فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب غزوة الرجيع، ورعل، وذكوان، وبئر معونة، وحديث عضل، والقارة، وعاصم بن ثابت، وخبيب وأصحابه

باب غَزْوَةُ الرَّجِيعِ، وَرِعْلٍ، وَذَكْوَانَ، وَبِئْرِ مَعُونَةَ، وَحَدِيثِ عَضَلٍ، وَالْقَارَةِ، وَعَاصِمِ بْنِ ثَابِتٍ وَخُبَيْبٍ وَأَصْحَابِهِ
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ أَنَّهَا بَعْدَ أُحُدٍ.

( باب غزوة الرجيع) بفتح الراء وكسر الجيم وبعد التحتية عين مهملة اسم موضع من بلاد هذيل كانت الوقعة بالقرب منه في صفر من سنة أربع، وسقط باب لأبي ذر وابن عساكر ( و) غزوة ( رعل) بكسر الراء وسكون العين المهملة بعدها لام بطن من بني سليم ينسبون إلى رعل بن عوف بن مالك بن امرئ القيس بن ثعلبة بن بهثة بن سليم.
( وذكوان) بالذال المعجمة من بني سليم أيضًا ينسبون إلى ذكوان بن ثعلبة بن بهثة بن سليم فنسبت الغزوة إليهما.
( وبئر معونة) موضع من بلاد هذيل مكة وعسفان وتعرف الوقعة بسرية القراء السبعين وكانت مع بني رعل وذكوان المذكورين كما سيأتي في حديث أنس إن شاء الله تعالى.

( وحديث عضل) بفتح العين المهملة والضاد المعجمة بعدها لام بطن من بني الهون ابن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر ينسبون إلى عضل بن الديش ( و) حديث ( القارة) بالقاف وتخفيف الراء بطن من الهون ينسبون إلى الديش المذكور أو القارة أكمة سوداء كأنهم نزلوا عندها فسموا بها ( و) حديث ( عاصم بن ثابت) أي ابن أبي الأقلح بالقاف والحاء المهملة بينهما لام مفتوحة الأنصاري وهي غزوة الرجيع ( و) حديث ( خبيب) بضم الخاء المعجمة وفتح الباء الأولى مصغرًا ( وأصحابه) وكانوا عشرة أنفس وهي مع عضل والقارة، وقول الدمياطي: إن الوجه تقديم عضل وما بعدها على الرجيع وتأخير رعل وذكوان مع بئر معونة تعقبه في المصابيح بأنه ليس في البخاري ما يقتضي الترتيب بين الغزوات حتى يكون ذكره لها على هذا النمط ليس الوجه.

( قال ابن إسحاق) : محمد صاحب المغازي ( حدّثنا عاصم بن عمر) بن قتادة الظفري الأنصاري العلامة في المغازي ( أنها) أي غزوة الرجيع كانت ( بعد) غزوة ( أُحُد) .


[ قــ :3888 ... غــ : 4086 ]
- حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي سُفْيَانَ الثَّقَفِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَرِيَّةً عَيْنًا وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ وَهْوَ جَدُّ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَانْطَلَقُوا حَتَّى إِذَا كَانَ بَيْنَ عُسْفَانَ وَمَكَّةَ ذُكِرُوا لَحِيٍّ مِنْ هُذَيْلٍ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو لَحْيَانَ فَتَبِعُوهُمْ بِقَرِيبٍ مِنْ مِائَةِ رَامٍ فَاقْتَصُّوا آثَارَهُمْ، حَتَّى أَتَوْا مَنْزِلاً نَزَلُوهُ فَوَجَدُوا فِيهِ نَوَى تَمْرٍ تَزَوَّدُوهُ مِنَ الْمَدِينَةِ، فَقَالُوا: هَذَا تَمْرُ يَثْرِبَ فَتَبِعُوا آثَارَهُمْ حَتَّى لَحِقُوهُمْ فَلَمَّا انْتَهَى عَاصِمٌ وَأَصْحَابُهُ لَجَئُوا إِلَى فَدْفَدٍ، وَجَاءَ الْقَوْمُ فَأَحَاطُوا بِهِمْ، فَقَالُوا: لَكُمُ الْعَهْدُ وَالْمِيثَاقُ، إِنْ نَزَلْتُمْ إِلَيْنَا أَنْ لاَ نَقْتُلَ مِنْكُمْ رَجُلاً، فَقَالَ عَاصِمٌ: أَمَّا أَنَا فَلاَ أَنْزِلُ فِي ذِمَّةِ كَافِرٍ، اللَّهُمَّ أَخْبِرْ عَنَّا نَبِيَّكَ، فَقَاتَلُوهُمْ حَتَّى قَتَلُوا عَاصِمًا فِي سَبْعَةِ نَفَرٍ بِالنَّبْلِ، وَبَقِيَ
خُبَيْبٌ وَزَيْدٌ وَرَجُلٌ آخَرُ، فَأَعْطَوْهُمُ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ، فَلَمَّا أَعْطَوْهُمُ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ، نَزَلُوا إِلَيْهِمْ فَلَمَّا اسْتَمْكَنُوا مِنْهُمْ حَلُّوا أَوْتَارَ قِسِيِّهِمْ فَرَبَطُوهُمْ بِهَا، فَقَالَ الرَّجُلُ الثَّالِثُ الَّذِي مَعَهُمَا: هَذَا أَوَّلُ الْغَدْرِ فَأَبَى أَنْ يَصْحَبَهُمْ فَجَرَّرُوهُ وَعَالَجُوهُ عَلَى أَنْ يَصْحَبَهُمْ فَلَمْ يَفْعَلْ فَقَتَلُوهُ وَانْطَلَقُوا بِخُبَيْبٍ وَزَيْدٍ حَتَّى بَاعُوهُمَا بِمَكَّةَ فَاشْتَرَى خُبَيْبًا بَنُو الْحَارِثِ بْنِ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ وَكَانَ خُبَيْبٌ هُوَ قَتَلَ الْحَارِثَ يَوْمَ بَدْرٍ فَمَكَثَ عِنْدَهُمْ أَسِيرًا حَتَّى إِذَا أَجْمَعُوا قَتْلَهُ اسْتَعَارَ مُوسَى مِنْ بَعْضِ بَنَاتِ الْحَارِثِ أَسْتَحِدَّ بِهَا فَأَعَارَتْهُ قَالَتْ: فَغَفَلْتُ عَنْ صَبِيٍّ لِي فَدَرَجَ إِلَيْهِ حَتَّى أَتَاهُ فَوَضَعَهُ عَلَى فَخِذِهِ فَلَمَّا رَأَيْتُهُ فَزِعْتُ فَزْعَةً عَرَفَ ذَاكَ مِنِّي وَفِي يَدِهِ الْمُوسَى، فَقَالَ: أَتَخْشَيْنَ أَنْ أَقْتُلَهُ؟ مَا كُنْتُ لأَفْعَلَ ذَاكِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعالَى، وَكَانَتْ تَقُولُ: مَا رَأَيْتُ أَسِيرًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ خُبَيْبٍ، لَقَدْ رَأَيْتُهُ يَأْكُلُ مِنْ قِطْفِ عِنَبٍ وَمَا بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ ثَمَرَةٌ، وَإِنَّهُ لَمُوثَقٌ فِي الْحَدِيدِ وَمَا كَانَ إِلاَّ رِزْقٌ رَزَقَهُ اللَّهُ، فَخَرَجُوا بِهِ مِنَ الْحَرَمِ لِيَقْتُلُوهُ فَقَالَ: دَعُونِي أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: لَوْلاَ أَنْ تَرَوْا أَنَّ مَا بِي جَزَعٌ مِنَ الْمَوْتِ لَزِدْتُ فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ سَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ عِنْدَ الْقَتْلِ هُوَ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا ثُمَّ قَالَ:
مَا أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا ... عَلَى أَيِّ شِقٍّ كَانَ لِلَّهِ مَصْرَعِي
وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ ... يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ
ثُمَّ قَامَ إِلَيْهِ عُقْبَةُ بْنُ الْحَارِثِ فَقَتَلَهُ، وَبَعَثَتْ قُرَيْشٌ إِلَى عَاصِمٍ لِيُؤْتَوْا بِشَىْءٍ مِنْ جَسَدِهِ يَعْرِفُونَهُ وَكَانَ عَاصِمٌ قَتَلَ عَظِيمًا مِنْ عُظَمَائِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِثْلَ الظُّلَّةِ مِنَ الدَّبْرِ، فَحَمَتْهُ مِنْ رُسُلِهِمْ فَلَمْ يَقْدِرُوا مِنْهُ عَلَى شَىْءٍ.

