فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب قصة البيعة، والاتفاق على عثمان بن عفان وفيه مقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنهما

باب قِصَّةُ الْبَيْعَةِ، وَالاِتِّفَاقُ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ -رضي الله عنه- وَفِيهِ مَقْتَلُ عُمَرَ بْنِ الخَطَابِ -رضي الله عنهما-
( باب) ذكر ( قصة البيعة) بعد عمر بن الخطاب ( و) ذكر ( الاتفاق على) تقديم ( عثمان بن عفان) -رضي الله عنه- في الخلافة على غيره ولفظ باب ثابت لأبي ذر ساقط لغيره فالقصة والاتفاق رفع، وسقط الباب والترجمة للكشميهني والمستملي ( وفيه) أي في الباب ( مقتل عمر -رضي الله عنهما-) وسقط قوله وفيه الخ للكشميهني والمستملي.


[ قــ :3530 ... غــ : 3700 ]
- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: "رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- قَبْلَ أَنْ يُصَابَ بِأَيَّامٍ بِالْمَدِينَةِ وَقَفَ عَلَى حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ وَعُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ: كَيْفَ فَعَلْتُمَا؟ أَتَخَافَانِ أَنْ تَكُونَا قَدْ حَمَّلْتُمَا الأَرْضَ مَا لاَ تُطِيقُ؟ قَالاَ: حَمَّلْنَاهَا أَمْرًا هِيَ لَهُ مُطِيقَةٌ، مَا فِيهَا كَبِيرُ فَضْلٍ.
قَالَ: انْظُرَا أَنْ تَكُونَا حَمَّلْتُمَا الأَرْضَ مَا لاَ تُطِيقُ.
قَالاَ: لاَ.
فَقَالَ عُمَرُ: لَئِنْ سَلَّمَنِي اللَّهُ لأَدَعَنَّ أَرَامِلَ أَهْلِ الْعِرَاقِ لاَ يَحْتَجْنَ إِلَى رَجُلٍ بَعْدِي أَبَدًا.
قَالَ: فَمَا أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ رَابِعَةٌ حَتَّى أُصِيبَ.
قَالَ: إِنِّي لَقَائِمٌ مَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِلاَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ غَدَاةَ أُصِيبَ -وَكَانَ إِذَا مَرَّ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ قَالَ: اسْتَوُوا، حَتَّى إِذَا لَمْ يَرَ فِيهِنَّ خَلَلاً تَقَدَّمَ فَكَبَّرَ، وَرُبَّمَا قَرَأَ سُورَةَ يُوسُفَ أَوِ النَّحْلَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى حَتَّى يَجْتَمِعَ النَّاسُ فَمَا هُوَ إِلاَّ أَنْ كَبَّرَ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: قَتَلَنِي -أَوْ أَكَلَنِي- الْكَلْبُ، حِينَ طَعَنَهُ، فَطَارَ الْعِلْجُ بِسِكِّينٍ ذَاتِ طَرَفَيْنِ، لاَ يَمُرُّ عَلَى أَحَدٍ يَمِينًا وَلاَ شِمَالاً إِلاَّ طَعَنَهُ، حَتَّى طَعَنَ ثَلاَثَةَ عَشَرَ رَجُلاً
مَاتَ مِنْهُمْ سَبْعَةٌ.
فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ طَرَحَ عَلَيْهِ بُرْنُسًا، فَلَمَّا ظَنَّ الْعِلْجُ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ نَحَرَ نَفْسَهُ.
وَتَنَاوَلَ عُمَرُ يَدَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَقَدَّمَهُ، فَمَنْ يَلِي عُمَرَ فَقَدْ رَأَى الَّذِي أَرَى،.
وَأَمَّا نَوَاحِي الْمَسْجِدِ فَإِنَّهُمْ لاَ يَدْرُونَ غَيْرَ أَنَّهُمْ قَدْ فَقَدُوا صَوْتَ عُمَرَ وَهُمْ يَقُولُونَ: سُبْحَانَ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ.
فَصَلَّى بِهِمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ صَلاَةً خَفِيفَةً، فَلَمَّا انْصَرَفُوا قَالَ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، انْظُرْ مَنْ قَتَلَنِي.
فَجَالَ سَاعَةً، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: غُلاَمُ الْمُغِيرَةِ.
قَالَ: الصَّنَعُ؟ قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: قَاتَلَهُ اللَّهُ، لَقَدْ أَمَرْتُ بِهِ مَعْرُوفًا، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَجْعَلْ مَنِيَّتِي بِيَدِ رَجُلٍ يَدَّعِي الإِسْلاَمَ، قَدْ كُنْتَ أَنْتَ وَأَبُوكَ تُحِبَّانِ أَنْ تَكْثُرَ الْعُلُوجُ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَ الْعَبَّاسُ أَكْثَرَهُمْ رَقِيقًا.
