فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب قول الله: {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة} [الحشر: 9]

باب قَوْل الله عَزَّ وَجَلّ: { وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9]
هذا (باب) بالتنوين وسقط لفظ باب لأبي ذر ({ ويؤثرون} ) أي الأنصار، وفي نسخة وعزاها في الفرع وأصله لأبي ذر باب قول الله: ويؤثرون ({ على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة} ) [الحشر: 9] أي فاقة، والمعنى يقدّمون المحاويج على حاجة أنفسهم ويبدؤون بالناس قبلهم في حال احتياجهم إلى ذلك.


[ قــ :3622 ... غــ : 3798 ]
- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ عَنْ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-: «أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَبَعَثَ إِلَى نِسَائِهِ، فَقُلْنَ: مَا مَعَنَا إِلاَّ الْمَاءُ، فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَنْ يَضُمُّ -أَوْ يُضِيفُ- هَذَا؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: أَنَا.
فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى امْرَأَتِهِ فَقَالَ: أَكْرِمِي ضَيْفَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
فَقَالَتْ: مَا عِنْدَنَا إِلاَّ قُوتُ صِبْيَانِي.
فَقَالَ: هَيِّئِي طَعَامَكِ، وَأَصْبِحِي سِرَاجَكِ، وَنَوِّمِي صِبْيَانَكِ إِذَا أَرَادُوا عَشَاءً.
فَهَيَّأَتْ طَعَامَهَا، وَأَصْبَحَتْ سِرَاجَهَا، وَنَوَّمَتْ صِبْيَانَهَا، ثُمَّ قَامَتْ كَأَنَّهَا تُصْلِحُ سِرَاجَهَا فَأَطْفَأَتْهُ، فَجَعَلاَ يُرِيَانِهِ أَنَّهُمَا يَأْكُلاَنِ، فَبَاتَا طَاوِيَيْنِ.
فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: ضَحِكَ اللَّهُ اللَّيْلَةَ -أَوْ عَجِبَ- مِنْ فَعَالِكُمَا.
فَأَنْزَلَ اللَّهُ { وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9] [الحديث 3798 - طرفه في: 4889] .

وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا عبد الله بن داود) بن عامر الهمداني الكوفي (عن فضيل بن غزوان) بالغين والزاي المعجمتين وفضيل بالتصغير أبو الفضل الكوفي (عن أبي حازم) بالحاء المهملة والزاي سلمان الأشجعي لا سلمة بن دينار (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رجلاً) هو أبو هريرة (أتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد في التفسير فقال: يا رسول الله أصابني الجهد (فبعث إلى نسائه) أمهات المؤمنين يطلب منهن ما يضيفه به (فقلن: ما معنا) أي ما عندنا (إلا الماء.
فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر فقال النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(من يضم) إليه في طعامه (أو يضيف) بكسر الضاد المعجمة وسكون التحتية (وهذا) الرجل بالشك من الراوي (فقال رجل من الأنصار): يا رسول الله (أنا) أضيفه (فانطلق به إلى امرأته فقال) لها: (أكرمي ضيف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
فقالت له: (ما عندنا إلا قوت صبياني) بالياء بعد النون ولأبي ذر صبيان بتنوين النون بغير ياء.
وفي مسلم فقام رجل من الأنصار يقال له أبو طلحة، وعلى هذا فالمرأة أم سليم والأولاد أنس وإخوته، لكن استبعد الخطيب أن يكون أبو طلحة هذا هو زيد بن سهل عم أنس بن مالك زوج أمه فقال: هو رجل من الأنصار لا يعرف اسمه، ووجهه أن هذا الرجل المضيف ظهر من حاله أنه كان قليل ذات اليد فإنه لم يجد ما يضيف به إلا قوت أولاده، وأبو طلحة زيد بن سهل كان أكثر أنصاري بالمدينة مالاً.
ونقل ابن بشكوال عن أبي المتوكل الناجي أنه ثابت بن قيس، وقيل عبد الله بن رواحة (فقال) لها: (هيئي طعامك وأصبحي سراجك) بهمزة قطع وموحدة بعد الصاد المهملة في اليونينية وغيرها أي أوقديه وفي الفرع واصلحي باللام بدل الموحدة ولم أرها كذلك في غيره (ونوّمي صبيانك إذا أرادوا عشاء) قال في المصابيح: ففيه نفوذ فعل الأب على الابن وإن كان منطويًا على ضرر إذا كان ذلك من طريق النظر، وأن القول فيه قول الأب والفعل فعله لأنهم نوّموا الصبيان جياعًا إيثارًا لقضاء حق رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في إجابة دعوته والقيام بحق ضيفه (فهيأت) زوجة الأنصاري (طعامها وأصبحت) بالموحدة أوقدت (سراجها ونوّمت صبيانها) بغير عشاء (ثم قامت كأنها تصلح سراجها فأطفأته فجعلا) الأنصاري وزوجته (يريانه) بضم أوله (أنهما) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: كأنهما (يأكلان فباتا طاويين) أي بغير عشاء وأكل الضيف (فلما أصبح غدا إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) جواب لما قوله غدا ضمن فيه معنى الإقبال أي لما دخل الصباح أقبل على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال) له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(ضحك الله الليلة أو) قال: (عجب من فعالكما) الحسنة وفاء فعالكما مفتوحة، ونسبة الضحك والتعجب إلى الباري جل وعلا مجازية والمراد بهما الرضا بصنيعهما (فأنزل الله) عز وجل ({ ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة} ) [الحشر: 9] قال في النهاية: الخصاصة الجوع والضعف وأصلها الفقر والحاجة إلى الشيء والجملة في موضع الحال، ولو بمعنى الفرض أي: ويؤثرون على أنفسهم مفروضة خصاصتهم ({ ومن يوق شح نفسه} ) [الحشر: 9] أضافه إلى النفس لأنه غريزة فيها، ولا شح اللؤم وهو غريزة.
والبخل المنع نفسه فهو أعم لأنه قد يوجد البخل ولا شح ثمة ولا ينعكس، والمعنى ومن غلب ما أمرته به نفسه وخالف هواها بمعونة الله عز وجل وتوفيقه ({ فأولئك هم المفلحون} ) [الحشر: 9] الظافرون بما أرادوا وسقط لأبي ذر قوله: ومن يوق الخ.

وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا والترمذي والنسائي في التفسير ومسلم في الأطعمة.