فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب حديث الغار

باب حَدِيثُ الْغَارِ
(حديث الغار).


[ قــ :3306 ... غــ : 3465 ]
- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ خَلِيلٍ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «بَيْنَمَا ثَلاَثَةُ نَفَرٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ يَمْشُونَ إِذْ أَصَابَهُمْ مَطَرٌ، فَأَوَوْا إِلَى غَارٍ فَانْطَبَقَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: إِنَّهُ وَاللَّهِ يَا هَؤُلاَءِ لاَ يُنْجِيكُمْ إِلاَّ الصِّدْقُ، فَلْيَدْعُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بِمَا يَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ صَدَقَ فِيهِ.
فَقَالَ وَاحِدٌ مِنْهُمُ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ لِي أَجِيرٌ عَمِلَ لِي عَلَى فَرَقٍ مِنْ أَرُزٍّ، فَذَهَبَ وَتَرَكَهُ، وَأَنِّي عَمَدْتُ إِلَى ذَلِكَ الْفَرَقِ فَزَرَعْتُهُ، فَصَارَ مِنْ أَمْرِهِ أَنِّي اشْتَرَيْتُ مِنْهُ بَقَرًا، وَأَنَّهُ أَتَانِي يَطْلُبُ أَجْرَهُ، فَقُلْتُ لَهُ: اعْمِدْ إِلَى تِلْكَ الْبَقَرِ.
فَسُقْهَا، فَقَالَ لِي: إِنَّمَا لِي عِنْدَكَ فَرَقٌ مِنْ أَرُزٍّ.
فَقُلْتُ لَهُ: اعْمِدْ إِلَى تِلْكَ الْبَقَرِ، فَإِنَّهَا مِنْ ذَلِكَ الْفَرَقِ.
فَسَاقَهَا.
فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ مِنْ خَشْيَتِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا.
فَانْسَاخَتْ عَنْهُمُ الصَّخْرَةُ.
فَقَالَ الآخَرُ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ، وَكُنْتُ آتِيهِمَا كُلَّ لَيْلَةٍ بِلَبَنِ غَنَمٍ لِي، فَأَبْطَأْتُ عَنهمَا لَيْلَةً، فَجِئْتُ وَقَدْ رَقَدَا؛ وَأَهْلِي وَعِيَالِي يَتَضَاغَوْنَ مِنَ الْجُوعِ، وَكُنْتُ لاَ أَسْقِيهِمْ حَتَّى يَشْرَبَ أَبَوَاىَ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَهُمَا، وَكَرِهْتُ أَنْ أَدَعَهُمَا فَيَسْتَكِنَّا لِشَرْبَتِهِمَا، فَلَمْ أَزَلْ أَنْتَظِرُ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ.
فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ مِنْ خَشْيَتِكَ، فَفَرِّجْ عَنَّا.
فَانْسَاخَتْ عَنْهُمُ الصَّخْرَةُ حَتَّى نَظَرُوا إِلَى السَّمَاءِ.
فَقَالَ الآخَرُ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ لِي ابْنَةُ عَمٍّ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَىَّ، وَأَنِّي رَاوَدْتُهَا عَنْ نَفْسِهَا فَأَبَتْ إِلاَّ أَنْ آتِيَهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ، فَطَلَبْتُهَا حَتَّى قَدَرْتُ، فَأَتَيْتُهَا بِهَا فَدَفَعْتُهَا إِلَيْهَا، فَأَمْكَنَتْنِي مِنْ نَفْسِهَا، فَلَمَّا قَعَدْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا فَقَالَتِ اتَّقِ اللَّهَ وَلاَ تَفُضَّ الْخَاتَمَ إِلاَّ بِحَقِّهِ , فَقُمْتُ وَتَرَكْتُ الْمِائَةَ دِينَارٍ.
فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ مِنْ خَشْيَتِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا، فَفَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَخَرَجُوا».

وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن خليل) الخزاز بمعجمات أبو عبد الله الكوفي قال: (أخبرنا علي بن مسهر) بضم الميم وسكون السين المهملة وكسر الهاء بعدها راء القرشي الكوفي قاضي الموصل (عن عبيد الله) بضم العين مصغرًا (ابن عمر عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(بينما) بالميم (ثلاثة نفر) لم يسموا (ممن كان قبلكم) في الطبراني عن عقبة بن عامر من بني إسرائيل (يمشون) مرفوع خبر ثلاثة.
وفي حديث عقبة المذكور وأبي هريرة عند ابن حبان والبزار أنهم خرجوا يرتادون (لأهلهم إذ أصابهم مطر فأووا) بقصر الهمزة في الفرع كأصله وتمد (إلى غار فانطبق عليهم) باب الغار.
وعند الطبراني من حديث النعمان من وجه آخر إذ وقع حجر من الجبل مما يهبط من خشية الله حتى سد فم الغار (فقال بعضهم لبعض: إنه) إن الشأن (والله يا هؤلاء لا ينجيكم) بضم أوله وسكون النون مخففًا ولأبي ذر ينجيكم بفتح النون مثقلاً مما أنتم فيه
(إلا الصدق فليدع كل رجل منكم بما يعلم أنه قد صدق فيه) في حديث علي عند البزار: تفكّروا في أحسن أعمالكم فادعوا الله بها لعل الله يفرج عنكم.