فَقَالَ: إِنْ شِئْتَ فَعَلْتُ -أَىْ إِنْ شِئْتَ قَتَلْنَا.
قَالَ: كَذَبْتَ، بَعْدَ مَا تَكَلَّمُوا بِلِسَانِكُمْ، وَصَلَّوْا قِبْلَتَكُمْ، وَحَجُّوا حَجَّكُمْ؟ فَاحْتُمِلَ إِلَى بَيْتِهِ، فَانْطَلَقْنَا مَعَهُ، وَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ تُصِبْهُمْ مُصِيبَةٌ قَبْلَ يَوْمَئِذٍ: فَقَائِلٌ يَقُولُ: لاَ بَأْسَ، وَقَائِلٌ يَقُولُ: أَخَافُ عَلَيْهِ.
فَأُتِيَ بِنَبِيذٍ فَشَرِبَهُ فَخَرَجَ مِنْ جَوْفِهِ.
ثُمَّ أُتِيَ بِلَبَنٍ فَشَرِبَهُ, فَخَرَجَ مِنْ جُرْحِهِ، فَعَلِمُوا أَنَّهُ مَيِّتٌ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ، وَجَاءَ النَّاسُ يُثْنُونَ عَلَيْهِ.
وَجَاءَ رَجُلٌ شَابٌّ فَقَالَ: أَبْشِرْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِبُشْرَى اللَّهِ لَكَ، مِنْ صُحْبَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَقَدَمٍ فِي الإِسْلاَمِ مَا قَدْ عَلِمْتَ، ثُمَّ وَلِيتَ فَعَدَلْتَ، ثُمَّ شَهَادَةٌ.
قَالَ: وَدِدْتُ أَنَّ ذَلِكَ كَفَافٌ لاَ عَلَيَّ وَلاَ لِي.
فَلَمَّا أَدْبَرَ إِذَا إِزَارُهُ يَمَسُّ الأَرْضَ، قَالَ: رُدُّوا عَلَيَّ الْغُلاَمَ.
قَالَ: يا ابْنَ أَخِي، ارْفَعْ ثَوْبَكَ، فَإِنَّهُ أَبْقَى لِثَوْبِكَ وَأَنْقَى لِرَبِّكَ.
يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، انْظُرْ مَا عَلَيَّ مِنَ الدَّيْنِ.
فَحَسَبُوهُ فَوَجَدُوهُ سِتَّةً وَثَمَانِينَ أَلْفًا أَوْ نَحْوَهُ.
قَالَ: إِنْ وَفَى لَهُ مَالُ آلِ عُمَرَ فَأَدِّهِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَإِلاَّ فَسَلْ فِي بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ، فَإِنْ لَمْ تَفِ أَمْوَالُهُمْ فَسَلْ فِي قُرَيْشٍ، وَلاَ تَعْدُهُمْ إِلَى غَيْرِهِمْ، فَأَدِّ عَنِّي هَذَا الْمَالَ.
انْطَلِقْ إِلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَقُلْ: يَقْرَأُ عَلَيْكِ عُمَرُ السَّلاَمَ -وَلاَ تَقُلْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنِّي لَسْتُ الْيَوْمَ لِلْمُؤْمِنِينَ أَمِيرًا- وَقُلْ: يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ يُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيْهِ.
فَسَلَّمَ وَاسْتَأْذَنَ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهَا فَوَجَدَهَا قَاعِدَةً تَبْكِي فَقَالَ: يَقْرَأُ عَلَيْكِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ السَّلاَمَ وَيَسْتَأْذِنُ أَنْ يُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيْهِ.
فَقَالَتْ: كُنْتُ أُرِيدُهُ لِنَفْسِي، وَلأُوثِرَنَّ بِهِ الْيَوْمَ عَلَى نَفْسِي.
فَلَمَّا أَقْبَلَ قِيلَ: هَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَدْ جَاءَ.
قَالَ: ارْفَعُونِي.
فَأَسْنَدَهُ رَجُلٌ إِلَيْهِ فَقَالَ: مَا لَدَيْكَ؟ قَالَ: الَّذِي تُحِبُّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَذِنَتْ.
قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، مَا كَانَ مِنْ شَىْءٍ أَهَمُّ إِلَىَّ مِنْ ذَلِكَ، فَإِذَا أَنَا قَضَيْتُ احْمِلُونِي، ثُمَّ سَلِّمْ فَقُلْ: يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَإِنْ أَذِنَتْ لِي فَأَدْخِلُونِي، وَإِنْ رَدَّتْنِي رُدُّونِي إِلَى مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ.
وَجَاءَتْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ حَفْصَةُ وَالنِّسَاءُ تَسِيرُ مَعَهَا، فَلَمَّا رَأَيْنَاهَا قُمْنَا، فَوَلَجَتْ عَلَيْهِ فَبَكَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً، وَاسْتَأْذَنَ الرِّجَالُ، فَوَلَجَتْ دَاخِلاً لَهُمْ، فَسَمِعْنَا بُكَاءَهَا مِنَ الدَّاخِلِ.
