فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب غزوة أحد

باب غَزْوَةِ أُحُدٍ
وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: { وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [آل عمران: 121] وَقَولُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: { وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ * وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} [آل عمران: 139 - 143] وَقَوْلِهِ { وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ} [آل عمران: 152] تَسْتَأْصِلُونَهُمْ قَتْلاَ { بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 152] وقَوْلِهِ تَعَالَى: { وَلاَ تَحْسِبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا} [آل عمران: 169] الآيَةَ.

(باب غزوة أُحُد) بضم أوله وثانيه معًا وكانت عنده الوقعة العظيمة في شوال سنة ثلاث، وسقط لأبي ذر لفظ باب فالتالي مرفوع (وقول الله تعالى) جر أو رفع ({ وإذ غدوت من أهلك} ) واذكر يا محمد إذ خرجت غدوة من أهلك بالمدينة والمراد غدوّة من حجرة عائشة -رضي الله عنها- إلى أحد ({ تُبوِّئ المؤمنين} ) تنزلهم وهو حال ({ مقاعد للقتال} ) مواطن ومواقف من الميمنة والميسرة والقلب والجناحين للقتال يتعلق بتبؤئ ({ والله سميع} ) لأقوالكم ({ عليم} ) [آل عمران: 121] .
بنياتكم وضمائركم (وقوله جل ذكره: ({ ولا تهنوا} ) ولا تضعفوا عن الجهاد لما أصابكم من الهزيمة ({ ولا تحزنوا} ) على ما فاتكم من الغنيمة أو على من قتل منكم أو جرح وهو تسلية من الله تعالى لرسوله وللمؤمنين عما أصابهم يوم أُحُد وتقوية لقلوبهم ({ وأنتم الأعلون} ) وحالكم أنكم أعلى منهم وأغلب لأنكم أصبتم منهم يوم بدر أكثر مما أصابوا منكم يوم أُحُد وأنتم الأعلون بالنصر والظفر في العاقبة وهي بشارة بالعلو والغلبة وأن جندنا لهم الغالبون ({ إن كنتم مؤمنين} ) جوابه محذوف فقيل تقديره: فلا تهنوا ولا تحزنوا، وقيل تقديره: إن كنتم مؤمنين علمتم أن هذه الوقعة لا تبقى على حالها وأن الدولة تصير للمؤمنين ({ إن يمسسكم قرح} ) بفتح القاف، والأخوان وأبو بكر بضمها بمعنى فقيل الجرح نفسه، وقيل المصدر أو المفتوح الجرح والمضموم ألمه ({ فقد مسّ القوم قرح مثله} ) للنحويين في مثل هذا تأويل وهو أن يقدروا شيئًا، مستقبلاً لأنه لا يكون التعليق إلا في المستقبل وقوله: فقد مس القوم قرح مثله ماض محقق وذلك
التأويل هو التبيين أي: فقد تبين مس القرح للقوم، وهذا خطاب للمسلمين حين انصرفوا من أُحُد مع الكآبة يقول: إن يمسسكم ما نالوا منكم يوم أُحُد فقد نلتم منهم قبله يوم بدر ثم لم يضعف ذلك قلوبهم ولم يمنعهم عن معاودتكم إلى القتال فأنتم أولى أن لا تضعفوا ({ وتلك} ) مبتدأ ({ الأيام} ) صفته والخبر ({ نداولها} ) نصرفها أو الأيام خبر لتلك ونداولها جملة حالية العامل فيها معنى اسم الإشارة أي أشير حال كونها مداولة ({ بين الناس} ) أي أن مسارّ الأيام لا تدوم وكذلك مضارّها فيوم يكون السرور لإنسان والغم لعدوّه ويوم آخر بالعكس، وليس المراد من هذه المداولة أن الله سبحانه وتعالى تارة ينصر المؤمنين وآخر ينصر الكافرين لأن نصر الله تعالى منصب شريف لا يليق بالكافر، بل المراد أنه تارة يشدد المحنة على الكافر وتارة على المؤمن فعلى المؤمن أدبًا في الدنيا وعلى الكافر غضبًا عليه ({ وليعلم الله الذين آمنوا} ) أي نداولها لضروب من التدبير وليعلم الله المؤمنين مميزين بالصبر والإيمان من غيرهم كما علمهم قبل الوجود ({ ويتخذ منكم شهداء} ) وليكرم ناسًا منكم بالشهادة يريد المستشهدين يوم أُحُد وسموا به لأنهم أحياء وحضرت أرواحهم دار السلام وأرواح غيرهم لا تشهدها أو لأن الله وملائكته شهدوا لهم بالجنة ({ والله لا يحب الظالمين} ) اعتراض بين بعض التعليل وبعض ومعناه: والله لا يحب من ليس من هؤلاء الثابتين على الإيمان المجاهدين في سبيله وهم المنافقون والكافرون ({ وليمحص الله الذين آمنوا} ) التمحيص التخليص من الشيء المعيب وقيل هو الابتلاء والاختبار قال:
رأيت فضيلاً كان شيئًا ملففًا ... فكشفه التمحيص حتى بدا ليا
({ ويمحق الكافرين} ) ويهلك الكافرين الذين حاربوه عليه الصلاة والسلام يوم أُحُد لأنه تعالى لم يمحق كل الكفار بل بقي منهم كثير على كفرهم والمعنى إن كانت الدولة على المؤمنين فللتمييز والاستشهاد والتمحيص وإن كانت على الكافرين فلمحقهم ومحو آثارهم ({ أم حسبتم أن تدخلوا الجنة} ) أم منقطعة والهمزة فيها للإنكار أي لا تحسبوا ({ ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم} ) أي ولما تجاهدوا لأن العلم متعلق بالمعلوم فنزل نفي العلم منزلة نفي متعلقه لأنه منتف بانتفائه تقول ما علم الله في فلان خيرًا أي ما فيه خير حتى يعلمه ولما بمعنى لم إلا أن فيه ضربًا من التوقيع فدلّ على نفي الجهاد فيما مضى وعلى توقعه فيما يستقبل.
كذا قرره الزمخشري، وتعقبه أبو حيان فقال: هذا الذي قاله في لما أنها تدل على توقع الفعل المنفي بها فيما يستقبل لا أعلم أحدًا من النحويين ذكره، بل ذكروا أنك إذا قلت لما يخرج زيد دل ذلك على انتفاء الخروج فيما مضى متصلاً نفيه إلى وقت الإخبار أما أنها تدل على توقعه في المستقبل فلا، اهـ.

