فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب غزوة الخندق وهي الأحزاب

باب غَزْوَةُ الْخَنْدَقِ وَهْيَ الأَحْزَابُ
قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: كَانَتْ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ.

( باب غزوة الخندق) سقط باب لأبي ذر وسميت بالخندق والذي حفر حول المدينة بأمره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وإشارة سليمان الفارسي وعمل فيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بنفسه ترغيبًا للمسلمين ( وهي) غزوة ( الأحزاب) كذا في الفرع واليونينية جمع حزب وهم طوائف المشركين من قريش وغطفان واليهود ومن معهم الذين اجتمعوا على حرب المسلمين وكانوا فيما قال ابن إسحاق: عشرة آلاف والمسلمون ثلاثة آلاف.

( قال موسى بن عقبة) : صاحب المغازي ( كانت) غزوة الخندق وتسمى أيضًا غزوة الأحزاب لما ذكر ( في شوال سنة أربع) من الهجرة وقال ابن إسحاق: سنة خمس.

والذي جنح إليه البخاري هو قول موسى بن عقبة واستدلّ له بقوله:

[ قــ :3899 ... غــ : 4097 ]
- حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَرَضَهُ يَوْمَ أُحُدٍ وَهْوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ فَلَمْ يُجِزْهُ وَعَرَضَهُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، وَهْوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ فَأَجَازَهُ.

( حدّثنا يعقوب بن إبراهيم) العبدي مولاهم الدورقي قال: ( حدّثنا يحيى بن سعيد) القطان ( عن عبيد الله) بضم العين مصغرًا ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري المدني أنه قال: ( أخبرني) بالإفراد ( نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عرضه يوم) غزوة ( أُحُد) لما عرض الجيش ليختبر أحوالهم قبل مباشرة القتال للنظر في هيئتهم وترتيب منازلهم ( وهو ابن أربع عشرة سنة فلم يجزه) بضم أوله وكسر الجيم بعدها زاي أي لم يمضه ولم يأذن له في الجهاد لعدم أهليته للقتال ( وعرضه يوم) غزوة ( الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة فأجازه) لكونه تأهل فيكون بين الخندق وأُحُد سنة واحدة وأُحُد كانت سنة ثلاث فيكون الخندق سنة أربع وثبت قوله سنة في الموضعين لأبي ذر عن الكشميهني.




[ قــ :3900 ... غــ : 4098 ]
- حَدَّثَنِي قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ -رضي الله عنه- قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْخَنْدَقِ وَهُمْ يَحْفِرُونَ وَنَحْنُ نَنْقُلُ التُّرَابَ عَلَى أَكْتَادِنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
اللَّهُمَّ لاَ عَيْشَ إِلاَّ عَيْشُ الآخِرَةِ ... فَاغْفِرْ لِلْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ
وبه قال: ( حدثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا ( قتيبة) بن سعيد قال: ( حدّثنا عبد العزيز عن) أبيه ( أي حازم) سلمة بن دينار ( عن سهل بن سعد) الساعدي ( -رضي الله عنه-) أنه ( قال: كنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الخندق وهم) أي المسلمون ( يحفرون) بكسر الفاء ( ونحن ننقل التراب على أكتادنا) بالمثناة الفوقية جمع كتد وهو ما بين الكاهل إلى الظهر ( فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( اللهم لا عيش) أي دائم ( إلا عيش الآخرة فاغفر للمهاجرين والأنصار) وهذا غير موزون، ولعل أصله: فاغفر للأنصار وللمهاجرة بنقل الهمزة وباللام في المهاجرة.




[ قــ :3901 ... غــ : 4099 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ حُمَيْدٍ سَمِعْتُ أَنَسًا -رضي الله عنه- يَقُولُ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى الْخَنْدَقِ فَإِذَا الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ يَحْفِرُونَ فِي غَدَاةٍ فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَبِيدٌ يَعْمَلُونَ ذَلِكَ لَهُمْ، فَلَمَّا رَأَى مَا بِهِمْ مِنَ النَّصَبِ وَالْجُوعِ قَالَ:
اللَّهُمَّ إِنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الآخِرَهْ ... فَاغْفِرْ لِلأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ
فَقَالُوا: مُجِيبِينَ لَهُ:
نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدَا ... عَلَى الْجِهَادِ مَا بَقِينَا أَبَدَا
وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي قال: ( حدّثنا معاوية بن عمرو) بفتح العين وسكون الميم ابن المهلب البغدادي الكوفي الأصل قال: ( حدّثنا أبو إسحاق) إبراهيم بن محمد بن الحارث الفزاري ( عن حميد) الطويل أنه قال: ( سمعت أنسًا -رضي الله عنه- يقول: خرج رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى) غزوة ( الخندق فإذا المهاجرون والأنصار يحفرون) بكسر الفاء حال كونهم ( في غداة باردة فلم يكن لهم عبيد يعملون ذلك) الحفر ( لهم فلما رأى ما بهم من النصب) بفتح النون والصاد المهملة أي التعب ( والجوع قال) : ولأبي ذر والوقت فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- محثًا لهم على العمل:
( اللهم إن العيش) المعتبر الدائم ( عيش الآخرة) لا عيش الدنيا ( فاغفر للأنصار) بهمزة قطع ( والمهاجرة) بكسر الجيم وسكون الهاء فيهما ( فقالوا) : أي الأنصار والمهاجرة حال كونهم ( مجيبين له: نحن الذين بايعوا محمدا .. على الجهاد ما بقينا أبدا) .




