فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب

باب الْقَسَامَةُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ
( القسامة في الجاهلية) بفتح القاف وتخفيف السين المهملة مأخوذة من القسم وهي اليمين وهي في عرف الشرع حلف معين عند التهمة بالقتل على الإثبات أو النفي أو هي مأخوذة من قسمة الإيمان على الحالفين، وثبتت هذه الترجمة عند الأكثرين عن الفربري هنا وسقطت للنسفي قال ابن حجر: وهو أوجه لأن الجميع من ترجمة أيام الجاهلية.


[ قــ :3667 ... غــ : 3845 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا قَطَنٌ أَبُو الْهَيْثَمِ حَدَّثَنَا أَبُو يَزِيدَ الْمَدَنِيُّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "إِنَّ أَوَّلَ قَسَامَةٍ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَفِينَا بَنِي هَاشِمٍ: كَانَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ اسْتَأْجَرَهُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ فَخِذٍ أُخْرَى، فَانْطَلَقَ مَعَهُ فِي إِبِلِهِ، فَمَرَّ رَجُلٌ بِهِ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ قَدِ انْقَطَعَتْ عُرْوَةُ جُوَالِقِهِ فَقَالَ: أَغِثْنِي بِعِقَالٍ أَشُدُّ بِهِ عُرْوَةَ جُوَالِقِي لاَ تَنْفِرُ الإِبِلُ، فَأَعْطَاهُ عِقَالاً فَشَدَّ بِهِ عُرْوَةَ جُوَالِقِهِ.
فَلَمَّا نَزَلُوا عُقِلَتِ الإِبِلُ إِلاَّ بَعِيرًا وَاحِدًا، فَقَالَ الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ: مَا شَأْنُ هَذَا الْبَعِيرِ لَمْ يُعْقَلْ مِنْ بَيْنِ الإِبِلِ؟ قَالَ: لَيْسَ لَهُ عِقَالٌ.
قَالَ: فَأَيْنَ عِقَالُهُ؟ قَالَ: فَحَذَفَهُ بِعَصًا كَانَ فِيهَا أَجَلُهُ.
فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ، فَقَالَ: أَتَشْهَدُ الْمَوْسِمَ؟ قَالَ: مَا أَشْهَدُ وَرُبَّمَا شَهِدْتُهُ.
قَالَ: هَلْ أَنْتَ مُبْلِغٌ عَنِّي رِسَالَةً مَرَّةً مِنَ الدَّهْرِ؟ قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ فَكُنْتَ: إِذَا أَنْتَ شَهِدْتَ الْمَوْسِمَ فَنَادِ يَا آلَ قُرَيْشٍ، فَإِذَا أَجَابُوكَ فَنَادِ يَا آلَ بَنِي هَاشِمٍ، فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاسألْ عَنْ أَبِي طَالِبٍ فَأَخْبِرْهُ أَنَّ فُلاَنًا قَتَلَنِي فِي عِقَالٍ.
وَمَاتَ الْمُسْتَأْجَرُ.
فَلَمَّا قَدِمَ الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ أَتَاهُ أَبُو طَالِبٍ فَقَالَ: مَا فَعَلَ صَاحِبُنَا؟ قَالَ: مَرِضَ فَأَحْسَنْتُ الْقِيَامَ عَلَيْهِ، فَوَلِيتُ دَفْنَهُ.
قَالَ: قَدْ كَانَ أَهْلَ ذَاكَ مِنْكَ.
فَمَكُثَ حِينًا ثُمَّ إِنَّ الرَّجُلَ الَّذِي أَوْصَى إِلَيْهِ أَنْ يُبْلِغَ عَنْهُ وَافَى الْمَوْسِمَ فَقَالَ: يَا آلَ قُرَيْشٍ، قَالُوا: هَذِهِ قُرَيْشٌ.
قَالَ: يَا بَنِي هَاشِمٍ، قَالُوا: هَذِهِ بَنُو هَاشِمٍ.
قَالَ: أَيْنَ أَبُو طَالِبٍ؟ قَالُوا: هَذَا أَبُو طَالِبٍ.
قَالَ: أَمَرَنِي فُلاَنٌ أَنْ أُبْلِغَكَ رِسَالَةً أَنَّ فُلاَنًا قَتَلَهُ فِي عِقَالٍ.
فَأَتَاهُ أَبُو طَالِبٍ فَقَالَ لَهُ: اخْتَرْ مِنَّا إِحْدَى ثَلاَثٍ: إِنْ شِئْتَ أَنْ تُؤَدِّيَ مِائَةً مِنَ الإِبِلِ فَإِنَّكَ قَتَلْتَ صَاحِبَنَا، وَإِنْ شِئْتَ حَلَفَ خَمْسُونَ مِنْ قَوْمِكَ أَنَّكَ لَمْ تَقْتُلْهُ، وَإِنْ أَبَيْتَ قَتَلْنَاكَ بِهِ.
فَأَتَى قَوْمَهُ فَقَالُوا نَحْلِفُ.
فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ كَانَتْ تَحْتَ رَجُلٍ مِنْهُمْ قَدْ وَلَدَتْ لَهُ فَقَالَتْ: يَا أَبَا طَالِبٍ أُحِبُّ أَنْ تُجِيزَ ابْنِي هَذَا بِرَجُلٍ مِنَ الْخَمْسِينَ وَلاَ تَصْبُرْ يَمِينَهُ حَيْثُ تُصْبَرُ الأَيْمَانُ، فَفَعَلَ.
فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَالَ: يَا أَبَا طَالِبٍ أَرَدْتَ خَمْسِينَ رَجُلاً أَنْ يَحْلِفُوا مَكَانَ مِائَةٍ مِنَ الإِبِلِ، يُصِيبُ كُلَّ رَجُلٍ بَعِيرَانِ، هَذَانِ بَعِيرَانِ فَاقْبَلْهُمَا مِنِّي وَلاَ تَصْبُرْ يَمِينِي حَيْثُ تُصْبِرُ الأَيْمَانُ، فَقَبِلَهُمَا.
وَجَاءَ ثَمَانِيةٌ وَأَرْبَعُونَ فَحَلَفُوا.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَوَالَّذِي
نَفْسِي بِيَدِهِ مَا حَالَ الْحَوْلُ وَمِنَ الثَّمَانِيَةِ وَأَرْبَعِينَ عَيْنٌ تَطْرِفُ".