قال في الدر: النحاة إنما فرقوا بينهما من جهة أن المنفي بلم هو فعل غير مقرون بقد ولما نفي له مقرونًا بها وقد تدل على التوقع فيكون كلام الزمخشري صحيحًا من هذه الجهة.

({ ويعلم الصابرين} ) نصب بإضمار أن والواو بمعنى الجمع نحو: لا تأكل السمك وتشرب اللبن يعني أن دخول الجنة وترك المصابرة على الجهاد لا يجتمعان ({ ولقد كنتم تمنون الموت
من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون}
) [آل عمران: 139 - 143] .
سقط لأبي ذر وابن عساكر من قوله: { وأنتم الأعلون} الخ .. وقالا إلى قوله: { وأنتم تنظرون} .

(وقوله) تعالى: ({ ولقد صدقكم الله وعده} ) حقق ({ إذ تحسونهم} ) أي تستأصلونهم قتلاً ({ بإذنه} ) بأمره وعلمه ({ حتى إذ فشلتم} ) ضعفتم وجبنتم ({ وتنازعتم في الأمر} ) أي اختلفتم حين انهزم المشركون فقال بعضهم: انهزم القوم فما مقامنا فأقبلتم على الغنيمة.
وقال آخرون: ما نتجاوز أمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ({ وعصيتم} ) أمر نبيكم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بترككم المركز واشتغالكم بالغنيمة ({ من بعد ما أراكم ما تحبون} ) من الظفر وقهر الكفار { منكم من يريد الدنيا} الغنيمة وهم الذين تركوا المركز لطلب الغنيمة ({ ومنكم من يريد الآخرة} ) وهم الذين ثبتوا مع عبد الله بن جبير حتى قتلوا ({ ثم صرفكم عنهم} ) أي كف معونته عنكم فغلبوكم ({ ليبتليكم} ) ليمتحن صبركم على المصائب وثباتكم على الإيمان عندها ({ ولقد عفا عنكم} ) حيث ندمتم على ما فرط منكم من عصيان أمره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ({ والله ذو فضل على المؤمنين} ) [آل عمران: 152] .
بالعفو عنهم وقبول توبتهم وسقط لابن عساكر من قوله: { بإذنه} الخ .. وقال: في رواية أبي ذر قتلاً { بإذنه} إلى قوله: { والله ذو فضل على المؤمنين} .

(وقوله تعالى: { ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتًا} ) الآية [آل عمران: 169] .

الذين مفعول أول وأمواتًا مفعول ثان والفاعل إما ضمير كل مخاطب أو ضمير الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وسقط قوله الآية لأبي ذر وابن عساكر.


[ قــ :3845 ... غــ : 4041 ]
- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ أُحُدٍ: «هَذَا جِبْرِيلُ آخِذٌ بِرَأْسِ فَرَسِهِ عَلَيْهِ أَدَاةُ الْحَرْبِ».

وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن موسى) الفراء الصغير قال: (أخبرنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي قال: (حدّثنا خالد) الحذاء (عن عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال، قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم أُحد):
(هذا جبريل) عليه السلام (آخد برأس فرسه عليه أداة الحرب) هذا الحديث من مراسيل الصحابة -رضي الله عنهم-، ولعل ابن عباس -رضي الله عنهما- حمله عن أبي بكر -رضي الله عنه-، فقد ذكر ابن إسحاق أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في يوم بدر خفق خفقة ثم انتبه فقال: "أبشر يا أبا بكر هذا جبريل عليه السلام آخذ بعنان فرسه يقوده على ثناياه الغبار".

وقد سبق الحديث في باب شهود الملائكة بدرًا بسنده ومتنه لكن بلفظ قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم بدر بدل قوله هنا يوم أُحُد وهو الصواب المعروف لا يوم أُحُد، ولذا سقط من رواية أبي ذر وغيره من المتقنين ولم يثبت إلا في رواية أبي الوقت والأصيلي ولعله وهم من راو أو ناسخ والله أعلم.




[ قــ :3846 ... غــ : 404 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ عَدِيٍّ أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ حَيْوَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ بَعْدَ ثَمَانِي سِنِينَ كَالْمُوَدِّعِ لِلأَحْيَاءِ وَالأَمْوَاتِ ثُمَّ طَلَعَ الْمِنْبَرَ فَقَالَ: «إِنِّي بَيْنَ أَيْدِيكُمْ فَرَطٌ، وَأَنَا عَلَيْكُمْ شَهِيدٌ، وَإِنَّ مَوْعِدَكُمُ الْحَوْضُ وَإِنِّي لأَنْظُرُ إِلَيْهِ مِنْ مَقَامِي هَذَا وَإِنِّي لَسْتُ أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا، وَلَكِنِّي أَخْشَى عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا أَنْ تَنَافَسُوهَا».
قَالَ: فَكَانَتْ آخِرَ نَظْرَةٍ نَظَرْتُهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

وبه قال: ( حدّثنا محمد بن عبد الرحيم) صاعقة قال: ( أخبرنا زكريا بن عدي) أبو يحيى الكوفي قال: ( أخبرنا ابن المبارك) عبد الله ( عن حيوة) بن شريح الحضرمي الكندي ( عن يزيد بن أبي حبيب) سويد المصري ( عن أبي الخير) مرثد بن عبد الله ( عن عقبة بن عامر) الجهني -رضي الله عنه- أنه ( قال: صلّى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على قتلى أُحُد بعد ثماني) بالياء بعد النون ولابن عساكر: ثمان ( سنين) فيه تجوّز لأن وقعة أُحُد كانت في شوال سنة ثلاث ووفاته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في ربيع الأول سنة إحدى عشرة وحينئذ فتكون بعد سبع سنين ودون النصف فهو من باب جبر الكسر.