[ قــ :390 ... غــ : 4100 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: جَعَلَ الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ يَحْفِرُونَ الْخَنْدَقَ حَوْلَ الْمَدِينَةِ وَيَنْقُلُونَ التُّرَابَ عَلَى مُتُونِهِمْ وَهُمْ يَقُولُونَ:
نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدَا ... عَلَى الإِسْلاَمِ مَا بَقِينَا أَبَدَا
قَالَ: يَقُولُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وَهْوَ يُجِيبُهُمُ:
اللَّهُمَّ إِنَّهُ لاَ خَيْرَ إِلاَّ خَيْرُ الآخِرَهْ ... فَبَارِكْ فِي الأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ
قَالَ: يُؤْتَوْنَ بِمِلْءِ كَفَّي مِنَ الشَّعِيرِ فَيُصْنَعُ لَهُمْ بِإِهَالَةٍ سَنِخَةٍ تُوضَعُ بَيْنَ يَدَيِ الْقَوْمِ وَالْقَوْمُ جِيَاعٌ، وَهْيَ بَشِعَةٌ فِي الْحَلْقِ وَلَهَا رِيحٌ مُنْتِنٌ.

وبه قال: ( حدّثنا أبو معمر) عبد الله بن عمر المقعدي قال: ( حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد ( عن عبد العزيز عن أنس -رضي الله عنه-) أنه ( قال: جعل المهاجرون والأنصار يحفرون الخندق حول المدينة وينقلون التراب على متونهم) جمع متن قال في القاموس: متنا الظهر مكتنفا الصلب ويؤنث.

( وهم يقولون: نحن الذين بايعوا محمدا .. على الإسلام ما بقينا أبدا.
قال)
أنس: ( يقول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو يجيبهم) :
( اللهم إنه لا خير إلا خير الآخره ... فبارك في الأنصار والمهاجره)
وظاهره أنهم كانوا يجيبونه تارة ويجيبهم أخرى.

( قال) : أنس بالإسناد السابق ( يؤتون) بضم أوله وفتح ثالثه مبنيًا للمفعول ( بملء كفي من الشعير) ولأبي ذر: من شعير وكفي بكسر الفاء على الإفراد وبفتحها على التثنية مضافًا فيهما إلى ياء المتكلم ( فيصنع) أي فيطبخ ( لهم بإهالة) بكسر الهمزة ودكة ( سنخة) بفتح السين المهملة وكسر النون وفتح الخاء المعجمة بعدها هاء تأنيث متغيرة الريح فاسدة الطعم ( توضع بين يدي القوم والقوم) أي والحال أن القوم ( جياع وهي) أي الإهالة ( بشعة) بفتح الموحدة وكسر الشين المعجمة بالعين المهملة ( في الحلق) بالحاء المهملة أي كريهة الطعم تأخذ الحلق ( ولها ريح منتن) بضم الميم وسكون النون وكسر الفوقية.

وقول صاحب التوضيح والتنقيح قيل صوابه منتنة إلا أنه يجوز في المؤنث غير الحقيقي أن يعبر عنه بالمذكر تعقبه في المصابيح بأنه ليس بمستقيم من وجهين:
أحدهما: أنه جزم بأن الصواب منتنة ومقتضاه أن التعبير بمنتن خطأ ثم قطع بأن المؤنث غير الحقيقي يجوز التعبير عنه بالمذكر فيكون التعبير بمنتن صوابًا لا خطأ ولا يكون صواب الكلمة منحصرًا في التعبير عنها بالتأنيث، والحاصل أن آخر كلامه ينقض أوله.

ثانيهما: إن جعل التعبير عن المؤنث غير الحقيقي بالمذكر على جهة الجواز ضابطًا كليًّا مقطوع ببطلانه.

