فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب مناقب قريش

باب مَنَاقِبِ قُرَيْشٍ
( باب مناقب قريش) بالصرف على الأصح على إرادة الحي ويجوز عدمه على إرادة القبيلة، وهم من ولد النضر بن كنانة وهو الصحيح، أو من ولد فهر بن مالك بن النضر وهو قول الأكثر، وأول من نسب إلى قريش قصي بن كلاب وقيل غير ذلك وقيل سموا باسم دابة في البحر من أقوى دوابه لقوّتهم والتصغير للتعظيم.


[ قــ :3340 ... غــ : 3500 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: «كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ يُحَدِّثُ أَنَّهُ بَلَغَ مُعَاوِيَةَ -وَهْوَ عِنْدَهُ فِي وَفْدٍ مِنْ قُرَيْشٍ- أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَيَكُونُ مَلِكٌ مِنْ قَحْطَانَ، فَغَضِبَ مُعَاوِيَةُ، فَقَامَ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ رِجَالاً مِنْكُمْ يَتَحَدَّثُونَ أَحَادِيثَ لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَلاَ تُؤْثَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأُولَئِكَ جُهَّالُكُمْ، فَإِيَّاكُمْ وَالأَمَانِيَّ الَّتِي تُضِلُّ أَهْلَهَا، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: إِنَّ هَذَا الأَمْرَ فِي قُرَيْشٍ، لاَ يُعَادِيهِمْ أَحَدٌ إِلاَّ كَبَّهُ اللَّهُ عَلَى وَجْهِهِ، مَا أَقَامُوا الدِّينَ».
[الحديث 3500 - طرفه في: 7139] .

وبه قال: ( حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: ( أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة ( عن الزهري) محمد بن مسلم أنه ( قال: كان محمد بن جبير بن مطعم) النوفلي الثقة العارف بالنسب ( يحدث أنه بلغ معاوية) بن أبي سفيان -رضي الله عنهما- ( وهو) والحال أن محمد بن جبير ( عنده) والحال أنه ( في وفد من قريش أن عبد الله بن عمرو بن العاصي) بالياء بعد الصاد وفتح مرّة أن والعامل فيه قوله: بلغ ( يحدث أنه سيكون ملك) قيل اسمه جهجاه بن قيس الغفاري ( من قحطان) بفتح القاف وسكون الحاء وفتح الطاء المهملتين هم جماع اليمن ( فغضب معاوية) من قوله ذلك ( فقام) خطيبًا ( فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال: أما بعد فإنه بلغني أن رجالاً منكم يتحدثون أحاديث ليست في كتاب الله ولا تؤثر) بالمثناة الفوقية والمثلثة لا تروى ( عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأولئك جهالكم فإياكم والأماني التي تضل أهلها) بتشديد ياء الأماني جمع أمنية وهي المتمنيات، وما حكاه العيني من أن الأماني بمعنى التلاوة قال: وكان المعنى إياكم وقراءة ما في الصحف التي تؤثر عن أهل الكتاب وكان ابن عمرو قد قرأ التوراة ويحكي عن أهلها وإلاّ فلو حدّث عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم ينكر عليه معاوية لأنه لم يكن متهمًا معارض بما في البخاري من حديث أبي هريرة مرفوعًا من خروج القحطاني لكن سكوت عبد الله بن عمرو يشعر بأنه لم يكن عنده في ذلك حديث معروف ( فإني سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول) :
( إن هذا الأمر) أي الخلافة ( في قريش) يستحقولها دون غيرهم ( لا يعاديهم أحد) في ذلك ( إلا كبَّه الله على وجهه) وفي نسخة: أكبه بالهمزة وهذا الفعل من النوادر فإن ثلاثيه متعدّ فإذا دخلت عليه الهمزة صار لازمًا على عكس المعهود في الأصل ( ما أقاموا) أي مدة إقامتهم ( الدين)
أو أنهم إذا لم يقيموا الدين لا يسمع لهم، وهذا الذي أنكره معاوية على ابن عمر، وقد صح من حديث أن هريرة عند المؤلّف كما سيأتي قريبًا إن شاء الله تعالى عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه" ولا تناقض بين الحديثين لأن خروج هذا القحطاني إنما يكون هذا لم تقم قريش الدين فيدال عليهم في آخر الزمان واستحقاق قريش الخلافة لا يمنع وجودها في غيرهم، فحديث عبد الله في خروج القحطاني حكاية عن الواقع وحديث معاوية في الاستحقاق وهو مقيد بإقامة الدين ومن ثم لما استخف الخلفاء بأمر الدين ضعف أمرهم وتلاشت أحوالهم حتى لم يبق لهم من الخلافة سوى اسمها المجرد في بعض الأقطار دون أكثرها.

