فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب ذكر النبي صلى الله عليه وسلم من يقتل ببدر

باب ذِكْرُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَنْ يُقْتَلُ بِبَدْرٍ
( باب ذكر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من يقتل ببدر) قبل وقوع غزوتها وسقط لفظ باب لأبي ذر فذكر رفع على ما لا يخفى، وفي نسخة باب ذكر من قتل ببدر.


[ قــ :3766 ... غــ : 3950 ]
- حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- حَدَّثَ عَنْ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ صَدِيقًا لأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَكَانَ أُمَيَّةُ إِذَا مَرَّ بِالْمَدِينَةِ نَزَلَ عَلَى سَعْدٍ، وَكَانَ سَعْدٌ إِذَا مَرَّ بِمَكَّةَ نَزَلَ عَلَى أُمَيَّةَ، فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ انْطَلَقَ سَعْدٌ مُعْتَمِرًا، فَنَزَلَ عَلَى أُمَيَّةَ بِمَكَّةَ فَقَالَ لأُمَيَّةَ انْظُرْ لِي سَاعَةَ خَلْوَةٍ لَعَلِّي أَنْ أَطُوفَ بِالْبَيْتِ، فَخَرَجَ بِهِ قَرِيبًا مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ فَلَقِيَهُمَا أَبُو جَهْلٍ فَقَالَ: يَا أَبَا صَفْوَانَ مَنْ هَذَا مَعَكَ؟ فَقَالَ هَذَا سَعْدٌ فَقَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ: أَلاَ أَرَاكَ تَطُوفُ بِمَكَّةَ آمِنًا وَقَدْ أَوَيْتُمُ الصُّبَاةَ وَزَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ تَنْصُرُونَهُمْ وَتُعِينُونَهُمْ! أَمَا وَاللَّهِ لَوْلاَ أَنَّكَ مَعَ أَبِي صَفْوَانَ مَا رَجَعْتَ إِلَى أَهْلِكَ سَالِمًا فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ، وَرَفَعَ صَوْتَهُ عَلَيْهِ: أَمَا وَاللَّهِ لَئِنْ مَنَعْتَنِي هَذَا لأَمْنَعَنَّكَ مَا هُوَ أَشَدُّ عَلَيْكَ مِنْهُ، طَرِيقَكَ عَلَى الْمَدِينَةِ فَقَالَ لَهُ أُمَيَّةُ: لاَ تَرْفَعْ صَوْتَكَ يَا سَعْدُ عَلَى أَبِي الْحَكَمِ سَيِّدِ أَهْلِ الْوَادِي فَقَالَ سَعْدٌ: دَعْنَا عَنْكَ يَا أُمَيَّةُ فَوَاللَّهِ لَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "إِنَّهُمْ قَاتِلُوكَ".
قَالَ: بِمَكَّةَ قَالَ: لاَ أَدْرِي، فَفَزِعَ لِذَلِكَ أُمَيَّةُ فَزَعًا شَدِيدًا فَلَمَّا رَجَعَ أُمَيَّةُ إِلَى أَهْلِهِ قَالَ: يَا أُمَّ صَفْوَانَ أَلَمْ تَرَيْ مَا قَالَ لِي سَعْدٌ؟ قَالَتْ وَمَا قَالَ لَكَ؟ قَالَ: زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُمْ قَاتِلِيَّ فَقُلْتُ لَهُ: بِمَكَّةَ؟ قَالَ: لاَ أَدْرِي فَقَالَ أُمَيَّةُ: وَاللَّهِ لاَ أَخْرُجُ مِنْ مَكَّةَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ اسْتَنْفَرَ أَبُو جَهْلٍ النَّاسَ قَالَ: أَدْرِكُوا عِيرَكُمْ فَكَرِهَ أُمَيَّةُ أَنْ يَخْرُجَ فَأَتَاهُ أَبُو جَهْلٍ فَقَالَ يَا أَبَا صَفْوَانَ إِنَّكَ مَتَى يَرَاكَ النَّاسُ قَدْ تَخَلَّفْتَ وَأَنْتَ سَيِّدُ أَهْلِ الْوَادِي تَخَلَّفُوا مَعَكَ فَلَمْ يَزَلْ بِهِ أَبُو جَهْلٍ حَتَّى قَالَ: أَمَّا إِذْ غَلَبْتَنِي فَوَاللَّهِ لأَشْتَرِيَنَّ أَجْوَدَ بَعِيرٍ بِمَكَّةَ، ثُمَّ قَالَ
أُمَيَّةُ: يَا أُمَّ صَفْوَانَ جَهِّزِينِي فَقَالَتْ لَهُ: يَا أَبَا صَفْوَانَ وَقَدْ نَسِيتَ مَا قَالَ لَكَ أَخُوكَ الْيَثْرِبِيُّ! قَالَ: لاَ مَا أُرِيدُ أَنْ أَجُوزَ مَعَهُمْ إِلاَّ قَرِيبًا، فَلَمَّا خَرَجَ أُمَيَّةُ أَخَذَ لاَ يَنْزِلُ مَنْزِلاً إِلاَّ عَقَلَ بَعِيرَهُ فَلَمْ يَزَلْ بِذَلِكَ حَتَّى قَتَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِبَدْرٍ.