وبه قال: ( حدّثنا أبو معمر) بسكون العين المهملة بين فتحتين عبد الله بن عمرو المقعد المنقري بكسر الميم وسكون النون وفتح القاف قال: ( حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد أبو عبيدة البصري التنوري قال: ( حدّثنا قطن) بفتح القاف والطاء المهملة بعدها نون ابن كعب البصري القطعي بضم القاف وفتح المهملة الأولى ( أبو الهيثم) بالمثلثة قال: ( حدّثنا أبو يزيد) من الزيادة ( المدني) ولأبي ذر المديني البصري قال في الفتح: ويقال له المديني بزيادة تحتية، ولعل أصله كان من المدينة ولكن لم يرو عنه أحد من أهلها، وسئل عنه مالك فلم يعرفه ولم يعرف اسمه، وقد وثقه ابن معين وغيره وليس له ولا للراوي عنه في البخاري إلا هذا الموضع ( عن عكرمة) مولى ابن عباس ( عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه ( قال: إن أول قسامة كانت في الجاهلية لفينا) بلام التأكيد ( بني هاشم) كان الحكم بها وبني مجرور بدل من الضمير المجرور وذلك أنه ( كان رجل من بني هاشم) هو عمرو بن علقمة بن المطلب بن عبد مناف كما قال الزبير بن بكار، وكأنه نسبه إلى بني هاشم مجازًا لما كان بين بني هاشم وبني المطلب من المودة والمؤاخاة وسماه ابن الكلبي عامرًا ( استأجره رجل من قريش) اسمه خداش بخاء معجمة مكسورة فدال مهملة وبعد الألف شين معجمة ابن عبد الله بن أبي قيس العامري كما عند الزبير بن بكار، وللأصيلي وأبي ذر فيما ذكره في الفتح استأجر رجلاً من قريش قال: وهو مقلوب والصواب الأول ( من فخذ أخرى) بكسر الخاء المعجمة وتسكن آخره معجمة ( فانطلق) الأجير ( معه) مع المستأجر ( في إبله) إلى الشام ( فمر رجل به) أي بالأجير ولأبي ذر وابن عساكر فأمر به رجل ( من بني هاشم) لم يسم ( قد انقطعت عروة جوالقه) بضم الجيم وكسر اللام مصححًا عليها في الفرع كالأصل من غير همز أي وعائه ويكون من جلود وغيرها فارسي معرب ( فقال) للأجير: ( أغثني) بمثلثة من الإغاثة ( بعقال) بكسر العين المهملة بحبل ( أشد به عروة جوالقي لا تنفر الإبل) بكسر الفاء وضم الراء مصححًا عليها في الفرع وأصله ( فأعطاه عقالا فشدّ به عروة جوالقه فلما نزلوا) منزلاً ( عقلت الإبل) بضم العين مبنيًّا للمفعول ( إلا بعيرًا واحدًا) لم يعقل لعدم وجدان عقاله الذي شد به الجوالق ( فقال الذي استأجره: ما شأن هذا البعير لم يعقل من بين الإبل.
قال)
له الأجير: ( ليس له عقال.
قال)
المستأجر له: ( فأين عقالها؟) زاد الفاكهي من وجه آخر عن أبي معمر شيخ المؤلّف فقال: مر بي رجل من بني هاشم قد انقطعت عروة جوالقه واستغاث في فأعطيته ( قال: فحذفه) بالمهملة والذال المعجمة أي رماه ( بعصا) أصابت مقتله ( كان فيها أجله) وقول العيني تبعًا للحافظ ابن حجر -رحمه الله- قوله فمات أي أشرف على الموت ظاهره أنه من الحديث عند البخاري، ولم أجده في أصل من أصوله بعد الكشف عنه فالله أعلم.
نعم قوله فكان فيها أجله معناه مات لكنه لا يلزم منه الفورية بدليل قوله: ( فمرّ به رجل من أهل اليمن) لم يسم أي قبل أن يقضي ( فقال) له: ( أتشهد الموسم) أي موسم الحج ( قال) الرجل المار: ( ما أشهد) بحذف ضمير المفعول ( وربما شهدته قال) له: ( هل أنت مبلغ) بضم الميم وسكون الموحدة وكسر اللام ( عني رسالة مرة من الدهر؟) بسكون الهاء وفي
اليونينية بفتحها أي وقتًا من الأوقات ( قال: نعم) أفعل ذلك ( قال: فكنت) بضم الكاف وسكون النون وضم الفوقية مصححًا عليها في الفرع كأصله وفي غيره بفتحها على الخطاب من الكون فيهما ولأبي ذر فكتب بالفوقية والموحدة من الكتابة قال ابن حجر رحمه الله: وهذه أوجه من الأولى.
وقال عياض: إنها بالنون عند الحموي والمستملي وإنها التي في أصل سماعه ( إذا أنت شهدت الموسم فناد يا آل قريش) بإثبات الهمزة في الفرع وبحذفها في غيره على الاستغاثة ( فإذا أجابوك فناد يا آل بني هاشم) بالهمزة وحذفها كسابقه ( فإن أجابوك فاسأل) بسكون السين بعدها همزة في الفرع وفي اليونينية فسل بفتح السين من غير همز ( عن أبي طالب فأخبره أن فلانًا) الذي استأجرني ( قتلني في) أي بسبب ( عقال ومات المستأجر) بفتح الجيم بسبب تلك الحذفة بعد أن أوصى اليماني بما أوصاه.