فَقَالُوا: أَوْصِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، اسْتَخْلِفْ.
قَالَ: مَا أَجِدُ أَحَقَّ بِهَذَا الأَمْرِ مِنْ هَؤُلاَءِ النَّفَرِ -أَوِ الرَّهْطِ- الَّذِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ عَنْهُمْ رَاضٍ: فَسَمَّى عَلِيًّا وَعُثْمَانَ وَالزُّبَيْرَ وَطَلْحَةَ وَسَعْدًا
وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ،.

     وَقَالَ : يَشْهَدُكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَلَيْسَ لَهُ مِنَ الأَمْرِ -كَهَيْئَةِ التَّعْزِيَةِ لَهُ- فَإِنْ أَصَابَتِ الإِمْرَةُ سَعْدًا فَهْوَ ذَاكَ، وَإِلاَّ فَلْيَسْتَعِنْ بِهِ أَيُّكُمْ مَا أُمِّرَ، فَإِنِّي لَمْ أَعْزِلْهُ عَنْ عَجْزٍ وَلاَ خِيَانَةٍ.

     وَقَالَ : أُوصِي الْخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِي بِالْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ، أَنْ يَعْرِفَ لَهُمْ حَقَّهُمْ، وَيَحْفَظَ لَهُمْ حُرْمَتَهُمْ.
وَأُوصِيهِ بِالأَنْصَارِ خَيْرًا، الَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ، أَنْ يُقْبَلَ مِنْ مُحْسِنِهِمْ، وَأَنْ يُعْفَى عَنْ مُسِيئِهِمْ.
وَأُوصِيهِ بِأَهْلِ الأَمْصَارِ خَيْرًا، فَإِنَّهُمْ رِدْءُ الإِسْلاَمِ، وَجُبَاةُ الْمَالِ وَغَيْظُ الْعَدُوِّ، وَأَنْ لاَ يُؤْخَذَ مِنْهُمْ إِلاَّ فَضْلُهُمْ عَنْ رِضَاهُمْ.
وَأُوصِيهِ بِالأَعْرَابِ خَيْرًا، فَإِنَّهُمْ أَصْلُ الْعَرَبِ، وَمَادَّةُ الإِسْلاَمِ، أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ حَوَاشِي أَمْوَالِهِمْ وَيُرَدَّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ.
وَأُوصِيهِ بِذِمَّةِ اللَّهِ وَذِمَّةِ رَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَنْ يُوفَى لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ، وَأَنْ يُقَاتَلَ مِنْ وَرَائِهِمْ، وَلاَ يُكَلَّفُوا إِلاَّ طَاقَتَهُمْ.
فَلَمَّا قُبِضَ خَرَجْنَا بِهِ فَانْطَلَقْنَا نَمْشِي فَسَلَّمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ: يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ.
قَالَتْ: أَدْخِلُوهُ.
فَأُدْخِلَ، فَوُضِعَ هُنَالِكَ مَعَ صَاحِبَيْهِ.
فَلَمَّا فُرِغَ مِنْ دَفْنِهِ اجْتَمَعَ هَؤُلاَءِ الرَّهْطُ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: اجْعَلُوا أَمْرَكُمْ إِلَى ثَلاَثَةٍ مِنْكُمْ.
فَقَالَ الزُّبَيْرُ: قَدْ جَعَلْتُ أَمْرِي إِلَى عَلِيٍّ.
فَقَالَ طَلْحَةُ: قَدْ جَعَلْتُ أَمْرِي إِلَى عُثْمَانَ،.

     وَقَالَ  سَعْدٌ: قَدْ جَعَلْتُ أَمْرِي إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ.
فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَيُّكُمَا تَبَرَّأَ مِنْ هَذَا الأَمْرِ فَنَجْعَلُهُ إِلَيْهِ، وَاللَّهُ عَلَيْهِ وَالإِسْلاَمُ لَيَنْظُرَنَّ أَفْضَلَهُمْ فِي نَفْسِهِ؟ فَأُسْكِتَ الشَّيْخَانِ.
فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَفَتَجْعَلُونَهُ إِلَىَّ وَاللَّهُ عَلَىَّ أَنْ لاَ آلُوَ عَنْ أَفْضَلِكُمْ؟ قَالاَ: نَعَمْ.
فَأَخَذَ بِيَدِ أَحَدِهِمَا فَقَالَ: لَكَ قَرَابَةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْقَدَمُ فِي الإِسْلاَمِ مَا قَدْ عَلِمْتَ، فَاللَّهُ عَلَيْكَ لَئِنْ أَمَّرْتُكَ لَتَعْدِلَنَّ، وَلَئِنْ أَمَّرْتُ عُثْمَانَ لَتَسْمَعَنَّ وَلَتُطِيعَنَّ.