فإن قلت: فما وجه ما في المتن؟ قلت: حمل الريح على العرف فعاملها معاملته اهـ.




[ قــ :3903 ... غــ : 4101 ]
- حَدَّثَنَا خَلاَّدُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَيْتُ جَابِرًا -رضي الله عنه-، فَقَالَ: إِنَّا يَوْمَ الْخَنْدَقِ نَحْفِرُ فَعَرَضَتْ كُدْيَةٌ شَدِيدَةٌ فَجَاءُوا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالُوا: هَذِهِ كُدْيَةٌ عَرَضَتْ فِي الْخَنْدَقِ، فَقَالَ: «أَنَا نَازِلٌ» ثُمَّ قَامَ وَبَطْنُهُ مَعْصُوبٌ بِحَجَرٍ، وَلَبِثْنَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ لاَ نَذُوقُ ذَوَاقًا، فَأَخَذَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمِعْوَلَ، فَضَرَبَ فَعَادَ كَثِيبًا أَهْيَلَ أَوْ أَهْيَمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي إِلَى الْبَيْتِ؟ فَقُلْتُ لاِمْرَأَتِي رَأَيْتُ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَيْئًا، مَا كَانَ فِي ذَلِكَ صَبْرٌ فَعِنْدَكِ شَىْءٌ؟ قَالَتْ: عِنْدِي شَعِيرٌ وَعَنَاقٌ فَذَبَحْتُ الْعَنَاقَ وَطَحَنَتِ الشَّعِيرَ حَتَّى جَعَلْنَا اللَّحْمَ فِي الْبُرْمَةِ ثُمَّ جِئْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْعَجِينُ قَدِ انْكَسَرَ وَالْبُرْمَةُ بَيْنَ الأَثَافِيِّ قَدْ كَادَتْ أَنْ تَنْضَجَ فَقُلْتُ: طُعَيِّمٌ لِي فَقُمْ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَرَجُلٌ أَوْ رَجُلاَنِ قَالَ: «كَمْ هُوَ»؟ فَذَكَرْتُ لَهُ قَالَ: «كَثِيرٌ طَيِّبٌ» قَالَ: «قُلْ لَهَا لاَ تَنْزِعُ الْبُرْمَةَ وَلاَ الْخُبْزَ مِنَ التَّنُّورِ حَتَّى آتِيَ، فَقَالَ: «قُومُوا» فَقَامَ الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ قَالَ: وَيْحَكِ جَاءَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَمَنْ مَعَهُمْ، قَالَتْ: هَلْ سَأَلَكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: «ادْخُلُوا وَلاَ تَضَاغَطُوا» فَجَعَلَ يَكْسِرُ الْخُبْزَ وَيَجْعَلُ عَلَيْهِ اللَّحْمَ وَيُخَمِّرُ الْبُرْمَةَ وَالتَّنُّورَ إِذَا أَخَذَ مِنْهُ وَيُقَرِّبُ إِلَى أَصْحَابِهِ ثُمَّ يَنْزِعُ فَلَمْ يَزَلْ يَكْسِرُ الْخُبْزَ وَيَغْرِفُ حَتَّى شَبِعُوا وَبَقِيَ بَقِيَّةٌ، قَالَ: «كُلِي هَذَا وَأَهْدِي فَإِنَّ النَّاسَ أَصَابَتْهُمْ مَجَاعَةٌ».