( فلما قدم الذي استأجره أتاه أبو طالب فقال) له: ( ما فعل صاحبنا؟ قال: مرض فأحسنت القيام عليه) وتوفي ( فوليت دفنه) بفتح الواو وكسر اللام ( قال) أبو طالب ( قد كان أهل ذاك) بغير لام ولأبي ذر ذلك ( منك فمكث حينًا) بضم الكاف ( ثم إن الرجل) اليماني ( الذي أوصى إليه أن يبلغ) بضم التحتية وسكون الموحدة وكسر اللام ( عنه) ما ذكر ( وافى الموسم) أي أتاه ( فقال: يا آل قريش.
قالوا)
له: ( هذه قريش.
قال: يا آل بني هاشم)
ولأبي ذر عن الحموي والمستملي يا بني هاشم ( قالوا: هذه بنو هاشم قال: أين) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي من ( أبو طالب؟ قالوا: هذا أبو طالب.
قال)
له: ( أمرني فلان أن أبلغك) بضم الهمزة وسكون الموحدة ( رسالة أن) بفتح الهمزة ( فلانًا قتله في) أي بسبب ( عقال) وزاد ابن الكلبي فأخبره بالقصة وخداش يطوف بالبيت لا يعلم بما كان فقام رجال من بني هاشم إلى خداش فضربوه وقالوا: قتلت صاحبنا فجحد ( فأتاه أبو طالب فقال) له: ( اختر منا إحدى ثلاث) كانت معروفة عندهم ( إن شئت أن تؤدي) بهمزة مفتوحة ( مائة من الإبل فإنك) أي بسبب أنك ( قتلت صاحبنا، وإن شئت حلف) بلفظ الماضي ( خمسون من قومك أنك) بفتح الهمزة وكسرها في اليونينية ( لم تقتله، فإن أبيت) أي امتنعت من ذلك ( قتلناك به) والظاهر أن هذه هي الثالثة.
وعند الزبير بن بكار أنهم تحاكموا في ذلك إلى الوليد بن المغيرة فقضى أن يحلف خمسون رجلاً من بني عامر عند البيت ما قتله خداش.