ثُمَّ خَلاَ بِالآخَرِ فَقَالَ: لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ.
فَلَمَّا أَخَذَ الْمِيثَاقَ قَالَ: ارْفَعْ يَدَكَ يَا عُثْمَانُ، فَبَايَعَهُ، فَبَايَعَ لَهُ عَلِيٌّ، وَوَلَجَ أَهْلُ الدَّارِ فَبَايَعُوهُ".

وبه قال: ( حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: ( حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري ( عن حصين) بضم الحاء مصغرًا ابن عبد الرحمن الكوفي ( عن عمرو بن ميمون) بفتح العين الأودي أنه ( قال: رأيت عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قبل أن يصاب) بالقتل ( بأيام) أربعة ( بالمدينة) الشريفة ( وقف) ولأبى ذر عن الكشميهني: ووقف ( على حذيفة بن اليمان) صاحب سر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( وعثمان بن حنيف) بضم الحاء المهملة وفتح النون آخره فاء مصغرًا ابن وهب الأنصاري الصحابي - رضي الله تعالى عنهما -، وكان عمر قد بعثهما يضربان على أرض السواد الخراج وعلى أهلها الجزية ( قال) عمر لهما: ( كيف فعلتما) في أرض سواد العراق حين توليتما مسحها ( أتخافان أن تكونا قد حملتما الأرض) المذكورة من الخراج ( ما لا تطيق؟) حمله ( قالا) : مجيبين له قد ( حملناها) أي الأرض ( أمرًا هي له مطبقة ما فيها كبير فضل) بالموحدة لا بالمثلثة ( قال) عمر -رضي الله عنهما- لهما: ( انظرا) أي احذرا ( أن تكونا حملتما الأرض ما لا تطيق.
قل)
عمر بن ميمون ( قالا) : أي حذيفة وابن حنيف ( لا) ما حملناها فوق طاقتها ( فقال عمر: لئن سلمني الله تعالى
لأدعن أرامل أهل العراق لا يحتجن إلى رجل بعدي أبدًا.
قال: فما أتت عليه إلا رابعة)
أي صبيحة رابعة ( حتى أصيب) بالطعن بالسكين ( قال) عمرو بن ميمون: ( إني لقائم) في الصف انتظر صلاة الصبح ( ما بيني وبينه إلا عبد الله بن عباس غداة أصيب) بنصب غداة على الظرف مضافًا إلى الجملة أي صبيحة الطعن ( وكان) -رضي الله عنه- ( إذا مر بين الصفين قال) للناس: ( استووا حتى إذا لم ير فيهن) أي الصفوف ولأبي ذر عن الكشميهني فيهم بالميم بدل النون أي أهل الصفوف ( خللاً تقدم فكبر) تكبيرة الإحرام ( وربما قرأ سورة يوسف أو النحل أو نحو ذلك) ولأبي ذر بسورة يوسف أو النحل بموحدة قبل السين أو نحو ذلك ( في الركعة الأولى) والشك من الراوي ( حتى يجتمع الناس) للصلاة ( فما هو إلا أن كبّر) للإحرام ( فسمعته يقول: قتلني أو أكلني الكلب حين طعنه) أبو لؤلؤة فيروز العلج غلام المغيرة بن شعبة والشك من الراوي، وقيل ظن أنه كلب عضه، وكان عمر فيما رواه الزهري مما رواه ابن سعد بإسناد صحيح لا يأذن للسبي قد احتلم في دخول المدينة حتى كتب المغيرة بن شعبة وهو على الكوفة فذكر له غلامًا عنده صنعًا ويستأذنه أن يدخله المدينة ويقول: إن عنده أعمالاً تنفع الناس إنه حداد نقاش نجار فأذن له فضرب عليه كل شهر مائة فشكا إلى عمر شدة الخراج فقال له: خراجك ليس بكثير في جنب ما تعمل، فانصرف ساخطًا، فلبث عمر ليالي فمرّ به العبد فقال: ألم أحدث أنك تقول لو أشاء لصنعت رحا تطحن بالريح فالتفت إليه عابسًا فقال: لأصنعن لك رحا يتحدث الناس بها، فأقبل عمر على من معه فقال: توعدني العبد فلبث ليالي ثم اشتمل على خنجر ذي رأسين نصابه وسطه فكمن في زاوية من زوايا المسجد في الغلس حتى خرج عمر -رضي الله عنه- يوقظ الناس الصلاة الصلاة وكان عمر يفعل ذلك، فلما دنا عمر وثب عليه فطعنه ثلاث طعنات إحداهن تحت السرة قد خرقت الصفاق وهي التي قتلته.

