فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «اقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم»

باب قَوْلُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اقْبَلُوا مِنْ مُحْسِنِهِمْ وَتَجَاوَزُوا عَنْ مُسِيئِهِمْ»
( باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في الأنصار: ( أقبلوا من محسنهم وتجاوزوا) بفتح الواو ( عن مسيئهم) وسقط لأبي ذر لفظ باب فما بعده مرفوع.


[ قــ :3623 ... غــ : 3799 ]
- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى أَبُو عَلِيٍّ حَدَّثَنَا شَاذَانُ أَخُو عَبْدَانَ حَدَّثَنَا أَبِي أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: "مَرَّ أَبُو بَكْرٍ وَالْعَبَّاسُ -رضي الله عنهما- بِمَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ الأَنْصَارِ وَهُمْ يَبْكُونَ، فَقَالَ: مَا يُبْكِيكُمْ؟ قَالُوا: ذَكَرْنَا مَجْلِسَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَّا.
فَدَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ، قَالَ فَخَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَدْ عَصَبَ
عَلَى رَأْسِهِ حَاشِيَةَ بُرْدٍ، قَالَ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ، وَلَمْ يَصْعَدْهُ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أُوصِيكُمْ بِالأَنْصَارِ، فَإِنَّهُمْ كَرِشِي وَعَيْبَتِي، وَقَدْ قَضَوُا الَّذِي عَلَيْهِمْ وَبَقِيَ الَّذِي لَهُمْ، فَاقْبَلُوا مِنْ مُحْسِنِهِمْ، وَتَجَاوَزُوا عَنْ مُسِيئِهِمْ».
[الحديث 3799 - طرفه في: 3801] .

وبه قال: ( حدّثني) بالإفراد ( محمد بن يحيى أبو علي) المروزي الصائغ بالغين المعجمة قال: ( حدّثنا شاذان) بالمعجمتين عبد العزيز ( أخو عبدان) عبد الله العابد وعبدان لقبه ( قال) : أي شاذان ( حدّثنا أبي) عثمان بن جبلة قال: ( أخبرنا شعبة بن الحجاج) بفتح الحاء المهملة وتشديد الجيم الأولى الحافظ أبو بسطام العتكي أمير المؤمنين في الحديث ( عن هشام بن زيد) أنه ( قال: سمعت) جدي ( أنس بن مالك يقول: مرّ أبو بكر) الصديق ( والعباس) بن عبد المطلب ( -رضي الله عنهما- بمجلس) بالتنوين ( من مجالس الأنصار) والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في مرض موته ( وهم) أي والحال أنهم ( يبكون فقال) العباس أو الصديق لهم: ( ما يبكيكم؟ قالوا: ذكرنا مجلس النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منا) أي الذي كنا نجلسه معه ونخاف أن يموت ونفقد مجلسه فبكينا لذلك ( فدخل) العباس أو أبو بكر ( على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبره بذلك) الذي وقع من الأنصار ( قال) أنس: ( فخرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- و) الحال أنه ( قد عصب) بتخفيف الصاد المهملة ( على رأسه حاشية برد) بضم الموحدة وسكون الراء نوع من الثياب معروف ولأبي ذر عن المستملي بردة وحاشية نصب مفعول عصب ( قال) أنس -رضي الله عنه-: ( فصعد) عليه الصلاة والسلام ( المنبر) بكسر العين ( ولم يصعده بعد ذلك اليوم) بفتح العين من بصعده ( فحمد الله وأثنى عليه ثم قال) :
( أوصيكم بالأنصار فإنهم كرشي) بفتح الكاف وكسر الراء والشين المعجمة ( وعيبتي) بعين مهملة مفتوحة وتحتية ساكنة وموحدة مفتوحة وتاء تأنيث.
قال القزاز: ضرب المثل بالكرش لأنه مستقر غذاء الحيوان الذي يكون فيه نماؤه، والعيبة ما يحرز فيها الرجل نفيس ما عنده يعني أنهم موضع سره وأمانته.
وقال ابن دريد: هذا من كلامه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الموجز الذي لم يسبق إليه ( وقد قضوا الذي عليهم) من الإيواء والنصرة له عليه الصلاة والسلام كما بايعوه ليلة العقبة ( وبقي الذي لهم) وهو دخول الجنة كما وعدهم به -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن آووه ونصروه ( فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم) في غير الحدود.

وهذا الحديث أخرجه النسائي.