( فأتى قومه) فذكر لهم ذلك ( فقالوا: نحلف فأتته) أي أبا طالب ( امرأة من بني هاشم) اسمها زينب بنت علقمة أخت المقتول ( كانت تحت رجل منهم) اسمه عبد العزى بن قيس العامري ( قد ولدت له) ولدا اسمه حويطب بمهملتين مصغرًا وله صحبة ( فقالت: يا أبا طالب أحب أن تجيز) بجيم وزاي تسقط ( ابني) حويطبًا ( هذا) من اليمين وتعفو عنه ( برجل) أي بدل رجل ( من الخمسين ولا تصبر يمينه) بفتح الفوقية وسكون الصاد المهملة وضم الموحدة وتكسر مجزوم على النهي، ولأبي ذر: ولا تصبر بضم أوّله وكسر ثالثه أي ولا تلزمه باليمين ( حيث تصبر الإيمان) بضم الفوقية وفتح الموحدة بين الركن والمقام ( ففعل) أبو طالب ما سألته ( فأتاه رجل منهم) لم يسم ( فقال: يا أبا طالب أردت خمسين رجلاً أن يحلفوا مكان مائة من الإبل
يصيب)
فعل مضارع ( كل رجل) بنصب كل على المفعولية ( بعيران هذان بعيران فأقبلهما عني) بفتح الموحدة ( ولا تصبر) بفتح أوله وضم ثالثه وقد تكسر، ولأبي ذر: ولا تصبر بضم أوّله وكسر ثالثه ( يميني حيث تصبر الأيمان) بضم أوّله وفتح ثالثه مبنيًا للمفعول وبكسر الموحدة مبنيًّا للفاعل ( فقبلهما وجاء ثمانية وأربعون) رجلاً ( فحلفوا) زاد ابن الكلبي عند الركن أن خداشًا بريء من دم المقتول.

