فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب مناقب الأنصار

باب مَنَاقِبُ الأَنْصَارِ
{ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا} [الحشر: 9] .

(بسم الله الرحمن الرحيم).

(باب مناقب الأنصار) جمع ناصر كالأصحاب جمع صاحب، ويقال جمع نصير كشريف وأشراف، والنسبة أنصاري وليس نسبة الأب ولا أم، بل سموا بذلك لما فازوا به دون غيرهم من نصرته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وإيوائه وإيواء من معه ومؤاساتهم بأنفسهم وأموالهم، وكان القياس أن يقال: ناصري فقالوا: أنصاري كأنهم جعلوا الأنصار اسم المعنى.

فإن قلت: الأنصار جمع قلة فلا يكون لما فوق العشرة وهم ألوف.
أجيب: بأن جمعي القلة والكثرة إنما يعتبران في نكرات المجموع، أما في المعارف فلا فرق بينهما، والأنصار هم ولد الأوس والخزرج وحلفاؤهم أبناء حارثة بن ثعلبة وهو اسم إسلامي، واسم أمهم قيلة بالقاف المفتوحة والتحتية الساكنة وسقط باب لأبوي ذر والوقت فمناقب بالرفع على ما لا يخفى.

(وقول الله عز وجل) { والذين آووا ونصروا} [الأنفال: 72] ({ والذين تبوأوا الدار والإيمان} ) أي لزموهما وتمكنوا فيهما أو تبوأوا دار الهجرة ودار الإيمان فحذف المضاف من الثاني والمضاف إليه من الأول، وعوض عنه اللام أو تبوأوا دار الهجرة وأخلصوا الإيمان كقوله:
علفتها تبنًا وماءً باردًا
أو سمى المدينة بالإيمان لأنها مظهره ({ من قبلهم} ) من قبل هجرة المهاجرين وهم الأنصار ({ يحبون من هاجر إليهم} ) ولا يثقل عليهم ({ ولا يجدون في صدورهم} ) من أنفسهم ({ حاجة
مما أوتوا}
) [الحشر: 9] مما أعطي المهاجرون من الفيء وغيره وبقية الأوصاف ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة.

قال في فتوح الغيب: وحاصل الوجوه الأربعة يعود إلى أن عطف الإيمان على الدار إما من باب التقدير أو من باب الانسحاب، والإيمان إما مجرى على حقيقته أو استعارة، ففي الوجه الأول الإيمان حقيقة والعطف من باب التقدير لكن يقدر بحسب ما يناسبه، وكذلك في الوجه الثالث العطف فيه للتقدير لكن بحسب السابق، وفي الثاني والرابع العطف على الانسحاب والإيمان على الوجه الثاني استعارة مكنية، وعلى الثالث مجاز أضيف بأدنى ملابسة، وعلى الرابع استعارة مصرحة تحقيقية فشبه في الوجه الأول الإيمان من حيث إن المؤمنين من الأنصار تمكنوا فيه تمكن المالك المتسلط في مكانه ومستقره بمدينة من المدائن الحصينة بنوابعها ومرافقها، ثم قيل إن الإيمان مدينة بعينها تخييلاً محضًا فأطلق على المتخيل باسم الإيمان المشبه وجعلت القرينة نسبة التبوّء اللازم للمشبه به على سبيل الاستعارة التخييلية لتكون مانعة لإرادة الحقيقة، وعلى الرابع شبهت طيبة لكونها دار الهجرة ومكان ظهور الإيمان بالتصديق الصادر من المخلص المحلى بالعمل الصالح، ثم أطلق الإيمان على مدينته عليه الصلاة والسلام بوساطة نسبة التبوّء إليه وهي استعارة مصرحة تحقيقية لأن المشبه المتروك وهو المدينة حسي والجامع النجاة من مخاوف الدارين، ففي الأول المبالغة والمدح يعود إلى سكان المدينة أصالة، وفي الثاني بالعكس.
والأول أدعى لاقتضاء المقام لأن الكلام وارد في مدح الأنصار الذين بذلوا مهجهم وأموالهم في نصرة الله ونصرة رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وهم الذين آووه ونصروه وسقط لأبي ذر قوله: (يحبون) الخ وقال بعد قوله: ({ من قبلهم} [الحشر: 9] الآية.