(فقال: واحد منهم) سقط واحد وتاليه لأبوي ذر والوقت بإسقاط القائل (اللهم إن كنت تعلم) ظاهره الشك والمؤمن يجزم بأن الله تعالى عالم بذلك فهو على خلاف الظاهر فالمعنى أنت تعلم (إنه كان لي أجير عمل لي) بكسر الميم عملاً (على فرق) بفتح الفاء والراء بعدها قاف مكيال يسع ثلاثة آصع (من أرز) بفتح الهمزة وضم الراء وتشديد الزاي، ولأبي ذر: ارز بضم الهمزة وفتحها وسكون الراء (فذهب وتركه) في حديث النعمان بن بشير عند أحمد كان لي أجراء يعملون فاستأجرت كل رجل منهم بأجر معلوم فجاء رجل ذات يوم في نصف النهار فاستأجرته بشطر أصحابه فعمل في نصف نهاره كما عمل رجل منهم في نهاره كله فرأيت علي في الزمان أن لا أنقصه مما استأجرت به أصحابه لما جهد في عمله فقال رجل منهم: تعطي هذا مثل ما أعطيتني.

فقلت: يا عبد الله لم أبخسك شيئًا من شرطك وإنما هو مالي أحكم فيه بما شئت.
قال: فغضب وذهب وترك أجره (وأني) بفتح الهمزة (عمدت) بفتح العين والميم (إلى ذلك الفرق فزرعته فصار من أمره أني اشتريت) ولأبي ذر عن الكشميهني: أن اشتريت (منه بقرًا) زاد موسى بن عقبة وراعيها (وأنه أتاني يطلب أجره فقلت: اعمد) بكسر الميم ولأبي ذر فقلت له اعمد (إلى تلك البقر
فسقها فقال لي إنما لي عندك فرق من أرز) بالتشديد مع فتح الهمزة وضم الراء (فقلت له: اعمد) بكسر الميم (إلى تلك البقر فإنها من ذلك الفرق فساقها فإن كنت تعلم) أن عملي هذا مقبول و (أني فعلت ذلك من خشيتك ففرّج عنا) ما نحن فيه وكأنه لم يجزم بقبول عمله (فانساخت) بهمزة الوصل وسكون النون وبالسين المهملة والخاء المعجمة المفتوحتين بينهما ألف أي انشقت (عنهم الصخرة).
ويقال: انصاخت بالصاد بدل السين أي انشق من قبل نفسه، وأنكر الخطابي انساخت بالسين والخاء المعجمة وصوب كونها بالحاء المهملة وهي التي في اليونينية وفرعها أي اتسعت، لكن الرواية بالسين والخاء المعجمة صحيحة وإن كان الأصل بالصاد فهي تقلب سينًا.
وفي حديث النعمان بن بشير فانصدع الجبل حتى رأوا الضوء.
وفي حديث أبي هريرة عند ابن حبان فزال ثلث الحجر.

(فقال الآخر: اللهم إن كنت) أي أنت (تعلم كان) وللأصيلي أنه كان (لي أبوان) فهو من باب التغليب أي أب وأم (شيخان كبيران) وفي حديث علي أبوان ضعيفان فقيران ليس لهما خادم ولا راع ولا ولي غيري فكنت أرعى لهما بالنهار وآوي إليهما بالليل (وكنت) ولغير أبوي ذر والوقت فكنت (آتيهما) بالمد (كل ليلة بلبن غنم لي فأبطأت عليهما) ولأبي ذر عنهما (ليلة) بسبب تباعد العشب الذي ترعاه الغنم (فجئت وقد رقدا) الأبوان (وأهلي) مبتدأ (وعيالي) عطف عليه والخبر (يتضاغون) بضاد وغين معجمتين أي وزوجتي وأولادي وغيرهم يتصايحون أو يستغيثون (من الجوع) بسبب الجوع (فكنت) بالفاء ولأبي ذر كنت (لا أسقيهم) شيئًا من اللبن (حتى يشرب
أبواي فكرهت أن أوقظهما) من نومهما فيشق عليهما (وكرهت أن أدعهما) أتركهما (فيستكنا) بتشديد النون في الفرع كأصله من الاستكنان أي يلبثا في كونهما منتظرين (لشربتهما) أو بتخفيف النون كما أفهمه كلام الكرماني، وتفسير الحافظ ابن حجر مقتصرًا عليه حيث قال: وأما كراهية أن يدعهما فقد فسره بقوله فيستكنا لشربتهما أي يضعفا لأنه عشاؤهما وترك العشاء يهرم، وقوله: يستكنا من الاستكانة، وقوله لشربتهما أي لعدم شربهما فيصيران ضعيفين مسكينين والمسكين الذي لا شيء له انتهى.