( قال ابن عباس) -رضي الله عنهما- بالسند المذكور: ( فوالذي نفسي بيده ما حال) ولأبى ذر عن الكشميهني: ما جاء ( الحول) من يوم حلفهم ( ومن الثمانية وأربعين) الذين حلفوا وللأصيلي وابن عساكر: والأربعين ( عين تطرف) بكسر الراء أي تتحرك زاد ابن الكلبي وصارت رباع الجميع لحويطب، فلذا كان أكثر من بمكة رباعًا.

استشكل قول ابن عباس -رضي الله عنهما- فوالذي نفسي بيده إلى آخره مع كونه حين ذاك لم يولد.
وأجيب: باحتمال أن الذي أخبره بذلك جماعة اطمأنت نفسه إلى صدقهم حتى وسعه أن يحلف على ذلك قاله السفاقسي.
وقال في الفتح: ويحتمل أن يكون الذي أخبره بذلك هو النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: وهو أمكن في دخول هذا الحديث في الصحيح.
وقال في الكواكب: فيه ردع للظالمين وسلوة للمظلومين، ووجه الحكمة في هلاكهم كلهم أن يتمانعوا من الظلم إذ لم يكن فيهم إذ ذاك نبي ولا كتاب ولا كانوا يؤمنون بالبعث، فلو تركوا مع ذلك هملاً لأكل القوي الضعيف ولاقتضم الظالم المظلوم.
وروى الفاكهي كما ذكره في الفتح من طريق ابن أبي نجيح عن أبيه قال: حلف ناس عند البيت قسامة على باطل ثم خرجوا فنزلوا تحت صخرة فانهدمت عليهم.

وهذا الحديث أخرجه النسائي في القسامة، ومباحث القسامة تأتي إن شاء الله تعالى في محلها بعون الله وقوّته.




[ قــ :3668 ... غــ : 3847 ]
- وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنَا عَمْرٌو عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَشَجِّ أَنَّ كُرَيْبًا مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ حَدَّثَهُ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "لَيْسَ السَّعْيُ بِبَطْنِ الْوَادِي بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سُنَّةً، إِنَّمَا كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَسْعَوْنَهَا وَيَقُولُونَ: لاَ نُجِيزُ الْبَطْحَاءَ إِلاَّ شَدًّا".

وبه قال: ( وقال ابن وهب) : عبد الله فيما وصله أبو نعيم في مستخرجه ( أخبرنا عمرو) بفتح العين ابن الحرث المصري ( عن بكير بن الأشج) بضم الموحدة مصغرًا والأشج بهمزة وشين معجمة مفتوحتين فجيم نسبة لجدّه واسم أبيه عبد الله مولى بني مخزوم ( أن كريبًا) بضم الكاف وفتح الراء وسكون التحتية بعدها موحدة ( مولى ابن عباس حدثه أن ابن عباس) -رضي الله عنهما- ( قال: ليس السعي) المشي الشديد ( ببطن الوادي بين الصفا والمروة سنّة) ولأبي ذر عن الكشميهني بسنّة ( إنما كان أهل الجاهلية يسعونها) يمشونها مشيًا شديدًا ( ويقولون لا نجيز البطحاء) بضم النون وكسر الجيم وبعد التحتية الساكنة زاي أي لا نقطع مسيل الوادي ( إلا) إجازة ( شدّا) بقوّة وعدو شديد، ولم ينف ابن عباس سنية السعي المجرد بل شدة المشي إذ أصل السعي طريقة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بل واجب ركن في الحج والعمرة.
نعم قال الجمهور باستحباب العدو في بطن المسيل، وخالفهم ابن عباس -رضي الله عنهما-.




[ قــ :3669 ... غــ : 3848 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ أَخْبَرَنَا مُطَرِّفٌ سَمِعْتُ أَبَا السَّفَرِ يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- يَقُولُ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، اسْمَعُوا مِنِّي مَا أَقُولُ لَكُمْ، وَأَسْمِعُونِي مَا تَقُولُونَ، وَلاَ تَذْهَبُوا فَتَقُولُوا: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ فَلْيَطُفْ مِنْ وَرَاءِ الْحِجْرِ، وَلاَ تَقُولُوا الْحَطِيمُ، فَإِنَّ الرَّجُلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ يَحْلِفُ فَيُلْقِي سَوْطَهُ أَوْ نَعْلَهُ أَوْ قَوْسَهُ".