( فطار العلج) بكسر العين المهملة وبعد اللام الساكنة جيم وهو الرجل من كفار العجم الشديد والمراد أبو لؤلؤة أي أسرع في مشيه ( بسكين ذات طرفين لا يمر على أحد يميتًا ولا شمالاً) وسقط لفظ لا من قوله ولا شمالاً من رواية أبي ذر ( إلا طعنه) بها ( حتى طعن ثلاثة عشر رجلاً مات منهم سبعة) بالموحدة بعد المهملة وفي نسخة باليونينية تسعة بالفوقية قبل المهملة منهم كليب بن البكير الليثي الصحابي وعاش الباقون ( فلما رأى ذلك رجل من المسلمين) وفي ذيل الاستيعاب لابن فتحون أنه من المهاجرين يقال له خطان التميمي اليربوعي ( طرح عليه برنسًا) بضم الموحدة والنون بينهما راء ساكنة قلنسوة طويلة، وقيل كساء يجعله الرجل في رأسه ( فلما ظن العلج أنه مأخوذ نحر نفسه، وتناول عمر) -رضي الله عنه- ( يد عبد الرحمن بن عوف فقدمه) إلى الصلاة بالناس.
قال عمرو بن ميمون ( فمن يلي عمر؟) أي من الناس ( فقد رأى الذي أرى) من طعن العلج لعمر ( وأما) الذين في ( نواحي المسجد فإنهم لا يدرون غير أنهم قد فقدوا) بفتح القاف ( صوت عمر) في الصلاة ( وهم يقولون) : متعجبين ( سبحان الله سبحان الله) مرتين ( فصلى بهم عبد الرحمن) بن عوف -رضي الله عنه- ( صلاة خفيفة) وفي رواية أبي إسحاق السبيعيّ عند ابن أبي
شيبة بأقصر سورتين في القرآن: { إنّا أعطيناك الكوثر} [الكوثر: 1] ، و { إذا جاء نصر الله والفتح} [النصر: 1] ( فلما انصرفوا قال: يا ابن عباس انظر من قتلني فجال) ابن عباس ( ساعة) بالجيم ( ثم جاء فقال) : قتلك ( غلام المغيرة.
قال)
: عمر ( الصنع؟) بفتح الصاد المهملة والنون الصانع الحاذق في صناعته ( قال) : ابن عباس ( نعم.
قال)
: عمر ( قاتله الله) والله ( لقد أمرت به معروفًا) بفتح همزة أمرت ( الحمد لله الذي لم يجعل ميتتي) بميم مكسورة فتحتية ساكنة ففوقيتين أولاهما مفتوحة أي قتلتي، ولأبي ذر عن الكشميهني منيتي بفتح الميم وكسر النون والتحتية المشددة واحد المنايا ( بيد رجل يدعي الإسلام) بل على يد رجل مجوسي وهو أبو لؤلؤة ثم قال عمر يخاطب ابن عباس: ( قد كنت أنت وأبوك) العباس ( تحبان أن تكثرا العلوج بالمدينة) وعند عمر بن شبة من طريق ابن سيرين قال: بلغني أن العباس قال لعمر لما قال: لا تدخلوا علينا من السبي إلا الوصفاء إن عمل المدينة شديد لا يستقيم إلا بالعلوج ( وكان العباس أكثرهم رقيقًا) وثبت لفظ العباس لأبي ذر ( فقال) ابن عباس -رضي الله عنهما- يخاطب عمر ( إن شئت فعلت) بضم تاء فعلت وفسره بقوله ( أي إن شئت قتلنا) من بالمدينة من العلوج ( قال) عمر لابن عباس ولأبي ذر فقال: ( كذبت) تقتلهم ( بعد ما تكلموا بلسانكم وصلّوا قبلتكم) أي إلى قبلتكم ( وحجوا حجّكم) أي فهم مسلمون والمسلم لا يجوز قتله وتكذيبه له هو على ما ألف من شدته في الدين.

( فاحتمل) عمر -رضي الله عنه- ( إلى بيته فانطلقنا معه وكأن الناس) بتشديد النون بعد الهمزة ( لم تصبهم مصيبة قبل يومئذٍ فقائل يقول: لا بأس) عليه ( وقائل يقول أخاف عليه فأتي بنبيذ) بالمعجمة متخذ من تمر نقع في ماء غير مسكر ( فشربه) لينظر ما قدر جرحه ( فخرج من جوفه) أي جرحه وهي رواية الكشميهني قال في الفتح: وهو أصوب، وفي رواية أبي رافع عند أبي يعلى وابن حبان فخرج النبيذ فلم يدر أهو نبيذ أم دم ( ثم أتي بلبن فشربه) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فشرب بإسقاط ضمير المفعول ( فخرج من جرحه) أبيض ولأبي ذر من جوفه ( فعلموا) ولأبي ذر عن الكشميهني فعرفوا ( أنه ميت) من جراحته ( فدخلنا عليه وجاء الناس يثنون) بضم أوله ولأبي ذر عن الكشميهني وجاء الناس فجعلوا يثنون ( عليه) خيرًا.

