وأصل الدجل الخلط، يقال: دجّل إذا خلّط وموَّه؛ والدجّال: هو الذي يظهر آخر الزمان ويدّعي الإلهية ( فقال) :
( إنّ الله ليس بأعور، ألا) بالتخفيف للتنبيه ( إنّ المسيح الدجال أعور العين اليمنى) وفي حديث "أنه أعور العين اليسرى".
وفي حديث حذيفة عند مسلم "أنه ممسوح العين عليها ظفرة غليظة".
وجُمع بأن إحدى عينيه غائرة، والأخرى معيبة؛ فيصح أن يقال لكل واحدة عوراء، إذ الأصل في العَوَر أنه العيب ( كأنّ عينه عنبة طافية) بالمثناة التحتية؛ أي بارزة: وهي التي خرجت عن نظائرها في النُّتُوِّ من العنقود.
ومَن همزها جعلها فاعلة من طفئت كما يطفأ السراج، أي ذهب نورها.




[ قــ :38 ... غــ : 3440 ]
- «وَأَرَانِي اللَّيْلَةَ عِنْدَ الْكَعْبَةِ فِي الْمَنَامِ، فَإِذَا رَجُلٌ آدَمُ كَأَحْسَنِ مَا يُرَى مِنْ أُدْمِ الرِّجَالِ، تَضْرِبُ لِمَّتُهُ بَيْنَ مَنْكِبَيْهِ، رَجِلُ الشَّعَرِ يَقْطُرُ رَأْسُهُ مَاءً، وَاضِعًا يَدَيْهِ عَلَى مَنْكِبَيْ رَجُلَيْنِ وَهْوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ؛ فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: هَذَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ.
ثُمَّ رَأَيْتُ رَجُلاً وَرَاءَهُ جَعْدًا قَطَطًا أَعْوَرَ عَيْنِ الْيُمْنَى كَأَشْبَهِ مَنْ رَأَيْتُ بِابْنِ قَطَنٍ، وَاضِعًا يَدَيْهِ عَلَى مَنْكِبَيْ رَجُلٍ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ.

فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ».
تَابَعَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ.
[الحديث 3440 - أطرافه في: 3441، 590، 6999، 706، 718] .

( وأَراني الليلة) بفتح الهمزة، أي: أرى نفسي في اللّيلة ( عند الكعبة في المنام، فإذا رجل آدم) بالمدّ: أسمر ( كأحسن ما يرى من أُدْم الرجال) بضم الهمزة وسكون الدال ( تضرب لمته بين منكبيه) بكسر اللام وتشديد الميم، وهي الشعر إذا جاوز شحمتي الأذنين وألم بالمنكبين، فإذا جاوز المنكبين فجمّة، وإن قصر عنها فوفرة ( رَجِل الشعر) بكسر الجيم: قد سرّحه ودهنه ( يقطر رأسه ماء) حقيقة، فيكون من الماء الذي سرح به، أو كنى به عن مزيد النظافة والنضارة حال كونه ( واضعًا يديه على منكبي رجلين) لم يسميًا ( وهو يطوف بالبيت) الحرام ( فقلت: من هذا) الطائف؟ ( فقالوا: هذا المسيح) عيسى ( ابن مريم) عليهما السلام ( ثم رأيت رجلاً وراءه جعدًا قططًا) بفتح الطاء وكسرها: شديد جعودة الشعر ( أعور عين اليمنى) بإضافة ( أعور) لتاليه، من إضافة الموصوف إلى صفته.
وهو عند الكوفيين ظاهر، وعند البصريين تقديره: عين صفة وجهه اليمنى.
ولأبي ذرّ: أعور العين اليمنى.
( كأشبه من رأيت) بضم التاء في اليونينية وفرعها؛ وزاد الكرماني فتحها.
( بابن قطن) بفتح القاف والطاء المهملة بعدها نون؛ عبد العزّى هلك في الجاهلية.
حال كونه ( واضعًا يديه على منكبي رجل يطوف بالبيت، فقلت: من هذا) الذي يطوف؟ وضبّب في الفرع وأصله على قوله: "فقلت من هذا".
( قالوا) ولأبي ذرّ: فقالوا ( المسيح الدجال) وهذا الحديث أخرجه مسلم ففي الإيمان وفي الفتن.