وبه قال: ( حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد ( عبيد الله بن محمد) بضم العين في الفرع وفي اليونينية وغيرها بفتحها وهو المعروف ( الجعفي) بضم الجيم وسكون العين المهملة المسندي قال: ( حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: ( أخبرنا مطرف) بضم الميم وفتح المهملة وكسر الراء المشددة ابن عبد الله الحرشي بمهملتين ثم معجمة البصري ( قال: سمعت أبا السفر) بفتح المهملة والفاء سعيد بن يحمد بضم التحتية وسكون الحاء المهملة وكسر الميم بعدها دال مهملة الهمداني الثوري الكوفي ( يقول: سمعت ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: يا أيها الناس اسمعوا مني ما أقول لكم) سماع ضبط واتقان ( وأسمعوني) بهمزة قطع أي أعيدوا عليّ ( ما تقولون) إنكم حفظتموه مني فكأنه خشي أن لا يفهموا مراده ( ولا تذهبوا فتقولوا قال ابن عباس) كذا ( قال ابن عباس) كذا من
قبل أن تضبطوا ما أقول لكم ( من طاف بالبيت فليطف من وراء الحجر) بكسر الحاء وسكون الجيم وهو المحوّط الذي تحت الميزاب وأكثر الروايات كما نبه عليه في شفاء الغرام أن فيه من البيت نحو سبعة أذرع كما في الصحيحين ( ولا تقولوا الحطيم) أي لا تسموه بالحطيم ( فإن الرجل في الجاهلية كان يحلف) عنده ( فيلقي) فيه ( سوطه أو نعله أو قوسه) بعد أن يحلف علامة لعقد حلفه فسموه بالحطيم لذلك لكونه يحطم أمتعتهم فعيل بمعنى فاعل، وقيل ما ذكره في شفاء الغرام لأنهم كانوا يطرحون فيه ما طافوا به من الثياب فيبقى حتى ينحطم من طول الزمان، وقيل لأنهم كانوا يحطمون بالإيمان فقلّ من حلف هناك آثمًا إلا عجلت له العقوبة، وقيل الحطيم ما بين الحجر الأسود والمقام وزمزم والحجر، لكن قال في الفتح: إن حديث ابن عباس المذكور حجة في ردّ هذا وشبهه.




[ قــ :3670 ... غــ : 3849 ]
- حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: "رَأَيْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قِرْدَةً اجْتَمَعَ عَلَيْهَا قِرَدَةٌ قَدْ زَنَتْ فَرَجَمُوهَا، فَرَجَمْتُهَا مَعَهُمْ".

وبه قال: ( حدّثنا نعيم بن حماد) بتشديد الميم ابن معاوية بن الحرث الخزاعي أبو عبد الله الرفاء بالفاء المروزي نزيل مصر صدوق يخطئ كثيرًا فقيه عارف بالفرائض وقد تتبع ابن عدي ما أخطأ فيه وقال باقي حديثه مستقيم ووثقه أحمد قال: ( حدّثنا هشيم) بضم الهاء وفتح الشين المعجمة مصغرًا ابن بشير بفتح الموحدة بوزن عظيم ابن معاوية بن خازم بمعجمتين الواسطي ( عن حصين) بمهملتين مصغرًا ابن عبد الرحمن الكوفي ( عن عمرو بن ميمون) بفتح العين الأودي أبي عبد الله المخضرم المشهور أسلم في زمنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم يره أنه ( قال: رأيت في الجاهلية قردة) بكسر القاف وسكون الراء أنثى الحيوان المعروف ( اجتمع عليها قردة) بكسر القاف وفتح الراء جمع قرد ويجمع أيضًا على قرود حال كونها ( قد زنت فرجموها فرجمتا معهم) .

