فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب مناقب سعد بن معاذ رضي الله عنه

باب مَنَاقِبُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ -رضي الله عنه-
( باب مناقب سعد بن معاذ) بالذال المعجمة ابن النعمان بن امرئ القيس بن عبد الأشهل الأنصاري الأوسي الأشهلي كبير الأوس، كما أن سعد بن عبادة كبير الخزرج وإياهما أراد الشاعر بقوله:
فإن يسلم السعد أن يصبح محمد ... بمكة لا يخشى خلاف المخالف
( -رضي الله عنه-) وسقط باب لأبي ذر.


[ قــ :3626 ... غــ : 3802 ]
- حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ -رضي الله عنه- يَقُولُ: «أُهْدِيَتْ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حُلَّةُ حَرِيرٍ، فَجَعَلَ أَصْحَابُهُ يَمَسُّونَهَا وَيَعْجَبُونَ مِنْ لِينِهَا، فَقَالَ: "أَتَعْجَبُونَ مِنْ لِينِ هَذِهِ لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ خَيْرٌ مِنْهَا أَوْ أَلْيَنُ"».
رَوَاهُ قَتَادَةُ وَالزُّهْرِيُّ سَمِعَا أَنَسًا عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

وبه قال: ( حدّثنا) بالجمع، ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد ( محمد بن بشار) بندار العبدي قال: ( حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر حدّثني ( غندر) محمد بن جعفر قال: ( حدّثنا) وفي نسخة: أخبرنا ( شعبة) بن الحجاج ( عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي أنه ( قال: سمعت البراء) بن عازب ( -رضي الله عنه- يقول: أهديت) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول ( للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حلة حرير) أهداها له أكيدر دومة كما في حديث أن السابق في الهبة ( فجعل أصحابه يمسونها) بفتح التحتية والميم ( ويعجبون) بفتح التحتية وبسكون العين ( من لينها فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لهم:
( أتعجبون من لين هذه) الحلة ( لمناديل سعد بن معاذ) زاد في الهبة في الجنة ( خير منها) أي من الحلة ( أو ألين) بالشك من الراوي ولأبي ذر عن الكشميهني وألين، وإنما ضرب المثل بالمناديل لأنها ليست من علية الثياب بل تبتذل في أنواع فيمسح بها الأيدي وينفض بها الغبار عن البدن ويغطى بها ما يهدى وتتخذ لفافًا للثياب فصار سبيلها سبيل الخادم، وسبيل سائر الثياب سبيل المخدوم فإذا كان أدناها هكذا فما ظنك بعليها.

وهذا الحديث رواه مسلم في الفضائل و ( رواه) أي حديث الباب ( قتادة) بن دعامة فيما وصله المؤلّف في الهبة ( والزهري) محمد بن مسلم بن شهاب مما وصله في اللباس ( سمعا أنس بن مالك) -رضي الله عنه-، وفي اليونينية والناصرية سمعا أنسًا فأسقطا كغيرهما ما أثبته في الفرع وهو ابن مالك ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) .




[ قــ :367 ... غــ : 3803 ]
- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا فَضْلُ بْنُ مُسَاوِرٍ خَتَنُ أَبِي عَوَانَةَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه- سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «اهْتَزَّ الْعَرْشُ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ» وَعَنِ الأَعْمَشِ حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِثْلَهُ "فَقَالَ رَجُلٌ
لِجَابِرٍ: "فَإِنَّ الْبَرَاءَ يَقُولُ اهْتَزَّ السَّرِيرُ فَقَالَ: إِنَّهُ كَانَ بَيْنَ هَذَيْنِ الْحَيَّيْنِ ضَغَائِنُ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: اهْتَزَّ عَرْشُ الرَّحْمَنِ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ".