(فلم أزل انتظر) استيقاظهما (حتى طلع الفجر فإن كنت تعلم) أن عملي هذا مقبول و (أني فعلت ذلك من خشيتك ففرج عنا) ما نحن فيه (فانساخت عنهم الصخرة) بالخاء المعجمة أي انشقت (حتى نظروا إلى السماء.
فقال الأخر: اللهم إن كنت تعلم) أي أنت تعلم (أنه كان) ولأبي ذر كانت (لي ابنة عم) لم تسم (من أحب الناس إليّ) زاد في رواية موسى بن عقبة في باب إذا اشتر شيئًا لغيره بغير إذنه من البيوع كأشدّ ما يحب الرجال النساء (وإني راودتها عن نفسها) أي طلبت منها النكاح يقال راود فلان جاريته على نفسها وراودته هي على نفسه إذا حاول كل منهما الوطء، وعداه هنا بعن لأنه ضمن معنى المخادعة أي خادعتها عن نفسها والمفاعلة هنا من الواحد نحو: داويت المريض أو هي على بابها فإن كل واحد منهما كان يطلب من صاحبه شيئًا برفق هو يطلب منها الفعل وهي تطلب منه الترك إلا أن أعطاها مالاً كما قال (فأبت) أي امتنعت (إلا أن آتيها بمائة دينار).
وفي رواية سالم عن أبيه في باب من استأجر أجيرًا من البيوع فامتنعت مني حتى ألمت بها سنة أي سنة قحط فجاءتني فأعطيتها عشرين ومائة دينار، وجمع بينه وبين رواية الباب بأنها امتنعت أوّلاً عفة عنه ودافعته بطلب المال فلما احتاجت أجابت، وأما قوله فأعطيتها عشرين ومائة دينار فيحتمل أنها طلبت منه المائة وزادها من قبل نفسه العشرين (فطلبتها) أي المائة دينار (حتى قدرت) عليها (فأتيتها بها فدفعتها إليها) وفي حديث النعمان أنها ترددت إليه ثلاث مرات تطلب شيئًا من معروفه ويأبى عليها إلا أن تمكنه من نفسها فأجابت في الثالثة بعد أن استأذنت زوجها فأذن لها وقال لها: أغني عيالك.
قال: فرجعت فناشدتني بالله (فأمكنتني من نفسها فلما قعدت بين رجليها) أي جلست منها مجلس الرجل من امرأته لأطأها (قالت): كذا في الفرع والمدّ في أصله فقالت (اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه) بفتح التاء وضم الفاء وتشديد الضاد المعجمة أي لا تكسره وكنّت عن عذرتها بالخاتم وكأنها كانت بكرًا فقالت: لا تزل بكارتي إلا بتزويج صحيح، لكن في حديث النعمان بن بشير ما يدل على أنها لم تكن بكرًا فتكون كنّت عن الإفضاء بالكسر وعن الفرج بالخاتم، وفي حديث عليّ فقالت: أذكرك الله أن تركب مني ما حرم الله عليك.
وفي حديث النعمان فأسلمت إليّ نفسها فلما كشفتها أرعدت من تحتي فقلت: مالك؟ قالت: أخاف الله رب العالمين، فقلت: خفتيه في الشّدة ولم أخفه في الرخاء.

وفي حديث ابن أبي أوفى عند الطبراني فما جلست منها مجلس الرجل من المرأة ذكرت النار (فقمت) عنها من غير فعل (وتركت المائة دينار) ولأبي ذر وتركت المائة الدينار (فإن كنت تعلم) أن
عملي مقبول (وأني فعلت ذلك من خشيتك ففرّج عنا) ما نحن فيه (ففرج الله عنهم فخرجوا) من الغار يمشون.

فإن قلت: أي الثلاثة أفضل؟ أجيب: صاحب المرأة لأنه اجتمع فيه الخشية وقد قال تعالى: (وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى} [النازعات: 40] قال الغزالي: شهوة الفرج أغلب الشهوات على الإنسان وأعصاها عند الهيجان على الفعل فمن ترك الزنا خوفًا من الله تعالى مع القدرة وارتفاع الموانع وتيسر الأسباب سيما عند صدق الشهوة نال درجة الصديقين.

وهذا الحديث سبق في باب: من استأجر أجيرًا فترك أجره عن سالم، وفي باب إذا اشترى شيئًا لغيره عن موسى بن عقبة عن نافع، وفي باب إذا زرع بمال قوم عن موسى بن عقبة أيضًا ولم يخرجه إلا من رواية ابن عمر، ورواه الطبراني عن أنس وابن حبان عن أبي هريرة، وأحمد عن النعمان بن بشير، والطبراني عن علي وعقبة بن عامر وعبد الله بن عمرو بن العاصي وعبد الله بن أبي أوفى، واتفقوا على أن القصص الثلاثة في الأجير والمرأة والأبوين إلا حديث عقبة بن عامر ففيه بدل الأجير أن الثالث قال: كنت في غنم أرعاها فحضرت الصلاة فقمت أصلي فجاء الذئب فدخل الغنم فكرهت أن أقطع صلاتي فصبرت حتى فرغت، واختلافهم في التقديم والتأخير يفيد جواز الرواية بالمعنى.


باب
هذا ( باب) بالتنوين من غير ترجمة فهو كالفصل من سابقه.


[ قــ :3307 ... غــ : 3466 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «بَيْنَا امْرَأَةٌ تُرْضِعُ ابْنَهَا إِذْ مَرَّ بِهَا رَاكِبٌ وَهْيَ تُرْضِعُهُ فَقَالَتِ: اللَّهُمَّ لاَ تُمِتِ ابْنِي حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ هَذَا.
فَقَالَ: اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ.
ثُمَّ رَجَعَ فِي الثَّدْيِ.
وَمُرَّ بِامْرَأَةٍ تُجَرَّرُ وَيُلْعَبُ بِهَا، فَقَالَتِ: اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلِ ابْنِي مِثْلَهَا.
فَقَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا.
فَقَالَ: أَمَّا الرَّاكِبُ فَإِنَّهُ كَافِرٌ،.
وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ لَهَا: تَزْنِي، وَتَقُولُ: حَسْبِي اللَّهُ.
وَيَقُولُونَ: تَسْرِقُ، وَتَقُولُ حَسْبِي اللَّهُ».