وقول الكرماني، فإن قلت: فما قولك في زماننا حيث ليس الحكومة لقريش؟ قلت: في بلاد المغرب الخلافة فيهم وكذا في مصر خليفة اعترضه العيني بأنه لم يكن في المغرب خليفة وليس في مصر إلا الاسم وليس له حل ولا ربط ثم قال: ولئن سلمنا صحة ما قاله فيلزم منه تعداد الخلافة ولا يجوز إلا خليفة واحد لأن الشارع أمر ببيعة الإمام والوفاء ببيعته ثم من نازعه يضرب عنقه.

هذا الحديث أخرجه المؤلف أيضًا في الأحكام والنسائي في التفسير.




[ قــ :3341 ... غــ : 3501 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لا يَزَالُ هَذَا الأَمْرُ فِي قُرَيْشٍ مَا بَقِيَ مِنْهُمُ اثْنَانِ».
[الحديث 3501 - طرفه في: 7140] .

وبه قال: ( حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: ( حدّثنا عاصم بن محمد قال: سمعت أبي) محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي القرشي يحدث ( عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال) :
( لا يزال هذا الأمر) أي الخلافة ( في قريش) يستحقونها ( ما بقي منهم اثنان) ولمسلم: ما بقي في الناس اثنان.
قال النووي: فيه دليل ظاهر على أن الخلافة مختصة بقريش لا يجوز عقدها لغيرهم، وعلى هذا انعقد الإجماع في زمان الصحابة ومن بعدهم ومن خالف فيه من أهل البدع فهو محجوج بإجماع الصحابة، وقد بيّن -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن الحكم مستمر إلى آخر الزمان ما بقي في الناس اثنان وقد ظهر ما قاله صلوات الله وسلامه عليه من زمنه وإلى الآن وإن كان المتغلبون من غير قريش ملكوا البلاد وقهروا العباد لكنهم معترفون بأن الخلافة في قريش فاسم الخلافة باق فيهم، فالمراد من الحديث مجرد التسمية بالخلافة لا الاستقلال بالحكم أو أن قوله لا يزال الخ ... خبر بمعنى الأمر.

وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الأحكام ومسلم في المغازي.




[ قــ :334 ... غــ : 350 ]
- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ: «مَشَيْتُ أَنَا وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْطَيْتَ بَنِي الْمُطَّلِبِ وَتَرَكْتَنَا، وَإِنَّمَا نَحْنُ وَهُمْ مِنْكَ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ.
فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ شَىْءٌ وَاحِدٌ».

وبه قال: ( حدّثنا يحيى بن بكير) المخزومي مولاهم المصري واسم أبيه عبد الله ونسب لجده لشهرته به قال: ( حدّثنا الليث) بن سعد الإمام ( عن عقيل) بضم العين ابن خالد الأيلي بهمزة مفتوحة فتحتية ساكنة فلام الأموي مولاهم ( عن ابن شهاب عن ابن المسيب) سعيد ( عن جبير بن مطعم) النوفلي أنه ( قال: مشيت أنا وعثمان بن عفان) وهو من بني عبد شمس وزاد في باب ومن الدليل على أن الخُمس للإمام من طريق عبد الله بن يوسف إلى رسول الله ( فقال:) أي عثمان وفي طريق عبد الله بن يوسف فقلنا ( يا رسول الله أعطيت بني المطلب وتركتنا) من العطاء ( وإنما نحن وهم منك بمنزلة واحدة) في الانتساب إلى عبد مناف لأن عبد شمس ونوفلاً وهاشمًا والمطلب بنوه ( فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد) ولأبي ذر عن الكشميهني: سيّ واحد بسين مهملة مكسورة وتشديد التحتية، وعزاها في الفتح للحموي يقال: هذا سيّ هذا أي مثله ونظيره، وفي رواية المروزي أحد بغير واو مع همزة الألف، واستشكله السفاقسي بأن لفظ أحد إنما يستعمل في النفي.
تقول: ما جاءني أحد وأما في الإثبات فتقول جاءني واحد.