وبه قال: ( حدثني) بالإفراد ( أحمد بن عثمان) بن حكيم الأودي قال: ( حدّثنا شريح بن مسلمة) بضم الشين المعجمة آخره حاء مهملة ومسلمة بفتح الميم واللام الكوفي قال: ( حدّثنا إبراهيم بن يوسف عن أبيه) يوسف بن إسحاق ( عن أبي إسحاق) السبيعي أنه ( قال: حدثني) بالإفراد ( عمرو بن ميمون) الأزدي الكوفي أدرك الجاهلية ( أنه سمع عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- حدث عن سعد بن معاذ) الأنصاري الأشهلي ( أنه قال: كان صديقًا لأمية بن خلف) أبي صفوان وكان من كبار المشركين ( وكان أمية إذا مرّ بالمدينة) يثرب عند سفره إلى الشام للتجارة ( نزل على سعد) أي ابن معاذ ( وكان سعد إذا مرّ بمكة) لأجل العمرة ( نزل على أمية) بن خلف ( فلما قدم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في المدينة انطلق سعد) حال كونه ( معتمرًا) وكانوا يعتمرون من المدينة قبل أن يعتمر عليه الصلاة والسلام ( فنزل على أمية بمكة فقال لأمية: انظر لي ساعدة خلوة لعلي أن أطوف بالبيت فخرج به) أمية ( قريبًا من نصف النهار) لأنه وقت غفلة وقائلة ( فلقيهما أبو جهل) عمرو المخزومي عدو الله ( فقال) لأمية: ( يا أبا صفوان من هذا معك؟ فقال) ولأبي ذر قال: ( هذا سعد فقال له) أي لسعد ( أبو جهل: ألا) بتخفيف اللام للاستفهام ولأبي ذر عن الكشميهني لا بحذف همزة الاستفهام وهي مرادة ( أراك) بفتح الهمزة ( تطوف بمكة) حال كونك ( آمنًا وقد آويتم الصباة) بمد همزة آويتم وقصرها وضم صاد الصباة وتخفيف الموحدة جمع الصابي كقضاة جمع قاض وكانوا يسمون النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه المهاجرين الذين هاجروا إلى المدينة صباة من صبا إذا مال عن دينه ( وزعمتم أنكم تنصرونهم وتعينونهم أما) بتخفيف الميم وألف بعدها حرف استفتاح وفي اليونينية كفرعها أما بتشديدها وفي غيرهما بالتخفيف وكذا حكى الزركشي فيها تشديد الميم قيل وهو خطأ ولأبي ذر أم ( والله لولا أنك مع أبي صفوان) أمية بن خلف ( ما رجعت إلى أهلك سالمًا فقال له سعد ورفع صوته عليه: أما) بالتشديد في اليونينية وفرعها وفي غيرهما بالتخفيف ولأبي ذر أم ( والله لئن منعتني هذا) أي الطواف بالبيت ( لأمنعنك ما هو أشد عليك منه طريقك) بالنصب بدلاً من قوله ما هو أشد عليك منه ويجوز الرفع خبر مبتدأ محذوف أي هو طريقك ( على المدينة فقال له) أي لسعد ( أمية: لا ترفع صوتك يا سعد على أبي الحكم) بفتحتين هو عدوّ الله أبو جهل ( سيد) صفة لسابقه وللأصيلي وابن عساكر فإنه سيد ( أهل الوادي) أي أهل مكة ( فقال سعد: دعنا عنك يا أمية) أي اترك محاماتك لأبي جهل ( فوالله لقد سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول) :
( إنهم) يعني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه ( قاتلوك) وللأصيلي إنه أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قاتلك، ووهم الكرماني حيث جعل الضمير لأبي جهل واستشكله فقال: إن أبا جهل لم يقتل أمية ثم تأوّل ذلك بأن أبا جهل كان السبب في خروجه إلى القتال والقتل كما يكون مباشرة يكون تسببًا ( قال) : أي
أمية قاتلي ( بمكة.