وبه قال: ( حدّثني) بالإفراد ( محمد بن المثنى) العنزي الزمن قال: ( حدّثنا فضل بن مساور) بفتح الفاء وسكون الضاد المعجمة ومساور بضم الميم وفتح السين المهملة وبعد الألف واو مكسورة فراء البصري ( ختن أبي عوانة) بفتح الخاء المعجمة والفوقية آخره نون أي صهر أبي عوانة بفتح العين المهملة والواو المخففة زوج ابنته والختن يطلق على كل من كان من أقارب المرأة قال: ( حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري ( عن الأعمش) سليمان بن مهران ( عن أبي سفيان) طلحة بن نافع القرشي مولاهم قال جماعة: ليس به بأس، وقال شعبة: حديثه عن جابر صحيفة خرج له البخاري مقرونًا بآخر ( عن جابر) الأنصاري ( -رضي الله عنه-) أنه قال: ( سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول) :
( اهتز العرش) أي تحرك حقيقة ( لموت سعد بن معاذ) فرحًا بقدوم روحه، وخلق الله تعالى فيه تمييزًا إذ لا مانع من ذلك، أو المراد اهتزاز أهل العرش وهم حملته فحذف المضاف، ويؤيده حديث الحاكم: إن جبريل عليه السلام قال: من هذا الميت الذي فتحت له أبواب السماء واستبشرت به أهلها؟ أو المراد باهتزازه ارتياحه لروحه واستبشاره بصعودها لكرامته ومنه قولهم: فلان يهتز للمكارم ليس مرادهم اضطراب جسمه وحركته، وإنما يريدون ارتياحه إليها وإقباله عليها، وقيل جعل الله تعالى اهتزاز العرش علامة للملائكة على موته، أو المراد الكناية عن تعظيم شأن وفاته، والعرب تنسب الشيء العظيم إلى أعظم الأشياء فتقول: أظلمت الأرض لموت فلان وقامت له القيامة.

وهذا الحديث أخرجه مسلم في المناقب أيضًا وابن ماجه في السنة.

( وعن الأعمش) سليمان بن مهران بالإسناد السابق إليه أنه قال: ( حدّثنا أبو صالح) ذكوان الزيات ( عن جابر) الأنصاري ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مثله) أي مثل حديث أبي سفيان طلحة بن نافع السابق.
وفائدة سياق هذا أنه لا يخرج لأبي سفيان هذا إلا مقرونًا بغيره واستشهادًا لما مرّ مع ما زاده حيث قال، ( فقال رجل) : قال الحافظ ابن حجر: -رحمه الله- لم أقف على تسميته ( لجابر) المذكور -رضي الله عنه- ( فإن البراء) أي ابن عازب ( يقول) : في معنى قوله عليه الصلاة والسلام "اهتز العرش لموت سعد بن معاذ" أي ( اهتز السرير) الذي حمل عليه.

وسياق الحديث يأباه إذ إن المراد منه فضيلته وأي فضيلة في اهتز سريره إذ كل سرير يهتز إذا تجاذبته أيدي الرجال.
نعم يحتمل أن يراد اهتزاز حملة سريره فرحًا بقدومه على ربه عز وجل، وفي حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- عند الحاكم اهتز العرش فرحًا بلقاء الله سعدًا حتى تفسخت أعواده على عواتقنا.
قال ابن عمر: يعني عرش سعد الذي حمل عليه فأوّله كما أوّله البراء، لكن هذا الحديث يعارض حديث ابن عمر هذا من رواية عطاء بن السائب عن مجاهد عن ابن عمر،
وفي حديث عطاء مقال لأنه ممن اختلط في آخر عمره ويعارضه أيضًا ما صححه الترمذي من حديث أنس -رضي الله عنه- قال: لما حملت جنازة سعد بن معاذ قال المنافقون: ما أخف جنازته.

فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إن الملائكة كانت تحمله".

( فقال) : أي جابر في جواب الرجل ( إنه كان بين هذين الحيين) الأوس والخزرج ( ضغائن) بالضاد والغين المعجمتين جمع ضغينة وهي الحقد ( سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ) فالتصريح بعرش الرحمن يرد ما تأوله البراء وغيره ولم يقل البراء ذلك على سبيل العداوة لسعد بل فهم شيئًا محتملاً، فحمل الحديث عليه، ولعله لم يقف على قوله اهتز عرش الرحمن، وظن جابر أن البراء قاله غضبًا من سعد فساغ له أن ينتصر له.