[ قــ :3600 ... غــ : 3776 ]
- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ حَدَّثَنَا غَيْلاَنُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ: "قُلْتُ لأَنَسٍ: أَرَأَيْتَ اسْمَ الأَنْصَارِ كُنْتُمْ تُسَمَّوْنَ بِهِ، أَمْ سَمَّاكُمُ اللَّهُ؟ قَالَ: بَلْ سَمَّانَا اللَّهُ.
كُنَّا نَدْخُلُ عَلَى أَنَسٍ فَيُحَدِّثُنَا بمَنَاقِبَ الأَنْصَارِ وَمَشَاهِدَهُمْ، وَيُقْبِلُ عَلَيَّ أَوْ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الأَزْدِ فَيَقُولُ: فَعَلَ قَوْمُكَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا".
[الحديث 3776 - طرفه في: 3844] .

وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا مهدي بن ميمون) المعولي بكسر الميم وسكون العين المهملة وفتح الواو البصري وسقط ابن ميمون لأبي ذر قال: (حدّثنا غيلان بن جرير) بفتح الغين المعجمة في الأول والجيم في الثاني المعولي البصري (قال: قلت لأنس) هو ابن مالك -رضي الله عنه- (أرأيت) أي أخبرني، ولأبي الوقت: أرأيتم أي أخبروني (اسم الأنصار كنتم) ولأبي الوقت: أكنتم (تسمون به) بفتح السين المهملة والميم المشددة قبل القرآن (أم سماكم الله؟) عز وجل به (قال) أنس -رضي الله عنه-: (بل سمانا الله) زاد أبو ذر عز وجل أي به كما في قوله تعالى: { والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار} [التوبة: 100] قال غيلان: (كنا ندخل على أنس) -رضي الله عنه- بالبصرة (فيحدّثنا مناقب الأنصار) ولأبي ذر.
بمناقب الأنصار بزيادة الموحدة قبل الميم (ومشاهدهم) بالنصب أو بالخفض (ويقبل علي) بتشديد الياء (أو على رجل
من الأزد) بفتح الهمزة وسكون الزاي غيري أو المراد بالأزدي غيلان والشك من الراوي هل قال عليّ أو أبهم نفسه (فيقول) مخاطبًا لي أو للرجل: (فعل قومك) يريد الأنصار (يوم كذا وكذا كذا وكذا) يحكي ما كان من مآثرهم في المغازي ونصر الإسلام.
واستشكل بأنه ليس قومه من الأنصار.
وأجيب بأنه باعتبار النسبة الأعمية إلى الأزد لأن الأزد يجمعهم.

وهذا الحديث أخرجه أيضًا في آخر أيام الجاهلية والنسائي في التفسير.




[ قــ :3600 ... غــ : 3777 ]
- حَدَّثَنا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "كَانَ يَوْمُ بُعَاثَ يَوْمًا قَدَّمَهُ اللَّهُ لِرَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَدِ افْتَرَقَ مَلَأُهُمْ، وَقُتِلَتْ سَرَوَاتُهُمْ وَجُرِّحُوا.
فَقَدَّمَهُ اللَّهُ لِرَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي دُخُولِهِمْ فِي الإِسْلاَمِ".
[الحديث 3777 - طرفاه في: 3846، 3930] .

