فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم

باب صِفَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
( باب صفة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في خلقه بفتح الخاء وخلقه بضمها.


[ قــ :3381 ... غــ : 3542 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: "صَلَّى أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه- الْعَصْرَ ثُمَّ خَرَجَ يَمْشِي، فَرَأَى الْحَسَنَ يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ، فَحَمَلَهُ عَلَى عَاتِقِهِ.

     وَقَالَ : بِأَبِي شَبِيهٌ بِالنَّبِيِّ، لاَ شَبِيهٌ بِعَلِيٍّ.
وَعَلِيٌّ يَضْحَكُ".

[الحديث 3542 - طرفه في: 3750] .

وبه قال: ( حدّثنا أبو عاصم) الضحاك النبيل ( عن عمر بن سعيد بن أول حسين) بضم العين في الأول وكسرها في الثاني وضم الحاء مصغرًا في الثالث التوفلي القرشي ( عن ابن أبي مليكة) عبد الله ( عن عقبة بن الحرث) بن عامر القرشي أنه ( قال: صلّى أبو بكر) الصديق ( -رضي الله عنه- العصر ثم خرج يمشي) زاد الإسماعيلي بعد وفاة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بليال وعلي -رضي الله عنه- يمشي إلى جانبه ( فرأى) أي أبو بكر ( الحسن) بفتح الحاء ابن علي ( يلعب مع الصبيان) وكان عمره إذ ذاك سبع سنين ولعبه محمول على اللائق به إذ ذاك ( فحمله على عاتقه وقال: بأبي) وفي حاشية اليونيية وفرعها بأبي بأبي كذا مرقوم عليها علامة أبي ذر، والتصحيح ورقم اثنين بالعدد الهندي وظاهره التكرار مرتين أي أفديه أفديه هو ( شبيه بالنبي) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بسكون التحتية من النبي في الفرع مخففة وفي اليونينية بتشديدها ( لا شبيه بعلي) كذا بالسكون أيضًا في الفرع، وفي الأصل بالتشديد يعني أباه ( وعلي) أي والحال أن عليًّا ( يضحك) فيه إشعار بتصديقه له.

وهذا الحديث أخرجه أيضًا في فضل الحسن والنسائي في المناقب.




[ قــ :338 ... غــ : 3543 ]
- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَكَانَ الْحَسَنُ يُشْبِهُهُ".
[الحديث 3543 - طرفه في: 3544] .

وبه قال: ( حدّثنا أحمد بن يونس) اليربوعي الكوفي اسم أبيه عبد الله ونسبه لجدّه ( قال: حدّثنا زهير) بضم الزاي مصغرًا ابن معاوية الجعفي الكوفي قال: ( حدّثنا إسماعيل) ابن أبي خالد الأحمسي البجلي الكوفي ( عن أبي جحيفة) بضم الجيم وفتح الحاء المهملة وهب بن عبد الله السوائي بضم السين المهملة وبعد الواو ألف فهمزة ( -رضي الله عنه-) أنه ( قال: رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكان الحسن) بن عليّ ( يشبهه) فوافق أبو جحيفة الصديق، ووقع في حديث أنس في المناقب أن الحسين بضم الحاء كان أشبههم بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجمع بينهما بأن الحسن كان شبهه
بما بين الصدر إلى الرأس والحسين أسفل من ذلك.

وحديث الباب أخرجه مسلم في صفة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وفي فضائله، والترمذي في الاستئذان، والنسائي في المناقب.




[ قــ :3383 ... غــ : 3544 ]
- حَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جُحَيْفَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَانَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ - عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ - يُشْبِهُهُ.
.

قُلْتُ لأَبِي جُحَيْفَةَ: صِفْهُ لِي.
قَالَ: كَانَ أَبْيَضَ قَدْ شَمِطَ.
وَأَمَرَ لَنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِثَلاَثَ عَشْرَةَ قَلُوصًا.
قَالَ فَقُبِضَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبْلَ أَنْ نَقْبِضَهَا".