( تابعه) أي تابع موسى بن عقبة ( عبيد الله) بضم العين مصغرًا: ابن عمر العمري ( عن نافع) عن ابن عمر فيما وصله مسلم في ذكر الدجال فقط إلى قوله: "عنبة طافية" ولم يذكر ما بعده.




[ قــ :383 ... غــ : 3441 ]
- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَكِّيُّ قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لاَ وَاللَّهِ مَا قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِعِيسَى "أَحْمَرُ" وَلَكِنْ قَالَ: «بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ أَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ، فَإِذَا رَجُلٌ آدَمُ سَبْطُ الشَّعَرِ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ يَنْطِفُ رَأْسُهُ مَاءً -أَوْ يُهَرَاقُ رَأْسُهُ مَاءً- فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: ابْنُ مَرْيَمَ.
فَذَهَبْتُ أَلْتَفِتُ فَإِذَا رَجُلٌ أَحْمَرُ جَسِيمٌ جَعْدُ الرَّأْسِ أَعْوَرُ عَيْنِهِ الْيُمْنَى كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ، قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا الدَّجَّالُ.
وَأَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهًا ابْنُ قَطَنٍ».
قَالَ الزُّهْرِيُّ: رَجُلٌ مِنْ خُزَاعَةَ هَلَكَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ.

وبه قال: ( حدّثنا أحمد بن محمد) بن الوليد ( المكي) الأزرقي ( قال: سمعت إبراهيم بن سعد) بسكون العين، ابن إبراهيم بن عبد الرَّحمن بن عوف ( فقال: حدّثني) بالإفراد ( الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب ( عن سالم عن أبيه) عبد الله بن عمر بن الخطاب ( قال: لا والله، ما قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لعيسى) أي عن عيسى ( أحمر) أقسم على غلبة ظنّه أن الوصف اشتبه على الراوي
وأن الموصوف بكونه أحمر إنما هو الدجّال لا عيسى؛ وكأنه سمع ذلك سماعًا جزمًا في وصف عيسى بأنه آدم كما في الحديث السابق، فساغ له الحلف على ذلك لما غلب على ظنه أن من وَصَفه بأنه أحمر فقد وهم.
وقد وافق أبو هريرة على أن عيسى أحمر، فظهر أن ابن عمر أنكر ما حفظه غيره.
والأحمر عند العرب: الشديد البياض مع الحمرة.
والآدم: الأسمر.
وجمع بين الوصفين بأنه احمرّ لونه بسبب كالتعب وهو في الأصل أسمر.

( ولكن قال: بينما) بالميم ( أنا نائم) رأيت أني ( أطوف بالكعبة، فإذا رجل آدم) أسمر ( سبط الشعر) أي مسترسل الشعر غير جعد.
وفي الحديث السابق في باب قوله تعالى: { وهل أتاك حديث موسى} [طه: 9] من حديث ابن عباس: "جعد" وهو ضد السبط.
وجمع بينهما بأنه سبط الشعر جعد الجسم لا الشعر؛ والمراد اجتماعه واكتنازه؛ قال الجوهري: رجل سبط الشعر وسبط الجسم أي حسن القدّ والاستواء، قال الشاعر:
فجاءَت به سَبْطَ العظامِ كأنَّما ... عِمَامَتُهُ بَيْنَ الرِّجالِ لواءُ
( يهادى بين رجلين) بضم الياء وفتح الدال؛ أي يمشي متمايلاً بينهما ( ينطف) بضم الطاء المهملة.
ولأبي ذرّ: "ينطِف" بكسرها؛ أي يقطر ( رأسه ماء) نصب على التمييز ( -أو يهراق رأسه ماء-) بضم الياء وفتح الهاء وتسكّن.
والشك من الراوي.
( فقلت: من هذا؟ قالوا: ابن مريم.
فذهبت ألتفت فإذا رجل أحمر)
اللّون ( جسيم جعد) شعر ( الرأس أعور عينه اليمنى) بالإضافة، و"عينه" بالجرّ، و"اليمنى" صفته.
وفي ذلك أمران: أحدهما أن قوله: "أعور عينه" من باب الصفة المجردة عن اللام المضافة إلى معمولها المضاف إلى ضمير الموصوف، نحو: حسن وجهه.