وبه قال: ( حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا ( عبيد بن إسماعيل) الهباري ( قال: حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة، وثبت "قال" في الفرع وسقطت في اليونينية ( عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير ( عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها ( قالت: كان يوم بعاث) بضم الموحدة وتخفيف العين المهملة وبعد الألف مثلثة أو بالغين المعجمة أو هو تصحيف أو بالوجهين عن الأصيلي كما حكاه عياض أو بالمعجمة فقط لأبي ذر غير مصروف للتأنيث والعلمية لأنه اسم بقعة.
قال ابن قرقول: على ميلين من المدينة وقع فيها حرب بين الأوس والخزرج، وكان سبب ذلك أن من قاعدتهم أن الأصيل لا يقتل بالحليف فقتل رجل من الأوس حليفًا للخزرج فأرادوا أن يقيدوه فامتنعوا فوقعت الحرب بينهم، لذلك قيل بقيت الحرب بينهم مائة وعشرين سنة حتى جاء الإسلام، وكان رئيس الأوس فيه حضيرًا والد أسيد وكان أيضًا فارسهم.
وقال أبو أحمد العسكري، قال بعضهم: كان يوم بعاث قبل قدومه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المدينة بخمس سنين وقتل حضير وكثير من رؤسائهم وأشرافهم وكان ذلك اليوم ( يومًا قدمه الله لرسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) إذ لو كانوا أحياء لاستكبروا عن متابعته عليه الصلاة والسلام ولمنع حب رئاستهم عن حب دخول رئيس عليهم وسقطت التصلية لأبي ذر ( فقدم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) المدينة ( و) الحال أنه ( قد افترق ملأهم) أي جماعتهم ( وقتلت) بضم القاف مبنيًّا للمفعول ( سرواتهم) بفتح السين المهملة والراء والواو خيارهم وإشرافهم ( وجرّحوا) بضم الجيم وتشديد الراء المكسورة بعدها حاء مهملة من الجرح، ولأبي ذر عن المستملي: وخرجوا بخاء معجمة فراء مفتوحتين فجيم من الخروج أي خرجوا من أوطانهم ( فقدمه الله) بتشديد الدال أي ذلك اليوم ( لرسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقطت التصلية لأبي ذر ( في) أي لأجل ( دخولهم) أي الذين تأخروا ( في الإسلام) فكان في قتل من قتل من أشرافهم ممن كان يأنف أن يدخل في الإسلام مقدمات الخير، وقد كان بقي منهم من هذا النحو عبد الله بن أبي ابن سلول، وقصته في أنفته وتكبره مشهورة لا تخفى، وفي هنا تعليلية كهي في قوله تعالى: { فذلكن الذي لمتنني فيه} [يوسف: 3] { ولمسكم فيما أفضتم فيه} [النور: 14] أي لأجله
وفي الحديث دخلت امرأة النار في هرة حبستها أي لأجلها.




[ قــ :3601 ... غــ : 3846 ]
- حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "كَانَ يَوْمُ بُعَاثٍ يَوْمًا قَدَّمَهُ اللَّهُ لِرَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَدِ افْتَرَقَ مَلَؤُهُمْ، وَقُتِّلَتْ سَرَوَاتُهُمْ وَجُرِّحُوا، قَدَّمَهُ اللَّهُ لِرَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي دُخُولِهِمْ فِي الإِسْلاَمِ".

وبه قال: ( حدّثني) بالإفراد ( عبيد بن إسماعيل) بضم العين مصغرًا غير مضاف لشيء وكان اسمه عبد الله وكنيته أبو محمد الهباري القرشي الكوفي قال: ( حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة ( عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوّام ( عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها ( قالت: كان يوم بعاث) بضم الموحدة آخره مثلثة غير منصرف لأبي ذر للتأنيث والعلمية اسم بقعة ولغيره بالصرف اسم موضع وقع فيه حرب بين الأوس والخزرج ( يومًا قدمه الله لرسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قبل قدومه المدينة بخمس سنين قتل فيه كثير من أشرافهم إذ لو كانوا أحياء لاستكبروا عن متابعته وسقطت التصلية لأبي ذر ( فقدم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقد افترق ملؤهم) جماعتهم ( وقتلت) : بتشديد الفوقية الأولى في
اليونينية وبتخفيفها في غيرها ( سرواتهم) بفتح المهملتين أشرافهم ( وجرحوا) بضم الجيم وتشديد الراء ( قدمه الله لرسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في) أي لأجل ( دخولهم في) دين ( الإسلام) .

وسبق هذا الحديث في مناقب الأنصار.