وبه قال: ( حدثني) بالإفراد ( إبراهيم بن موسى) الفراء الرازي الصغير قال: ( أخبرنا هشام بن يوسف) الصنعاني ( عن معمر) هو ابن راشد ( عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب ( عن عمرو بن أبي سفيان) بفتح العين وسكون الميم ( الثقفي) بالمثلثة ( عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه ( قال) :
( بعث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سرية) ولأبي ذر عن الكشميهني بسرية بزيادة موحدة أوله ( عينًا) وسبق في بدر بعث عشرة عينًا يتجسسون له ولأبي الأسود عن عروة بعثهم عيونًا إلى مكة ليأتوه بخبر قريش وسمى منهم ابن سعد عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح، ومرثد بن أبي مرثد، وعبد الله بن طارق، وخبيب بن عدي، وزيد بن الدثنة، وخالد بن أبي البكير، ومعتب بن عبيد وهو أخو عبد الله بن طارق لأمه وهما من بني بليّ حليفان لبني ظفر ( وأمّر عليهم عاصم بن ثابت) الأنصاري وقيل مرثد بن أبي مرثد ( وهو جدّ عاصم بن عمر بن الخطاب) قال الحافظ عبد العظيم: غلط عبد الرزاق وابن عبد البر فقالا في عاصم هذا: هو جد عاصم بن عمر بن
الخطاب وذلك وهم، وإنما هو خال عاصم لأن أم عاصم بن عمر جميلة بنت ثابت وعاصم هو أخو جميلة ذكر ذلك الزبير القاضي وعمه مصعب الإمامان في علم النسب.

( فانطلقوا حتى إذا كان) عاصم ومن معه ولأبي ذر عن الكشميهني كانوا ( بين عسفان ومكة) وبينهما مرحلتان ( ذكروا) بضم المعجمة مبنيًا للمفعول ( لحي من هذيل) بالذال المعجمة ( يقال لهم بنو لحيان) بكسر اللام وفتحها ( فتبعوهم بقريب من مائة رام) بالنبل ( فاقتصوا آثارهم) أي تبعوهم شيئًا فشيئًا ( حتى أتوا منزلاً نزلوه فوجدوا فيه نوى تمر تزودوه من المدينة فقالوا: هذا تمر يثرب فتبعوا آثارهم حتى لحقوهم، فلما انتهى عاصم وأصحابه لجأوا إلى فدفد) بفتح الفاءين بينهما دال مهملة ساكنة آخره دال أخرى أي رابية مشرفة ( وجاء القوم) بنو لحيان ( فأحاطوا بهم) بعاصم وأصحابه ( فقالوا) أي بنو لحيان لهم ( لكم العهد والميثاق وإن نزلتم إلينا أن لا نقتل منكم رجلاً، فقال عاصم: أما) بتشديد الميم ( أنا فلا أنزل في ذمة كافر) وعند ابن سعد فأما عاصم بن ثابت ومرثد بن أبي مرثد وخالد بن أبي البكير ومعتب بن عبيد فقالوا: والله لا نقبل من مشرك عهدًا ولا عقدًا أبدًا اهـ.

وقال عاصم: ( اللهم أخبر عنا نبيك) ولأبي ذر وابن عساكر: رسولك.
زاد الطيالسي عن إبراهيم بن سعد فاستجاب الله تعالى لعاصم فأخبر رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خبره فأخبر أصحابه بذلك يوم أصيبوا ( فقاتلوهم) بفتح التاء وللأربعة فرموهم ( حتى قتلوا عاصمًا في) جملة ( سبعة نفر بالنبل) بفتح النون وسكون الموحدة ( وبقي خبيب وزيد) أي ابن الدثنة بفتح الدال المهملة وكسر المثلثة ( ورجل آخر) هو عبد الله بن طارق ( فأعطوهم العهد والميثاق فلما أعطوهم العهد والميثاق نزلوا) من الفدفد ( إليهم فلما استمكنوا منهم حلّوا أوتار قسيهم فربطوهم بها فقال الرجل الثالث الذي معهما) : وهو عبد الله بن طارق ( هذا أول الغدر فأبى) أي امتنع ( أن يصحبهم فجرروه) بفتح الجيم وتشديد الراء الأولى وضم الثانية ( وعالجوه على أن يصحبهم فلم يفعل فقتلوه) وفي طبقات ابن سعد وخرجوا بالنفر الثلاثة حتى إذا كانو بمرّ الظهران انتزع عبد الله بن طارق يده من القران وأخذ سيفه واستأخر عنه القوم فرموه بالحجارة حتى قتلوه بمرّ الظهران.