[ قــ :334 ... غــ : 3503 ]
- وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي أَبُو الأَسْوَدِ مُحَمَّدٌ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: "ذَهَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ مَعَ أُنَاسٍ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ إِلَى عَائِشَةَ، وَكَانَتْ أَرَقَّ شَىْءٍ عَلَيْهِمْ، لِقَرَابَتِهِمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".
[الحديث 3503 - طرفاه في: 3505، 6073] .

( وقال الليث:) بن سعد مما وصله بعد عن عبد الله بن يوسف عن الليث ( حدّثني) بالإفراد ( أبو الأسود محمد) أي ابن عبد الرحمن ( عن عروة بن الزبير) بن العوّام أنه ( قال: ذهب عبد الله بن الزبير مع أناس من بني زهرة) بضم الزاي وسكون الهاء واسمه المغيرة بن كلاب بن مرة ( إلى عائشة وكانت أرق شيء) زاد أبو ذر عليهم ( لقرابتهم من رسول الله) من جهة أمه لأنها آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة ومن جهة قصي بن كلاب جد والد جد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأنهم إخوة قصي.




[ قــ :3343 ... غــ : 3504 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَعْدٍ ح.
قَالَ يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ أَبِيهِ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ هُرْمُزَ الأَعْرَجُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «قُرَيْشٌ وَالأَنْصَارُ وَجُهَيْنَةُ وَأَسْلَمُ وَأَشْجَعُ وَغِفَارُ مَوَالِيَّ، لَيْسَ لَهُمْ مَوْلًى دُونَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ».
[الحديث 3504 - طرفه في: 351] .

وبه قال: ( حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: ( حدّثنا سفيان) الثوري ( عن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ( ح) للتحويل مهملة وفي الفرع وأصله معجمة.

( قال يعقوب بن إبراهيم:) فيما وصله مسلم ولأبي ذر قال أبو عبد الله يعني البخاري، وقال يعقوب بن إبراهيم ( حدّثنا أبي) إبراهيم ( عن أبيه) سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أنه ( قال: حدّثني) بالإفراد ( عبد الرحمن بن هرمز الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه قال ( قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( قريش) بنو النضر أو فهر بن مالك بن النضر ( والأنصار) الأوس والخزرج ابنا حارثة بن ثعلبة ( وجهينة) بضم الجيم وفتح الهاء وسكون التحتية وفتح النون ابن زفر بن ليث بن سويد "ومزينة" بضم الميم وفتح الزاي وسكون التحتية وفتح النون قبيلة من مضر ( وأسلم) بلفظ أفعل التفضيل قبيلة أيضًا ( وأشجع) بالشين المعجمة الساكنة والجيم المفتوحة والعين المهملة قبيلة من غطفان ( وغفار) بكسر الغين المعجمة وفتح الفاء المخففة وبالراء من كنانة ( مواليّ) بفتح الميم وتشديد التحتية أي أنصاري المختصون بي وهو خبر المبتدأ الذي هو قريش وما بعده عطف عليه ( ليس لهم مولى) متكفل بمصالحهم متول لأمورهم، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: ليس لهم موال بالجمع والتخفيف ( دون الله) أي غير الله ( ورسوله) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.




[ قــ :3344 ... غــ : 3505 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: "كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ أَحَبَّ الْبَشَرِ إِلَى عَائِشَةَ بَعْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبِي بَكْرٍ، وَكَانَ أَبَرَّ النَّاسِ بِهَا، وَكَانَتْ لاَ تُمْسِكُ شَيْئًا مِمَّا جَاءَهَا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ إِلاَّ تَصَدَّقَتْ.
فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: يَنْبَغِي أَنْ يُؤْخَذَ عَلَى يَدَيْهَا، فَقَالَتْ: أَيُؤْخَذُ عَلَى يَدَيَّ؟ عَلَىَّ نَذْرٌ إِنْ كَلَّمْتُهُ.
فَاسْتَشْفَعَ إِلَيْهَا بِرِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ، وَبِأَخْوَالِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَاصَّةً، فَامْتَنَعَتْ.
فَقَالَ لَهُ الزُّهْرِيُّونَ أَخْوَالُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-مِنْهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ وَالْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ- إِذَا اسْتَأْذَنَّا فَاقْتَحِمِ الْحِجَابَ، فَفَعَلَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا بِعَشْرِ رِقَابٍ، فَأَعْتَقَتْهُمْ، ثُمَّ لَمْ تَزَلْ تُعْتِقُهُمْ حَتَّى بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ، فَقَالَتْ: وَدِدْتُ أَنِّي جَعَلْتُ -حِينَ حَلَفْتُ- عَمَلاً أَعْمَلُهُ فَأَفْرُغَ مِنْهُ".