وبه قال: ( حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: ( أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة قال: ( حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان ( عن عبد الرَّحمن) بن هرمز الأعرج أنه ( حدثه أنه سمع أبا هريرة -رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول) :
( بينا) بغير ميم ( امرأة) لم تسم ( ترضع ابنها) لم يسم، وزاد في باب: واذكر في الكتاب مريم من بني إسرائيل ( إذ مرّ بها) رجل ( راكب) لم يسم ( وهي ترضعه فقالت: اللهم لا تمت ابني)
هذا ( حتى يكون مثل هذا) الراكب في هيئته الحسنة ( فقال) الطفل: ( اللهم لا تجعلني مثله ثم رجع في الثدي) يمصه ( ومر) بضم الميم مبنيًّا للمفعول ( بامرأة) لم تسم ( تجرّر) بضم الفوقية وفتح الجيم والراء المشددة بعدها راء ثانية ( ويلعب بها) بضم الياء وسكون اللام وفتح العين وزاد أحمد من رواية وهب بن جرير وتضرب ( فقالت) أم الطفل: ( اللهم لا تجعل ابني مثلها) سقط فقالت الخ لأبي ذر ( فقال) الطفل: ( اللهم اجعلني مثلها) زاد في باب: واذكر في الكتاب مريم فقالت يعني الأم للابن لم ذاك ( فقال) الطفل: ( أما الراكب فإنه كافر) وفي الباب المذكور جبار من الجبابرة ( وأما المرأة فإنهم يقولون لها تزني) زاد في الباب: ولم تفعل واللام في لها تحتمل كما قاله في المصابيح أن تكون بمعنى عن كما قاله ابن الحاجب في قوله تعالى: { وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرًا ما سبقونا إليه} [الأحقاف: 11] ويحتمل أن تجعل لام التبليغ كما قيل به في الآية ردًّا على ابن الحاجب والتفت عن الخطاب إلى الغيبة فقال: سبقونا ولم يقل سبقتمونا.
وكذا في الحديث التفت عن الخطاب فلم يقل تزنين وسلك الغيبة فقال: تزني أي هي تزني ( وتقول) .

أي والحال أنها تقول ( حسبي الله ويقولون تسرق) ولم تفعل ( و) الحال أنها ( تقول حسبي الله) .

وهذا الحديث سبق قريبًا.




[ قــ :3308 ... غــ : 3467 ]
- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ تَلِيدٍ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَنَزَعَتْ مُوقَهَا فَسَقَتْهُ، فَغُفِرَ لَهَا بِهِ».
[الحديث 3467 - طرفه في: 331] .

وبه قال: ( حدّثنا سعيد بن تليد) هو سعيد بكسر العين ابن عيسى بن تليد بفتح المثناة الفوقية وكسر اللام وسكون التحتية بعدها دال مهملة المصري قال: ( حدّثنا ابن وهب) عبد الله المصري ( قال: أخبرني) بالإفراد ( جرير بن حازم) بالحاء المهملة والزاي ابن زيد بن عبد الله المصري ( عن أيوب) السختياني ( عن محمد بن سيرين) الأنصاري ( عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه ( قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) : ( بينما) بالميم ( كلب يطيف) بضم أوّله وكسر ثانيه من أطاف يطيف أي يطوف ( بركية) بفتح الراء وكسر الكاف وتشديد التحتية بئر لم تطو أو طويت أي يدور حولها ( كاد يقتله العطش إذ رأته بغيّ) بفتح الموحدة وكسر الغين المعجمة وتشديد التحتية امرأة زانية ( من بغايا بني إسرائيل فنزعت موقها) بضم الميم وسكون الواو وفتح القاف خفها فارسي معرب أو هو الذي يلبس فوق الخف وهو الجرموق فملأته من الركية ( فسقته) حتى روي ( فغفر لها) بضم الغين المعجمة وكسر الفاء مبنيًّا للمفعول أي غفر الله للبغي ( به) .
وسقطت لفظة به للحموي والمستملي وما وقع في الطهارة والشرب أن الذي سقى الكلب رجل يقتضي تعدد ذلك وفيه أن في سقي كل حيوان أجرًا لكن بشرط أن لا يكون مأمورًا بقتله كالحية وغيرها.




[ قــ :3309 ... غــ : 3468 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ: «سَمِعَ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ -عَامَ حَجَّ- عَلَى الْمِنْبَرِ، فَتَنَاوَلَ قُصَّةً مِنْ شَعَرٍ -وَكَانَتْ فِي يَدِ حَرَسِيٍّ- فَقَالَ: يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ، أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ؟ سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَنْهَى عَنْ مِثْلِ هَذِهِ وَيَقُولُ: إِنَّمَا هَلَكَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ حِينَ اتَّخَذَ هذِهِ نِسَاؤُهُمْ».
[الحديث 3468 - أطرافه في: 3488، 593، 5938] .