وبه قال: ( حدّثني) بالإفراد.
ولأبي ذر: حدّثنا كما في اليونينية ( عمرو بن علي) بفتح العين وسكون الميم الباهلي البصري الصيرفي قال: ( حدّثنا ابن فضيل) بضم الفاء مصغرًا هو محمد بن فضيل بن غزوان بفتح الغين المعجمة وسكون الزاي الضبي مولاهم أبو عبد الرحمن الكوفي قال: ( حدّثنا إسماعيل بن أبي خالد) الأحمسي مولاهم البجلي ( قال: سمعت أبا جحيفة) وهو وهب بن عبد الله ( -رضي الله عنه- قال: رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكان الحسن بن علي عليهما السلام) لو قال -رضي الله عنهما- لكان أوجه لما لا يخفى ( يشبهه) .
قال إسماعيل: ( قلت لأبي جحيفة: صفه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( لي.
قال: كان أبيض)
اللون ( قد شمط) بفتح الشين المعجمة وكسر الميم صار سواد شعره مخالطًا للبياض.
ولمسلم من طريق زهير عن أبي إسحاق عن أبي جحيفة رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهذه منه بيضاء وأشار إلى عنفقته ( وأمر لنا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي لأبي جحيفة وقومه من بني سواء على سبيل جائزة الوفد ( بثلاث عشرة) بسكون الشين وثلاث بغير تاء ( قلوصًا) بفتح القاف الأنثى من الإبل، وفي الأصول كلها من رواية أبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر: بثلاثة عشر بإثبات التاء بعد المثلثة وإسقاط التاء.
قال ابن مالك فيما نقله عنه اليونيني: صوابه بثلاث عشرة بحذف التاء من الثلاث وإثباتها في عشرة.
قال اليونيني: وأصلحت ما في الأصل على الصواب اهـ.

وقال في المصابيح: ولا يبعد التذكير على إرادة التأويل.

( قال) : أبو جحيفة ( فقُبض) بضم القاف توفي ( النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قبل أن نقبضها) بنون قبل القاف.

وزاد الإسماعيلي من طريق محمد بن فضيل بالإسناد المذكور فذهبنا نقبضها فأتانا موته فلم يعطونا شيئًا، فلما قام أبو بكر قال: من كانت له عند رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عدّة فليجئ فقمت إليه فأخبرته فأمر لنا بها.




[ قــ :3384 ... غــ : 3545 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ وَهْبٍ أَبِي جُحَيْفَةَ السُّوَائِيِّ قَالَ: "رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَرَأَيْتُ بَيَاضًا مِنْ تَحْتِ شَفَتِهِ السُّفْلَى الْعَنْفَقَةَ".

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن رجاء) الغداني بغين معجمة مضمومة ودال مهملة مخففة
البصري قال: ( حدّثنا إسرائيل) بن يونس ( عن) جده ( أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي الكوفي ( عن وهب) بالتنوين ( أبي جحيفة) بن عبد الله ( السوائي) بضم السين وبالهمزة أنه ( قال: رأيت النبي) ولأبي الوقت: رسول الله ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ورأيت بياضًا) في شعره ( من تحت شفته السفلى العنفقة) نصب بدل من بياضًاً، ويجوز الجرّ بدلاً من الشفة وهي ما بين الذقن والشفة السفلى سواء كان عليها شعر أم لا وتطلق على الشعر أيضًا.




[ قــ :3385 ... غــ : 3546 ]
- حَدَّثَنَا عِصَامُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا حَرِيزُ بْنُ عُثْمَانَ أَنَّهُ: "سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ بُسْرٍ صَاحِبَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: أَرَأَيْتَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: كَانَ شَيْخًا؟ قَالَ: كَانَ فِي عَنْفَقَتِهِ شَعَرَاتٌ بِيضٌ".