وسيبويه وجميع البصريين يجوّزونها على قبح في ضرورة فقط.
وأنشد سيبويه للاستدلال على مجيئها في الشعر قول الشمّاخ:
أَقَامَتْ على رَبْعَيهِمَا جَارَتَا صَفًا ... كُمَيْت الأَعالي جَوْنَتَا مُصْطَلاهما
فـ "جونتا مصطلاهما" نظير "حسن وجهه".
وأجازه الكوفيون في السعة بلا قبح.
وهو الصحيح، لوروده في هذا الحديث وفي حديث صفة -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "شئن الكفّين طويل أصابعه" قال أبو علي -وهو ثقة-: كذا رويته بالخفض.
وذكر الهروي وغيره في حديث أم زرع: "صفر وشامها".

ومع جوازه ففيه ضعف لأنه يشبه إضافة الشيء إلى نفسه.

ثانيهما: أن الزجاج ومتأخري المغاربة ذهبوا إلى أنه لا يتبع معمول الصفة المشبهة بصفة؛ مستندين فيه إلى عدم السماع من العرب، فلا يقال: زيد حسن الوجه المشرق، بجر "المشرق" على أنه صفة للوجه.
وعلّل بعضهم المنع بأن معمول الفة لما كان سببًا غير أجنبي أشبه الضمير لكونه أبدًا محالاً على الأول وراجعًا إليه، والضمير لا ينعت فكذا ما أشبهه.
قال ابن هشام في المغني: ويشكل عليهم الحديث في صفة الدجال أعور عينه اليمنى؛ قال في المصابيح: خرّجه بعضهم على
أن "اليمنى" خبر مبتدأ محذوف لا صفة لعينه، وكأنه لما قيل: أعور عينه، قيل أي عينيه؟ فقيل: اليمنى، أي هي اليمنى.
وللأصيلي كما في الفتح: "عينُه" بالرفع، بقطع إضافة "أعور عينه" ويكون بدلاً من قوله "أعور" أو مبتدأ حذف خبره تقديره: عينه اليمنى عوراء، وتكون هذه الجملة صفة كاشفة لقوله: "أعور" قاله في العمدة.

( كأن عينه عنبة طافية) بغير همز: بارزة خرجت عن نظائرها.
وضبّب في الفرع على قوله: "عينه" الذي بالتحتية والنون.
ولأبي ذرّ والحموي والمستملي: "كأن عنبة طافية" بإسقاط "عينه" واحدة العيون، وإثبات "عنبة" بالموحدة ونصبها كتاليها اسم "كأنّ" والخبر محذوف، أي: كأن في وجهه عنبة طافية، كقوله:
إن مَحَلاًّ وإن مُرْتَحَلاً
أي: إن لنا محلاًّ وإن لنا مرتحلاً.
وأعربه الدماميني بأن قوله "اليمنى" مبتدأ، وقوله "كأن عنبة طافية" خبره، والعائد محذوف تقديره: كأن فيها.
قال: ويكون هذا وجهًا آخر في دفع ما قاله ابن هشام، يعني من الاستشكال في صفة الدجال السابق قريبًا.
ولأبي ذرّ عن الكشميهني: "كأنّ عينه طافية" بإسقاط "عنبة" بالموحدة ورفع "طافية" خبر "كأنّ" وهو مما أقيم فيه الظاهر مقام المضمر فيحصل الربط، وقد أجازه الأخفش؛ والتقدير: اليمنى كأنها طافية.
قاله في المصابيح.

( قلت) كذا في اليونينية، وفي فرعها: "فقلت" بالفاء ( من هذا؟ قالوا: هذا الدجال) استشكل بأن الدجال لا يدخل مكة ولا المدينة.
وأجيب بأن المراد لا يدخلهما زمن خروجه ولم يرد بذلك نفي دخوله في الزمن الماضي.
( وأقرب الناس به شبهًا ابن قطن) عبد العزّى.
( قال الزهري) محمد بن سلم بن شهاب بالسند السابق ( رجل من خزاعة هلك في الجاهلية) قبل الإسلام.
وهذا الحديث من أفراده.