[ قــ :360 ... غــ : 3778 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا -رضي الله عنه- يَقُولُ: «قَالَتِ الأَنْصَارُ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ -وَأَعْطَى قُرَيْشًا-: وَاللَّهِ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْعَجَبُ، إِنَّ سُيُوفَنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَاءِ قُرَيْشٍ، وَغَنَائِمُنَا تُرَدُّ عَلَيْهِمْ.
فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَدَعَا الأَنْصَارَ، قَالَ فَقَالَ: مَا الَّذِي بَلَغَنِي عَنْكُمْ؟ -وَكَانُوا لاَ يَكْذِبُونَ- فَقَالُوا: هُوَ الَّذِي بَلَغَكَ.
قَالَ: أَوَلاَ تَرْضَوْنَ أَنْ يَرْجِعَ النَّاسُ بِالْغَنَائِمِ إِلَى بُيُوتِهِمْ، وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى بُيُوتِكُمْ؟ لَوْ سَلَكَتِ الأَنْصَارُ وَادِيًا أَوْ شِعْبًا لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأَنْصَارِ أَوْ شِعْبَهُمْ».

وبه قال: ( حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: ( حدّثنا شعبة) بن الحجاج ( عن أبي التياح) بالفوقية ثم التحتية المشددة وبعد الألف حاء مهملة يزيد بن حميد الضبعي البصري أنه ( قال: سمعت أنسًا -رضي الله عنه- يقول: قالت الأنصار يوم فتح مكة) : يعني عام فتحها بعد قسم غنائم حنين وكان بعد فتح مكة بشهرين ( و) الحال أنه ( أعطى قريشًا) ممن لم يتمكن الإيمان من قلبه لما بقي فيه من الطبع البشري في محبة المال غنائم حنين يتألفهم بذلك لتطمئن قلوبهم وتجتمع على محبته، لأن القلوب جبلت على حب من أحسن إليها، ولذا لم يقسم أموال مكة عند فتحها ومقول قول الأنصار: ( والله إن هذا) الإعطاء ( لهو العجب إن سيوفنا لتقطر من دماء قريش) حال مقررة لجهة الإشكال أي ودماؤهم تقطر من سيوفنا فهو من باب القلب نحو: عرضت الناقة على الحوض قال:
لنا الجفنات الغر يلمعن في الضحى ... وأسيافنا يقطرن من نجدة دما
والمعنى أن سيوفنا من كثرة ما أصابها من دمائهم تقطر ( وغنائمنا) أي التي غنمناها ( تردّ عليهم) أي لم يعطنا منها شيئًا ( فبلغ ذلك) الذي قالوه ( النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ذكر ابن إسحاق عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن الذي أخبر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمقالتهم سعد بن عبادة ( فدعا الأنصار) وفي غزوة الطائف من وجه آخر أنس فجمعهم في قبة من أدم ولم يدع معهم غيرهم فلما اجتمعوا ( قال) أنس: ( فقال) لهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
( ما الذي بلغني عنكم وكانوا) يعني الأنصار ( لا يكذبون.
فقالوا: هو الذي بلغك)
أي قلنا الذي بلغك وفي المغازي فقال: ما حديث بلغني عنكم فقال فقهاء الأنصار: أما رؤساؤنا يا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلم يقولوا شيئًا، وأما ناس منا حديثة أسنانهم فقالوا: يغفر الله لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعطي قريشًا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم ( قال) عليه الصلاة والسلام ( أو لا) بفتح الواو ( ترضون أن يرجع الناس بالغنائم) من الشاة والبعير ( إلى بيوتهم وترجعون) بإثبات النون على الاستئناف ولأبي ذر عن الكشميهني وترجعوا بحذفها عطفًا على أن يرجع ( برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى بيوتكم) زاد في المغازي: فوالله لما تنقلبون به خير مما ينقلبون به قالوا: يا رسول الله قد رضينا.
فقال عليه الصلاة والسلام:
( لو سلكت الأنصار واديًا) مكانًا منخفضًا أو الذي فيه ماء ( أو شعبًا) بكسر الشين المعجمة ما انفرج بين جبلين أو الطريق في الجبل ( لسلكت وادي الأنصار أو شعبهم) ولأبي ذر: وشعبهم بإسقاط الألف وأراد عليه الصلاة والسلام بذلك حسن موافقته إياهم وترجيحهم في ذلك على غيرهم لما شاهد منهم من حسن الجوار والوفاء بالعهد لا متابعته لهم لأنه عليه الصلاة والسلام هو المتبوع المطاع لا التابع المطيع.

وهذا الحديث أخرجه أيضًا في المغازي ومسلم في الزكاة والنسائي في المناقب.