وهذا الحديث ثابت في جميع أصول البخاري التي رأيتها قال في الفتح وكفى بإيراد أبي ذر الحافظ له عن شيوخه الثلاثة الأئمة المتقنين عن الفربري وأبي مسعود له في الأطراف حجة لكنه سقط من رواية النسفيّ، وكذا الحديث الذي بعده ولا يلزم من ذلك أن لا يكون في رواية الفربري فإن روايته تزيد على رواية النسفيّ عدة أحاديث.

ورواه الإسماعيلي من وجه آخر من طريق عبد الملك بن مسلم عن عيسى بن حطان عن عمرو بن ميمون قال: كنت في اليمن في غنم لأهلي وأنا على شرف فجاء قرد مع قردة فتوسد يدها فجاء قرد أصغر منها فغمزها فسلت يدها من تحت رأس القرد الأوّل سلاً رفيقًا وتبعته فوقع عليها وأنا أنظر، ثم رجعت فجعلت تدخل يدها تحت خد القرد الأول برفق فاستيقظ فزعًا فشمها فصاح فاجتمعت القرود فجعل يصيح ويومئ إليها بيده فذهب القرود يمنة ويسرة فجاؤوا بذلك القرد أعرفه فحفروا لهما حفرة فرجموهما فلقد رأيت الرجم في غير بني آدم.

ورواه البخاري أيضًا في تاريخه الكبير فقال: قال لي نعيم بن حماد: أخبرنا هشيم عن أبي المليح وحصين عن عمرو بن ميمون قال: رأيت في الجاهلية قردة اجتمع عليها قردة فرجموها ورجمتها معهم وليس فيه قد زنت، وقول ابن الأثير في أسد الغابة كابن عبد البر أن القصة بطولها يعني المروية عند الإسماعيلي المذكورة تدور على عبد الملك بن مسلم عن عيسى بن حطان وليسا ممن يحتج بهما، وهذا عند جماعة من أهل العلم منكر لإضافة الزنا إلى غير مكلف وإقامة الحدود على البهائم، ولو صح ذلك لكان من الجن لأن العبادات والتكليفات في الجن والإنس دون غيرهما.
أجيب عنه: بأنه لا يلزم من كون عبد الملك وابن حطان مطعونًا فيهما ضعف رواية البخاري للقصة عن غيرهما بل مقوّية وعاضدة لرواية الإسماعيلي المذكورة، وبأنه لا يلزم من كون صورة الواقعة صورة الزنا أن يكون ذلك زنا حقيقة ولا حدًّا، وإنما أطلق ذلك عليه لشبهه به فلا يستلزم ذلك إيقاع التكليف على الحيوان.




[ قــ :3671 ... غــ : 3850 ]
- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "خِلاَلٌ مِنْ خِلاَلِ الْجَاهِلِيَّةِ: الطَّعْنُ فِي الأَنْسَابِ، وَالنِّيَاحَةُ -وَنَسِيَ الثَّالِثَةَ- قَالَ سُفْيَانُ: وَيَقُولُونَ إِنَّهَا الاِسْتِسْقَاءُ بِالأَنْوَاءِ".

وبه قال: ( حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: ( حدّثنا سفيان) بن عيينة ( عن عبيد الله) بضم العين مصغرًا ابن أبي يزيد.
المكي مولى آل قارظ بن شيبة الكناني وثقه ابن المديني أنه ( سمع ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: خلال من خلال الجاهلية) بالخاء المعجمة فيهما أي خصال من خصال الجاهلية ( الطعن في الأنساب) أي القدح فيها بغير علم ( والنياحة) بكسر النون على الميت ( ونسي) عبيد الله الراوي الخلة ( الثالثة.
قال سفيان)
بن عيينة ( ويقولون إنها) أي الثالثة ( الاستسقاء بالأنواء) جمع نوء وهو منزل القمر كانوا يقولون مطرنا بنوء كذا وسقينا بنوء كذا.