زاد في الجنائز كغزوة أُحُد صلاته على الميت، والمراد أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دعا لهم بدعاء صلاة الميت والإجماع يدل له لأنه لا يصلّي عليه عند الشافعية، وعند أبي حنيفة المخالف لا يصلّي على القبر بعد ثلاثة أيام ( كالمودّع للأحياء والأموات ثم طلع) بفتح اللام في الفرع ( المنبر فقال) :
( إني بين أيديكم فرط) بفتح الفاء والراء، وزاد في الجنائز لكم كغزوة أُحُد أي أنا سابقكم إلى الحوض كالمهيئ له لأجلكم وفيه إشارة إلى قرب وفاته ( وأنا عليكم شهيد) بأعمالكم ( وأن موعدكم) يوم القيامة ( الحوض وإني لأنظر إليه) نظرًا حقيقيًا بطريق الكشف ( من مقامي هذا) بفتح ميم مقامي الأولى ( وإني لست أخشى عليكم أن تشركوا) بالله.
زاد في الجنائز كالآتي آخر غزوة أُحُد بعدي أي لست أخشى على جميعكم الإشراك بل على مجموعكم لأن ذلك قد وقع من بعضهم ( ولكني أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوها) بإسقاط إحدى التاءين أي ترغبوا فيها ( قال) عقبة: ( فكانت آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) .

وقد سبق هذا الحديث في الجنائز في باب الصلاة على الشهيد.




[ قــ :3847 ... غــ : 4043 ]
- حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ -رضي الله عنه- قَالَ: لَقِينَا الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ وَأَجْلَسَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَيْشًا مِنَ الرُّمَاةِ وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ.

     وَقَالَ : «لاَ تَبْرَحُوا إِنْ رَأَيْتُمُونَا ظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ فَلاَ تَبْرَحُوا وَإِنْ رَأَيْتُمُوهُمْ ظَهَرُوا عَلَيْنَا فَلاَ تُعِينُونَا» فَلَمَّا لَقِينَا هَرَبُوا حَتَّى رَأَيْتُ النِّسَاءَ يَشْتَدِدْنَ فِي الْجَبَلِ رَفَعْنَ عَنْ سُوقِهِنَّ قَدْ بَدَتْ خَلاَخِلُهُنَّ فَأَخَذُوا يَقُولُونَ: الْغَنِيمَةَ الْغَنِيمَةَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جُبَيرٍ: عَهِدَ إِلَيَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ لاَ تَبْرَحُوا فَأَبَوْا فَلَمَّا أَبَوْا صُرِفَ وُجُوهُهُمْ فَأُصِيبَ سَبْعُونَ قَتِيلاً وَأَشْرَفَ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ: أَفِي الْقَوْمِ مُحَمَّدٌ؟ فَقَالَ: «لاَ تُجِيبُوهُ»،
فَقَالَ: أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ؟ قَالَ: «لاَ تُجِيبُوهُ»، فَقَالَ: أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ الْخَطَّابِ؟ فَقَالَ: إِنَّ هَؤُلاَءِ قُتِلُوا فَلَوْ كَانُوا أَحْيَاءً لأَجَابُوا فَلَمْ يَمْلِكْ عُمَرُ نَفْسَهُ، فَقَالَ: كَذَبْتَ يَا عَدُوَّ اللَّهِ أَبْقَى اللَّهُ عَلَيْكَ مَا يُحْزِنُكَ، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: أُعْلُ هُبَلْ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَجِيبُوهُ» قَالُوا: مَا نَقُولُ؟ قَالَ: «قُولُوا اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ» قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: لَنَا الْعُزَّى وَلاَ عُزَّى لَكُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَجِيبُوهُ» قَالُوا: مَا نَقُولُ؟ قَالَ: «قُولُوا اللَّهُ مَوْلاَنَا وَلاَ مَوْلَى لَكُمْ» قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ وَالْحَرْبُ سِجَالٌ وَتَجِدُونَ مُثْلَةً لَمْ آمُرْ بِهَا وَلَمْ تَسُؤْنِي.

وبه قال: ( حدّثنا عبيد الله) بضم العين ( ابن موسى) بن باذام الكوفي ( عن إسرائيل) بن يونس ( عن) جده ( أبي إسحاق) عمرو بن عبيد الله السبيعي ( عن البراء) بن عازب ( -رضي الله عنه-) أنه ( قال: لقينا المشركين يومئذ) أي يوم أُحُد وكانوا ثلاثة آلاف رجل ومعهم مائتا فارس، وجعلوا على الميمنة خالد بن الوليد، وعلى الميسرة عكرمة بن أبي جهل، وعلى الخيل صفوان بن أمية أو عمرو بن العاص، وعلى الرماة عبد الله بن ربيعة، وكان فيهم مائة رام وكان المسلمون مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سبعمائة وفرسه عليه الصلاة والسلام وفرس أبي بردة بن نيار ( وأجلس النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بفتح الهمزة واللام ( جيشًا من الرماة) بضم الراء بالنبل وكانوا خمسين رجلاً ( وأمّر) بتشديد الميم ( عليهم عبد الله) بن جبير بن النعمان أخا بني عمرو بن عوف ( وقال) :
( لا تبرحوا) من مكانكم، وفي رواية زهير في الجهاد حتى أرسل إليكم.
وعند ابن إسحاق فقال: انضح الخيل عنا بالنبل لا يأتوننا من خلفنا إن كانت لنا أو علينا فاثبت مكانك ( إن رأيتمونا ظهرنا عليهم) غلبناهم ( فلا تبرحوا) من مكانكم ( وإن رأيتموهم) يعني المشركين ( ظهروا علينا فلا تعينونا) .