وبه قال: ( حدّثنا خلاد بن يحيى) بن صفوان أو محمد السلمي الكوفي قال: ( حدّثنا عبد الواحد بن أيمن) بفتح الهمزة والميم بينهما تحتية ساكنة ( عن أبيه) أيمن الحبشي مولى ابن عمر المخزومي القرشي المكي أنه ( قال: أتيت جابرًا) الأنصاري ( -رضي الله عنه- فقال: إنا يوم الخندق نحفر) بتشديد نون إنا ( فعرضت كدية شديدة) بكاف مضمومة فدال مهملة ساكنة فتحتية قطعة صلبة من الأرض يعمل فيها المعول، ولابن عساكر وأبي ذر عن الحموي والمستملي: كتدة بفتح الكاف وسكون التحتية وفتح الدال المهملة القطعة الشديدة الصلبة من الأرض أيضًا، ولابن عساكر أيضًا كبدة بكاف فموحدة مكسورة أي قطعة من الأرض صلبة أيضًا ووقع في رواية الأصيلي عن الجرجاني فيما ذكره في فتح الباري كندة بنون بعد الكاف، وعند ابن السكن كتدة بمثناة فوقية لكن القاضي قال: عياض لا أعرف لها معنى ( فجاؤوا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالوا: هذه كدية) ولابن عساكر: كبدة بكسر الموحدة كما مرّ ( عرضت في الخندق فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
( أنا نازل) في الموضع الذي في الكدية ( ثم قام) عليه الصلاة والسلام ( وبطنه معصوب) من الجوع ( بحجر) مشدود عليه بعصابة خشية انحناء صلبه الكريم بواسطة خلاء الجوف إذ وضع الحجر فوق البطن مع شد العصابة عليه يقيمه أو هو لتسكين حرارة الجوع ببرد الحجر ( ولبثنا) بالمثلثة مكثنا ( ثلاثة أيام لا نذوق ذواقًا) شيئًا مأكول ولا مشروب والجملة اعتراضية أوردت لبيان السبب في ربطه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الحجر على بطنه ( فأخد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المعول) بكسر الميم وسكون العين المهملة وفتح الواو وبعدها لام المسحاة ( فضرب) في الكدية ( فعاد) المضروب ( كثيبًا) بالمثلثة رملاً ( أهيل) بهمزة مفتوحة فهاء ساكنة فتحتية مفتوحة فلام ( أو) قال ( أهيم) بالميم بدل اللام أي سائلاً.
والشك من الراوي، وعند الإسماعيلي أهيم بالميم من غير شك.
قال جابر ( فقلت: يا رسول الله ائذن لي إلى البيت) أي حتى آتي بيتي، زاد أبو نعيم في مستخرجه فأذن لي ( فقلت) : أي لما أتيت البيت ( لاِمرأتي) سهيلة بنت مسعود الأنصارية ( رأيت بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شيئًا) من الجوع ( ما كان في ذلك صبر) بكسر الكاف وسقط لفظ كان لأبي ذر وابن عساكر ( فعندك شيء؟ قالت: عندي شعير) وعند يونس بن بكير: أنه صاع ( وعناق) بفتح العين الأنثى من أولاد المعز ( فذبحت العناق) بإسكان الحاء أي أنه ذبح العناق بنفسه ( وطحنت الشعير) امرأته سهيلة ( حتى جعلنا) ولأبي ذر عن الكشميهني: جعلت المرأة ( اللحم في البرمة) بضم الموحدة القدر ( ثم جئت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والعجين قد انكسر) اختمر ( والبرمة بين الأثافي) بالهمزة والمثلثة المفتوحتين وبعد الألف فاء مكسورة فتحتية مشددة حجارة ثلاثة توضع عليها القدر ( قد كادت) قاربت ( أن تنضج) بفتح الضاد المعجمة تطيب، وسقط لأبي ذر وابن عساكر لفظة أن ( فقلت) له عليه الصلاة والسلام، ولأبي ذر فقال له عليه الصلاة والسلام ( طعيم) بضم الطاء وتشديد التحتية مصغرًا مبالغة في تحقيره، قيل من تمام المعروف تعجيله وتحقيره ( لي) صنعته أو مصنوع ( فقم أنت يا رسول الله ورجل) معكم ( أو رجلان) بالشك ( قال) عليه الصلاة والسلام:
( كم هو) ؟ طعامك ( فذكرت له) كميته ( قال) عليه الصلاة والسلام: ( كثير طيب) ثم
( قال) عليه الصلاة والسلام: ( قل لها) : أي لسهيلة ( لا تنزع البرمة) من فوق الأثافي ( ولا) تنزع ( الخبز من التنور حتى آتي) أي أجيء إلى بيتكم ( فقال) عليه الصلاة والسلام لمن حضر من أصحابه، ولأبي ذر قال: ( قوموا) أي إلى أكل جابر ( فقام المهاجرون والأنصار) وسقط قوله والأنصار لأبي ذر وابن عساكر وإثباته أوجه وليونس بن بكير في زيادة المغازي فقال للمسلمين جميعًا: قوموا ( فلما دخل) جابر ( على امرأته) سهيلة ( قال) لها: ( ويحك) كلمة رحمة تقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها نصب بإضمار فعل ( جاء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالمهاجرين والأنصار ومن معهم.
قالت)
له: ( هل سألك) عن شأن الطعام؟ قال جابر: ( قلت) لها: ( نعم) سألني.
وفي رواية يونس قال: فلقيت من الحياء ما لا يعلمه إلا الله عز وجل.
قلت: جاء الخلق على صاع من شعير وعناق، فدخلت على امرأتي أقول: افتضحت جاءك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالجند أجمعين فقالت: هل كان سألك كم طعامك؟ فقلت: نعم.
فقالت: الله ورسوله أعلم نحن قد أخبرناه بما عندنا فكشفت عني غمًا شديدًا ( فقال) عليه الصلاة والسلام لمن معه: ( ادخلوا) البيت ( ولا تضاغطوا) بضاد وغين معجمتين وطاء مهملة مشالة لا تزدحموا ( فجعل) عليه الصلاة والسلام ( يكسر الخبز ويجعل عليه اللحم ويخمر البرمة والتنور) يغطيهما ( إذا أخذ منه ويقرب إلى أصحابه ثم ينزع) بالتحتية المفتوحة والنون الساكنة والزاي المكسورة والعين المهملة أي يأخذ اللحم من البرمة ويقرب إلى أصحابه ( فلم يزل يكسر الخبز ويغرف) من البرمة ( حتى شبعوا وبقي بقية قال) عليه الصلاة والسلام لامرأة جابر: ( كلي هذا) الذي بقي ( وأهدي) بهمزة قطع مفتوحة وكسر الدال المهملة أي ابعثي منه ثم بين سبب ذلك بقوله: ( فإن الناس أصابتهم مجاعة) بفتح الميم وفي رواية يونس: فلم نزل نأكل ونهدي يومنا أجمع.