( وانطلقوا بخبيب وزيد حتى باعوهما بمكة، فاشترى خبيبًا بنو الحارث بن عامر بن نوفل) وعند ابن إسحاق كابن سعد أن الذي اشتراه حجير بن أبي إهاب التيمي حليف بني نوفل وكان أخا الحارث بن عامر لأمه ليقتله بأبيه ( وكان خبيب هو قتل الحارث) بن عامر المذكور ( يوم بدر) قال الشرف الدمياطي: لم يذكر أحد من أهل المغازي أن خبيب بن عدي شهد بدرًا ولا قتل الحارث بن عامر، وإنما ذكروا أن الذي قتل الحارث بن عامر ببدر خبيب بن يساف وهو غير خبيب بن عدي وهو خزرجي وخبيب بن عدي أوسي اهـ.
وزاد ابن سعد: وأما زيد فابتاعه صفوان بن أمية وقتله بأبيه.

( فمكث) خبيب ( عندهم) أي عند بني الحارث ( أسيرًا حتى إذا) خرجت الأشهر الحرم
و ( أجمعوا قتله استعار موسى) بالتنوين وتركه ( من بعض بنات) بني ( الحارث) اسمها زينب بنت الحارث أخت عقبة بن الحارث الذي قتل خبيبًا ( استحدّ بها) بهمزة وصل وسكون السين المهملة وفتح التاء والحاء والدال المشددة المهملتين أي حلق بها عانته، والذي في اليونينية استحدّ بقطع الهمزة وكسر الحاء وكشط فوق الشدة، وتبعه في الفرع لكنه كشط خفضة الحاء ولم يضبطها ولأبوي ذر والوقت ليستحد بها ( فأعارته) موسى ( قالت) زينب: ( فغفلت) بفتح الفاء ( عن صبي لي) هو أبو حسين بن الحارث بن عدي بن نوفل بن عبد مناف وهو جد عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي الحسين المكي المخزومي المحدث ( فدرج) أي فمشى ( إليه حتى أتاه فوضعه على فخذه فلما رأيته فزعت) بكسر الزاي ( فزعة عرف ذاك) الفزع ( مني) ولأبي ذر ذلك باللام ( وفي يده الموسى فقال: أتخشين) أي أتخافين ولأبي ذر عن الكشميهني أتحسبين بحاء وسين مهملتين بعدهما موحدة مكسورتين أتظنين ( أن أقتله ما كنت لأفعل ذاك) بكسر الكاف ( إن شاء الله تعالى، وكانت) زينب ( تقول: ما رأيت أسيرًا قط خيرًا من خبيب لقد رأيته يأكل من قطف عنب) بكسر القاف أي عنقود ( وما بمكة يومئذ ثمرة) بالمثلثة وفتح الميم وفي الفرع بالمثناة الفوقية وسكون الميم ( وإنه لموثق) بالمثلثة مقيد ( في الحديد وما كان) ذلك القطف ( إلاّ رزق رزقه الله) خبيبًا ( فخرجوا به من الحرم) إلى التنعيم ( ليقتلوه فقال: دعوني) اتركوني ( أصلي) بالتحتية بعد اللام ولأبي ذر عن الكشميهني أصل ( ركعتين) فصلاهما بالتنعيم ثم انصرف إليهم فقال: ( لولا أن تروا أن ما بي جزع) وللكشميهني مما في الفرع فقط من جزع ( من الموت لزدت) على الركعتين ( فكان) خبيب ( أول من سنّ الركعتين عند القتل هو) واستشكل قوله أول من سن إذ السنّة إنما هي أقوال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأفعاله وأحواله.
وأجيب: بأنه فعلهما في حياته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- واستحسنهما.

( ثم قال) : خبيب يدعو عليهم ( اللهم أحصهم عددًا) بقطع الهمزة والحاء والصاد المهملتين أي أهلكهم بحيث لا يبقى من عددهم أحد ( ثم قال: ما أبالي) بضم الهمزة، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: وما أن أبالي "ما" نافية، وإن بكسر الهمزة نافية للتأكيد، وله عن الكشميهني فلست أبالي، وفي نسخة من اليونينية ولست أبالي ( حين أقتل مسلمًا.
على أي شق)
بكسر الشين المعجمة أي جنب ( كان لله مصرعي) .

( وذلك في ذات الإله) أي طاعته، ولهذه اللفظة مباحث طويلة تأتي إن شاء الله تعالى بفضل الله تعالى ومعونته في باب ما يذكر في الذات والنعوت من كتاب التوحيد ( وإن يشأ .. ) عز وجل ( يبارك على أوصال شلو) جمع وصل أي عضو، والشلو بكسر الشين المعجمة وسكون اللام الجسد أي على أعضاء جسد ( ممزع) بزاي مشددة مفتوحة فعين مهملة مقطع.

( ثم قام إليه عقبة بن الحارث) أخو زينب وكنيته أبو سروعة كما يأتي ( فقتله.
وبعثت قريش إلى عاصم)
أي ابن ثابت المقتول في جملة النفر السبعة ( ليؤتوا) بضم التحتية وفتح الفوقية ( بشيء من جسده يعرفونه) به ( وكان عاصم قتل عظيمًا من عظمائهم يوم بدر) قيل هو عقبة بن أبي معيط
فإن عاصمًا قتله صبرًا بأمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد أن انصرفوا من بدر ( فبعث الله عليه) بالإفراد، ولأبي ذر عليهم أي على المبعوثين من قبل قريش لما أرادوا أن يقطعوا شيئًا من لحمه ( مثل الظلة) بضم الظاء المعجمة وفتح اللام المشددة السحابة ( من الدبر) بفتح الدال المهملة وسكون الموحدة أي الزنابير أو ذكور النحل.
وفي رواية أبي الأسود فبعث الله عليهم الدبر يطير في وجوههم ويلدغهم ( فحمته من رسلهم فلم يقدروا منه على شيء) وعند ابن إسحاق أن عاصمًا كان أعطى الله تعالى عهدًا أن لا يمس مشركًا ولا يمسه مشرك أبدًا فكان عمر يقول لما بلغه يحفظ الله العبد المؤمن بعد وفاته كما يحفظه في حياته.

وهذا الحديث قد سبق في باب هل يستأسر الرجل من كتاب الجهاد.