وعن ابن سعد في الطبقات: وكان أول من أنشب الحرب بينهم أبو عامر الفاسق طلع في خمسين من فومه فنادى: أنا أبو عامر، فقال المسلمون: لا مرحبًا بك ولا أهلاً يا فاسق، فقال: لقد أصاب قومي بعدي شر، ومعه عبيد قريش فتراموا بالحجارة هم والمسلمون حتي ولى أبو عامر وأصحابه، وجعل نساء المشركين يضربن بالدفوف والغرابيل ويحرضن ويذكرنهم قتلى بدر ويقلن: نحن بنات طارق ... نمشي على النمارق
إن تقبلوا نعانق ... أو تدبروا نفارق
فراق غير وامق
( فلما لقينا) بحذف المفعول ولابن عساكر: لقيناهم وجعل الرماة يرشقون خيلهم بالنبل فتولوا هوارب، فصاح طلحة بن أبي طلحة صاحب اللواء: من يبارز فبرز له علي بن أبي طالب فالتقيا بين الصفين فبدره علي فضربه على رأسه حتى فلق هامته فوقع وهو كبش الكتيبة، فسرّ
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذلك وأظهر؛ وكبّر المسلمون وشدوا على كتائب المشركين يضربونهم حتى نقضت صفوفهم، ثم حمل لواءهم عثمان بن أبي طلحة أبو شيبة وهو أمام النسوة يرتجز ويقول:
إن على أهل اللواء حقًّا ... أن تخضب الصعدة أوتندقا
وحمل عليه حمزة بن عبد المطلب فضربه بالسيف على كاهله فقطع يده وكتفه حتى انتهى إلى مؤتزره وبدا سحره، ثم حمله أبو سعيد بن أبي طلحة فرماه سعد بن أبي وقاص فأصاب حنجرته فأدلع لسانه إدلاع الكلب فقتله، ثم حمله مسافع بن طلحة بن أبي طلحة فرماه عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح فقتله، ثم حمله الحارث بن طلحة بن أبي طلحة فرماه عاصم بن ثابت فقتله، ثم حمله كلاب بن أبي طلحة بن عبيد الله فقتله الزبير بن العوّام، ثم حمله الجلاس بن طلحة بن أبي طلحة بن عبيد الله، ثم حمله أرطأة بن شرحبيل فقتله عليّ بن أبي طالب، ثم حمله شريح بن قارظ فلسنا ندري من قتله، ثم حمله صوّاب غلامهم فقال قائل: قتله سعد بن أبي وقاص، وقال قائل: قتله علي بن أبي طالب، وقال قائل: قتله قزمان وهو أثبت الأقوال، فلما قتل أصحاب اللواء ( هربوا) أي المشركون منهزمين لا يلوون ( حتى رأيت النساء) المشركات ( يشتددن) بفتح التحتية وسكون الشين المعجمة وفتح الفوقية وكسر المهملة الأولى وسكون الثانية بعدها نون أي يسرعن المشي ( في الجبل) ولابن عساكر: يتشددن بتحتية ففوقية فمعجمة فمهملة مشددة مفتوحات، ولابن عساكر وأبي ذر عن الكشميهني: يسندن بتحتية مضمومة فسين مهملة ساكنة فنون مكسورة فدال مهملة ساكنة فنون أي يصعدن في الجبل ( رفعن) ولأبي ذر: يرفعن ( عن سوقهن) جمع ساق ليعينهن ذلك على سرعة الهرب ( قد بدت) ظهرت ( خلاخلهن) وسمى ابن إسحاق النساء المذكورات: هند بنت عتبة خرجت مع أبي سفيان، وأم حكيم بنت الحارث بن هشام مع زوجها عكرمة بن أبي جهل، وفاطمة بنت الوليد بن المغيرة مع زوجها الحارث بن هشام، وبرزة بنت مسعود الثقفية مع صفوان بن أمية وهي والدة ابن صفوان، وريطة بنت شيبة السهمية مع زوجها عمرو بن العاص وهي والدة ابنة عبد الله، وسلامة بنت سعد عن زوجها طلحة بن أبي طلحة الحجبي، وخناس بنت مالك والدة مصعب بن عمير وعمرة بنت علقمة بن كنانة.

( فأخذوا) أي المسلمون ( يقولون) خذوا ( الغنيمة) خذوا ( الغنيمة.
فقال عبد الله بن جبير: عهد إليّ)
بتشديد التحتية ( النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن لا تبرحوا) من مكانكم ( فأبوا) وقالوا: لم يرد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذا قد انهزم المشركون فما مقامنا هاهنا ووقعوا ينتهبون العسكر ويأخذون ما فيه من الغنائم، وثبت أميرهم عبد الله في نفر يسير دون العشرة مكانه وقال: لا أجاوز أمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( فلما أبَوْا صرف وجوههم) أي تحيروا فلم يدروا أين يذهبون.
ونظر خالد بن الوليد إلى خلاء الجبل وقلة أهله فكرّ بالخيل وتبعه عكرمة بن أبي جهل وحملوا على من بقي من الرماة فقتلوهم وقتل أميرهم عبد الله بن جبير، وانتقضت صفوف المسلمين واستدارت رحاهم
وحالت الريح فصارت دبورًا وكانت قبل ذلك صبا، ونادى إبليس لعنه الله: إن محمدًا قد قتل، واختلط المسلمون فصاروا يقتلون على غير شعار ويضرب بعضهم بعضًا ما يشعرون به من العجلة والدهش.
( فأصيب سبعون قتيلاً) من المسلمين وذكرهم ابن سيد الناس فزادوا على المائة، وقيل: إن السبعين من الأنصار خاصة، وثبت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما زال يرمي عن قوسه حتى صارت شظايا ويرمي بالحجر، وثبت معه عصابة من أصحابه أربعة عشر رجلاً سبعة من المهاجرين منهم: أبو بكر الصديق، وسبعة من الأنصار وكان يوم بلاء وتمحيص أكرم الله فيه من أكرم من المسلمين بالشهادة حتى خلص العدوّ إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقذف بالحجارة حتى وقع لشقه وأصيبت رباعيته وشجّ في وجهه وكلمت شفته، وكان الذي أصابه من ضربة وجعل الدم يسيل على وجهه.