وهذا الحديث من أفراده.




[ قــ :3904 ... غــ : 410 ]
- حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ أَخْبَرَنَا حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: لَمَّا حُفِرَ الْخَنْدَقُ رَأَيْتُ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَمَصًا شَدِيدًا فَانْكَفَأْتُ إِلَى امْرَأَتِي فَقُلْتُ: هَلْ عِنْدَكِ شَىْءٌ فَإِنِّي رَأَيْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَمَصًا شَدِيدًا، فَأَخْرَجَتْ إِلَيَّ جِرَابًا فِيهِ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ وَلَنَا بُهَيْمَةٌ دَاجِنٌ فَذَبَحْتُهَا وَطَحَنَتِ الشَّعِيرَ فَفَرَغَتْ إِلَى فَرَاغِي وَقَطَّعْتُهَا فِي بُرْمَتِهَا ثُمَّ وَلَّيْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: لاَ تَفْضَحْنِي بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبِمَنْ مَعَهُ، فَجِئْتُهُ فَسَارَرْتُهُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَبَحْنَا بُهَيْمَةً لَنَا وَطَحَنَّا صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ كَانَ عِنْدَنَا فَتَعَالَ أَنْتَ وَنَفَرٌ مَعَكَ فَصَاحَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «يَا أَهْلَ الْخَنْدَقِ إِنَّ جَابِرًا قَدْ صَنَعَ سُؤْرًا فَحَيَّ هَلاً بِكُمْ» فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تُنْزِلُنَّ بُرْمَتَكُمْ وَلاَ تَخْبِزُنَّ عَجِينَكُمْ حَتَّى أَجِيءَ» فَجِئْتُ وَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْدُمُ النَّاسَ حَتَّى جِئْتُ امْرَأَتِي فَقَالَتْ: بِكَ وَبِكَ فَقُلْتُ قَدْ فَعَلْتُ الَّذِي قُلْتِ فَأَخْرَجَتْ لَهُ عَجِينًا فَبَصَقَ فِيهِ وَبَارَكَ ثُمَّ عَمَدَ إِلَى بُرْمَتِنَا فَبَصَقَ وَبَارَكَ ثُمَّ قَالَ: «ادْعُ خَابِزَةً فَلْتَخْبِزْ
مَعِي وَاقْدَحِي مِنْ بُرْمَتِكُمْ وَلاَ تُنْزِلُوهَا» وَهُمْ أَلْفٌ فَأُقْسِمُ بِاللَّهِ لَقَدْ أَكَلُوا حَتَّى تَرَكُوهُ وَانْحَرَفُوا وَإِنَّ بُرْمَتَنَا لَتَغِطُّ كَمَا هِيَ وَإِنَّ عَجِينَنَا لَيُخْبَزُ كَمَا هُوَ.