( وجاء رجل شاب) زاد في رواية جرير عن حصين السابقة في الجنائز من الأنصار ( فقال أبشر يا أمير المؤمنين ببشرى الله) عز وجل ( لك من صحبة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقدم) بفتح القاف والتنوين أي فضل ولأبي ذر عن الحموي والمستملي وقدم بكسر القاف أي سبق ( في الإسلام ما قد علمت) في موضع رفع على الابتداء خبره لك مقدما ( ثم وليت) بفتح الواو وتخفيف اللام الخلافة ( فعدلت) في الرعية ( ثم شهادة) بالرفع والتنوين عطفًا على ما قد علمت ( قال) عمر - رضي الله تعالى عنه - ( وددت) بكسر الدال الأولى وبسكون الأخرى أي أحببت ( أن ذلك كفاف) بفتح الكاف وللأصيلي وابن عساكر كفافا بالنصب اسم إن ( لا عليّ ولا لي) أي سواء بسواء لا عقاب ولا ثواب.
وعند ابن سعد أن ابن عباس أثنى على عمر نحوًا من هذا وهو محمول على التعدد، وعنده من حديث جابر -رضي الله عنه- أن ممن أثنى عليه عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه-،
وعند ابن أبي شيبة أن المغيرة بن شعبة أثنى عليه وقال له: هنيئًا لك الجنة ( فلما أدبر) الرجل الشاب ( إذا إزاره يمس الأرض) لطوله ( قال) : عمر -رضي الله عنه- ( ردّوا عليّ الغلام) فلما جاءه ( قال: ابن أخي) ولأبي ذر يا ابن أخي ( ارفع ثوبك) عن الأرض ( فإنه أبقى) بالموحدة، وللحموي والمستملي أنقى بالنون لثوبك ( وأتقى لربك) عز وجل، ثم قال لابنه ( يا عبد الله بن عمر انظر ما عليّ من الدين فحسبوه فوجدوه ستة وثمانين ألفًا أو نحوه قال: إن وفى) بتخفيف الفاء ( له) للدين ( مال آل عمر فأده من أموالهم) أي مال عمر ألفًا مقحمة أو المراد رهط عمر ( وإلا) بإن لم يف ( فسل في بني عدي بن كعب) وهم البطن الذي هو منهم ( فإن لم تف أموالهم) بذلك ( فسل في قريش) قبيلتهم ( ولا تعدهم) بسكون العين أي لا تتجاوزهم ( إلى غيرهم فأدّ عني هذا المال) وفي حديث جابر عند ابن أبي عمر أن عمر -رضي الله عنه- قال لابنه: ضعها في بيت مال المسلمين، وأن عبد الرحمن بن عوف سأله فقال: أنفقتها في حجج حججتها ونوائب كانت تنوبني ثم قال: ( انطلق إلى عائشة أم المؤمنين) -رضي الله عنها- ( فقل) لها ( يقرأ عليك عمر السلام، ولا تقل أمير المؤمنين فإني لست اليوم للمؤمنين أميرًا) قال: ذلك لتيقنه بالموت حينئذ وإشارة إلى عائشة حتى لا تحابيه لكونه أمير المؤمنين قاله السفاقسي ( وقل) لها ( يستأذن) أي يستأذنك ( عمر بن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبي بكر -رضي الله عنه- في الحجرة فأتى إليها ابن عمر ( فسلم) عليها ( واستأذن) ـها في الدخول ( ثم دخل عليها فوجدها قاعدة تبكي) من أجله ( فقال) : لها ( يقرأ عليك عمر بن الخطاب السلام ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه فقالت: كنت أريده ولأوثرن) ـه ( به) لأخصنه بالدفن عند صاحبيه ( اليوم على نفسي فلما أقبل) ابن عمر على منزل أبيه بعد أن فارق عائشة -رضي الله عنها- ( قيل) لعمر ( هذا عبد الله بن عمر قد جاء قال) عمر: ( ارفعوني) من الأرض كأنه كان مضطجعًا فأمرهم أن يقعدوه ( فأسنده رجل) لم يسم أو هو ابن عباس ( إليه فقال) : لابنه ( ما لديك؟ قال: الذي تحب) بحذف ضمير النصب ( يا أمير المؤمنين أذنت.
قال: الحمد لله ما كان من شيء أهم)
بالنصب خبر كان وسقط لأبي ذر لفظ من ( إلي) بتشديد الياء ( من ذلك) الذي أذنت فيه ( فإذا أنا قضيت) وفي نسخة قبضت ( فاحملوني) إلى الحجرة بعد تجهيزي ( ثم سلّم) عليها فإذا أفرغت ( فقل) : لها ( يستأذنـ) ك ( عمر بن الخطاب) أن يدفن مع صاحبيه ( فإن أذنت لي فادخلوني وإن ردتني ردّوني إلى مقابر المسلمين) خاف -رضي الله عنه- أن يكون الإذن الأول حياء منه لصدوره في حياته وأن ترجع بعد موته.