[ قــ :364 ... غــ : 3800 ]
- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا ابْنُ الْغَسِيلِ سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ يَقُولُ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- يَقُولُ «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَلَيْهِ مِلْحَفَةٌ مُتَعَطِّفًا بِهَا عَلَى مَنْكِبَيْهِ، وَعَلَيْهِ عِصَابَةٌ دَسْمَاءُ، حَتَّى جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ يَكْثُرُونَ وَتَقِلُّ الأَنْصَارُ حَتَّى يَكُونُوا كَالْمِلْحِ فِي الطَّعَامِ، فَمَنْ وَلِيَ مِنْكُمْ أَمْرًا يَضُرُّ فِيهِ أَحَدًا أَوْ يَنْفَعُهُ فَلْيَقْبَلْ مِنْ مُحْسِنِهِمْ وَيَتَجَاوَزْ عَنْ مُسِيئِهِمْ».

وبه قال: ( حدّثنا أحمد بن يعقوب) أبو يعقوب المسعودي الكوفي قال: ( حدّثنا ابن الغسيل) هو عبد الرحمن بن سليمان بن عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة قال: ( سمعت عكرمة) مولى ابن عباس ( يقول: سمعت ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: خرج رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعليه ملحفة) بكسر الميم وسكون اللام وفتح الحاء المهملة حال كونه ( منعطفًا) بنون ساكنة مصلحة على كشط في الفرع وفي أصله وهو الذي في الناصرية وغيرها متعطفًا بالفوقية المفتوحة وتشديد الطاء أي مرتديًا ( بها على منكبيه) بفتح الميم وكسر الكاف وفتح الموحدة ( عليه عصابة) بكسر العين قد عصب بها رأسه من وجعها ( دسماء) بالرفع صفة لعصابة أي سوداء ( حتى جلس على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال) بعد الثناء:
( أما بعد أيها الناس فإن الناس يكثرون وتقل الأنصار) قال التوربشتي: يريد أن أهل الإسلام يكثرون وتقل الأنصار لأن الأنصار هم الذين آووه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ونصروه، وهذا أمر قد انقضى زمانه لا يلحقهم اللاحق ولا يدرك شأوهم السابق، وكلما مضى منهم واحد مضى من غير بدل فيكثر غيرهم ويقلون ( حتى يكونوا كالملح) بكسر الميم ( في الطعام) من القلة.
ووجه التشبيه أن الملح بالنسبة إلى جملة الطعام جزء يسير منه بالنسبة للمهاجرين وأولادهم الذين انتشروا في البلاد وملكوا الأقاليم فمن ثم قال عليه الصلاة والسلام للمهاجرين: ( فمن ولي منكم) أيها المهاجرون ( أمرًا) مفعول به ( يضر فيه) أي في ذلك الأمر ( أحدًا أو ينفعه) صفة كاشفة لأمرًا ( فليقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم) مخصوص بغير الحدود كما سبق.




[ قــ :365 ... غــ : 3801 ]
- حَدَّثَني مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الأَنْصَارُ كَرِشِي وَعَيْبَتِي، وَالنَّاسُ سَيَكْثُرُونَ وَيَقِلُّونَ، فَاقْبَلُوا مِنْ مُحْسِنِهِمْ وَتَجَاوَزُوا عَنْ مُسِيئِهِمْ».

وبه قال: ( حدّثني) بالإفراد، ولغير أبي ذر: حدّثنا ( محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشددة بندار قال: ( حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال: ( حدّثنا شعبة) بن الحجاج ( قال: سمعت قتادة) بن دعامة يحدث ( عن أنس بن مالك) -رضي الله عنه- ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال) :
( الأنصار كرشي) بفتح الكاف وكسر الراء أي جماعتي ( وعيبتي) أي موضع سري مأخوذ من عيبة الثياب وهي ما تحفظ فيها ( والناس) غير الأنصار ( سيكثرون) بفتح التحتية وضم المثلثة ( و) الأنصار ( يقلون) وقد وقع كما قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأن الموجودين الآن ممن ينسب لعليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- ممن يتحقق نسبه إليه أضعاف من يوجد من قبيلتي الأوس والخزرج ممن يتحقق نسبه، وقس على ذلك ولا التفات إلى كثرة من يدعي أنه منهم من غير برهان قاله في الفتح.

( فاقبلوا) بفتح الموحدة ( من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم) .

وهذا الحديث أخرجه مسلم في الفضائل والترمذي في المناقب والنسائي.