وبه قال: ( حدثني) بالإفراد ( عمرو بن علي) بفتح العين وسكون الميم ابن بحر الصيرفي البصري قال: ( حدّثنا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد شيخ المؤلّف أيضًا قال: ( أخبرنا حنظلة بن أبي سفيان) بن عبد الرحمن بن صفوان بن أمية الجمحي المكي قال: ( أخبرنا سعيد بن مينا) بكسر العين ومينا بكسر الميم وسكون التحتية وبعد النون ألف ممدود ومقصور ( قال: سمعت جابر بن عبد الله) الأنصاري ( -رضي الله عنهما- قال: لما حفر الخندق) بضم الحاء مبنيًا للمفعول وتاليه نائب الفاعل ( رأيت بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خمصًا شديدًا) بفتح الخاء المعجمة والميم وبالصاد المهملة ضمور البطن من الجوع ( فانكفأت) بالهمزة وقد تبدل ياء لكن قال الحافظ أبو ذر: صوابه فانكفأت بالهمزة، وقال في التنقيح: أصله الهمزة من كفأت الإناء ويسهل.
قال في المصابيح: لكن ليس القياس في تسهيل مثله إبدال الهمزة ياء أي انقلبت ( إلى امرأتي) سهيلة ( فقلت) لها ( هل عندك شيء فإني رأيت برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خمصًا شديدًا فأخرجت إليّ) بتشديد التحتية ( جرابًا) بكسر الجيم ( فيه صاع من شعير ولنا بهيمة) بضم الموحدة وفتح الهاء مصغر بهمة وهي الصغير من أولاد الغنم ( داجن) بكسر الجيم من الغنم ما يربى في البيوت ولا يخرج إلى المرعى من الدجن وهو الإقامة بالمكان ولا تدخله التاء لأنه صار اسمًا للشاة وخرج عن الوصفية ( فذبحتها) أنا بسكون الحاء وضم التاء ( وطحنت) امرأتي ( الشعير) وسقط الشعير لأبي ذر وابن عساكر ( ففرغت) من طحن الشعير ( إلى) أي مع ( فراغي) من ذبح البهيمة ( وقطعتها في برمتها ثم وليت) أي رجعت ( إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت) سهيلة عقب رجوعي إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ( لا تفضحني) بفتح الفوقية والضاد المعجمة بينهما فاء ساكنة ( برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبمن معه فجئته) ولأبي ذر عن الكشميهني: ومن معه فجئت بحذف الموحدة من قوله: وبمن والضمير من فجئته ( فساررته فقلت) له سرًا ( يا رسول الله ذبحنا بهيمة لنا وطحنا) ولأبي ذر وابن عساكر: وطحنت أي امرأته ( صاعًا من شعير كان عندنا فتعال أنت ونفر معك) دون العشرة من الرجال ( فصاح النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال) :
( يا أهل الخندق إن جابرًا قد صنع سؤرًا) بضم السين المهملة وبعد الهمزة الساكنة راء كذا في الفرع بالهمزة وفي اليونينية وغيرها بتركها الطعام الذي يدعى إليه أو الطعام مطلقًا وهي لفظة فارسية.
قال الطيبي: وقد تظاهرت أحاديث صحيحة بأن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تكلم بالألفاظ الفارسية أي كقوله للحسن - رضي الله تعالى عنه - "كخ" ولعبد الرحمن "مهيم" أي ما هذا؟ ولأم خالد "سنا سنا" يعني حسنة وهو يدل على جوازه، وأما سؤر بالهمزة فهو البقية ( فحيّ هلا بكم) بالحاء المهملة وتشديد التحتية وهلا بفتح الها واللام المنونة مخففة كلمة استدعاء فيها حث أي: هلموا مسرعين ( فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لجابر: ( لا تنزلن) بضم الفوقية وكسر الزاي وضم اللام ( برمتكم) نصب على المفعولية ولأبي ذر: لا تنزلن بفتح الزاي واللام مبنيًا للمفعول برمتكم رفع مفعول ناب
عن فاعله ( ولا تخبزن) بفتح الفوقية وكسر الموحدة وضم الزاي وتشديد النون ( عجينكم) نصب، ولأبي ذر: ولا يخبزن بضم التحتية وفتح الموحدة والزاي عجينكم رفع ( حتى أجيء) إلى منزلكم.

قال جابر: ( فجئت وجاء رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقدم الناس) بضم الدال ( حتى جئت امرأتي فقالت) لما رأت كثرة الناس وقلة الطعام: ( بك وبك) أي فعل الله بك كذا وفعل بك كذا فالباء تتعلق بمحذوف ( فقلت) لها: ( قد فعلت الذي قلت) من إخباره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بقلة الطعام وقولك لا تفضحني ( فأخرجت) أي المرأة ( له) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( عجينًا فبصق فيه) بالصاد ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر: فبسق بالسين ويقال بالزاي أيضًا، لكن قال النووي بالصاد في أكثر الأصول وفي بعضها بالسين المهملة وهي لغة قليلة، وفي القاموس البصاق كغراب والبساق والبزاق ماء الفم إذا خرج منه وما دام فيه فريق ( وبارك) في العجين أي دعا فيه بالبركة ( ثم عمد) بفتح الميم قصد ( إلى برمتنا فبصق) بالصاد ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فيه أي في الطعام، ولأبي ذر عن الكشميهني فيها أي في البرمة ( وبارك) في الطعام ( ثم قال) عليه الصلاة والسلام: ( ادع خابزة) كذا في اليونينية وغيرها وفي الفرع: ادع لي خابزة ( فلتخبز معي) بسكون اللام ( واقدحي) بسكون القاف وفتح الدال وكسر الحاء المهملتين أي اغرفي ( من برمتكم) والمغرفة تسمى المقدحة وقدح من المرق غرف منه ( ولا تنزلوها) بضم الفوقية وكسر الزاي أي البرمة من فوق الأثافي ( وهم) أي والحال أن القوم الذين كانوا ( ألف) والحكم للزائد لمزيد علمه فلا يقدح ما روي أنهم كانوا تسعمائة أو ثلاثمائة.