[ قــ :3889 ... غــ : 4087 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو سَمِعَ جَابِرًا يَقُولُ: الَّذِي قَتَلَ خُبَيْبًا هُوَ أَبُو سِرْوَعَةَ.

وبه قال: ( حدّثنا) ولأبي ذر وابن عساكر: حدثني بالإفراد ( عبد الله بن محمد) المسندي قال: ( حدّثنا سفيان) بن عيينة ( عن عمرو) بفتح العين ابن دينار أنه ( سمع جابرًا) هو ابن عبد الله الأنصاري -رضي الله عنهما- ( يقول: الذي قتل خبيبًا هو أبو سروعة) بكسر السين المهملة وفتحها وهي كنية عقبة بن الحارث.




[ قــ :3890 ... غــ : 4088 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَبْعِينَ رَجُلاً لِحَاجَةٍ يُقَالُ لَهُمُ: الْقُرَّاءُ، فَعَرَضَ لَهُمْ حَيَّانِ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ رِعْلٌ وَذَكْوَانُ عِنْدَ بِئْرٍ يُقَالُ لَهَا: بِئْرُ مَعُونَةَ فَقَالَ الْقَوْمُ: وَاللَّهِ مَا إِيَّاكُمْ أَرَدْنَا إِنَّمَا نَحْنُ مُجْتَازُونَ فِي حَاجَةٍ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَتَلُوهُمْ فَدَعَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَيْهِمْ شَهْرًا فِي صَلاَةِ الْغَدَاةِ وَذَلِكَ بَدْءُ الْقُنُوتِ، وَمَا كُنَّا نَقْنُتُ.
قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ: وَسَأَلَ رَجُلٌ أَنَسًا عَنِ الْقُنُوتِ أَبَعْدَ الرُّكُوعِ أَوْ عِنْدَ فَرَاغٍ مِنَ الْقِرَاءَةِ؟ قَالَ: لاَ بَلْ عِنْدَ فَرَاغٍ مِنَ الْقِرَاءَةِ.

وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) عبد الله بن عمرو المنقري المقعد قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد قال: (حدّثنا عبد العزيز) بن صهيب (عن أنس - رضي الله تعالى عنه -) أنه (قال: بعث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سبعين رجلاً لحاجة) هي أن رعلاً وغيرهم استمدوه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأمدهم بالسبعن، وكان (يقال لهم القراء) أو بعثهم عليه الصلاة والسلام للدعاء إلى الإسلام، فعند ابن إسحاق أن أبا براء عامر بن مالك بن جعفر ملاعب الأسنة قدم على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فعرض عليه الإسلام ودعاه إليه فلم يسلم ولم يبعد عن الإسلام وقال: يا محمد لو بعثت رجالاً من أصحابك إلى أهل نجد فدعوتهم إلى أمرك رجوت أن يستجيبوا لك.
فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إني أخشى أهل نجد عليهم" قال أبو براء: أنا لهم جار
فابعثهم فبعث رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فعرض لهم) للسبعين (حيان) بالحاء المهملة وتشديد التحتية تثنية حيّ أي جماعة (من بني سليم) بضم السين أحدهما (رعل و) الآخر (ذكوان عند بئر يقال لها بئر معونة) وهي بين أرض بني عامر وحرة بني سليم (فقال القوم): السبعون للحيين (والله ما إياكم أردنا إنما نحن مجتازون) بالجيم والزاي (في حاجة للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقتلوهم) إلا كعب بن زيد بن قيس بن مالك بن كعب بن عبد الأشهل بن حارثة بن دينار فإنهم تركوه وبه رمق فارتث من بين القتلى فعاش حتى قتل يوم الخندق شهيدًا.
(فدعا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عليهم شهرًا في صلاة الغداة) أي الصبح (وذلك بدء القنوت وما كنا نقنت) أي قبل ذلك.

(قال عبد العزيز) بن صهيب بالسند السابق (وسأل رجل) هو عاصم الأحول (أنسًا عن القنوت (بعد الركوع أو عند فراغ) بالتنوين (من القراءة) قبل الركوع (قال: لا بل عند فراغ) بالتنوين (من القراءة) قبل الركوع.
وفي الحديث الذي بعد أنه بعد الركوع فينظر الراجح منهما.




[ قــ :3891 ... غــ : 4089 ]
- حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا هِشَامٌ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَهْرًا بَعْدَ الرُّكُوعِ يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنَ الْعَرَبِ.

وبه قال: ( حدّثنا مسلم) هو ابن إبراهيم الفراهيدي قال: ( حدّثنا هشام) الدستوائي قال: ( حدّثنا قتادة) بن دعامة ( عن أنس) -رضي الله عنه- أنه ( قال: قنت رسول الله) ولأبوي ذر والوقت النبي ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شهرًا بعد الركوع يدعو على أحياء من العرب) .




[ قــ :389 ... غــ : 4090 ]
- حَدَّثَنِي عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- أَنَّ رِعْلاً، وَذَكْوَانَ، وَعُصَيَّةَ، وَبَنِي لَحْيَانَ، اسْتَمَدُّوا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى عَدُوٍّ فَأَمَدَّهُمْ بِسَبْعِينَ مِنَ الأَنْصَارِ كُنَّا نُسَمِّيهِمُ الْقُرَّاءَ فِي زَمَانِهِمْ كَانُوا يَحْتَطِبُونَ بِالنَّهَارِ، وَيُصَلُّونَ بِاللَّيْلِ، حَتَّى كَانُوا بِبِئْرِ مَعُونَةَ قَتَلُوهُمْ وَغَدَرُوا بِهِمْ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَلِكَ فَقَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو فِي الصُّبْحِ عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ عَلَى رِعْلٍ، وَذَكْوَانَ، وَعُصَيَّةَ، وَبَنِي لَحْيَانَ، قَالَ أَنَسٌ: فَقَرَأْنَا فِيهِمْ قُرْآنًا ثُمِّ إِنَّ ذَلِكَ رُفِعَ بَلِّغُوا عَنَّا قَوْمَنَا أَنَّا لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا.
وَعَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ حَدَّثَهُ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَنَتَ شَهْرًا فِي صَلاَةِ الصُّبْحِ يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ عَلَى رِعْلٍ، وَذَكْوَانَ، وَعُصَيَّةَ، وَبَنِي لَحْيَانَ.

زادَ خَلِيفَةُ حَدَّثَنَا ابْنُ زُرَيْعٍ سَعِيدٌ عَنَ قَتادَة, حَدَّثَنَا أَنَسٌ أَنَّ أُولئِكَ السَّبْعِينَ مِنَ الأَنْصارِ قُتِلُوا بِبِئْرِ مَعُونَةَ قُرْآنًا كِتابًا نَحْوَهُ.