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن مسلمة) بن قعنب أبو عبد الرَّحمن القعنبي الحارثي المدني ( عن مالك) الإمام ( عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري ( عن حميد بن عبد الرَّحمن) بن عوف الزهري ( أنه سمع معاوية بن أبي سفيان) صخر بن حرب بن أمية الأموي الصحابي أسلم قبل الفتح وكتب الوحي ( عام حج) سنة إحدى وخمسين حال كونه ( على المنبر) النبوي بالمدينة ( فتناول قصة) بضم القاف وتشديد الصاد المهملة ( من شعر) أي قطعة من شعر الناصية ( كانت) ولغير أبو الوقت وذر وكانت ( في يدي) بالتثنية ولأبي ذر يد ( حرسيّ) واحد الحراس الذين يحرسون ( فقال: يا أهل المدينة أين علماؤكم) ؟ سؤال إنكار عليهم بإهمالهم إنكار هذا المنكر وغفلتهم عن تغييره ( سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن مثل هذه) القصة ( ويقول) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
( إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذها) ولأبي ذر حين اتخذ هذه أي القصة ( نساؤهم) للزينة توصلها بالشعر.
قال القاضي عياض: ويحتمل أنه كان محرمًا على بني إسرائيل فعوقبوا باستعماله وهلكوا بسببه، ويحتمل أن يكون الهلاك به وبغيره من المعاصي وعند ظهور ذلك فيهم هلكوا.

وهذا الحديث أخرجه أيضًا في اللباس وكذا مسلم وأخرجه أبو داود في الترجل والترمذي في الاستئذان والنسائي في الزينة.




[ قــ :3310 ... غــ : 3469 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّهُ قَدْ كَانَ فِيمَا مَضَى قَبْلَكُمْ مِنَ الأُمَمِ مُحَدَّثُونَ، وَإِنَّهُ إِنْ كَانَ فِي أُمَّتِي هَذِهِ مِنْهُمْ فَإِنَّهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ».
[الحديث 3469 - طرفه في: 3689] .

وبه قال: ( حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي قال: ( حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ( عن أبيه) سعد بن إبراهيم بن عبد الرَّحمن بن عوف ( عن) عمه ( أبي سلمة) بن عبد الرَّحمن بن عوف ( عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال) :
( إنه قد كان) سقط قد في بعض النسخ ( فيما مضى قبلكم من الأمم) يريد بني إسرائيل ( محدثون) بفتح الدال المهملة المشددة قال المؤلّف يجري على ألسنتهم الصواب من غير نبوّة وقال الخطابي يلقى الشيء في روعه فكأنه قد حدث به يظن فيصيب ويخطر الشيء بباله فيكون وهي منزلة رفيعة من منازل الأولياء ( وإنه) أي وإن الشأن ( إن كان في أمتي هذه منهم فإنه عمر بن
الخطاب)
-رضي الله عنه- قاله عليه الصلاة والسلام على سبيل التوقع، وكأنه لم يكن اطلع على أن ذلك كائن وقد وقع وقصة يا سارية الجبل مشهورة مع غيرها.

وهذا الحديث أخرجه أيضًا في فضل عمر وأخرجه النسائي في المناقب.




[ قــ :3311 ... غــ : 3470 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الصِّدِّيقِ النَّاجِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ إِنْسَانًا، ثُمَّ خَرَجَ يَسْأَلُ، فَأَتَى رَاهِبًا فَسَأَلَهُ فَقَالَ لَهُ: هَلْ مِنْ تَوْبَةٍ؟ قَالَ: لاَ.
فَقَتَلَهُ.
فَجَعَلَ يَسْأَلُ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ ائْتِ قَرْيَةَ كَذَا وَكَذَا، فَأَدْرَكَهُ الْمَوْتُ فَنَاءَ بِصَدْرِهِ نَحْوَهَا، فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلاَئِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلاَئِكَةُ الْعَذَابِ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى هَذِهِ أَنْ تَقَرَّبِي، وَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى هَذِهِ أَنْ تَبَاعَدِي،.

     وَقَالَ : قِيسُوا مَا بَيْنَهُمَا، فَوُجِدَ إِلَى هَذِهِ أَقْرَبُ بِشِبْرٍ، فَغُفِرَ لَهُ».

وبه قال: ( حدّثنا محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشددة العبدي أبو بكر بندار قال: ( حدّثنا محمد بن أبي عدي) هو محمد بن إبراهيم بن أبي عدي البصري ( عن شعبة) بن الحجاج ( عن قتادة) بن دعامة ( عن أبي الصديق) بكسر الصاد والدال المشددة المهملتين بكر بن قيس ( الناجي) بالنون والجيم المكسورة والتحتية المشددة كذا ضبطه الكرماني وغيره وهو الذي في اليونينية وفي الفرع بسكون التحتية ( عن أبي سعيد) ولأبي ذر زيادة الخدري ( -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال) :
( كان في بني إسرائيل رجل) لم يسم ( قتل تسعة وتسعين إنسانًا) زاد الطبراني من حديث معاوية بن أبي سفيان كلهم ظلمًا ( ثم خرج يسأل) وعند مسلم من طريق همام عن قتادة يسأل عن أعلم أهل الأرض فدلّ على راهب ( فأتى راهبًا) من النصارى لم يسم وفيه إشعار بأن ذلك وقع بعد رفع عيسى فإن الرهبانية إنما ابتدعها أتباعه ( فسأله فقال له: هل) لي ( من توبة) ؟ بعد هذه الجريمة العظيمة.

وفي الحديث إشكال لأنا إن قلنا لا فقد خالفنا نصوصنًا، وإن قلنا نعم فقد خالفنا نصوص الشرع فإن حقوق بني آدم لا تسقط بالتوبة بل توبتها أداؤها إلى مستحقيها أو الاستحلال منها.

والجواب أن الله تعالى إذا رضي عنه وقبل توبته يرضي عنه خصمه، وسقط لأبوي ذر والوقت لفظة من فتوبة رفع.