وبه قال: ( حدّثنا عصام بن خالد) بكسر العين المهملة بعدها صاد مهملة أبو إسحاق الحمصي الحضرمي قال: ( حدّثنا حريز بن عثمان) بفتح الحاء المهملة وكسر الراء وسكون التحتية بعدها زاي معجمة من صغار التابعين ( أنه سأل عبد الله بن بسر) بضم الموحدة وسكون السين المهملة المازني ( صاحب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: أرأيت) بهمزة الاستفهام ( النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) نصب على المفعولية ( كان شيخًا) نصب خبر كان كذا في الفرع، وجوّزوا كون أرأيت بمعنى أخبرني والنبي رفع على الابتداء.
وقوله: كان شيخًا خبره وهو استفهام محذوف الأداة.
وعند الإسماعيلي قلت: شيخ كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أم شاب؟ وهو يؤيد القول الأخير ( قال: كان في عنفقته شعرات بيض) أي لا تزيد على عشرة لإيراده بصيغة جمع القلة وقيل إنها كانت سبع عشرة شعرة.

وهذا الحديث هو الثالث عشر من ثلاثياته وهو من أفراده.




[ قــ :3386 ... غــ : 3547 ]
- حَدَّثَنا ابْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنا اللَّيْثُ عَنْ خَالِدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلاَلٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: "سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَصِفُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: كَانَ رَبْعَةً مِنَ الْقَوْمِ، لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلاَ بِالْقَصِيرِ، أَزْهَرَ اللَّوْنِ، لَيْسَ بِأَبْيَضَ أَمْهَقَ وَلاَ آدَمَ، لَيْسَ بِجَعْدٍ قَطَطٍ وَلاَ سَبْطٍ رَجِلٍ.
أُنْزِلَ عَلَيْهِ وَهْوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ، فَلَبِثَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ يُنْزَلُ عَلَيْهِ، وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ، وَقُبِضَ وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعَرَةً بَيْضَاءَ.
قَالَ رَبِيعَةُ: فَرَأَيْتُ شَعَرًا مِنْ شَعَرِهِ فَإِذَا هُوَ أَحْمَرُ، فَسَأَلْتُ، فَقِيلَ: احْمَرَّ مِنَ الطِّيبِ".
[الحديث 3547 - طرفاه في: 3548، 5900] .

وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (ابن بكير) بضم الموحدة مصغرًا وهو يحيى بن عبد الله بن بكير (قال: حدّثني) بالإفراد (الليث) بن سعد الإمام (عن خالد) هو ابن يزيد الجمحي الإسكندراني (عن سعيد بن أبي هلال) الليثي المدني (عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن) الفقيه المدني المشهور بربيعة الرأي أنه (قال: سمعت أنس بن مالك) -رضي الله عنه- حال كونه (يصف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(كان ربعة القوم) بفتح الراء وسكون الموحدة أي مربوعًا والتأنيث باعتبار النفس وفسره بقوله: {ليس بالطويل ولا بالقصير) وزاد البيهقي عن عليّ وهو إلى الطول أقرب.
وعن عائشة: لم يكن بالطويل البائن ولا بالقصير المتردد وكان ينسب إلى الربعة إذا مشى وحده ولم يكن على حال يماشيه أحد من الناس ينسب إلى الطول إلاّ طاله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولربما اكتنفه الرجلان الطويلان فيطولهما فإذا فارقاه نسب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى الربعة.
رواه ابن عساكر والبيهقي.
(أزهر اللون) أبيض مشربًا بحمرة كان صرح به في حديث أنس من وجه آخر عند مسلم، والإشراب خلط لون بلون كأن أحد اللونين سقى الآخر.
يقال بياض مشرب بحمرة بالتخفيف فإذا شدد كان للتكثير والمبالغة وهو أحسن الألوان.
(ليس بأبيض أمهق) بهمزة مفتوحة وميم ساكنة وهاء مفتوحة ثم قاف أي ليس بأبيض شديد البياض كلون الجص (ولا آدم) بالمد أي ولا شديد السمرة وإنما يخالط بياضه الحمرة، والعرب تطلق على كل من كان كذلك أسمر كما في حديث أنس المروي عند أحمد والبزار وابن منده بإسناد صحيح أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان أسمر، والمراد بالسمرة الحمرة التي تخالط البياض (ليس) شعره (بجعد) بفتح الجيم وسكون العين المهملة ولا (قطط) بالقاف وكسر الطاء الأولى وفتحها ولا شديد الجعودة كشعر السودان (ولا سبط) بفتح السين المهملة وكسر الموحدة، ولغير أبي ذر بسكونها من السبوطة ضد الجعودة أي ولا مسترسل فهو متوسط بين الجعودة والسبوطة (رجل) بفتح الراء وكسر الجيم والجر كذا في الفرع وأصله، وعزاها في فتح الباري للأصيلي.
قيل: وهو وهم إذ لا يصح أن يكون وصفًا للسبط المنفي عن صفة شعره عليه الصلاة والسلام، وفي غير الفرع وأصله رجل بالرفع مبتدأ أو خبر أي هو رجل يعني مسترسل (أنزل عليه) الوحي (وهو ابن أربعين) سنة سواء وذلك إنما يستقيم على القول بأنه ولد في شهر ربيع وهو المشهور وبعث فيه (فلبث بمكة عشر سنين ينزل عليه) الوحي (وبالمدينة عشر سنين) قيل مقتضاه أنه عاش ستين سنة.

قال الزركشي: هذا قول أنس.
والصحيح أنه أقام بمكة ثلاث عشرة لأنه توفي وعمره ثلاث وستون سنة.
وأجاب في المصابيح: بأن أنسًا لم يقتصر على قوله فلبث بمكة عشر سنين بل قال: فلبث بمكة عشر سنين ينزل عليه الوحي، وهذا لا ينافي أن يكون أقام بها أكثر من هذه المدة ولكنه لم ينزل عليه إلا في العشر، ولا يخفى أن الوحي فَنَر في ابتدائه سنتين ونصفًا وأنه أقام ستة أشهر في ابتدائه يرى الرؤيا الصالحة فهذه ثلاث سنين لم يوح إليه في بعضها أصلاً، وأوحي إليه في بعضها منامًا، فيحمل قول أنس على أنه لبث بمكة ينزل عليه الوحي في اليقظة عشر سنين واستقام الكلام، لكن يقدح في هذا الجمع قوله في حديث أنس من طريق إسماعيل عن مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن في باب الجعد وتوفاه على رأس ستين سنة، ويأتي إن شاء الله تعالى في الوفاة آخر المغازي بعون الله تعالى وقوته ما في ذلك.

(وليس) ولأبي ذر عن الكشميهني فقبض وليس (في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء) أي بل دون ذلك.

وفي حديث عبد الله بن بسر السابق قريبًا كان في عنفقته شعرات بيض بصيغة جمع القلة وجمع القلة لا يزيد على عشرة لكنه خصه بعنفقته الكريمة.
فيحتمل أن يكون الزائد على ذلك في صدغيه كما في حديث البراء لكن في حديث أنس من طريق حميد قال: لم يبلغ ما في لحيته من الشيب عشرين شعرة.
قال حميد: وأومأ إلى عنفقته سبع عشرة.
رواه ابن سعد بإسناد صحيح، وعنده أيضًا بإسناد صحيح عن أنس من طريق ثابت: ما كان في رأس النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولحيته إلا سبع عشرة شعرة أو ثماني عشرة.