( وأشرف) اطلع ( أبو سفيان) صخر بن حرب ( فقال: أفي القوم محمد) ؟ بهمزة الاستفهام.

زاد ابن سعد ثلاثًا ( فقال) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ( لا تجيبوه.
فقال: أفي القوم ابن أبي قحافة)
؟ أبو بكر الصديق ( قال) عليه الصلاة والسلام: ( لا تجيبوه.
فقال: أفي القوم ابن الخطاب)
؟ عمر ثم أقبل أبو سفيان على أصحابه ( فقال: إن هؤلاء قتلوا) وقد كفيتموهم ( فلو كانوا أحياء لأجابوا فلم يملك عمر نفسه فقال) له: ( كذبت يا عدوّ الله) إن الذين عددت لأحياء كلهم وقد ( أبقى الله عليك) ولأبي ذر وابن عساكر: لك ( ما يحزنك) بالتحتية المضمومة وسكون الحاء المهملة بعدها نون مضمومة أو بالمعجمة وبعدها تحتية ساكنة ثم ( قال أبو سفيان: أعل) بضم الهمزة وسكون العين المهملة وضم اللام يا ( هبل) بضم الهاء وفتح الموحدة بعدها لام اسم صنم كان في الكعبة أي أظهر دينك أو زد علوًّا أو ليرتفع أمرك ويعز دينك فقد غلبت ( فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أجيبوه.
قالوا: ما نقول؟ قال)
عليه الصلاة والسلام: ( قولوا الله أعلى وأجل.
قال أبو سفيان: لنا العزى ولا عزى لكم)
تأنيث الأعز بالزاي اسم صنم لقريش ( فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أجيبوه.
قالوا: ما نقول؟ قال: قولوا الله مولانا)
ولينا وناصرنا ( ولا مولى لكم) أي لا ناصر لكم فالله تعالى مولى العباد جميعًا من جهة الاختراع ومالك التصرف ومولى المؤمنين خاصة من جهة النصرة ( قال أبو سفيان: يوم بيوم بدر) أي هذا يوم بمقابلة يوم بدر، وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه يوم بدر أصابوا من المشركين أربعين ومائة سبعين أسيرًا وسبعين قتيلاً، وفي أُحُد استشهد من الصحابة سبعون كما مرّ ( والحرب سجال) أي نوب نوبة لك ونوبة لنا ( وتجدون) ولأبي ذر عن الكشميهني: وستجدون ( مثلة) بضم الميم وسكون المثلثة أي بمن استشهد من المسلمين كجدع الآذان والأنوف ( لم آمر بها) أن تفعل بهم، وسقط لابن عساكر والكشميهني لفظ بها ( و) الحال أنها ( لم تسؤني) وإن كنت ما أمرت بها.

وعند ابن إسحاق عن صالح بن كيسان قال: خرجت هند والنسوة معها يمثلن بالقتلى من أصحاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يجدعن الآذان والأنوف حتى اتخذت هند من ذلك خدمًا وقلائد وأعطت خدمها وقلائدها وقرطها اللاتي كنّ عليها لوحشي جزاء له على قتله حمزة، وبقرت عن كبد حمزة فلاكتها فلم تسغها فلفظتها ثم علت على صخرة مشرفة فصرخت بأعلى صوتها فقالت:
نحن جزيناكم بيوم بدر ... والحرب بعد الحرب ذات سعر
ما كان عن عتبة لي من صبر ... ولا أخي وعمه وبكر
شفيت نفسي وقضيت نذري ... شفيت وحشيّ غليل صدري
فشكر وحشي عليّ عمري ... حتى ترمّ أعظمي في قبري
وحديث الباب من أفراد المؤلّف.




[ قــ :3848 ... غــ : 4044 ]
- أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ جَابِرٍ قَالَ اصْطَبَحَ الْخَمْرَ يَوْمَ أُحُدٍ نَاسٌ ثُمَّ قُتِلُوا شُهَدَاءَ.

وبه قال: ( أخبرني) ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر: حدثني بالإفراد فيهما ( عبد الله بن محمد) المسندي قال: ( حدّثنا سفيان) بن عيينة ( عن عمرو) هو ابن دينار ( عن جابر) هو ابن عبد الله الأنصاري -رضي الله عنهما- أنه ( قال: اصطبح الخمر) أي شربه صبوحًا ( يوم أُحُد) قبل تحريمه ( ناس) منهم عبد الله والد جابر ( ثم قتلوا شهداء) والخمر في بطونهم فلم يمنعهم ما كان في علم الله من تحريمها ولا كونها في بطونهم من حكم الشهادة وفضلها لأن التحريم إنما يلزم بالنهي وما كان قبل النهي فغير مخاطب به.

وهذا الحديث قد مرّ في باب فضل قول الله تعالى: { ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتًا} [آل عمران: 169] .
من كتاب الجهاد.