[ قــ :384 ... غــ : 344 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضى الله عَنْهُ - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِابْنِ مَرْيَمَ، وَالأَنْبِيَاءُ أَوْلاَدُ عَلاَّتٍ، لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَبِيٌّ».
[الحديث 344 - طرفه في: 3443] .

وبه قال: ( حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: ( أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة ( عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه ( قال: أخبرني) بالإفراد ( أبو سلمة) ولأبي ذرّ: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرَّحمن، أي ابن عوف الزهري.
( أن أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول) :
( أنا أولى الناس بابن مريم) زاد في رواية عبد الرَّحمن بن أبي عمرة عن أبي هريرة الآتية قريبًا: "في الدنيا والآخرة".
وقال البيضاوي: الموجب لكونه أولى الناس به أنه كان أقرب المرسلين
إليه وأنّ دينه متصل بدينه ليس بينهما نبيّ وأن عيسى عليه الصلاة والسلام كان مبشرًا به ممهدًا لقواعد دينه داعي الخلق إلى تصديقه.
( والأنبياء) عليهم الصلاة والسلام ( أولاد علاّت) بفتح العين وتشديد اللام.
والعَلّة: الضرّة؛ مأخوذة من العلل وهي الشربة الثانية بعد الأولى، وكأن الزوج قد عَلَّ منها بعدما كان ناهلاً من الأخرى.
وأولاد العلاّت: أولاد الضرّات من رجل واحد.
يريد أن الأنبياء أصل دينهم واحد وفروعهم مختلفة، فهم متفقون في الاعتقاديات المسماة بأصول الدين كالتوحيد وسائر علم الكلام، مختلفون في الفروع وهي الفقهيات.
وإن عيسى ( ليس بيني وبينه نبيّ) وهو كالشاهد لقوله: "أنا أولى الناس بابن مريم".
لا يقال إنه ورد أن الرسل الثلاثة الذين أرسلوا إلى أصحاب القرية المذكورة قصتهم في سورة يس كانوا من أتباع عيسى عليه السلام وأن جرجيس وخالد بن سنان كانا نبيين وكانا بعد عيسى؛ لأن هذا الحديث الصحيح يضعف ذلك.

وهذا الحديث من إفراد.




[ قــ :385 ... غــ : 3443 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ: حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ: حَدَّثَنَا هِلاَلُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَالأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلاَّتٍ أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ».
.

     وَقَالَ  إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

وبه قال: ( حدّثنا محمد بن سنان) الباهلي البصري قال: ( حدّثنا فليح بن سليمان) بضم الفاء مصغرًا، أو فليح لقب واسمه عبد الملك، قال: ( حدّثنا هلال بن علي) واسم جده أسامة العامري المدني ( عن عبد الرَّحمن بن أبي عمرة) بفتح العين وسكون الميم الأنصاري المدني.
ولد في عهده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
قال ابن أبي حاتم: ليس له صحبة.
( عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه ( قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الدنيا والآخرة) لكونه مبشّرًا بي قبل بعثتي وممهدًا لقواعد ملتي في آخر الزمان تابعًا لشريعتي ناصرًا لديني، فكأننا واحد.
( والأنبياء إخوة لعلاّت) استئناف فيه دليل على الحكم السابق، وكأن سائلاً سأل عما هو المقتضي لكونه أولى الناس به فأجاب بذلك.
( أمهاتهم شتّى ودينهم) في التوحيد ( واحد) .
ومعنى الحديث أن حاصل أمر النبوّة والغاية القصوى من البعثة التي بعثوا جميعًا لأجلها دعوة الخلق إلى معرفة الحق وإرشادهم إلى ما به ينتظم معاشهم ويحسن معادهم، فهم متفقون في هذا الأصل وإن اختلفوا في تفاريع الشرع التي هي كالموصلة المؤدية والأوعية الحافظة له؛ فعبّر عما هو الأصل المشترك بين الكلّ بالأب ونسبهم إليهم، وعبّر عما يختلفون فيه من الأحكام والشرائع المتفاوتة بالصورة المتقاربة في الغرض بالأمهات، وهو معنى قوله: "أمهاتهم شتّى ودينهم واحد".
أو أن المراد أن الأنبياء وإن تباينت أعصارهم وتباعدت أيامهم فالأصل الذي هو السبب في
إخراجهم وإبرازهم كلاًّ في عصره أمرّ واحد وهو الدين الحق، فعلى هذا فالمراد بالأمهات الأزمنة التي اشتملت عليهم.