(قال ربيعة) بن أبي عبد الرحمن بالسند المذكور (فرأيت شعرًا من شعره) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فإذا هو أحمر فسألت) هل خضب عليه الصلاة والسلام (فقيل) لي إنما (احمرّ من الطيب) قيل: المسؤول المجيب بذلك أنس بن مالك -رضي الله عنه-، واستدلّ له بأن عمر بن عبد العزيز قال لأنس: هل خضب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فإني رأيت شعرًا من شعره قد لوّن؟ فقال: إنما هذا الذي لوّن من الطيب الذي كان يطيب به شعره فهو الذي غيّر لونه، فيحتمل أن يكون ربيعة سأل أنسًا عن ذلك فأجابه قاله الحافظ ابن حجر وتبعه العيني فليتأمل.

وهذا الحديث أخرجه أيضًا في اللباس، ومسلم في فضائل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، والترمذي في المناقب، والنسائي في الزينة.




[ قــ :3387 ... غــ : 3548 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ وَلاَ بِالْقَصِيرِ، وَلاَ بِالأَبْيَضِ الأَمْهَقِ وَلَيْسَ بِالآدَمِ، وَلَيْسَ بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ وَلاَ بِالسَّبْطِ.
بَعَثَهُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ، فَتَوَفَّاهُ اللَّهُ وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ".

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: ( أخبرنا مالك بن أنس) إمام دار الهجرة الأصبحي ( عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن) الرأي ( عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-) سقط ابن مالك لأبي ذر ( أنه سمعه يقول) :
( كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليس بالطويل البائن) قال البيضاوي: أي الظاهر البيّن طوله من بان إذا ظهر، وقال ابن الأثير: أي المفرط طولاً ( ولا بالقصير ولا بالأبيض الأمهق) الكريه البياض بل كان أزهر اللون أي أبيض مشربًا بحمرة ( وليس بالآدم) بالمد أي الشديد السمرة ( وليس) شعره ( بالجعد القطط) الشديد الجعودة ( ولا بالسبط) بسكون الموحدة ولأبي ذر: السبط بكسرها ولا بالمسترسل بل كان وسطًا بينهما ( بعثه الله على رأس أربعين سنة) وهذا يتجه على القول بأنه ولد في ربيع الأول وبعث في رمضان فيكون له تسع وثلاثون سنة ونصف ويكون قد ألغى الكسر ( فأقام بمكة عشر سنين) أي يوحى إليه ( وبالمدينة عشر سنين فتوفاه الله) عز وجل ( وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء) .




[ قــ :3388 ... غــ : 3549 ]
- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ يَقُولُ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَحْسَنَ النَّاسِ وَجْهًا، وَأَحْسَنَهُ خَلْقًا، لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ وَلاَ بِالْقَصِيرِ".

وبه قال: ( حدّثنا أحمد بن سعيد أبو عبد الله) المروزي الرباطي الأشقر قال: ( حدّثنا إسحاق بن منصور) السلولي بفتح المهملة بولاهم أبو عبد الرحمن قال: ( حدّثنا إبراهيم بن يوسف عن أبيه) يوسف بن إسحاق ( عن) جده ( أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي أنه ( قال: سمعت البراء) بن عازب -رضي الله عنه- ( يقول) :
( كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أحسن الناس وجهًا وأحسنه) قال البرماوي الكرماني وفي بعضها وأحسنهم ( خلقًا) بضم الخاء المعجمة وسكون اللام كذا في الفرع وفي اليونينية بفتح الخاء المعجمة وسكون اللام وفي غيرها بضم الخاء واللام أيضًا، وفي فتح الباري بفتح المعجمة للأكثر.
وقال الكرماني: انه الأصح، وضبطه ابن التين بضم أوله، وعند الإسماعيلي خَلقًا أو خُلقًا بالشك، والخلق بالضم الطبع والسجية ( ليس بالطويل البائن) المفرط في الطول فهو اسم فاعل من بان أي ظهر أو من بان أي فارق سواه بإفراط طوله ( ولا بالقصير) بل كان ربعة.

وهذا الحديث أخرجه مسلم في فضائل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.