[ قــ :3849 ... غــ : 4045 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدَانُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ إِبْرَاهِيمَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ أُتِيَ بِطَعَامٍ وَكَانَ صَائِمًا فَقَالَ: قُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَهْوَ خَيْرٌ مِنِّي كُفِّنَ فِي بُرْدَةٍ إِنْ غُطِّيَ رَأْسُهُ بَدَتْ رِجْلاَهُ وَإِنْ غُطِّيَ رِجْلاَهُ بَدَا رَأْسُهُ وَأُرَاهُ قَالَ: وَقُتِلَ حَمْزَةُ، وَهْوَ خَيْرٌ مِنِّي، ثُمَّ بُسِطَ لَنَا مِنَ الدُّنْيَا مَا بُسِطَ، أَوْ قَالَ أُعْطِينَا مِنَ الدُّنْيَا مَا أُعْطِينَا وَقَدْ خَشِينَا أَنْ تَكُونَ حَسَنَاتُنَا عُجِّلَتْ لَنَا ثُمَّ جَعَلَ يَبْكِي حَتَّى تَرَكَ الطَّعَامَ.

وبه قال: ( حدّثنا عبدان) لقب عبد الله بن عثمان المروزي قال: ( حدّثنا) ولأبي ذر: أخبرنا ( عبد الله بن المبارك) المروزي قال: ( أخبرنا شعبة) بن الحجاج ( عن سعد بن إبراهيم) بسكون العين ( عن أبيه إبراهيم أن) أباه ( عبد الرحمن بن عوف) بالفاء ( أتي بطعام) في الشمائل للترمذي أنه كان خبزًا ولحمًا ( وكان صائمًا) وعند أبي عمر وكان في مرض موته ( فقال: قتل مصعب بن عمير) مصغرًا يوم وقعة أُحُد قتله ابن قميئة بفتح القاف وكسر الميم وسكون الياء بعدها همزة بوزن سفينة قيل اسمه عبد الله وقيل عمرو حكاهما في النبراس ظانًّا أنه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد أن قاتل دون رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دفع إليه اللواء كما قيل.
وقال ابن سعد: إنه لما قتل أخذ اللواء ملك على صورته ( وهو خير مني) قاله تواضعًا أو قبل العلم بكونه من العشرة المبشرة بالجنة
( كفن في بردة إن غطي) بها ( رأسه) بضم الغين مبنيًّا للمفعول ككفن ( بدت) ظهرت ( رجلاه وإن غطي رجلاه بدا) ظهر ( رأسه) لقصرها ( وأراه) بضم الهمزة أي أظنه ( قال: وقتل حمزة) بن عبد المطلب ( وهو خير مني) قتله وحشي وشق بطنه وأخذ كبده فجاء بها إلى هند بنت عتبة بن ربيعة فمضعتها ثم لفظتها ثم جاءت فمثلت بحمزة وجعلت من ذلك مسكتين ومعضدتين حتى قدمت بذلك بكبده مكة.
قال ابن سعد: وعند الحاكم من حديث أن أنس أن حمزة كفن أيضًا كذلك ( ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط) بضم الموحدة مبنيًّا للمفعول فيهما بسبب الفتوحات والغنائم ( أو قال: أعطينا من الدنيا ما أعطينا) بضم الهمزة بدل بسط فيهما ( وقد خشينا أن تكون حسناتنا عجلت) ولابن عساكر وأبي ذر عن الكشميهني قد عجلت ( لنا ثم جعل يبكي) خوفًا على أن لا يلحق بمن تقدمه وحزنًا على تأخره عنهم.
( حتى ترك الطعام) .

ومباحث هذا الحديث تأتي إن شاء الله تعالى بعون الله وقوّته في الرقاق.




[ قــ :3850 ... غــ : 4046 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ أُحُدٍ أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فَأَيْنَ أَنَا؟ قَالَ: «فِي الْجَنَّةِ» فَأَلْقَى تَمَرَاتٍ فِي يَدِهِ ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ.

وبه قال: ( حدّثنا) بالجمع، ولأبي ذر: حدثني ( عبد الله بن محمد) المسندي قال: ( حدّثنا سفيان) بن عيينة ( عن عمرو) هو ابن دينار أنه ( سمع جابر بن عبد الله) الأنصاري ( -رضي الله عنهما- قال قال رجل) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسمه ( للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم) غزوة ( أُحُد: أرأيت) أي أخبرني ( إن قتلت فأين أنا؟ قال) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
( في الجنة فألقى) الرجل ( تمرات) كانت ( في يده ثم قاتل حتى قتل) وقد زعم ابن بشكوال أن اسم هذا الرجل عمير بن الحمام بضم المهملة وتخفيف الميم الأولى ابن الجموح الأنصاري السلمي محتجًا بحديث أنس عند مسلم: أن عمير بن الحمام أخرج تمرات فجعل يأكل منهن ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة، ثم قاتل حتى قتل، وانتقد بما في أُسد الغابة أن عميرًا هذا قتل ببدر وهو أول قتيل قتل من الأنصار في الإسلام في حرب، وعند ابن إسحاق أنه لاقى القوم يوم بدر وهو يقول:
ركضًا إلى الله بغير زاد ... إلا التقى وعمل المعاد
والصبر في الله على الجهاد ... إن التقى من أعظم السداد
وأما قصة الباب فوقع التصريح فيها بأنها يوم أُحُد فالظاهر كما في الفتح أنهما قضيتان وقعتا لرجلين.