وبه قال: ( حدثني) بالإفراد ( عبد الأعلى بن حماد) النرسي قال: ( حدّثنا يزيد بن زريع) بضم الزاي وفتح الراء مصغرًا قال: ( حدّثنا سعيد) هو ابن أبي عروبة ( عن قتادة عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رعلاً) بكسر الراء وسكون العين المهملة ( وذكوان) بن ثعلبة ( وعصية) بضم العين
مصغرًا ابن خناف ( وبني لحيان) بكسر اللام وفتحها حيّ من هذيل ( استمدوا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي طلبوا منه المدد ( على عدوّ) ولأبي ذر عن الكشميهني: على عدوهم وهذا وهم ما قاله الدمياطي، لأن بني لحيان ليسوا أصحاب بئر معونة، وإنما هم أصحاب الرجيع الذين قتلوا عاصمًا وأصحابه وأسروا خبيبًا وكذا قوله رعلاً وذكوان وعصية وهم أيضًا، وإنما أثاره أبو براء كما مرّ، لكن قال الحافظ ابن حجر: إن ما في هذه الرواية هنا وما في الجهاد من وجه آخر عن سعيد عن قتادة يرد على من قال: إن رواية قتادة وهم، وقال في المصابيح: وهذا في الحقيقة انتقاد على أنس بن مالك -رضي الله عنه- فإن طريق الرواية إليه بذلك صحيحة لا مقالة فيها ( فأمدهم بسبعين من الأنصار كنا نسميهم القراء) لكثرة قراءتهم ( في زمانهم كانوا يحتطبون) يجمعون الحطب، ولأبي ذر عن الكشميهني يحطبون ( بالنهار ويصلون بالليل) وكان أميرهم المنذر بن عمرو الساعدي فانطلقوا ( حتى كانوا ببئر معونة قتلوهم وغدروا بهم، فبلغ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذلك فقنت شهرًا يدعو في) صلاة ( الصبح على أحياء من أحياء العرب على رعل وذكوان وعصية وبني لحيان) فشرك بين القاتلين هنا وبين غيرهم في الدعاء لأن خبر بئر معونة وخبر أصحاب الرجيع جاءا إليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في ليلة واحدة.

وعند ابن سعد: ودعا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على قتلتهم بعد الركعة في الصبح: "اللهم أشدد وطأتك على مضر، اللهم سنين كسني يوسف، اللهم عليك ببني لحيان وعضل والقارة ورعل وذكوان وعصية فإنهم عصوا الله ورسوله" ولم يجد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على قتلى ما وجد على قتلى بئر معونة.

( قال أنس فقرأنا فيهم قرآنًا ثم وإن ذلك) القرآن ( رفع) أي نسخت تلاوته ( بلغوا عنا قومنا أنا قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا) وعند ابن سعد أنه لما أحيط بهم قالوا: اللهم إنّا لا نجد من يبلغ رسولك عنا السلام غيرك فاقرئه منا السلام فأخبره جبريل عليه السلام بذلك فقال: وعليهم السلام.

( وعن قتادة) بالسند السابق ( عن أنس بن مالك) -رضي الله عنه- أنه ( حدّثه أن نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قنت شهرًا في صلاة الصبح يدعو على أحياء من أحياء العرب على رعل وذكوان وعصية وبني لحيان) .

( زاد خليفة) بن خياط العصفري شيخ المؤلّف فقال: ( حدّثنا ابن زريع) ولأبي ذر يزيد بن زريع قال: ( حدّثنا سعيد) بكسر العين ابن أبي عروبة ( عن قتاة) ابن دعامة أنه قال: ( حدّثنا أنس) -رضي الله عنه- ( أن أولئك السبعين) القراء ( من الأنصار قتلوا ببئر معونة) .
وقوله ( قرآنًا) بضم القاف وسكون الراء أي ( كتابًا نحوه) أي نحو رواية عبد الأعلى بن حماد عن يزيد بن زريع.




[ قــ :3893 ... غــ : 4091 ]
- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَسٌ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَ خَالَهُ أَخٌ لأُمِّ سُلَيْمٍ فِي سَبْعِينَ رَاكِبًا، وَكَانَ رَئِيسَ الْمُشْرِكِينَ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ خَيَّرَ بَيْنَ ثَلاَثِ خِصَالٍ، فَقَالَ: يَكُونُ لَكَ أَهْلُ السَّهْلِ وَلِي أَهْلُ الْمَدَرِ، أَوْ أَكُونُ خَلِيفَتَكَ أَوْ أَغْزُوكَ بِأَهْلِ غَطَفَانَ بِأَلْفٍ وَأَلْفٍ فَطُعِنَ عَامِرٌ فِي بَيْتِ أُمِّ فُلاَنٍ فَقَالَ: غُدَّةٌ كَغُدَّةِ الْبَكْرِ
فِي بَيْتِ امْرَأَةٍ مِنْ آلِ فُلاَنٍ، ائْتُونِي بِفَرَسِي فَمَاتَ عَلَى ظَهْرِ فَرَسِهِ فَانْطَلَقَ حَرَامٌ أَخُو أُمِّ سُلَيْمٍ وَهُوَ رَجُلٌ أَعْرَجُ، وَرَجُلٌ مِنْ بَنِي فُلاَنٍ قَالَ: كُونَا قَرِيبًا حَتَّى آتِيَهُمْ فَإِنْ آمَنُونِي كُنْتُمْ قَرِيبًا، وَإِنْ قَتَلُونِي أَتَيْتُمْ أَصْحَابَكُمْ، فَقَالَ: أَتُؤْمِنُونِي أُبَلِّغْ رِسَالَةَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَجَعَلَ يُحَدِّثُهُمْ وَأَوْمَؤوا إِلَى رَجُلٍ فَأَتَاهُ مِنْ خَلْفِهِ فَطَعَنَهُ، قَالَ هَمَّامٌ: أَحْسِبُهُ حَتَّى أَنْفَذَهُ بِالرُّمْحِ، قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، فَلُحِقَ الرَّجُلُ فَقُتِلُوا كُلُّهُمْ غَيْرَ الأَعْرَجِ، كَانَ فِي رَأْسِ جَبَلٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تعالى عَلَيْنَا ثُمَّ كَانَ مِنَ الْمَنْسُوخِ إِنَّا قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا فَدَعَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَيْهِمْ ثَلاَثِينَ صَبَاحًا عَلَى رِعْلٍ، وَذَكْوَانَ، وَبَنِي لَحْيَانَ، وَعُصَيَّةَ الَّذِينَ عَصَوُا اللَّهَ وَرَسُولَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