[ قــ :3389 ... غــ : 3550 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: "سَأَلْتُ أَنَسًا: هَلْ خَضَبَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: لاَ، إِنَّمَا كَانَ شَىْءٌ فِي صُدْغَيْهِ".
[الحديث 3550 - طرفاه في: 5894، 5895] .

وبه قال: ( حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: ( حدّثنا همام) بفتح الهاء وتشديد الميم الأولى ابن يحيى بن دينار العوذي بفتح العين المهملة وسكون الواو وكسر الذال المعجمة ( عن قتادة) بن دعامة أنه ( قال: سألت أنسًا) -رضي الله عنه- ( هل خضب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟) شعره ( قال: لا) لم يخضب ( إنما كان شيء) قليل من الشيب ( في صدغيه) بضم الصاد وإسكان الدال المهملتين بعدهما معجمة وبالتثنية ما بين الأذن والعين ويطلق على الشعر المتدلي من الرأس في ذلك الموضع أي فلم يحتج إلى أن يخضب، وهذا كما نبه عليه في الفتح مغاير للحديث السابق أن الشيب كان في عنفقته، وجمع بينهما بحديث مسلم عن أنس لم يخضب -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وإنما كان البياض في عنفقته وفي الصدغين وفي الرأس نبذ أي متفرق.
قال: وعرف من مجموع ذلك أن الذي شاب من عنفقته أكثر مما شاب من غيره.

وهذا الحديث أخرجه النسائي في الزينة.




[ قــ :3390 ... غــ : 3551 ]
- حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرْبُوعًا بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، لَهُ شَعَرٌ يَبْلُغُ شَحْمَةَ أُذُنَيهِ، رَأَيْتُهُ.

فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ لَمْ أَرَ شَيْئًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ".
.

     وَقَالَ  يُوسُفُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِيهِ "إِلَى مَنْكِبَيْهِ".
[الحديث 3551 - طرفاه في: 5848، 5901] .

وبه قال: ( حدّثنا حفص بن عمر) بن الحرث بن سخبرة الحوضي النمري البصري قال: ( حدّثنا شعبة) بن الحجاج ( عن أبي إسحاق) عمرو السبيعي ( عن البراء بن عازب -رضي الله عنهما-) سقط ابن عازب لأبي ذر أنه ( قال) :
( كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مربوعًا) يقال رجل ربعة ومربوع إذا كان بين الطويل والقصير ( بعيد ما بين المنكبين) أي عريض أعلى الظهر ( له شعر) في رأسه ( يبلغ شحمة أذنيه) بالتثنية لأبي ذر عن الكشميهني ولغيره أذنه ( رأيته في حلة) قال في القاموس: الحلة بالضم إزار ورداء ولا يكون حلة إلا من ثوبين أو ثوب له بطانة ( حمراء) أي منسوجة بخطوط حمر مع سواد كسائر البرود اليمنية وليست كلها حمراء لأن الأحمر البحت منهي عنه أشدّ النهي، ومبحث ذلك يأتي إن شاء الله تعالى في موضعه من اللباس بعون الله وقوّته.
( لم أر شيئًا قط أحسن منه) إذ حقيقة الحسن الكامل فيه لأنه الذي تم معناه دون غيره.

( قال) ولأبي ذر: وقال ( يوسف بن أبي إسحاق) نسبة لجده واسم أبيه إسحاق بن أبي إسحاق السبيعي ( عن أبيه) الضمير يرجع إلى إسحاق لا إلى يوسف لأن يوسف لا يروي إلا عن جده أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي أو ذكر الأب مجازًا في روايته عن البراء ( إلى منكبيه) بالتثنية أي تبلغ الجمة إلى منكبيه.

وهذا الحديث أخرجه أيضًا في اللباس، ومسلم في الفضائل، وأبو داود في اللباس، والترمذي في الاستئذان والأدب، والنسائي في الزينة.