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: ( حدّثنا الليث) بن سعد الإمام ( قال، حدّثنى) بالإفراد ( أبو الأسود) محمد بن عبد الرحمن بن نوفل بن خويلد أسد المدني يتيم عروة ( عن عروة بن الزبير) بن العوّام أنه ( قال: كان عبد الله بن الزبير) ابن أخت عائشة لأبيها أسماء بنت أبي بكر ( أحب البشر إلى) خالته ( عائشة بعد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبي بكر) -رضي الله عنه- ( وكان) عبد الله ( أبرّ الناس بها، وكانت) عائشة كريمة ( لا تمسك شيئًا مما جاءها من رزق الله) حال كونها ( تصدقت) به أو تصدقت استئناف.
وقال في الكواكب وفي بعضها: إلاّ تصدقت ( فقال ابن
الزبير:)
ابن أختها عبد الله ( ينبغي أن يؤخذ على يديها) أي تمنع من الإعطاء ويحجر عليها ( فقالت:) لما بلغها قوله ( أيؤخذ) وفي اليونينية ترك الهمزة في يؤخذ مع سكون الواو فيهما ( على يدي) بالتثنية وغضبت من ذلك فقالت ( عليّ نذر وإن كلمته) فلما بلغ عبد الله غضبها من قوله ونذرها خاف على نفسه ( فاستشفع إليها) لترضى عنه ( برجال من قريش) لم أقف على أسمائهم ( وبأخوال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) الزهريين ( خاصة فامتنعت) من ذلك ( فقال له،) لعبد الله ( الزهريون) المنسوبون إلى زهرة المذكور قريبًا ( أخوال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منهم:) أي من الزهريين ( عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث) بالغين المعجمة والمثلثة ابن وهب بن عبد مناف بن زهرة ( والمسور بن مخرمة) بالخاء المعجمة الساكنة بعد فتح الميم ابن نوفل بن أهيب بن عبد مناف ( إذا استأذنا) على عائشة في الدخول ( فاقتحم الحجاب) الستر الذي بين عائشة وبين الناس أي ارم نفسك من غير استئذان ولا رؤية ( ففعل) عبد الله ما قالوه له من الاقتحام ( فأرسل إليها) عبد الله لما قبلت شفاعتهم ( بعشر رقاب) لتعتق منهم ما شاءت كفارة ليمينها ( فأعتقتهم،) بتاء التأنيث لأبي ذر وبإسقاطها لغيره ( ثم لم تزل) عائشة ( تعتقهم) بضم أوله من أعتق ( حتى بلغت أربعين) رقبة احتياطًا، ومذهب الشافعية أن من قال: إن فعلت كذا فلله عليّ صح ويخيّر بين قربة من القرب والتعيين إليه وكفارة يمين.
ونص البويطي يقتضي أنه لا يصح ولا يلزمه شيء ( وقالت:) بالواو في الفرع وبالفاء في أصله ( وددت) بكسر الدال المهملة الأولى وسكون الثانية تمنيت ( أني جعلت حين حلفت عملاً أعمله فأفرغ منه) أي كأن كانت تقول بدل عليّ نذر عليّ إعتاق رقبة أو صوم شهر ونحوه من المعين حتى تكون كفارتها معلومة معينة تفرغ منها بالاتيان به بخلاف علي نذر فإنه مبهم يحتمل إطلاقه على أكثر مما فعلت فلم يطمئن قلبها بإعتاق رقبة أو رقبتين أو أكثر، وهذا منها -رضي الله عنها- مبالغة في كمال الاحتياط والاجتهاد في براءة الذمة على جهة اليقين، ولعلها لم يبلغها حديث مسلم: كفارة النذر كفارة يمين ونحوه ولو كان بلغها لم تفعل ذلك، وقوله: فأفرغ بالنصب في الفرع وأصله أي فإذا أفرغ ويجوز الرفع فأنا أفرغ.