( وجاءت أم المؤمنين بن حفصة) بنت عمر إليه ( والنساء تسير معها فلما رأيناها قمنا) بألف بعد النون فيهما ( فولجت عليه) أي دخلت على عمر ( فبكت) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: فمكثت ( عنده ساعة واستأذن الرجال) في الدخول على عمر ( فولجت) دخلت حفصة ( داخلاً لهم) مدخلاً لأهلها وسقط قوله من الفرع وثبت في اليونينية وغيرها ( فسمعنا بكاءها من) المكان ( الداخل فقالوا) : أي الرجال لعمر ( أوص) بفتح الهمزة ( يا أمير المؤمنين استخلف) وقيل القائل عبد الله بن عمر ( قال) : عمر ( ما أجد) بجيم مكسورة ( أحق) وفي نسخة ما أحد أحق،
وللكشميهني ما أجد بالجيم أحدًا أحق ( بهذا الأمر) أي يمر المؤمنين ( من هؤلاء النفر أو الرهط) بالشك من الراوي ( الذين توفي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو عنهم راض فسمى عليًّا وعثمان والزبير) بن العوّام ( وطلحة) بن عبيد الله ( وسعدًا) هو ابن أبي وقاص ( وعبد الرحمن) بن عوف ( وقال) : أي عمر ( يشهدكم) بسكون الدال في الفرع وفي اليونينية بالضم أي يحضركم ( عبد الله بن عمر وليس له من الأمر) أي أمر الخلافة ( شيء كهيئة التعزية له فإن أصابت الإمرة) بكسر الهمزة وسكون الميم ولأبي ذر عن الكشميهني الإمارة بكسر الهمزة ( سعدًا فهو ذاك) أهل لها ( وإلا) بإن لم تصبه ( فليستعن به) بسعد ( أيكم) فاعل يستعن ( ما أمر) بضم الهمزة وتشديد الميم المكسورة مبنيًّا للمفعول أي ما دام أميرًا ( فإني لم أعزله) عن الكوفة ( عن) ولأبي ذر من ( عجز) في التصرف ( ولا خيانة) في المال ( وقال) : أي عمر ( أوصي) بضم الهمزة ( الخليفة من بعدي بالمهاجرين الأولين) الذين صلوا إلى القبلتين أو الذين أدركوا بيعة الرضوان ( أن) بأن ( يعرف لهم حقهم ويحفظ) نصب عطفًا على يعرف ( لهم حرمتهم وأوصيه بالأنصار) الأوس والخزرج خيرًا ( { الذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم} ) [الحشر: 9] لزموا المدينة والإيمان وتمكنوا فيهما قبل مجيء الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه إليهم، أو تبوأوا دار الهجرة ودار الإيمان فحذف المضاف من الثاني والمضاف إليه وعوض عنه اللام أو تبوأوا الدار وأخلصوا الإيمان كقوله:
علفتها تبنًا وماء باردًا
وقيل سمى المدينة بالإيمان لأنها مظهره ومصيره ( أن) أي بأن ( يقبل من محسنهم) بضم التحتية ( وأن يعفى عن مسيئهم وأوصيه بأهل الأمصار خيرًا) بالميم ( فإنهم ردء الإسلام) بكسر الراء وسكون الدال المهملة وبالهمزة أي عونه ( وجباة المال) بضم الجيم وفتح الموحدة المخففة جمع جاب أي يجمعون المال ( وغيظ العدوّ) أي يغيظون العدو بكثرتهم وقوتهم ( وأن لا يؤخذ) ولأبي ذر عن المستملي والكشميهني: ولا يؤخذ ( منهم إلا فضلهم عن رضاهم) أي إلا ما فصل عنهم.
وقال، الحافظ ابن حجر وتبعه العيني وفي رواية الكشميهني: ويؤخذ منهم بحذف حرف النفي قالا: والأول يعني وأن لا هو الصواب اهـ والذي في اليونينية للكشميهني والمستملي: ولا يؤخذ بإثبات حرف النفي كما مرّ.

( وأوصيه بالأعراب خيرًا فإنهم أصل العرب ومادة الإسلام) بتشديد الدال ( أن) أي بأن ( يؤخذ من حواشي أموالهم) أي التي ليست بخيار ( وترد) بالفوقية المضمومة أي الحواشي أو بالتحتية أي المأخوذ ( على فقرائهم وأوصيه بذمة الله وذمة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقطت التصلية لأبي ذر والمراد بالذمة أهلها ( أن يوفى لهم بعهدهم) بسكون الواو وفتح الفاء مخففة ( وأن يقاتل) بفتح الفوقية ( من ورائهم) جار ومجرور أي إذا قصدهم عدوّ لهم ( ولا يكلفوا) بفتح اللام المشددة في الجزية ( إلا طاقتهم، فلما قبض) - رضي الله تعالى عنه - بعد ثلاث من جراحته ( خرجنا به) من منزله وصلّى عليه صهيب، وروي مما ذكره في الرياض أنه لما قتل أظلمت الأرض فجعل الصبي يقول
لأمه: يا أماه أقامت القيامة؟ فتقول: لا يا بني ولكن قتل عمر - رضي الله تعالى عنه -.
