فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب التاريخ، من أين أرخوا التاريخ

باب التَّارِيخِ.
مِنْ أَيْنَ أَرَّخُوا التَّارِيخَ؟
هذا ( باب) بالتنوين من غير ترجمة، ولأبي ذر عن الكشميهني: باب التاريخ وهو تعريف الوقت من حيث هو وقت والإرخ بكسر الهمزة الوقت وفي الاصطلاح قيل هو توقيت الفعل بالزمان ليعلم مقدار ما بين ابتدائه وبين أيّ غاية فرضت له.
فإذا قلت: كتبته في يوم كذا من شهر كذا من سنة كذا وقرئ بعدما كتبته بعد ذلك بسنة مثلاً علم أن ما بين الكتابة وبين قراءتها سنة، وقيل هو أول مدة الشهر ليعلم به مقدار ما مضى، وأما اشتقاقه ففيه خلاف قيل إنه أعجمي فلا اشتقاق فيه، وقيل عربي، واختصت العرب بأنها تؤرخ بالسنة القمرية دون الشمسية فلهذا تقدم الليالي في التاريخ على الأيام لأن الهلال إنما يظهر في الليل ( من أين أرخوا التاريخ) أي من أي وقت كان ابتداؤه؟ وعند ابن الجوزي أنه لما كثر بنو آدم أرخوا بهبوط آدم عليه السلام فكان التاريخ به إلى الطوفان، ثم إلى نار الخليل، ثم إلى زمان يوسف، ثم إلى خروج موسى من مصر ببني إسرائيل، ثم إلى زمن داود، ثم إلى زمن سليمان، ثم إلى زمان عيسى عليه السلام، ورواه ابن إسحاق عن ابن عباس -رضي الله عنهما-، وقيل: أرخت اليهود بخراب بيت المقدس والنصارى برفع المسيح، وأما ابتداء تاريخ الإسلام فروي عن ابن شهاب الزهري -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما قدم المدينة أمر بالتاريخ فكتب في ربيع الأول.
رواه الحاكم في الإكليل لكن قال في الفتح: إنه معضل والمشهور خلافه.


[ قــ :3751 ... غــ : 3934 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: "مَا عَدُّوا مِنْ مَبْعَثِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلاَ مِنْ وَفَاتِهِ، مَا عَدُّوا إِلاَّ مِنْ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ".

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي قال: ( حدّثنا عبد العزيز عن أبيه) أبي حازم سلمة بن دينار ( عن سهل بن سعد) بسكون الهاء والعين الساعدي أنه ( قال: ما عدوا) التاريخ ( من) وقت ( مبعث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قيل لأن وقته كان مختلفًا فيه بحسب دعوته للحق ودخول الرؤيا
الصالحة فيه فلا يخلو من نزاع في تعيين سنته ( ولا من) وقت ( وفاته) لما يقع في تذكره من الأسف والتألم على فراقه ( ما عدوا) ذلك ( إلا من) وقت ( مقدمه المدينة) مهاجرًا، وإنما جعلوه من أوّل المحرم لأن ابتداء العزم على الهجرة كان في أول المحرم إذ البيعة وقعت في أثناء ذي الحجة وهي مقدمة الهجرة فكان أول هلال استهل بعد البيعة والعزم على الهجرة هلال محرم، فناسب أن يجعل مبتدأ وكان ذلك في خلافة عمر -رضي الله عنه- سنة سبع عشرة فجمع الناس فقال بعضهم: أرخ بالمبعث وقال بعضهم: بالهجرة فقال عمر: الهجرة فرقت بين الحق والباطل فأرخوا بها، وبالمحرم لأنه منصرف الناس من حجهم فاتفقوا عليه.
رواه الحاكم وغيره، والذي تحصل من مجموع الآثار أن الذي أشار بالمحرم عمر وعثمان وعلي.

وذكر السهيلي أن الصحابة -رضي الله عنهم- أخذوا التاريخ بالهجرة من قوله تعالى: { لمسجد أسس على التقوى من أول يوم} [التوبة: 108] لأنه من المعلوم أنه ليس أول الأيام مطلقًا، فتعين أنه أضيف إلى شيء مضمر وهو أول الزمن الذي عز فيه الإسلام وعبد فيه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ربه آمنًا وابتدئ فيه ببناء المساجد، فوافق رأي الصحابة -رضي الله عنهم- ابتداء التاريخ من ذلك اليوم وفهمنا من فعلهم أن قوله تعالى: { من أول يوم} أنه أول التاريخ الإسلامي.




[ قــ :375 ... غــ : 3935 ]
- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "فُرِضَتِ الصَّلاَةُ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ هَاجَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَفُرِضَتْ أَرْبَعًا وَتُرِكَتْ صَلاَةُ السَّفَرِ عَلَى الأُولَى".
تَابَعَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ.

وبه قال: ( حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: ( حدّثنا يزيد بن زريع) بضم الزاي مصغرًا أبو معاوية البصري قال: ( حدثنا معمر) هو ابن راشد الأزدي ( عن الزهري) محمد بن مسلم ( عن عروة) بن الزبير ( عن عائشة -رضي الله عنها-) وأنها ( قالت: فرضت الصلاة) بمكة ( ركعتين) في كتاب الصلاة ركعتين ركعتين بالتكرير لإفادة عموم التثنية لكل صلاة في الحضر والسفر ( ثم هاجر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) إلى المدينة ( ففرضت أربعًا) أربعًا ( وتركت صلاة السفر) ركعتين ركعتين ( على) الفريضة ( الأولى) بضم الهمزة ولأبي ذر على الأول من عدم وجوب الزائد بخلاف صلاة الحضر فإنه زيد في ثلاث منها ركعتان ( تابعه) أي تابع يزيد بن زريع ( عبد الرزاق) بن همام الصنعاني ( عن معمر) هو ابن راشد السابق وهذه المتابعة وصلها الإسماعيلي.