فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب نزول عيسى ابن مريم عليهما السلام

باب نُزُولُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عليهما السلام
مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ آخِرِ الزَّمَانِ.
وَسَقَطَ لَفْظ "بَاب" لأَبِي ذَرّ، فـ "نزولُ" رفع.


[ قــ :3290 ... غــ : 3448 ]
- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلاً، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ، وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لاَ يَقْبَلَهُ أَحَدٌ، حَتَّى تَكُونَ السَّجْدَةُ الْوَاحِدَةُ خَيْرًا مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا».
ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-: وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: { وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} [النساء: 159] .

وبه قال: ( حدّثنا إسحاق) بن راهويه قال: ( أخبرنا يعقوب بن إبراهيم) الزهري قال: ( حدّثنا أبي) إبراهيم بن عبد الرَّحمن بن عوف ( عن صالح) هو ابن كيسان ( عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري ( أن سعيد بن المسيب سمع أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( و) الله ( الذي نفسي بيده) بقدرته وتصريفه.
قال في فتح الباري: فيه الحلف في الخبر مبالغة في تأكيده.
( ليوشكن) بكسر المعجمة وفتح الكاف: ليقربن سريعًا ( أن ينزل فيكم ابن مريم حكمًا عدلاً) عند مسلم من طريق الليث عن ابن شهاب: "وحكمًا مقسطًا" أي حاكمًا عادلاً يحكم
بهذه الشريعة المحمدية ولا يحكم بشريعته التي أنزلت عليه في أوان رسالته.
( فيكسر الصليب) الفاء تفصيلية لقولها "حكمًا عدلاً".
( ويقتل الخنزير) أي يبطل دين النصرانية بكسر الصليب حقيقة، أو يبطل ما تزعمه النصارى من تعظيمه.
واستُدل به على تحريم اقتناء الخنزير وأكله ونجاسته؛ لأن الشيء المنتفع به لا يجوز إتلافه.
لكن في الطبراني الأوسط من طريق أبي صالح عن أبي هريرة: "فيكسر الصليب ويقتل الخنزير والقرد" وإسناده لا بأس به.
وحينئذ فلا يصحّ الاستدلال به على نجاسة عين الخنزير لأن القرد ليس بنجس اتفاقًا.
( ويضع الجزية) من أهل الكتاب لأنه لا يقبل إلا الإسلام ولعدم احتياج الناس إلى المال لما تلقيه الأرض من بركاتها كما قال: ( ويفيض المال) بفتح الياء: يكثر ( حتى لا يقبله أحد) وليس عيسى بناسخ لحكم الجزية بل نبينا محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو المبين للنسخ بهذا، فعدم قبولها هو من هذه الشريعة لكنه مقيد بنزول عيسى.

ولأبي ذرّ عن الحموي والمستملي: "ويضع الحرب" بالحاء المهملة والراء الساكنة والموحدة بدل الجزية.
( حتى تكون السجدة الواحدة خير) بالرفع.
ولأبي ذرّ والأصيلي: "خيرًا" بالنصب خبر "كان".
( من الدنيا وما فيها) و"حتى" الأولى متعلقة بقوله: "ويفيض المال" والثانية غاية لمفهوم قوله: "فيكسر الصليب ... الخ" والمعنى أنهم لا يتقربون إلى الله بالتصدّق بالمال بل بالعبادة لكثرة المال إذ ذاك وعدم الانتفاع به، وإلا فمعلوم أن السجدة الواحدة دائمًا خير من الدنيا وما فيها.

( ثم يقول أبو هريرة) بالإسناد السابق، مستدلاًّ على نزول عيسى في آخر الزمان تصديقًا للحديث: ( واقرؤوا إن شئتم: { وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به} ) بعيسى ( قبل موته) أي وإن من أهل الكتاب أحد إلا ليؤمنن بعيسى قبل موت عيسى وهم أهل الكتاب الذين يكونون في زمانه فتكون الملة واحدة وهي ملّة الإسلام.
وبهذا جزم ابن عباس فيما رواه ابن جرير من طريق سعيد بن جبير عنه بإسناد صحيح.
وقيل: المعنى: ليس من أهل الكتاب أحد يحضره الموت إلا آمن عند المعاينة قبل خروج روحه بعيسى وأنه عبد الله وابن أَمَتِهِ، ولكن لا ينفعه الإيمان في تلك الحالة.
وظاهر القرآن عمومه في كل كتابيّ يهوديّ أو نصرانيّ في زمن نزول عيسى وقبله.

فإن قلت: ما الحكمة في نزول عيسى دون غيره من الأنبياء؟ أجيب: للردّ على اليهود حيث زعموا أنهم قتلوه فبيّن الله تعالى كذبهم وأنه الذي يقتلهم.
( { ويوم القيامة يكون عليهم شهيدًا} ) أنه قد بلغهم رسالة ربه ومقرًّا بالعبودية على نفسه، وكل نبيّ شاهد على أمته.




[ قــ :391 ... غــ : 3449 ]
- حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا نَزَلَ ابْنُ مَرْيَمَ فِيكُمْ وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ».
تَابَعَهُ عُقَيْلٌ وَالأَوْزَاعِيُّ.

وبه قال: ( حدّثنا ابن بكير) بضم الموحدة مصغرًا؛ هو يحيى بن عبد الله بن بكير المخزومي البصري، قال: ( حدّثنا الليث) بن سعد إمام المصريين الفهمي ( عن يونس) بن يزيد الأيلي ( عن ابن شهاب) الزهري ( عن نافع) أبي محمد بن عباس بالموحدة ( مولى أبي قتادة الأنصاري) للملازمة
له، وإلاّ فهو مولى امرأة من غفار.
( إن أبا هريرة) -رضي الله عنه- ( قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم) في الصلاة ( منكم) كما في مسلم: "أنه يقال
له: صَلِّ لنا، فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة لهذه الأمة".
قال ابن الجوزي: لو تقدم عيسى إمامًا لوقع في النفس إشكال ولقيل: أتراه نائبًا أو مبتدئًا شرعًا؟ فصلّى مأمومًا لئلا يتدنس بغبار الشبهة وجه قوله: "لا نبيّ بعدي".
وقال الطيبي: معنى الحديث أن يؤمكم عيسى حال كونكم في دينكم.
وصحح المولى سعد الدين التفتازاني أنه يؤمهم ويقتدي به المهدي لأنه أفضل، فإمامته أولى.
وهذا يعكر عليه حديث مسلم السابق.
وقال الحافظ أبو ذرّ الهروي: حدّثنا الجوزقي عن بعض المتقدمين أن معناه أنه يحكم بالقرآن لا بالإنجيل.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في الإيمان.
( تابعه) أي تابع يونس ( عقيل) بضم العين مصغرًا، ابن خالد، فيما وصله ابن منده.

( والأوزاعي) عبد الرَّحمن فيما وصله ابن منده أيضًا وابن حبان والبيهقي.

وفي حديث ابن عمر عند مسلم: "أن مدة إقامة عيسى بالأرض بعد نزوله سبع سنين".

وفي حديث ابن عباس عند نعيم بن حماد في كتاب الفتن: "أنه يتزوج في الأرض ويقيم بها تسع عشرة سنة".
وعند بإسناد فيه متّهم عن أبي هريرة: "يقيم بها أربعين سنة".

بسم الله الرحمن الرحيم
( بسم الله الرحمن الرحيم) سقطت البسملة لأبي ذرّ.