فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم اللهم أمض لأصحابي هجرتهم

باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اللَّهُمَّ أَمْضِ لأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ» وَمَرْثِيَتِهِ لِمَنْ مَاتَ بِمَكَّةَ
( باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) : ( اللهم أمض) بهمزة قطع ( لأصحابي هجرتهم) أي تممها لهم ولا تنقصها عليهم ( ومرثيته) بفتح الميم وسكون الراء وكسر المثلثة وفتح التحتية المخففة بعدها فوقية
وبالجر عطفًا على المجرور السابق أي وتوجعه عليه الصلاة والسلام ( لمن مات بمكة) من المهاجرين.


[ قــ :3753 ... غــ : 3936 ]
- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «عَادَنِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِنْ مَرَضٍ أَشْفَيْتُ مِنْهُ عَلَى الْمَوْتِ.
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَلَغَ بِي مِنَ الْوَجَعِ مَا تَرَى، وَأَنَا ذُو مَالٍ، وَلاَ يَرِثُنِي إِلاَّ ابْنَةٌ لِي وَاحِدَةٌ، أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي؟ قَالَ: لاَ.
قَالَ: فَأَتَصَدَّقُ بِشَطْرِهِ؟ قَالَ: الثُّلُثُ يَا سَعْدُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ ورثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ -قَالَ أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ: أَنْ تَذَرَ ذُرِّيَّتَكَ- وَلَسْتَ بِنَافِقٍ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلاَّ آجَرَكَ اللَّهُ بِهَا، حَتَّى اللُّقْمَةَ تَجْعَلُهَا فِي فِي امْرَأَتِكَ.
قُلْتَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُخَلَّفُ بَعْدَ أَصْحَابِي؟ قَالَ: إِنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ فَتَعْمَلَ عَمَلاً تَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ إِلاَّ ازْدَدْتَ بِهِ دَرَجَةً وَرِفْعَةً، وَلَعَلَّكَ تُخَلَّفُ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِكَ أَقْوَامٌ وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ.
اللَّهُمَّ أَمْضِ لأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ، وَلاَ تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ.
لَكِنِ الْبَائِسُ سَعْدُ ابْنُ خَوْلَةَ.
يَرْثِي لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ تُوُفِّيَ بِمَكَّةَ».
.

     وَقَالَ  أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ وَمُوسَى عَنْ إِبْرَاهِيمَ «أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ».

وبه قال: ( حدّثنا يحيى بن قزعة) بالقاف والزاي والعين المهملة المفتوحات وقد تسكن الزاي الحجازي قال: ( حدّثنا إبراهيم) بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- ( عن الزهري) محمد بن مسلم ( عن عامر بن سعد بن مالك عن أبيه) سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- أنه ( قال: عادني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عام حجة الوداع) سنة عشر ( من مرض) ولأبي ذر: يعني من وجع بي بدل قوله من مرض وزيادة يعني ( أشفيت) بالفاء المفتوحة بعدها تحتية ساكنة أي أشرفت ( منه على الموت فقلت: يا رسول الله بلغ بي من الوجع ما ترى وأنا ذو مال ولا يرثني) من الولد إلا إناث ( إلا ابنة لي واحدة) اسمها عائشة ( أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال) عليه الصلاة والسلام:
( لا.
قال)
: قلت ( فأتصدق) بحذف أداة الاستفهام ( بشطره؟ قال: لا) سقط قوله قال: لا لغير أبي ذر ( قال: الثلث) يكفيك يا سعد ( والثلث كثير) بالمثلثة مبتدأ أو خبر ( إنك أن تذر) بالمعجمة وفتح الهمزة تترك ( ذريتك) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ورثتك ( أغنياء خير من أن تذرهم عالة) بفتح اللام مخففة فقراء ( يتكففون الناس) يطلبون الصدقة من أكف الناس أو يسألونهم بأكفهم.

( قال أحمد بن يونس) : هو أحمد بن عبد الله بن يونس شيخ المؤلّف ( عن إبراهيم) بن سعد السابق مما وصله في حجة الوداع ( إن) بفتح الهمزة ( تذر ورثتك) وسقط من قوله: قال أحمد إلخ هنا لأبي ذر ( ولست بنافق) كذا وقع هنا وصحح عليه في الفرع أصله والقياس بمنفق لأنه من أنفق وقال في الفتح: إن في رواية الكشميهني تنفق وهو الصواب ( نفقة تبتغي بها وجه الله إلا آجرك الله بها) بمدّ همزة آجرك ( حتى اللقمة تجعلها في في امرأتك قلت: يا رسول الله أُخلَّف)
بضم الهمزة وفتح اللام المشددة وحذف همزة الاستفهام أي أأخلف ( بعد أصحابي) بمكة أو في الدنيا ( قال) عليه الصلاة والسلام: ( إنك لن تخلف) بضم أوله وفتح ثانيه وثالثه المشدّد وروي أنك أن تخلف وفي كلام الباجي وتفسيره ما يقتضي أن لمن بمعنى أن الشرطية لأنه فسرها بأنك أن ينسأ في أجلك أو أن تخلف بمكة وإنما أراد أن يخرج الكلام على الخبر بالتأويل لأن لن لنفي المستقبل محققًا والمراد هنا احتماله وتوقعه ( فتعمل عملاً) صالحًا ( تبتغي) تطلب ( به وجه الله) عز وجل ( إلا ازددت به) بالعمل الصالح ولأبي ذر بها ( درجة ورفعة ولعلك تخلف) بأن يطول عمرك ( حتى ينتفع بك أقوام) من المسلمين بما يفتحه الله عز وجل على يديك من بلاد الشرك ويأخذه المسلمون من الغنائم ( ويضرّ بك آخرون) من المشركين الهالكين على يديك وجنودك وكذا كان فإنه شفي من مرضه ولم يقم بمكة وعاش بعد نيفا وأربعين سنة وولي العراق وفتحها الله عز وجل على يديه فأسلم على يديه خلق كثير فنفعهم الله عز وجل به وقتل وأسر من الكفار كثيرًا فاستضروا به وذلك من جملة أعلام نبوّته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( اللهم أمض) بهمزة قطع أي تمم ( لأصحابي هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم) بترك هجرتهم ورجوعهم عن استقامتهم قال الزهري عن إبراهيم بن سعد: ( لكن البائس) بالموحدة والهمزة بعدها سين مهملة ولم يهمزه في اليونينية بل بخفض الياء فقط الذي عليه أثر البؤس وهو شدّة الفقر والحاجة ( سعد بن خولة) بفتح الخاء المعجمة وسكون الواو ( يرثي) بفتح التحتية وسكون الراء وكسر المثلثة أي يتحزن ويتوجه ( له رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إن توفي) أي لأجل وفاته ولأبي ذر: أن يتوفى ( بمكة) التي هاجر منها وقوله: لكن البائس إلخ ليس بمرفوع بل مدرج من قول الزهري كما أفادته رواية أبي داود الطيالسي لهذا الحديث.

( وقال أحمد بن يونس) : المذكور أعلاه فيما وصله المؤلّف في حجة الوداع كما بيناه قريبًا ( وموسى) بن إسماعيل المنقري شيخ المؤلّف أيضًا فيما وصله في الدعوات ( عن إبراهيم) بن سعد ( أن تذر ورثتك) وهذا التعليق ثابت هنا في أكثر الأصول، ولغير أبي ذر بعد قوله يتكففون الناس لكن تعليق أحمد بن يونس فقط كما مرّ.

وأخرج الحديث المؤلّف في الجنائز.