قال: لا أدري ففزع)
بكسر الزاي أي خاف ( لذلك) الذي قاله سعد ( أمية فزعًا شديدًا) بفتح الزاي وفي علامات النبوّة من طريق إسرائيل فقال: والله ما يكذب محمد إذا حدّث فبين في رواية إسرائيل سبب فزعه كما قاله في الفتح ( فلما رجع أمية إلى أهله) زوجته ( قال) لها: ( يا أم صفوان) اسمها صفية أو كريمة بنت معمر بن حبيب بن وهب ( ألم تري ما قال لي سعد؟ قالت وما قال لك؟ قال: زعم أن محمدًا) زاد في نسخة -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( أخبرهم أنهم قاتليّ) بتشديد الياء ولأبي ذر أنه قاتلي بإفراد الضمير وتخفيف الياء وفي هذا رد لما قاله الكرماني وتصريح بما مرّ على ما لا يخفى ( فقلت له بمكة؟ قال: لا أدري فقال) ولأبي ذر قال: ( أمية: والله لا أخرج من مكة فلما كان يوم بدر) زاد إسرائيل وجاء الصريخ، وعند ابن إسحاق أن اسم الصارخ ضمضم بن عمرو الغفاري وكان أبو سفيان جاء من الشام في قافلة عظيمة فيها أموال قريش فندب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الناس إليهم، فلما بلغ أبا سفيان ذلك أرسل ضمضمًا إلى قريش يحرّضهم على المجيء لحفظ أموالهم فلما وصل لمكة جدع بعيره وشق قميصه وصرخ يا معشر قريش أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد الغوث الغوث فلما فرغ من ذلك ( استنفر أبو جهل الناس) أي طلب خروجهم ( قال) : ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر فقال: ( أدركوا عيركم) بكسر العين أي القافلة التي كانت مع قريش ولأبي ذر عيرهم بالهاء بدل الكاف ( فكره أمية أن يخرج) من مكة إلى بدر ( فأتاه أبو جهل فقال) له: ( يا أبا صفوان إنك متى يراك الناس قد تخلفت) كذا لابن عساكر ولأبي ذر عن الكشميهني بزيادة ما وهي الزائدة الكافة عن العمل وإثبات الألف بعد الراء من يراك ومن حقها أن تحذف لأن متى للشرط وهي تجزم الفعل المضارع وخرجه ابن مالك على أنه مضارع راء بتقديم الألف على الهمزة وهي لغة في رأى ومضارعه يراء بمدّ فهمزة فلما جزمت حذفت الألف ثم أبدلت الهمزة ألفًا فصار يرا أو على إجراء المعتل مجرى الصحيح وللأصيلي يرك بحذف الألف وهو الوجه كما لا يخفى ( وأنت سيد أهل الوادي) وادي مكة ( تخلفوا معك) وقد كان كل منهما سيد قومه ( فلم يزل به أبو جهل حتى قال: أما) بالتشديد ( إذ غلبتني) على الخروج ( فوالله لأشترين أجود بعير بمكة) أي ليستعد عليه للهرب إذا خاف شيئًا وعند ابن إسحاق أن أبا جهل سلط عقبة ابن أبي معيط على أمية ليخرج فأتى عقبة بمجمرة حتى وضعها بين يديه وقال: إنما أنت من النساء وكان عقبة سفيهًا ( ثم قال أمية) : بعد أن اشترى البعير لزوجته ( يا أم صفوان جهزيني فقالت له: يا أبا صفوان وقد نسيت ما قال لك أخوك) بالعهد سعد ( اليثربي) ؟ بالمثلة نسبة إلى يثرب مدينة الرسول عليه الصلاة والسلام من القتل ( قال: لا) أي ما نسيت ولكني ( ما أريد أن أجوز) أي أنفذ أو أسلك ( معهم إلا قريبًا، فلما خرج أمية أخذ لا ينزل منزلاً) بنون وزاي في رواية الكشميهني من النزول وللحموي والمستملي لا يترك بمثناة فوقية وراء وكاف من الترك والأولى أولى ( إلا عقل بعيره فلم يزل بذلك) أي على ذلك ( حتى قتله الله عز وجل ببدر) بيد بلال المؤذن أو غيره، ويأتي إن شاء الله تعالى تحقيقه في غزوة بدر وهذا موضع الترجمة.

والحديث قد سبق في علامات النبوّة.