وبه قال: ( حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري قال: ( حدّثنا همام) بفتح الهاء وتشديد الميم ابن يحيى بن دينار البصري ( عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) أنه ( قال: حدثني) بالإفراد ( أنس أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعث خاله) أي خال أنس حرام بن ملحان ( أخ) أي وهو أخ، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: أخا بالنصب بدلاً من قوله خاله ( لأم سليم) أم أنس ( في سبعين راكبًا) إلى بني عامر ( وكان) سبب البعث أنه كان ( رئيس المشركين عامر بن الطفيل) بضم الطاء المهملة وفتح الفاء ابن مالك بن جعفر بن كلاب وهو ابن أخي أبي براء عامر بن مالك وكان ( خير) هو النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما أتاه ( بين ثلاث خصال فقال: يكون لك أهل السهل) بفتح المهملة وسكون الهاء سكان البوادي ( ولي أهل المدر) بفتح المعجم والدال المهملة بعدها راء أهل البلاد ( أو أكون خليفتك أو أغزوك بأهل غطفان) بالغين المعجمة والطاء المهملة والفاء المفتوحات قبيلة ( بألف) أي أشقر ( وألف) أي أحمر فقال عليه الصلاة والسلام: "اللهم اكفني عامرًا" ( فطعن عامر) أي ابن الطفيل المذكور أي أصابه الطاعون ( في بيت أم فلان فقال: غدة) بضم الغين المعجمة وتشديد الدال المهملة ( كغدة البكر) بفتح الموحدة وسكون الكاف الفتي من الإبل ( في بيت امرأة من آل فلان) أي آل السلول كما عند الطبراني وهي سلول بنت شيبان وزوجها مرّة بن صعصعة أخو عامر بن صعصعة ينسب بنوه إليها، ولأبي ذر: من آل بني فلان ( ائتوني بفرسي فمات على ظهر فرسه) قال الداودي: وكانت هذه من حماقات عامر فأماته الله بذلك ليصغر إليه نفسه.

( فانطلق حرام أخو أم سليم) الذي بعثه عليه الصلاة والسلام ( وهو رجل أعرج ورجل) آخر ( من بني فلان) في الفرع هو على كشط بإسقاط الواو، وثبت في غيره وهي واو الحال والأعرج صفة لحرام وليس كذلك بل الأعرج غيره فالصواب وهو رجل أعرج.
قال في المصابيح: وكذا ثبت في بعض النسخ فلعل الواو قدمت سهوا في الرواية الأولى، وعند البيهقي من رواية عثمان بن سعيد عن موسى بن إسماعيل شيخ المؤلّف فيه فانطلق حرام ورجلان معه رجل أعرج ورجل من بني فلان، وعند ابن هشام في زيادات السير: أن الأعرج اسمه كعب بن زيد وهو من بني دينار بن النجار واسم الآخر المنذر بن محمد بن عقبة بن أحيحة بن الجلاح الخزرجي ( قال) : حرام للرجل الأعرج وللآخر الذي من بني فلان ( كونا قريبًا حتى آتيهم) أي بني عامر ( فإن
آمنوني)
بفتح الهمزة الممدودة والميم المخففة ( كنتم قريبًا) مني ( وإن قتلوني أتيتم أصحابكم) فخرج إليهم ( فقال) لهم: ( أتؤمنوني) ولأبي ذر: أتؤمنونني أي أتعطونني الأمان ( أبلغ) بالجزم جواب الاستفهام ( رسالة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فجعل) حرام ( يحدثهم وأومؤوا) بالواو ولأبي ذر: فأومؤوا أي أشاروا ( إلى رجل فأتاه من خلفه فطعنه.
قال همام)
: أي ابن يحيى بن دينار ( أحسبه) أي أظنه ( حتى أنفذه) بالذال المعجمة أي أنفذه من الجانب الآخر ( بالرمح) .

قال في الفتح: لم أعرف اسم الرجل الذي طعنه ووقع في السيرة لابن إسحاق ما ظاهره أنه عامر بن الطفيل لأنه قال: فلما نزلوا أي الصحابة بئر معونة بعثوا حرام بن ملحان بكتاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى عامر بن الطفيل فلما أتاه لم ينظر في كتابه حتى عدا عليه فقتله اهـ.

( قال) : حرام لما طعن ( الله أكبر فزت) بالشهادة ( ورب الكعبة فلحق الرجل) الذي هو رفيق حرام فلم يمكنوه أن يرجع إلى المسلمين بل لحقه المشركون فقتلوه وقتلوا أصحابه كما قال.
( فقتلوا كلهم غير) الرجل ( الأعرج كان في رأس جبل فأنزل الله تعالى علينا ثم كان من المنسوخ) تلاوة والجملة معترضة بين قوله فأنزل الله علينا وبين قوله ( إنا قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا فدعا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عليهم) لما بلغه خبرهم ( ثلاثين صباحًا) في القنوت ( على رعل وذكوان وبني لحيان وعصية الذين عصوا الله ورسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وإنما شرك بين القاتلين هنا وبين غيرهم في الدعاء لورود خبر بئر معونة وأصحاب الرجيع في ليلة واحدة كما مرّ قريبًا.

ونقل العيني عن كتاب شرف المصطفى أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما أصيب أهل بئر معونة جاءت الحمى إليه فقال لها: "اذهبي إلى رعل وذكوان وعصية عصت الله ورسوله" فأتتهم فقتلت منهم سبعمائة رجل بكل رجل من المسلمين عشرة.

وحديث الباب قد مرّ في باب من ينكب في سبيل الله من كتاب الجهاد.




[ قــ :3894 ... غــ : 409 ]
- حَدَّثَنِي حِبَّانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ قَالَ: حَدَّثَنِي ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ -رضي الله عنه- يَقُولُ: لَمَّا طُعِنَ حَرَامُ بْنُ مِلْحَانَ وَكَانَ خَالَهُ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ قَالَ: بِالدَّمِ هَكَذَا، فَنَضَحَهُ عَلَى وَجْهِهِ وَرَأْسِهِ ثُمَّ قَالَ: فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ.