[ قــ :368 ... غــ : 3804 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه-: «أَنَّ أُنَاسًا نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَجَاءَ عَلَى حِمَارٍ، فَلَمَّا بَلَغَ قَرِيبًا مِنَ الْمَسْجِدِ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: قُومُوا إِلَى خَيْرِكُمْ -أَوْ سَيِّدِكُمْ- فَقَالَ: يَا سَعْدُ، إِنَّ هَؤُلاَءِ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِكَ قَالَ: فَإِنِّي أَحْكُمُ فِيهِمْ أَنْ تُقْتَلَ مُقَاتِلَتُهُمْ، وَتُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ.
قَالَ: حَكَمْتَ بِحُكْمِ اللَّهِ، أَوْ بِحُكْمِ الْمَلِكِ».

وبه قال: ( حدّثنا محمد بن عرعرة) بن البرند بكسر الموحدة والراء وسكون النون آخره دال مهملة السامي بالمهملة قال: ( حدّثنا) ولأبي ذر أخبرنا ( شعبة) بن الحجاج ( عن سعد بن إبراهيم) بسكون العين ابن عبد الرحمن بن عوف الزهري قاضي المدينة ( عن أبي أمامة) أسعد ( بن سهل بن حنيف) بضم الحاء المهملة مصغرًا الأوسي الأنصاري ( عن أبي سعيد) بكسر العين سعد بن مالك ( الخدري -رضي الله عنه- أن أناسًا) بهمزة مضمومة وهم بنو قريظة ولأبي ذر ناسًا ( نزلوا) من قلعتهم بخيبر بعد أن حاصرهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خمسًا وعشرين ليلة وقذف الله تعالى في قلوبهم الرعب ( على حكم سعد بن معاذ فأرسل إليه) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكان سعد رمي في غزوة الخندق بسهم قطع منه الأكحل ( فجاء) من المسجد المدني النبوي ( على حمار) قد وطئ له بوسادة ومعه قومه من الأنصار ( فلما بلغ قريبًا من المسجد) الذي أعدّه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للصلاة أيام محاصرته لبني قريظة قيل والأشبه أن قوله من المسجد تصحيف وصوابه فلما دنا من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما في مسلم وأبي داود، وهذا فيه تخطئة الراوي بمجرد الظن فالأولى كما في المصابيح حمله على ما مرّ من كونه اختط عليه الصلاة هناك مسجدًا.
ولئن سلمنا أنه لم يكن ثم مسجد أصلاً لكنا لا نسلم أن قوله من المسجد متعلق بقوله قريبًا وإنما هو متعلق بمحذوف أي: فلما بلغ قريبًا من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حالة كونه جائيًا من المسجد ( قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) للحاضرين من الأنصار أو أعم:
( قوموا إلى خيركم أو سيدكم) بالشك من الراوي، وعلى القول بأنه عام يحتمل أنه لم يكن في المسجد من هو خير منه، أو المراد السيادة الخاصة من جهة التحكيم في هذه القصة، ولأبي ذر
قوموا خيركم أو سيدكم بإسقاط إلى والرفع بتقدير هو ( فقال) عليه الصلاة والسلام له: ( يا سعد إن هؤلاء) اليهود من بني قريظة ( نزلوا على حكمك) فيهم ( قال) سعد ( فإني أحكم فيهم أن تقتل) طائفة ( مقاتلتهم) وهم الرجال ( وتسبى ذراريهم) النساء والصبيان ( قال) عليه الصلاة والسلام له: ( حكمت) أي فيهم ( بحكم الله) عز وجل ( أو بحكم الملك) بكسر اللام وهو الله جل وعلا، والشك من الراوي، والغرض من الحديث هنا قوله: قوموا إلى خيركم كما لا يخفى.

وسبق الحديث في باب إذا نزل العدوّ على حكم رجل من باب الجهاد.