فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب مناقب عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما

باب مَنَاقِبُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رضي الله عنهما-
( باب مناقب عبد الله بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما-) كان يكنى أبا عبد الرحمن أسلم مع إسلام أبيه بمكة صغيرًا وهاجر مع أبيه وأمه زينب ويقال: رايطة بنت مظعون أخت عثمان وقدامة ابني مظعون وهو ابن عشر وشهد المشاهد كلها بعد بدر وأُحُد، واستصغر يوم أُحُد وشهد الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة، وكان عالمًا مجتهدًا لزومًا للسنّة فرورًا من البدعة ناصحًا للأمة، وروى ابن وهب عن مالك قال: بلغ عبد الله بن عمر ستًا وثمانين سنة، وأفتى في الإسلام ستين سنة ونشر نافع عنه علمًا جمًا.
وقال سفيان الثوري: كان من عادة ابن عمر -رضي الله عنه- أنه إذا أعجبه شيء من ماله تصدق به، وكان رقيقه عرفوا ذلك فربما شمّر أحدهم ولزم المسجد والإقبال على الطاعة، فإذا رآه ابن عمر على تلك الحال أعتقه فقيل له: إنهم يخدعونك.
فقال: من خدعنا بالله انخدعنا له.
وقال نافع: ما مات ابن عمر حتى أعتق ألف إنسان أو زاد عليه.
وكان مولده في السنة الثانية أو الثالثة من المبعث، وتوفي في أوائل سنة ثلاث وسبعين؛ وكان سبب موته أن الحجاج دسّ له رجلاً قد سمّ زج رمحه فزحمه في الطريق وطعنه في ظهر قدمه، وسقط لأبي ذر لفظ باب، فمناقب رفع.


[ قــ :3563 ... غــ : 3738 ]
- حَدَّثَنَا محمدٌ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "كَانَ الرَّجُلُ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا رَأَى رُؤْيَا قَصَّهَا عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَتَمَنَّيْتُ أَنْ أَرَى رُؤْيَا أَقُصُّهَا عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَكُنْتُ غُلاَمًا أَعْزَبَ، وَكُنْتُ أَنَامُ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَرَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ مَلَكَيْنِ أَخَذَانِي فَذَهَبَا بِي إِلَى النَّارِ، فَإِذَا هِيَ مَطْوِيَّةٌ كَطَيِّ الْبِئْرِ، وإِذَا لَهَا قَرْنَانِ كَقَرْنَيِ الْبِئْرِ، وَإِذَا فِيهَا نَاسٌ قَدْ عَرَفْتُهُمْ، فَجَعَلْتُ أَقُولُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ، أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ.
فَلَقِيَهُمَا مَلَكٌ آخَرُ فَقَالَ لِي: لَنْ تُرَاعَ.
فَقَصَصْتُهَا عَلَى حَفْصَةَ".

وبه قال: ( حدّثنا محمد) كذا لأبي ذر وقال: إنه محمد بن إسماعيل البخاري المؤلّف وسقط ذلك لغيره قال: ( حدّثنا إسحاق بن نصر) نسبه لجده واسم أبيه إبراهيم السعدي المروزي كان ينزل مدينة بخارى بباب بني سعد قال: ( حدّثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني ( عن معمر) هو ابن راشد ( عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب ( عن سالم) هو ابن عبد الله بن عمر ( عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه ( قال: كان الرجل) من الصحابة ( في حياة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا رأى رؤيا) قال الكرماني بدون تنوين تختص بالمنام كالرؤية باليقظة فرقوا بينهما بحرفي التأنيث أي الألف المقصورة والتاء اهـ.
ومن ثم لحنوا المتنبي في قوله:
ورؤياك أحلى في العيون من الغمض
وأجيب: بأن الرؤيا والرؤية واحد كقربى وقربة، ويشهد له قول ابن عباس في قوله تعالى: { وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس} [الأسراء: 60] أنها رؤية عين أريها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليلة أسري به، وقوله في الحديث: وليس رؤيا منام فهذا مما يدل على إطلاق لفظ الرؤيا على ما يرى بالعين يقظة.
وقال النووي: مقصورة ومهموزة ويجوز ترك همزها تخفيفًا وفي الفرع إذا رأى رؤيا بالتنوين ( قصّها على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فتمنيت أن أرى رؤيا أقصها على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكنت غلامًا) ولأبي ذر: شابًّا ( أعزب) ولأبي ذر عن الكشميهني: عزبًا بغير همز وفتح العين وهي الفصحى أي لا زوجة لي ( وكنت أنام في المسجد على عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فرأيت في المنام كأن ملكين) قال ابن حجر رحمه الله: لم أقف على تسميتهما ( أخذاني) بالنون ( فذهبا بي) بالموحدة ( إلى النار فإذا هي مطوية كطي البئر وإذا لها قرنان كقرني البئر) وهما ما يبنى في جانبيها من حجارة توضع عليها الخشبة التي تعلق فيها البكرة ( وإذا فيها ناس قد عرفتهم) قال ابن حجر: لم أقف في شيء من الطرق على تسمية واحد منهم ( فجعلت أقول: أعوذ بالله من النار أعوذ بالله من النار) مرتين ( فلقيهما) أي الملكلين ( ملك آخر فقال لي: لن تراع) بضم الفوقية وبعد الألف عين منصوبة بلن كذا في فرع اليونينية وعند القابسي مما ذكره في الفتح وغيره لن ترع بالجزم، ووجهه ابن مالك بأنه سكن العين للوقف ثم شبهه بسكون الجزم فحذف الألف قبله ثم أجرى الوصل مجرى الوقف ويجوز أن يكون جزمه بلن وهي لغة قليلة.
قال الفراء: ولا أحفظ لها شاهدًا أي لا روع عليك بعد ذلك، وعند ابن أبي شيبة من رواية جرير بن حازم عن نافع فلقيه ملك وهو يرعد فقال: لم ترع ( فقصصتها) أي الرؤيا ( على حفصة) أم المؤمنين أخته -رضي الله عنها-.




[ قــ :3563 ... غــ : 3739 ]
- «فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ، لَوْ كَانَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ.
قَالَ سَالِمٌ: فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ لاَ يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إِلاَّ قَلِيلاً».

( فقصتها حفصة على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولم يقصها بنفسه عليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تأدبًا ومهابة ( فقال) عليه الصلاة والسلام لها:
( نعم الرجل) أخوك ( عبد الله لو كان يصلي بالليل) ولأبي ذر من الليل ( قال سالم) : بالسند السابق ( فكان عبد الله) أي بعد ذلك ( لا ينام من الليل إلا قليلاً) .

وهذا الحديث قد سبق في باب فضل من تعارّ من الليل من طريق نافع مطولاً، ويأتي إن شاء الله تعالى في التعبير بعون الله وقوّته.

3740 و 3741 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ أُخْتِهِ حَفْصَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لَهَا: إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ رَجُلٌ صَالِحٌ».

وبه قال: ( حدّثنا يحيى بن سليمان) أبو سعيد الجعفي نزيل مصر قال: ( حدّثنا ابن وهب)
عبد الله المصري بالميم ( عن يونس) بن يزيد الأيلي ( عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب ( عن سالم عن ابن عمر عن أخته حفصة) أم المؤمنين -رضي الله عنها- ( أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لها) لما قصت رؤيا أخيها عبد الله السابقة:
( إن عبد الله) أخاك ( رجل صالح) وكان لعبد الله بن عمر من الولد عبد الله وأمه صفية بنت أبي عبيد وسالم أمه أم ولد وعبيد الله وعبد الرحمن وعاصم وحمزة وواقد وزيد وبلال.