[ قــ :3851 ... غــ : 4047 ]
- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ خَبَّابٍ بْنِ
الأَرَتِّ -رضي الله عنه- قَالَ: هَاجَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَبْتَغِي وَجْهَ اللَّهِ فَوَجَبَ أَجْرُنَا عَلَى اللَّهِ وَمِنَّا مَنْ مَضَى أَوْ ذَهَبَ لَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا كَانَ مِنْهُمْ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ لَمْ يَتْرُكْ إِلاَّ نَمِرَةً كُنَّا إِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ خَرَجَتْ رِجْلاَهُ وَإِذَا غُطِّيَ بِهَا رِجْلاَهُ خَرَجَ رَأْسُهُ فَقَالَ لَنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «غَطُّوا بِهَا رَأْسَهُ وَاجْعَلُوا عَلَى رِجْلِهِ الإِذْخِرَ -أَوْ قَالَ- أَلْقُوا عَلَى رِجْلِهِ مِنَ الإِذْخِرِ» وَمِنَّا مَنْ قَدْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ فَهْوَ يَهْدُبُهَا.

وبه قال: ( حدّثنا أحمد بن يونس) هو أحمد بن عبد الله بن يونس بن عبد الله التميمي اليربوعي الكوني ونسبه لجده لشهرته به قال: ( حدّثنا زهير) هو ابن معاوية قال: ( حدّثنا الأعمش) سليمان ( عن شقيق) هو ابن سلمة ( عن خباب بن الأرتّ) بالمثناة الفوقية المشددة ( -رضي الله عنه-) أنه ( قال: هاجرنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) إلى المدينة حال كوننا ( نبتغي) نطلب ( وجه الله) لا الدنيا ( فوجب أجرنا على الله) فضلاً منه تعالى ( ومنا) بالواو وفي اليونينية وغيرها وفي الفرع فما بالفاء ( من مضى) مات ( أو) قال: ( ذهب) بالشك من الراوي ( لم يأكل من أجره) من الغنائم ( شيئًا) بل قصر نفسه عن شهواتها لينالها موفرة في الآخرة ( كان منهم مصعب بن عمير قتل يوم أُحُد لم يترك إلا نمرة) بفتح النون وكسر الميم شملة مخططة من صوف ( كنا إذا غطينا) بفتح الغين ( بها رأسه خرجت رجلاه وإذا غطي) بضم الغين ( بها رجلاه خرج رأسه، فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( غطوا بها رأسه واجعلوا على رجله) بالإفراد ( الإذخر) بالذال المعجمة وسقط لأبي ذر وابن عساكر على رجله الإذخر ( أو قال) عليه الصلاة والسلام ( ألقوا) بفتح الهمزة وضم القاف ( على رجله) بالإفراد، ولأبي ذر وابن عساكر في نسخة: رجليه ( من الإذخر ومنا من أينعت) بفتح الهمزة وسكون التحتية وفتح النون بعدها عين مهملة أدركت ونضجت، ولغير أبي ذر وابن عساكر: قد أينعت ( له ثمرته فهو يهدبها) بفتح أوله وضم الدال المهملة وكسرها بعدها موحدة يجتنيها.

وهذا الحديث قد سبق في الجنائز.




[ قــ :385 ... غــ : 4048 ]
- أَخْبَرَنَا حَسَّانُ بْنُ حَسَّانَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- أَنَّ عَمَّهُ غَابَ عَنْ بَدْرٍ فَقَالَ: غِبْتُ عَنْ أَوَّلِ قِتَالِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَئِنْ أَشْهَدَنِي اللَّهُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيَرَيَنَّ اللَّهُ مَا أُجِدُّ فَلَقِيَ يَوْمَ أُحُدٍ فَهُزِمَ النَّاسُ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلاَءِ -يَعْنِي الْمُسْلِمِينَ- وَأَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ الْمُشْرِكُونَ فَتَقَدَّمَ بِسَيْفِهِ فَلَقِيَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ فَقَالَ: أَيْنَ يَا سَعْدُ إِنِّي أَجِدُ رِيحَ الْجَنَّةِ دُونَ أُحُدٍ فَمَضَى فَقُتِلَ فَمَا عُرِفَ حَتَّى عَرَفَتْهُ أُخْتُهُ بِشَامَةٍ أَوْ بِبَنَانِهِ وَبِهِ بِضْعٌ وَثَمَانُونَ مِنْ طَعْنَةٍ وَضَرْبَةٍ وَرَمْيَةٍ بِسَهْمٍ.

وبه قال: ( أخبرنا) ولأبي ذر: حدّثنا ( حسان بن حسان) أبو علي بن أبي عباد المصري نزيل
مكة المشرفة قال: ( حدّثنا محمد بن طلحة) بن مصرف الهمداني قال: ( حدّثنا حميد) الطويل ( عن أنس -رضي الله عنه- أن عمه) أنس بن النضر بسكون الضاد المعجمة ( غاب عن) غزوة ( بدر فقال: غبت عن أول قتال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لأن غزوة بدر كانت أول غزوة غزاها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( لئن أشهدني الله مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بحذف المفعول وزاد في الجهاد قتال المشركي ( ليرين الله) بنون التوكيد الثقيلة ( ما أجد) بضم الهمزة وكسر الجيم وتشديد الدال المهملة في الفرع كأصله، وعزاه في الفتح للأكثرين قال العيني: من مضاعف الثلاثي المزيد فيه يقال: أجدّ في الشيء يجد إذا بالغ فيه، وقال السفاقسي: صوابه بفتح الهمزة وضم الجيم يقال: جدّ يجد إذا اجتهد في الأمر وبالغ فيه، وأما أجد فإنما يقال لمن سار في أرض مستوية ولا معنى له هاهنا وقال في المصابيح: إنه صواب وله وجه ظاهر تقول: أجد فلان هذا الشيء إذا جعله جديدًا، فالمعنى ليرين الله ما أجدد في الإسلام من شدة القتل بالكفار واقتحام الأهوال في قتالهم قال: وضبطه بعضهم بفتح الهمزة وكسر الجيم وتخفيف الدال مضارع وجد أي: ليرين الله ما أجده أنا في نفسي من المشقّة وارتكاب الخطر.