وبه قال: ( حدثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا ( حبان) بكسر الحاء المهملة وتشديد الموحدة ابن موسى المروزي السلمي قال: ( أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: ( أخبرنا معمر) بسكون العين ابن راشد ( قال: حدثني) بالإفراد ولأبي ذر: وحدثني ( ثمامة بن عبد الله) بضم المثلثة وتخفيف الميم الأولى ( ابن أنس) قاضي البصرة ( أنه سمع) جده ( أنس بن مالك -رضي الله عنه- يقول: لما طعن) بضم الطاء ( حرام بن ملحان وكان) أي حرام ( خاله) خال أنس ( يوم بئر معونة) ظرف لقوله طعن ( قال: بالدم هكذا) من إطلاق القول على الفعل أي أخذ الدم من موضع الطعن ( فنضحه) رشه ( على وجهه ورأسه ثم قال: فزت) بالشهادة ( وربّ الكعبة) .

وهذا الحديث أخرجه النسائي أيضًا في المناقب.




[ قــ :3895 ... غــ : 4093 ]
- حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-، قَالَتِ: اسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبُو بَكْرٍ فِي الْخُرُوجِ حِينَ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الأَذَى فَقَالَ لَهُ: أَقِمْ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَطْمَعُ أَنْ يُؤْذَنَ لَكَ؟ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِنِّي لأَرْجُو ذَلِكَ» قَالَتْ: فَانْتَظَرَهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَتَاهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَاتَ يَوْمٍ ظُهْرًا فَنَادَاهُ فَقَالَ: «أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ» فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّمَا هُمَا ابْنَتَاىَ فَقَالَ: «أَشَعَرْتَ أَنَّهُ قَدْ أُذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ»؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الصُّحْبَةُ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الصُّحْبَةُ» قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدِي نَاقَتَانِ قَدْ كُنْتُ أَعْدَدْتُهُمَا لِلْخُرُوجِ فَأَعْطَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِحْدَاهُمَا وَهْيَ الْجَدْعَاءُ فَرَكِبَا فَانْطَلَقَا حَتَّى أَتَيَا الْغَارَ وَهْوَ بِثَوْرٍ فَتَوَارَيَا فِيهِ فَكَانَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ غُلاَمًا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الطُّفَيْلِ بْنِ سَخْبَرَةَ أَخُو عَائِشَةَ لأُمِّهَا وَكَانَتْ لأَبِي مِنْحَةٌ، فَكَانَ يَرُوحُ بِهَا وَيَغْدُو عَلَيْهِمْ وَيُصْبِحُ فَيَدَّلِجُ إِلَيْهِمَا، ثُمَّ يَسْرَحُ فَلاَ يَفْطُنُ بِهِ أَحَدٌ مِنَ الرِّعَاءِ، فَلَمَّا خَرَجَ خَرَجَ مَعَهُمَا يُعْقِبَانِهِ حَتَّى قَدِمَا الْمَدِينَةَ فَقُتِلَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ.

وَعَنْ أَبِي أُسَامَةَ قَالَ: قَالَ لِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ فَأَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ: لَمَّا قُتِلَ الَّذِينَ بِبِئْرِ مَعُونَةَ وَأُسِرَ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ قَالَ لَهُ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ: مَنْ هَذَا؟ فَأَشَارَ إِلَى قَتِيلٍ، فَقَالَ لَهُ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ: هَذَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ فَقَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُهُ بَعْدَ مَا قُتِلَ رُفِعَ إِلَى السَّمَاءِ حَتَّى إِنِّي لأَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الأَرْضِ، ثُمَّ وُضِعَ فَأَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَبَرُهُمْ فَنَعَاهُمْ فَقَالَ: «إِنَّ أَصْحَابَكُمْ قَدْ أُصِيبُوا وَإِنَّهُمْ قَدْ سَأَلُوا رَبَّهُمْ، فَقَالُوا: رَبَّنَا أَخْبِرْ عَنَّا إِخْوَانَنَا بِمَا رَضِينَا عَنْكَ وَرَضِيتَ عَنَّا فَأَخْبَرَهُمْ عَنْهُمْ».
وَأُصِيبَ يَوْمَئِذٍ فِيهِمْ عُرْوَةُ بْنُ أَسْمَاءَ بْنِ الصَّلْتِ، فَسُمِّيَ عُرْوَةُ بِهِ وَمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو سُمِّيَ بِهِ مُنْذِرًا.

وبه قال: ( حدّثنا) ولأبي ذر: حدثني بالإفراد ( عبيد بن إسماعيل) البهاري الكوفي من ولد هبار بن الأسود وعبيد لقب غلب عليه واسمه عبد الله قال: ( حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة ( عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير ( عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها ( قالت: استأذن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أبو بكر) الصديق -رضي الله عنه- ( في الخروج) من مكة إلى المدينة ( حين اشتد عليه الأذى) من قريش ( فقال له) عليه الصلاة والسلام:
( أقم فقال: يا رسول الله أتطمع أن يؤذن لك) في الهجرة إلى المدينة ( فكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول) له ( إني لأرجو ذلك قالت) عائشة: ( فانتظره أبو بكر فأتاه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذات يوم ظهرًا) أي في وقت الظهر ( فناداه فقال) له: يا أبا بكر ( أخرج) بفتح الهمزة وكسر الراء من الإخراج ( من عندك) في موضع نصب على المفعولية وللأربعة أخرج بضمهما ( فقال أبو بكر: إنما هما ابنتاي) عائشة وأسماء ( فقال: أشعرت أنه) الهمزة في أشعرت خرجت عن الاستفهام الحقيقي وأفادت
الثبوت فكأنه قال: أعلم أنه ( قد أُذن لي في الخروج) إلى المدينة ( فقال) أبو بكر: ( يا رسول الله) أتريد ( الصحبة) أي المرافقة ويجوز الرفع ( فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) : نعم أريد ( الصحبهّ قال: يا رسول الله عندي ناقتان قد كنت أعددتهما للخروج فأعطى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إحداها وهي الجدعاء) بالدال المهملة وهي المقطوعة الأذن لكنه تسمية لها ولم تكن مقطوعتها ( فركبا) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبو بكر -رضي الله عنه- ( فانطلقا حتى أتيا الغار وهو) ثقب ( بثور) الجبل المعروف ( فتواريا) من قريش ( فيه فكان عامر بن فهيرة) بضم الفاء وفتح الهاء مصغرًا ( غلامًا لعبد الله بن الطفيل) بضم الطاء المهملة وفتح الفاء مصغرًا.
قال الدمياطي: الصواب الطفيل بن عبد الله ( بن سخبرة) بفتح السين المهملة وسكون الخاء المعجمة بعدها موحدة فراء تأنيث وهو أزدي من بني زهران ( أخو عائشة لأمها) ولأبي ذر عن الكشميهني أخي بدل من عبد الله والرفع خبر مبتدأ محذوف أي هو أخو عائشة، وذلك أن أبا الطفيل زوج أم رومان والدة عائشة قدم في الجاهلية مكة فحالف أبا بكر قبل الإسلام ومات وخلف الطفيل فتزوج أبو بكر امرأته أم رومان فولدت له عبد الرحمن وعائشة واشترى أبو بكر عامر بن فهيرة من الطفيل فأعتقه.