( قال) له الراهب ( لا) توبة لك بعد أن قتلت تسعة وتسعين إنسانًا ظلمًا ( فقتله) وكمل به مائة ( فجعل يسأل) أي هل لي من توبة أو عن أعلم أهل الأرض ليسأله عن ذلك ( فقال له رجل) : راهب لم يسم أيضًا بعد أن سأله فقال إني قتلت مائة إنسان فهل لي من توبة؟ فقال: نعم ومن يحول بينك وبين التوبة ( ائت قرية كذا وكذا) اسمها نصرة كما عند الطبراني بإسنادين أحدهما جيد من حديث عبد الله بن عمرو زاد في رواية، فانطلق حتى إذا نصف الطريق ( فأدركه الموت
فناء)
بنون ومد وبعد الألف همزة أي مال ( بصدره نحوها) نحو القرية نصرة التي توجه إليها للتوبة، وحكي فنأى بغير مدّ قبل الهمزة وبإشباعها بوزن سعى أن بعد بصدره عن الأرض التي خرج منها ( فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب) زاد في رواية هشام عن قتادة عند مسلم فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائبًا مقبلاً بقلبه إلى الله تعالى، وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيرًا قط ( فأوحى الله إلى هذه) القرية نصرة ( أن تقربي) منه ( وأوحى إلى هذه) القرية التي خرج منها وهي كفرة كما عند الطبراني ( أن تباعدي.
وقال)
للملائكة: ( قيسوا ما بينهما) فقيس ( فوجد) بضم الواو مبنيًا للمفعول ( إلى هذه) القرية نصرة ( قرب) بفتح الموحدة ولأبي ذر فوجد له هذه أقرب ( بشبر) وأقرب في هذه الرواية رفع على ما لا يخفى وفي رواية هشام فقاسوا فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد، وعند الطبراني في حديث معاوية فوجدوه أقرب إلى دير التوّابين بأنملة ( فغفر له) .
واستنبط منه أن التائب ينبغي له مفارقة الأحوال التي اعتادها في زمان المعصية والتحوّل عنها كلها والاشتغال بغيرها وغير ذلك مما يطول.

وهذا الحديث أخرجه مسلم في التوبة وابن ماجه في الدّيات.




[ قــ :331 ... غــ : 3471 ]
- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلاَةَ الصُّبْحِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: بَيْنَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً إِذْ رَكِبَهَا فَضَرَبَهَا، فَقَالَتْ: إِنَّا لَمْ نُخْلَقْ لِهَذَا، إِنَّمَا خُلِقْنَا لِلْحَرْثِ، فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، بَقَرَةٌ تَكَلَّمُ؟ فَقَالَ: فَإِنِّي أُومِنُ بِهَذَا أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ.
وَمَا هُمَا ثَمَّ.
وَبَيْنَمَا رَجُلٌ فِي غَنَمِهِ إِذْ عَدَا الذِّئْبُ فَذَهَبَ مِنْهَا بِشَاةٍ، فَطَلَبَ حَتَّى كَأَنَّهُ اسْتَنْقَذَهَا مِنْهُ، فَقَالَ لَهُ الذِّئْبُ: هَذَا اسْتَنْقَذْتَهَا مِنِّي، فَمَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبُعِ، يَوْمَ لاَ رَاعِيَ لَهَا غَيْرِي؟ فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، ذِئْبٌ يَتَكَلَّمُ؟ قَالَ: فَإِنِّي أُومِنُ بِهَذَا أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ.
وَمَا هُمَا ثَمَّ».

وَحَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمِثْلِهِ.

وبه قال: ( حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: ( حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: ( حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان ( عن الأعرج) عبد الرَّحمن بن هرمز ( عن أبي سلمة) بن عبد الرَّحمن بن عوف ( عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه ( قال: صلى رسول الله صلاة الصبح ثم أقبل على الناس فقال) :
( بينا) بغير ميم ( رجل) من بني إسرائيل لم يسم ( يسوق بقرة) وجواب بينا قوله ( إذ ركبها فضربها فقالت إنا) أي جنس البقر ( لم نخلق لهذا) الركوب ( إنما خلقنا للحرث) الحصر في ذلك غير مراد اتفاقًا إذ من جملة ما خلقت له الذبح والأكل ( فقال الناس) متعجبين ( سبحان الله بقرة
تكلم)
بحذف إحدى التاءين تخفيفًا ( فقال) : ولأبوي ذر والوقت قال أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( فإني أومن بهذا) بنطق البقرة والفاء جواب شرط محذوف أي فإذا كان الناس يستغربونه فإني لا أستغربه وأومن به ( أنا و) كذا ( أبو بكر وعمر وما هما ثم) بفتح المثلثة أي ليسا حاضرين.
قال الحافظ ابن حجر: وهو من كلام الراوي ولم يقع في رواية الزهري وثبت لفظ أنا في اليونينية وسقط في الفرع.