قال جابر: ( فأقسم بالله لقد أكلوا حتى تركوه وانحرفوا) أي مالوا عن الطعام ( وإن برمتنا لتغط) بكسر الغين المعجمة وتشديد الطاء المهملة أي ممتلئة تفور بحيث يسمع لها غطيط ( كما هي وإنّ عجيننا ليخبز كما هو) أي لم ينقص من ذلك شيء وما في "كما" كافة وهي مصححة لدخول الكاف على الجملة وهي مبتدأ والخبر محذوف أي كما هي قبل ذلك وهذا علم من أعلام نبوته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

والحديث قد سبق مختصرًا في الجهاد.




[ قــ :3905 ... غــ : 4103 ]
- حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- { إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ القُلُوبُ الحَنَاجِرَ} [الأحزاب: 10] قَالَتْ: كَانَ ذَاكَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ.

وبه قال: (حدثني) بالتوحيد (عثمان بن أبي شيبة) هو عثمان بن محمد بن أبي شيبة واسم أبي شيبة إبراهيم بن عثمان العبسي الكوفي أخو أبي بكر والهيثم قال: (حدّثنا عبدة) بن سليمان (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها-) في قوله تعالى: ({ إذ جاؤوكم} ) بنو غطفان ({ من فوقكم} ) من أعلى الوادي من قبل المشرق ({ ومن أسفل منكم} ) من أسفل الوادي من قبل المغرب قريش، وفي حديث ابن عباس عند ابن مردويه: { إذ جاؤوكم من فوقكم} قال: عيينة بن حصن، ومن أسفل منكم أبو سفيان بن حرب ({ وإذ زاغت الأبصار} ) مالت عن
سننها ومستوى نظرها حيرة أو عدلت عن كل شيء فلم تلتفت إلى عدوّها لشدة الروع ({ وبلغت القلوب الحناجر} ) [الأحزاب: 10] .
الحنجرة رأس الغلصمة وهي منتهى الحلقوم، والحلقوم مدخل الطعام والشراب قالوا: إذا انتفخت الرئة من شدة الفزع أو الغضب ربت وارتفع القلب بارتفاعها إلى رأس الحنجرة وقيل هو مثل في اضطراب القلوب وإن لم تبلغ الحناجر حقيقة.

(قالت، عائشة -رضي الله عنها-: (كان ذلك) إشارة إلى ما ذكر من مجيء الكفار من فوق وأسفل وغير ذلك، ولأبي ذر وابن عساكر: ذلك باللام (يوم الخندق).




[ قــ :3906 ... غــ : 4104 ]
- حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ -رضي الله عنه- قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَنْقُلُ التُّرَابَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ حَتَّى أَغْمَرَ بَطْنَهُ أَوِ اغْبَرَّ بَطْنُهُ يَقُولُ:
وَاللَّهِ لَوْلاَ اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا ... وَلاَ تَصَدَّقْنَا وَلاَ صَلَّيْنَا
فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا ... وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لاَقَيْنَا
إِنَّ الأُلَى قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا ... إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا
وَرَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ: "أَبَيْنَا أَبَيْنَا".

وبه قال: ( حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي قال: ( حدّثنا شعبة) بن الحجاج ( عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي ( عن البراء) بن عازب ( -رضي الله عنه-) أنه ( قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ينقل التراب يوم) حفر ( الخندق حتى أغمر) بفتح الهمزة وسكون الغين المعجمة وفتح الميم أي: وارى التراب ( بطنه أو) قال ( اغبر) بالغين المعجمة أيضًا والموحدة بدل الميم وتشديد الراء من الغبار وهو واضح ( بطنه) مرفوع على الفاعلية، وفي الأولى منصوب على المفعولية ( يقول) : رجزًا من كلام عبد الله بن رواحة:
( والله لولا الله ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينة علينا ... وثبّت الأقدام إن لاقينا
إن الألى قد بغوا علينا)

كذا بإثبات قد في الفرع كأصله وغيرهما وقال الحافظ ابن حجر: ليس بموزون وتحريره: إن الذين قد بغوا علينا فذكر الراوي الأولى بمعنى الذين وحذف قد اهـ.