( وقال إبراهيم بن طهمان) بفتح الطاء المهملة وسكون الهاء، الخراساني، فيما وصله النسائي.
وسقطت واو "وقال" لأبي ذرّ.
( عن موسى بن عقبة) الإمام في المغازي ( عن صفوان بن سليم) المدني الزهري مولاهم ( عن عطاء بن يسار) الهلالي المدني مولى ميمونة ( عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه ( قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) كذا ساقه معلقًا مختصرًا، وفائدته تعوّد طرق حديث أبي هريرة.




[ قــ :386 ... غــ : 3444 ]
- وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «رَأَى عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَجُلاً يَسْرِقُ، فَقَالَ لَهُ: أَسَرَقْتَ؟ قَالَ: كَلاَّ وَاللَّهِ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ! فَقَالَ عِيسَى: آمَنْتُ بِاللَّهِ وَكَذَّبْتُ عَيْنِي».

وبه قال: ( وحدّثنا) ولأبي ذرّ: وحدثني، بالإفراد.
( عبد الله بن محمد) المسندي قال: ( حدّثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني قال: ( أخبرنا معمر) بفتح الميمين بينهما عين مهملة ساكنة، ابن راشد ( عن همام) بفتح الهاء وتشديد الميم الأولى، ابن منبه ( عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال:)
( رأى عيسى ابن مريم) سقط "ابن مريم"، لأبي ذر.
( رجلاً يسرق) لم يسمّ الرجل ولا المسروق ( فقال له: أسرقت) ؟ بهمزة الاستفهام في الفرع وأصله، وفي غيرهما: "سرقت" بغير همزة.
( قال: كلا) نفيٌ للسرقة أكّده بقوله: ( والله الذي) ولأبي ذرّ: "والذي" ( لا إله إلا هو) وللحموي والمستملي: إلا الله.
( فقال عيسى: آمنت بالله) أي صدقت من حلف بالله ( وكذبت عيني) بالإفراد وتشديد ذال "كذبت".
وللمستملي: "وكَذَبت" بتخفيفها.
والتشديد هو الظاهر لما رُوي في الصحيح من رواية معمر: "وكذبت نفسي" رواه مسلم وذكره الحميدي في جمعه في الثامن والسبعين بعد المائتين من المتفق عليه، أعني رواية معمر بعد ذكر حديث همام هذا.
وقوله: "وكذبت نفسي" خرج مخرج المبالغة في تصديق الحالف لا أنه كذب نفسه حقيقة، أو أراد صدقه في الحكم لأنه لم يحكم بعلمه وإلاّ فالمشاهدة أعلى اليقين فكيف يكذب عينه ويصدق قول المدعي؟ وقول القرطبي: وظاهر قول عيسى "سرقتَ" أنه خبر جازم عما فعل الرجل من السرقة لكونه رآه أخذ مالاً من حرز في خفية، وقوله "وكذبتُ نفسي" أي كذبت ما ظهر لي من كون الأخذ سرقة، إذ يحتمل أن يكون الرجل أخذ ما له فيه حق أو ما أذن له صاحبه في أخذه أو أخَذَه ليقلبه وينظر فيه، ولم يقصد الغصب والاستيلاء.
ويحتمل أن يكون عيسى عليه السلام كان غير جازم بذلك، وإنما أراد استفهامه بقوله: "سرقتَ" وتكون أداة الاستفهام محذوفة، وهو سائغ.
اعتُرض بجزمه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "إن عيسى رأى رجلاً يسرق" فالاستفهام بعيد، وبأن احتمال كونه أخذ ما يحلّ له بعيد أيضًا بهذا الجزم اهـ.
وهذا يمكن على حذف الهمزة، أما على رواية إثباتها ففيه نظر
فليتأمل.
واستُنبط منه منع القضاء بالعلم، وهو مذهب المالكية والحنابلة مطلقًا، وجوّزه الشافعية إلا في الحدود.
وهذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا.