( و) قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالإسناد السابق ( بينما) بالميم ( رجل) لم يسم ( في غنمه إذ عدا الذئب) بالعين المهملة من العدوان ( فذهب منها بشاة فطلب) أي صاحب الغنم الشاة ( حتى كأنه استنقذها منه، فقال له) : أي لصاحب الغنم ( الذئب: هذا) أي يا هذا بحذف حرف النداء واعترض بأنه ممنوع أو قليل أو المراد هذا اليوم ( استنقذتها) ولأبى ذر عن الحموي والمستملي استنقذها ( مني) فهو في موضع نصب على الظرفية مشارًا به إلى اليوم وسبق هذا مع غيره في باب استعمال البقر للحراثة من المزارعة ( فمن لها) أي للشاة ( يوم السبع) بضم الموحدة وجوّز عياض سكونها إلا أنه قال: إن الرواية ضمها أي إذا أخذها السبع المفترس من الحيوان عند الفتن ( يوم لا راعي لها غيري) حين تترك نهبة للسباع ( فقال الناس) متعجبين: ( سبحان الله ذئب يتكلم قال) : رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( فإني أومن بهذا أنا وأبو بكر وعمر وما هما) أي العمران ( ثم) أي حاضران وذكر في هذه لفظة أنا وعطف عليها ما بعدها للتأكيد.

وسبق هذا الحديث في باب استعمال البقر للحراثة.

قال المؤلّف بالسند: ( وحدّثنا) بالواو ولأبي ذر حدّثنا بإسقاطها ( علي) هو ابن عبد الله المديني قال: ( حدّثنا سفيان) هو ابن عيينة ( عن مسعر) بكسر الميم وسكون السين وفتح العين المهملتين آخره راء ابن كدام ( عن سعد بن إبراهيم) بن عبد الرَّحمن بن عوف ( عن) عمه ( أبي سلمة) بن عبد الرَّحمن بن عوف ( عن أبي هريرة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمثله) أي بمثل الحديث السابق ولأبي ذر مثله بإسقاط حرف الجر والحاصل أن لسفيان فيه شيخين أبو الزناد عن الأعرج والآخر مسعر عن سعد بن إبراهيم كلاهما عن أبي سلمة.




[ قــ :3313 ... غــ : 347 ]
- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ عَقَارًا لَهُ، فَوَجَدَ الرَّجُلُ الَّذِي اشْتَرَى الْعَقَارَ فِي عَقَارِهِ جَرَّةً فِيهَا ذَهَبٌ؛ فَقَالَ لَهُ الَّذِي اشْتَرَى الْعَقَارَ: خُذْ ذَهَبَكَ مِنِّي، إِنَّمَا اشْتَرَيْتُ مِنْكَ الأَرْضَ وَلَمْ أَبْتَعْ مِنْكَ الذَّهَبَ.
.

     وَقَالَ  الَّذِي لَهُ الأَرْضُ: إِنَّمَا بِعْتُكَ الأَرْضَ وَمَا فِيهَا، فَتَحَاكَمَا إِلَى رَجُلٍ، فَقَالَ الَّذِي تَحَاكَمَا إِلَيْهِ: أَلَكُمَا وَلَدٌ؟ قَالَ أَحَدُهُمَا: لِي غُلاَمٌ.
.

     وَقَالَ  الآخَرُ: لِي جَارِيَةٌ، قَالَ: أَنْكِحُوا الْغُلاَمَ الْجَارِيَةَ، وَأَنْفِقُوا عَلَى أَنْفُسِهِمَا مِنْهُ، وَتَصَدَّقَا».

وبه قال: ( حدّثنا إسحاق بن نصر) نسبه إلى جده واسم أبيه السعدي المروزي قال: ( أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني ( عن معمر) هو ابن راشد الأزدي مولاهم البصري نزيل اليمن ( عن
همام)
هو ابن منبه ( عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه ( قال: قال النبي) ولأبوي الوقت وذر قال رسول الله ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( اشترى رجل من رجل) لم يسميا ( عقارًا له) بفتح العين قال في القاموس المنزل والقصر أو المتهدم منه والبناء المرتفع والضيعة ومتاع البيت ونضده الذي لا يبتذل إلا في الأعياد ونحوها اهـ.

والمراد به هنا الدار وصرح بذلك في حديث وهب بن منبه.
( فوجد الرجل الذي اشترى العقار في عقاره جرة فيها ذهب فقال له الذي اشترى العقار: خذ ذهبك مني إنما اشتريت منك الأرض ولم أبتع) لم أشتر ( منك الذهب) سقط لأبي ذر لفظ منك ( وقال الذي) كانت ( له الأرض إنما بعتك الأرض وما فيها) ظاهره أنهما اختلفا في صورة العقد فالمشتري يقول لم يقع تصريح ببيع الأرض وما فيها بل ببيع الأرض خاصة، والبائع يقول وقع التصريح بذلك أو وقع بينهما على الأرض خاصة فاعتقد البائع دخول ما فيها ضمنًا واعتقد المشتري عدم الدخول ( فتحاكما إلى رجل) هو داود النبي عليه الصلاة والسلام كما في المبتدأ لوهب بن منبه، وفي المبتدأ لإسحاق بن بشر أن ذلك وقع في زمن ذي القرنين من بعض قضاته.
قال في الفتح: وصنيع البخاري يقتضي ترجيح ما وقع عند وهب لكونه أورده في ذكر بني إسرائيل ( فقال الذي تحاكما إليه: ألكما ولد) ؟ بفتح الواو والمراد الجنس والمعنى ألكل منكما ولد ( قال أحدهما) : وهو المشتري ( لي غلام، وقال الآخر) : وهو البائع ( لى جارية.
قال)
: أي الحاكم ( أنكحوا) أنتما والشاهدان ( الغلام الجارية وأنفقوا) أنتما ومن تستعينان به كالوكيل ( على أنفسهما منه) أي على الزوجين من الذهب ( وتصدقا) منه بأنفسكما بغير واسطة لما فيه من الفضل.
ومذهب الشافعية أنه إذا باع أرضًا لا يدخل فيها ذهب مدفون فيها كالكنوز كبيع دار فيها أمتعة بل هو باق على ملك البائع.