( وكانت لأبي بكر منحة) بكسر الميم وسكون النون بعدها حاء مهملة ناقة تدر اللبن ( فكان) عامر بن فهيرة ( يروح) يذهب بعد الزوال ( بها) بالمنحة ( ويغدو) قبله ( عليهم ويصبح) بضم التحتية وكسر الموحدة ( فيدلج) بفتح التحتية وتشديد الدال المهملة المفتوحة وكسر اللام بعدها جيم أي يسير من آخر الليل ( إليهما) إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبي بكر -رضي الله عنه- ( ثم يسرح) أي يذهب بالمنحة إلى المرعى ( فلا يفطن) بفتح التحتية وضم الطاء المهملة فلا يدري ( به أحد من الرعاء) بكسر الراء والمد ( فلما خرج) أي النبي عليه الصلاة والسلام كذا في اليونينية وغيرها وفي الفرع وغيره فلما خرجا أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبو بكر ( خرج معهما) عامر إلى المدينة ( يعقبانه) بضم أوله وكسر القاف يردفانه بالنوبة ( حتى قدما) بالنية ولأبي ذر: قدم ( المدينة فقتل عامر بن فهيرة يوم بئر معونة) وهو ابن أربعين سنة وكان قديم الإسلام قبل أن يدخل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دار الأرقم.

( وعن أبي أسامة) حماد بن أسامة عطف على قوله حدّثنا عبيد بن إسماعيل ( قال: قال) لي ( هشام بن عروة) بن الزبير ( فأخبرني) بالإفراد ( أبي قال: لما قتل الذين ببئر معونة) وهم القراء ( وأسر عمرو بن أمية) بفتح العين ( الضمري قال له عامر بن الطفيل) : هل تعرف أصحابك؟ قال: نعم فطاف في القتلى فجعل يسأل عن أنسابهم ثم قال له: ( من هذا؟ فأشار إلى قتيل) منهم ( فقال له عمرو بن أمية: ها عامر بن فهيرة.
فقال)
عامر بن الطفيل ( لقد رأيته بعدما قتل رفع إلى السماء حتى أني لأنظر إلى السماء بينه وبين الأرض ثم وضع) بضم الواو وكسر الضاد المعجمة أي إلى الأرض، وفي رواية الواقدي أن الملائكة وارته فلم يره المشركون ( فأتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خبرهم) من الله تعالى على لسان جبريل عليه السلام ( فنعاهم) أي أخبر بموتهم ( فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأصحابه:
( إن أصحابكم) القراء ( قد أصيبوا وإنهم قد سألوا ربهم فقالوا: ربنا أخبر عنا إخواننا بما
رضينا عنك ورضيت عنا فأخبرهم عنهم وأصيب يومئذٍ فيهم عروة بن أسماء بن الصلت فسمي عروة)
بن الزبير بن العوّام لما ولد ( به) أي باسم عروة بن أسماء المذكور وكان بين قتل عروة بن أسماء ومولد عروة بن الزبير بضع عشرة سنة ( و) أصيب فيهم أيضًا ( منذر بن عمرو) بفتح العين ( سمي به منذرّا) بالنصب على مذهب الكوفيين في إقامة الجار والمجرور في قوله به مقام الفاعل كقراءة أبي جعفر: ليجزي قومًا ابن الزبير بن العوّام وهو أخو عروة.

وهذا الحديث مرسل ولذا فصله المؤلّف عن سابقه مع عطفه عليه ليميز الموصول من المرسل.




[ قــ :3896 ... غــ : 4094 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَنَتَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَ الرُّكُوعِ شَهْرًا، يَدْعُو عَلَى رِعْلٍ، وَذَكْوَانَ، وَيَقُولُ «عُصَيَّةُ عَصَتِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ».

وبه قال: ( حدّثنا) ولأبي ذر وابن عساكر: حدثني بالإفراد ( محمد) هو ابن مقاتل المروزي قال: ( أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: ( أخبرنا سليمان) بن طرخان ( التيمي عن أبي مجلز) بكسر الميم وسكون الجيم وفتح اللام وبعدها زاي لاحق بن حميد ( عن أنس -رضي الله عنه-) أنه ( قال: قنت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد الركوع شهرًا) متتابعًا إذا قال: سمع الله لمن حمده ( يدعو على رعل وذكوان ويقول: عصية عصت الله ورسوله) .




[ قــ :3897 ... غــ : 4095 ]
- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: دَعَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الَّذِينَ قَتَلُوا يَعْنِي أَصْحَابَهُ بِبِئْرِ مَعُونَةَ ثَلاَثِينَ صَبَاحًا حِينَ يَدْعُو عَلَى رِعْلٍ وَلِحْيَانَ، وَعُصَيَّةَ عَصَتِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ أَنَسٌ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الَّذِينَ قُتِلُوا أَصْحَابِ بِئْرِ مَعُونَةَ قُرْآنًا قَرَأْنَاهُ حَتَّى نُسِخَ بَعْدُ بَلِّغُوا قَوْمَنَا فَقَدْ لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَرَضِينَا عَنْهُ.

وبه قال: ( حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة مصغرًا قال: ( حدّثنا مالك) الإمام ( عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن) عمه ( أنس بن مالك) -رضي الله عنه- أنه ( قال: دعا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على الذين قتلوا يعني أصحابه) القراء السبعين ( ببئر معونة) وسقط لفظ يعني أصحابه لأبي ذر ( ثلاثين صباحًا حين) ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر حتى ( يدعو على رعل ولحيان وعصية عصت الله ورسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) .

( قال أنس: فأنزل الله تعالى لنبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الذين قتلوا) بضم القاف وكسر التاء ( أصحاب بئر معونة) بجر أصحاب بدلاً من المجرور السابق ( قرآنًا قرآناه حتى نسخ) لفظه ( بعد) بالبناء على الضم ( بلغوا قومنا) المسلمين ( فقد لقينا ربنا فرضي عنا ورضينا عنه) ووقع في بعض النسخ: فأنزل الله تعالى لنبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الذين قتلوا بفتح القاف والتاء ولا يخفى ما فيه.