وفي حديث عائشة - رضي الله تعالى عنها - مما خرجه أبو عمر: ناحت الجن على عمر - رضي الله تعالى عنه - قبل أن يموت بثلاث فقالت:
أبعد قتيل بالمدينة أظلمت ... له الأرض تهتز العضاه بأسوق
جزى الله خيرًا من إمام وباركت ... يد الله في ذاك الأديم الممزق
فمن يسع أو يركب جناحي نعامة ... ليدرك ما قدمت بالأمس يسبق
قضيت أمورًا ثم غادرت بعدها ... بوائق من أكمامها لم تفتق
( فانطلقنا نمشي) حتى أتينا حجرة عائشة - رضي الله تعالى عنها - ( فسلّم عبد الله بن عمر) فلما قضى سلامه ( قال) لعائشة -رضي الله عنها-: ( يستأذن عمر بن الخطاب قالت: أدخلوه) بهمزة مفتوحة وكسر الخاء المعجمة ( فأدخل فوضع) بضم الهمزة من الأول والواو من الثاني مبنيين للمفعول ( هنالك) في بيت عائشة - رضي الله تعالى عنها - ( مع صاحبيه) وراء قبر أبي بكر أو حذاء منكبي أبي بكر عند رأس النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو عند رجلي أبي بكر ( فلما فرغ) بضم الفاء وكسر الراء في اليونينية والناصرية وغيرهما وفي الفرع فرغوا ( من دفنه اجتمع هؤلاء الرهط) المذكورون لأجل من يلي الخلافة منهم ( فقال عبد الرحمن) بن عوف ( اجعلوا أمركم) في الاختيار ( إلى ثلاثة منكم) ليقل الاختلاف ( فقال الزبير: قد جعلت أمري إلى علي، فقال طلحة) بن عبيد الله: ( قد جعلت أمري إلى عثمان.
وقال سعد)
: أي ابن أبي وقاص ( وقد جعلت أمري إلى عبد الرحمن بن عوف) سقط ابن عوف من الفرع وثبت في أصله وفي الناصرية وغيرهما ( فقال عبد الرحمن) : يخاطب عليًّا وعثمان ( أيكما تبرأ من هذا الأمر فنجعله إليه والله) رقيب ( عليه و) كذا ( الإسلام لينظرن) بفتح اللام في اليونينية وغيرها جوابًا لقسم مقدر وفي بعضها بكسرها أمرًا للغائب ( أفضلهم في نفسه) أي في معتقده ( فأسكت الشيخان) عثمان وعلي بضم همزة أسكت وكسر كافها مبنيًّا للمفعول كان مسكتًا أسكتهما، وفي اليونينية قال أبو ذر فأسكت بفتح الهمزة والكاف أصوب يقال: أسكت الرجل أي صار ساكتًا ( فقال: عبد الرحمن: أفتجعلونه) أي أمر الولاية ( إليّ) بتشديد التحتية ( والله علي) رقيب ( أن) بأن ( لا آلو) بمد الهمزة أي لا أقصر ( عن أفضلكم.
قالا)
: عثمان وعلي ( نعم) نجعله إليك ( فأخذ بيد أحدهما) وهو علي ( فقال) : له ( لك قرابة من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والقدم) بفتح القاف ولأبي ذر بكسرها ( في الإسلام ما قد علمت) صفة أو بدل من القدم ( فالله) رقيب ( عليك لئن أمرتك) بتشديد الميم ( لتعدلن) في الرعية ( ولئن أمرت عثمان لتسمعن) قوله: ( ولتطيعن) أمره ( ثم خلا بالآخر) وهو عثمان ( فقال: له مثل ذلك) الذي قاله لعلي، وزاد الطبري من طريق المدائني بأسانيد أن سعدًا أشار إليه بعثمان، وأنه دار تلك الليالي كلها على أصحابه ومن وافى المدينة من أشراف الناس لا يخلو برجل منهم إلا أمره بعثمان ( فلما أخذ الميثاق) من الشيخين ( قال: ارفع يدك يا عثمان فبايعه وبايع) بفتح الياء فيهما ( له علي وولج) أي دخل ( أهل الدار) أي أهل المدينة
( فبايعوه) : ويأتي مزيد لذلك إن شاء الله تعالى في كتاب الأحكام حيث ساق المؤلّف -رحمه الله تعالى- حديث الشورى.