وهذا الحديث أخرجه مسلم في القضاء.




[ قــ :3314 ... غــ : 3473 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ.
وَعَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَسْأَلُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ: مَاذَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الطَّاعُونِ؟ فَقَالَ أُسَامَةُ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الطَّاعُونُ رِجْسٌ عَلَى طَائِفَةٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ -أَوْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ- فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلاَ تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلاَ تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ».
قَالَ أَبُو النَّضْرِ: «لاَ يُخْرِجُكُمْ إِلاَّ فِرَارًا مِنْهُ».
[الحديث 3473 - طرفاه في: 578، 6974] .

وبه قال: ( حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي ( قال: حدثني) بالإفراد ( مالك) هو ابن أنس الأصبحي إمام دار الهجرة ( عن محمد بن المنكدر) بن عبد الله بن الهدير بالتصغير التيمي المدني ( وعن أبي النضر) بالضاد المعجمة سالم بن أبي أمية ( مولى عمر بن عبيد الله) بضم العين التيمي المدني ( عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أنه سمعه يسأل أسامة بن زيد) بضم
الهمزة ابن حارثة ( ماذا سمعت من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في) شأن ( الطاعون) ؟ وهو كما قال الجوهري على وزن فاعول من الطعن عدلوا به عن أصله ووضعوه دالاً على الموت العام كالوباء ( فقال أسامة: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( الطاعون رجس) بالسين أي عذاب ( أرسل على طائفة) هم قوم فرعون ( من بني إسرائيل) لما كثر طغيانهم ( أو) قال عليه السلام: ( على من كان قبلكم) شك الراوي ( فإذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه) بسكون القاف وفتح الدال ( وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا) منها ( فرارًا) أي لأجل الفرار ( منه) أي من الطاعون لأنه إذا خرج الأصحاء وهلك المرضى فلا يبقى من يقوم بأمرهم وقيل غير ذلك مما سيأتي إن شاء الله تعالى في موضعه.

( قال أبو النضر) : بالسند السابق ( لا يخرجكم) من الأرض التي وقع بها إذا لم يكن خروجكم ( إلاّ فرارًاً منه) فالنصب على الحال وكلمة إلا للإيجاب لا للاستثناء حكاه النووي، وبهذا التقدير يزول الإشكال لأن ظاهره المنع من الخروج لكل سبب لا للفرار وهو ضد المراد.
وقال الكرماني المراد منه الحصر يعني الخروج المنهي عنه هو الذي لمجرد الفرار لا لغرض فهو تفسير للمعلل المنهي لا للنهي، وقيل إلا زائدة غلطًا من الراوي والصواب حذفها فيباح لغرض آخر كالتجارة ونحوها، وقد نقل ابن جرير الطبري أن أبا موسى الأشعري كان يبعث بنيه إلى الأعراب من الطاعون وكان الأسود بن هلال ومسروق يفران منه، وعن عمرو بن العاص أنه قال: تفرقوا من هذا الرجز في الشعاب والأودية ورؤوس الجبال وهل يأتي قول عمر تفروا من الله تعالى إلى قدر الله تعالى أم لا.

وهذا الحديث أخرجه أيضًا في ترك الحيل ومسلم والنسائي في الطب والترمذي في الجنائز.




[ قــ :3315 ... غــ : 3474 ]
- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي الْفُرَاتِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: «سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الطَّاعُونِ، فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ عَذَابٌ يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ، وَأَنَّ اللَّهَ جَعَلَهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، لَيْسَ مِنْ أَحَدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ فَيَمْكُثُ فِي بَلَدِهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا يَعْلَمُ أَنَّهُ لاَ يُصِيبُهُ إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ إِلاَّ كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ شَهِيدٍ».
[الحديث 3474 - طرفاه في: 5734، 6619] .

وبه قال: ( حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري قال: ( حدّثنا داود بن أبي الفرات) عمرو الكندي قال: ( حدّثنا عبد الله بن بريدة) بضم الموحدة مصغرًا ابن الحصيب بالمهملتين قاضي مرو ( عن يحيى بن يعمر) بفتح الميم قاضي مرو أيضًا التابعي الجليل ( عن عائشة) -رضي الله عنها- ( زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنها ( قالت: سألت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الطاعون فأخبرني) بالإفراد.

( إنه عذاب يبعثه الله) عز وجل ( على من يشاء) من الكفار ( وإن الله جعله رحمة للمؤمنين) وشهادة كما في حديث آخر ( ليس من أحد يقع الطاعون فيمكث في بلده) الذي وقع به الطاعون
ولا يخرج منه حال أنه ( صابرًا محتسبًا يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له إلا كان له مثل أجر شهيد) وإن مات بغير الطاعون ولو في غير زمنه، وقد علم أن درجات الشهداء متفاوتة فيكون كمن خرج من بيته على نيّة الجهاد في سبيل الله فمات بسبب آخر غير القتل وفضل الله واسع ونية المرء أبلغ من عمله.

وهذا الحديث أخرجه أيضًا في التفسير والطب والقدر والنسائي في الطب وبقية مباحثه تأتي في محالها إن شاء الله تعالى بعون الله وقوّته.