[ قــ :387 ... غــ : 3445 ]
- حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: سَمِعَ عُمَرَ -رضي الله عنه- يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لاَ تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ؛ فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ».

وبه قال: ( حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير قال: ( حدّثنا سفيان) بن عيينة ( قال: سمعت الزهري) محمد بن مسلم ( يقول: أخبرني) بالإفراد ( عبيد الله) بضم العين ( ابن عبد الله) بن عتبة بن مسعود ( عن ابن عباس) أنه ( سمع عمر) بن الخطاب ( -رضي الله عنه-) حال كونه ( يقول على المنبر: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول) :
( لا تطروني) بضم التاء وسكون الطاء المهملة، من الإطراء؛ أي لا تمدحوني بالباطل، أو لا تجاوزوا الحدّ في مدحي ( كما أطرت النصارى) عيسى ( ابن مريم) في ادّعائهم إلهيته وغيرها ( فإنما أنا عبده) ورسوله ( فقولوا: عبد الله ورسوله) .

فإن قلت: هل ادّعى أحد في نبينا عليه السلام ما ادُّعي في عيسى؟ أُجيب بأنهم قد كادوا أن يفعلوا نحو ذلك حين قالوا له عليه الصلاة والسلام: أفلا نسجد لك؟ فقال: "لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها" فنهاهم عمّا عساه أن يبلغ بهم من العبادة.

وهذا الحديث طرف من حديث السقيفة ذكره مطوّلاً في كتاب المحاربين.
3446 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ: أَخْبَرَنَا صَالِحُ بْنُ حَىٍّ أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ قَالَ لِلشَّعْبِيِّ.
فَقَالَ الشَّعْبِيُّ: أَخْبَرَنِي أَبُو بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا أَدَّبَ الرَّجُلُ أَمَتَهُ فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا، وَعَلَّمَهَا فَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهَا، ثُمَّ أَعْتَقَهَا فَتَزَوَّجَهَا كَانَ لَهُ أَجْرَانِ؛ وَإِذَا آمَنَ بِعِيسَى ثُمَّ آمَنَ بِي فَلَهُ أَجْرَانِ، وَالْعَبْدُ إِذَا اتَّقَى رَبَّهُ وَأَطَاعَ مَوَالِيَهُ فَلَهُ أَجْرَانِ».

وبه قال: ( حدّثنا محمد بن مقاتل) المروزي المجاور بمكة، قال: ( أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي، قال: ( أخبرنا صالح بن حيّ) بفتح الحاء المهملة ضد الميت، هو صالح بن صالح الهمداني ( أن رجلاً من أهل خراسان) الإقليم العظيم ( قال للشعبي) عامر بن شراحيل ( فقال الشعبي) حذف السؤال، وقد ذكره في رواية حبان بن موسى عن ابن المبارك فقال: إنّا نقول عندنا إن الرجل إذا أعتق أمّ ولده ثم تزوجها فهو كالراكب بدنته؟ فقال الشعبي: ( أخبرني) بالإفراد ( أبو بردة) بضم الموحدة، عامر أو الحرث ( عن) أبيه ( أبي موسى) عبد الله بن قيس ( الأشعري رضي الله عنه) أنه ( قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( إذا أدّب الرجل أَمَته) لتتخلق بالأخلاق الحسنة ( فأحسن تأديبها) برفق ولطف من غير عنف ( وعلّمها) ما يجب تعليمه ( فأحسن تعليمها، ثم أعتقها فتزوجها) بعد أن أصدقها ( كان له) للرجل ( أجران) أجر العتق وأجر التزويج ( وإذا آمن بعيسى) ابن مريم ( ثم آمن بي فله أجران) أجر إيمانه بعيسى وأجر إيمانه بنبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( والعبد) المملوك ( إذا اتّقى ربه وأطاع مواليه فله أجران) أجر اتقاء ربه وأجر طاعة مواليه.

وهذا الحديث قد سبق في باب تعليم الرجل أمته من كتاب العلم وفي العتق والجهاد، ويأتي في النكاح إن شاء الله تعالى.