والظاهر أن "قد" محذوفة من نسخته ( إذا أرادوا فتنة أبينا) بالموحدة الفرار ( ورفع بها) أي بالكلمة الأخيرة ( صوته) وهي ( أبينا أبينا) مرتين.

وهذا الحديث سبق في باب حفر الخندق من كتاب الجهاد.




[ قــ :3907 ... غــ : 4105 ]
- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ شُعْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَكَمُ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ الله عنهما - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «نُصِرْتُ بِالصَّبَا وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ».

وبه قال: ( حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: ( حدّثنا يحيى بن سعيد) القطان ( عن شعبة) بن الحجاج أنه ( قال: حدثني) بالإفراد ( الحكم) بفتحتين ابن عتيبة بضم العين وفتح الفوقية مصغر عتبة الباب ( عن مجاهد) هو ابن جبر المفسر ( عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال) :
( نصرت) بالنون المضمومة وكسر الصاد يوم الأحزاب ( بالصبا) بفتح الصاد المهملة وتخفيف الموحدة والقصر الريح الشرقية ( وأهلكت) بضم الهمزة وكسر اللام ( عاد بالدبور) بفتح الدال المهملة الريح الغريبة، وعن ابن عباس فيما رواه ابن مردويه قال: قالت الصبا للدبور: اذهبي بنا ننصر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت: إن الحرائر لا تهب بالليل فغضب الله عليها فجعلها عقيمًا.
وقال مجاهد: سلّط الله على الأحزاب الريح فكفأت قدورهم ونزعت خيامهم حتى أضعفتهم.




[ قــ :3908 ... غــ : 4106 ]
- حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بْنُ مَسْلَمَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ يُحَدِّثُ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ الأَحْزَابِ، وَخَنْدَقَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَيْتُهُ يَنْقُلُ مِنْ تُرَابِ الْخَنْدَقِ حَتَّى وَارَى عَنِّي الْغُبَارُ جِلْدَةَ بَطْنِهِ وَكَانَ كَثِيرَ الشَّعَرِ، فَسَمِعْتُهُ يَرْتَجِزُ بِكَلِمَاتِ ابْنِ رَوَاحَةَ وَهْوَ يَنْقُلُ مِنَ التُّرَابِ يَقُولُ:
اللَّهُمَّ لَوْلاَ أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا ... وَلاَ تَصَدَّقْنَا وَلاَ صَلَّيْنَا
فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا ... وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لاَقَيْنَا
إِنَّ الأُلَى قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا ... وَإِنْ أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا
قَالَ: ثُمَّ يَمُدُّ صَوْتَهُ بِآخِرِهَا.

وبه قال: ( حدثني) بالإفراد ( أحمد بن عثمان) أبو عبد الله الأزدي الكوفي قال: ( حدّثنا شريح بن مسلمة) بالشين المعجمة المضمومة آخره حاء مهملة مصغر ومسلمة بميم فلام مفتوحتين بينهما مهملة ساكنة الكوفي ( قال: حدثني) بالإفراد ( إبراهيم بن يوسف قال: حدثني) بالإفراد أيضًا ( أبي) يوسف بن إسحاق ( عن) جده ( أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي أنه ( قال: سمعت البراء) زاد أبو ذر وابن عساكر: ابن عازب حال كونه ( يحدث قال: لما كان يوم الأحزاب وخندق رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رأيته ينقل من تراب الخندق حتى وارى) ستر ( عني التراب) كذا في الفرع، والذي في اليونينية الغبار ( جلدة بطنه وكان كثير الشعر) أي شعر صدره وهو معارض بما روي في صفته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه كان دقيق المسربة أي الشعر الذي في الصدر إلى البطن وجمع بينهما بأنه كان مع دقته كثيرًا أي لم يكن منتشرًا بل كان مستطيلاً ( فسمعته) عليه الصلاة والسلام ( يرتجز بكلمات ابن
رواحة)
عبد الله الأنصاري ( وهو ينقل من التراب يقول) :
( اللهم لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينة علينا ... وثبت الأقدام وإن لاقينا
... إن الألى قد بغوا)

ولابن عساكر وأبي ذر عن الحموي والكشميهني: رغبوا ( علينا وإن أرادوا فتنة أبينا قال: ثم يمد) عليه الصلاة والسلام ( صوته بآخرها) وهي أبينا.