فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب حديث الإسراء

باب حَدِيثِ الإِسْرَاءِ، وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: { سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى} [الإسراء: 1]
( باب حديث الإسراء) سقط التبويب لأبي ذر ( وقول الله تعالى: { سبحان} ) تنزيه لله تعالى عن السوء وهو علم للتسبيح كعثمان للرجل.
قال الراغب: السبح المرّ السريع في الماء أو في الهواء.
يقال: سبح سبحًا وسباحة وأستعير لمرّ النجوم في الفلك كقوله تعالى: { كل في فلك يسبحون} [الأنبياء: 33] ولجري الفرس: { والسابحات سبحًا} [النازعات: 3] ولسرعة الذهاب في العمل { إن لك في النهار سبحًا طويلاً} [المزمل: 7] والتسبيح أصله التنزيه للباري جل وعلا، والمرّ السريع في عبادته عز وجل، وجعل ذلك في فعل الخير كما جعل الإبعاد في الشر، وقيل أبعده الله ثم جعل التسبيح عامًا في العبادات قولاً كانت أو فعلاً أو نيّة قال تعالى: { فلولا أنه كان من المسبحين} [الصافات: 143] وقال عز وجل: { ونحن نسبح بحمدك} [البقرة: 30] وسبحان أصله مصدر كغفران.
قال أبو البقاء: سبحان اسم واقع موقع المصدر، وقد اشتق منه سبحت والتسبيح ولا يكاد يستعمل إلا مضافًا لأن الإضافة تبين من المعظم، فإذا أفرد عن الإضافة
كان اسمًا علمًا للتسبيح لا ينصرف للتعريف والألف والنون في آخره مثل عثمان.
وقال ابن الحاجب: والدليل على أن سبحان علم التسبيح قول الشاعر:
قد قلت لما جاءني فخره ... سبحان من علقمة الفاخر
ولولا أنه علم لوجب صرفه لأن الألف والنون في غير الصفات إنما تمنع مع العلمية ولا يستعمل علمًا إلا شاذًا وأكثر استعماله مضافًا وليس بعلم لأن الأعلام لا تضاف ( { الذي أسرى بعبده} ) [الإسراء: 1] سيدنا محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأسرى وسرى واحد، لكن قال السهيلي: تسامح اللغويون في سرى وأسرى وجعلوهما بمعنى واحد، واتفقت الرواة على تسمية الإسراء به عليه السلام إسراء ولم يسمه أحد منهم سرى، فدلّ على أنهم لم يحققوا فيه العبارة ولذلك لم يختلف في تلاوة أسرى دون سرى.
وقال: { والليل إذا يسر} [الفجر: 4] فدلّ على أن السرى من سريت إذا سرت ليلاً وهي مؤنثة تقول طالت سراك الليلة والإسراء متعد في المعنى لكن حذف مفعوله كثيرًا حتى ظن أنهما بمعنى لما رأوهما غير متعديين في اللفظ إلى مفعول، وإنما أسرى بعبده أي جعل البراق يسري به وحذف المفعول للدلالة عليه إذ المقصود بالخبر ذكره لما ذكر الدابة التي سرت به اهـ.

( { ليلاً} ) [الإسراء: 1] نصب على الظرفية وقيده بالليل والإسراء لا يكون إلا بالليل للتأكيد أو ليدل بلفظ التنكير على تقليل مدة الإسراء أو أنه أسرى به في بعض الليل من مكة إلى الشام مدة أربعين ليلة ( { من المسجد الحرام} ) [الإسراء: 1] روي أنه من بيت أم هانئ، فالمراد بالمسجد الحرام المحرم كله لإحاطته بالمسجد والتباسه به، وكان الإسراء به يقظة إذ لا فضيلة للحالم ولا مزية للنائم ( { إلى المسجد الأقصى} ) [الإسراء: 1] هو بيت المقدس لأنه لم يكن حينئذٍ وراءه مسجد وهو معدن الأنبياء من لدن الخليل، ولذا جمعوا له هنالك كلهم فأمهم في محلتهم ودارهم ليدل ذلك على أنه الرئيس المقدم، والإمام الأعظم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وشرف وكرم وسقط قوله من المسجد الحرام إلخ لأبي ذر.


[ قــ :3707 ... غــ : 3886 ]
- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: «سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: لَمَّا كَذَّبَنِي قُرَيْشٌ قُمْتُ فِي الْحِجْرِ فَجَلى اللَّهُ لِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَطَفِقْتُ أُخْبِرُهُمْ عَنْ آيَاتِهِ، وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ».
[الحديث 3886 - طرفه في: 4710] .

وبه قال: ( حدّثنا يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن بكير المخزومي مولاهم المصري قال: ( حدّثنا الليث) بن سعد الإمام ( عن عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن خالد الأيلي ( عن ابن شهاب) الزهري أنه قال: ( حدّثني) بالإفراد ( أبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف قال: ( سمعت جابر بن عبد الله) الأنصاري ( -رضي الله عنهما- أنه سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول) :
( لما كذبني) بتشديد الذال المعجمة، ولأبي ذر عن الكشميهني: كذبتني بتاء التأنيث.
بعد الموحدة ( قريش) أي إذ أخبرهم أنه جاء بيت المقدس في ليلة واحدة رجع ( قمت في الحجر) بكسر
الحاء المهملة وسكون الجيم ( فجلا الله) بالجيم وتخفيف اللام، ولأبي ذر عن الكشميهني: فجلى الله بتشديدها كشف ( لي بيت المقدس) بأن أزال الحجاب بيني وبينه ( فطلّقت) بكسر الفاء وسكون القاف ( أخبرهم عن آياته) علاماته ( وأنا أنظر إليه) .

وفي حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-: "فجيء بالمسجد وأنا أنظر إليه حتى وضع عند دار عقيل فنعته وأنا أنظر إليه" رواه البزار.

وفي الدلائل للبيهقي من طريق صالح بن كيسان عن الزهري عن أبي سلمة قال: افتتن ناس يعني عقب الإسراء فجاء ناس إلى أبي بكر -رضي الله عنه- فذكروا له فقال: أشهد أنه صادق.

فقالوا: أوتصدقه أنه أتى الشام في ليلة واحدة ثم رجع إلى مكة؟ قال: نعم أصدقه بأبعد من ذلك أصدقه بخبر السماء قال: فسمي بذلك الصديق.

وهذا الحديث أخرجه أيضًا في التفسير، ومسلم في الإيمان، والترمذي والنسائي في التفسير.