( فلقي يوم أُحُد فهزم الناس) بضم الهاء مبنيًّا للمفعول ( فقال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء يعني المسلمين) من الانهزام ( وأبرأ إليك مما جاء به المشركون) من القتال ( فتقدم بسيفه) نحو المشركين ( فلقي سعد بن معاذ) منهزمًا ( فقال) له: ( أين يا سعد) ولأبي ذر عن الكشميهني: فقال أي سعد ( إني أجد ريح الجنة) حقيقة ( دون أُحُد) أي عند أُحُد وهو كناية عن شدة اجتهاده المؤدي إلى الجنة ( فمضى) إلى القتال وقاتل قتالاً شديدًا ( فقتل) شهيدًا ( فما عرف) بضم العين ( حتى عرفته أخته) الربيع بنت النضر ( بشامة) وهي الخال ( أو ببنانه) بموحدتين ونونين بينهما ألف أي بأصابعه وقيل بأطرافها ( وبه بضع) بكسر الموحدة ( وثمانون من طعنة) برمح ( وضربة) بسيف ( ورمية بسهم) زاد في الجهاد وقد مثل به المشركون.




[ قــ :3853 ... غــ : 4049 ]
- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ سَمِعَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ -رضي الله عنه- يَقُولُ: فَقَدْتُ آيَةً مِنَ الأَحْزَابِ حِينَ نَسَخْنَا الْمُصْحَفَ كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَؤُهَا فَالْتَمَسْنَاهَا، فَوَجَدْنَاهَا مَعَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيِّ { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ} [الأحزاب: 3] فَأَلْحَقْنَاهَا فِي سُورَتِهَا فِي الْمُصْحَفِ.

وبه قال: ( حدّثنا موسى بن إسماعيل) أبو سلمة التبوذكي قال: ( حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال: ( حدّثنا ابن شهاب) محمد بن مسلم قال: ( أخبرني) بالإفراد ( خارجة بن زيد بن ثابت) الأنصاري ( أنه سمع زيد بن ثابت) الأنصاري ( -رضي الله عنه- يقول: فقدت) بفتح القاف ( آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف) بأمر عثمان بن عفان -رضي الله عنه- ( كنت أسمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرؤها فالتمسناها) أي طلبناها ( فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري) زاد في الجهاد والتفسير الذي جعل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شهادته بشهادة
رجلين وهي قوله تعالى: { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه} [الأحزاب: 3] أي فيما عاهدوه عليه فحذف الجار كما في المثل: صدقني سن بكره بطرح الجار وإيصال الفعل أي في سن بكره، وكان قد نذر رجال من الصحابة أنهم إذا لقوا حربًا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثبتوا وقاتلوا حتى يستشهدوا وهم: عثمان بن عفان، وطلحة، وسعيد بن زيد، وحمزة، ومصعب وغيرهم ( { فمنهم من قضى نحبه} ) [الأحزاب: 3] أي مات شهيدًا كحمزة ومصعب وقضاء النحب صار عبارة عن الموت لأن كل حيّ من المحدثات لا بدّ له من أن يموت فكأنه نذر لازم في كل رقبة فإذا مات فقد قضى نحبه أي نذره ( { ومنهم من ينتظر} ) [الأحزاب: 3] .
الشهادة كعثمان وطلحة وسقط قوله: ومنهم من ينتظر لابن عساكر ( فألحقناها) أي الآية ( في سورتها في المصحف) عملاً بثبوت تواترها عندهم قيل مع شهادة عمر وغيره.




[ قــ :3854 ... غــ : 4050 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ يُحَدِّثُ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ -رضي الله عنه-، قَالَ: لَمَّا خَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى أُحُدٍ رَجَعَ نَاسٌ مِمَّنْ خَرَجَ مَعَهُ وَكَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِرْقَتَيْنِ فِرْقَةً تَقُولُ: نُقَاتِلُهُمْ، وَفِرْقَةً تَقُولُ: لاَ نُقَاتِلُهُمْ فَنَزَلَتْ { فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا} [النساء: 88] .

     وَقَالَ : «إِنَّهَا طَيْبَةُ تَنْفِي الذُّنُوبَ كَمَا تَنْفِي النَّارُ خَبَثَ الْفِضَّةِ».

وبه قال: ( حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: ( حدّثنا شعبة) بن الحجاج ( عن عدي بن ثابت) الأنصاري أنه ( قال: سمعت عبد الله بن يزيد) من الزيادة الخطمي حال كونه ( يحدث عن زيد بن ثابت) الأنصاري ( -رضي الله عنه-) أنه ( قال: لما خرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى) غزوة ( أُحد) سنة ثلاث من الهجرة ( رجع ناس) من الشوط بين المدينة وأُحد وهم عبد الله بن أبي ومن تبعه من المنافقين وكانوا ثلث الناس ( ممن خرج معه، وكان أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فرقتين فرقة تقول: نقاتلهم) أي المنافقين الراجعين ( وفرقة) بالنصب فيهما بدلاً من فرقتين ولأبي ذر فرقة بالرفع فيهما على القطع ( تقول: لا نقاتلهم) لأنهم مسلمون ( فنزلت) لما اختلفوا ( { فما لكم في المنافقين فئتين} ) أي تفرقتم في أمرهم فرفتين ( { والله أركسهم} ) ردهم إلى حكم الكفار ( { بما كسبوا} ) [النساء: 88] بسبب عصيانهم ومخالفتهم ( وقال) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
( إنها طيبة تنفي الذنوب) أي تميز وتظهر بالظاء المعجمة أصحاب الذنوب ( كما تنفي النار خبث الفضة) وهو ما تلقيه النار من وسخها إذا أذيبت وقوله وقال: إنها الخ هو حديث آخر سبق في آخر الحج كما نبه عليه في الفتح.