فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب غزوة ذي الخلصة

باب غَزْوَةُ ذِي الْخَلَصَةِ
( غزوة ذي الخلصة) بفتح الخاء المعجمة واللام والصاد المهملة.


[ قــ :4119 ... غــ : 4355 ]
- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا خَالِدٌ، حَدَّثَنَا بَيَانٌ عَنْ قَيْسٍ، عَنْ جَرِيرٍ قَالَ: كَانَ بَيْتٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُقَالُ لَهُ ذُو الْخَلَصَةِ، وَالْكَعْبَةُ الْيَمَانِيَةُ، وَالْكَعْبَةُ الشَّأْمِيَّةُ، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَلاَ تُرِيحُنِي مِنْ ذِي الْخَلَصَةِ»؟ فَنَفَرْتُ فِي مِائَةٍ وَخَمْسِينَ رَاكِبًا فَكَسَرْنَاهُ وَقَتَلْنَا مَنْ وَجَدْنَا عِنْدَهُ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرْتُهُ، فَدَعَا لَنَا وَلأَحْمَسَ.

وبه قال: ( حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: ( حدّثنا خالد) هو ابن عبد الله الطحان قال: ( حدّثنا بيان) بفتح الموحدة والتحتية المخففة ابن بشر ( عن قيس) هو ابن أبي حازم ( عن جرير) هو ابن عبد الله البجلي أنه ( قال: كان بيت في الجاهلية يقال له ذو الخلصة) الذي كان فيه الصنم وقيل: اسم البيت الخلصة واسم الصنم ذو الخلصة.
وحكى المبرد كما في الفتح أن موضع ذي الخلصة صار مسجدًا جامعًا لبلدة يقال لها العبلات من أرض خثعم ( و) يقال له ( الكعبة اليمانية) بتخفيف الياء لكونها من اليمن ( والكعبة الشامية) هي التي بمكة وحذف خبر المبتدأ الذي هو الكعبة كما قرره غير واحد منهم النووي.
قالوا: وبه يزول الإشكال ويحصل التمييز بين كعبة البيت الحرام وبين التي اتخذوها مضاهاة لها باليمن.

وقال في الفتح: الذي يظهر لي أن الذي في الرواية صواب وأنها كانت يقال لها: اليمانية باعتبار كونها باليمن والشامية باعتبار أنهم جعلوا بابها مقابل الشام ويؤيد ما ذكره عياض أن في بعض الروايات اليمانية الكعبة الشامية بغير واو.
قال والمعنى كان يقال لها تارة كذا وتارة كذا.

وقال السهيلي: فاللام من قوله يقال له لام العلة يعني أن وجود هذا البيت كان يقال لأجله الكعبة الشامية يريد أن السبب الحامل على وصف الكعبة الحرام بالشامية قصد تمييزها من هذا البيت الحادث الذي سموه بالكعبة اليمانية، وأما قبل وجوده فكانت الكعبة لا تحتاج إلى وصف وإذا أطلقت فلا يراد بها إلا البيت الحرام لعدم المزاحم فقد زال الإشكال.

قال: جرير ( فقال لي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ألا) بتخفيف اللام ( تريحني) أي تريح قلبي ( من ذي الخلصة) طلب بتضمن الأمر وخص جريرًا بذلك لأنها كانت في بلاد قومه ( فنفرت) بالفاء المخففة بعد النون أي خرجت له مسرعًا ( في مائة وخمسين راكبًا فكسرناه) أي البيت ( وقتلنا من وجدنا عنده فأتيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبرته) بذلك ( فدعا لنا ولأحمس) بالحاء والسين المهملتين بوزن أحمر وهم إخوة بجيلة رهط جرير ينتسبون إلى أحمس بن الغوث بن أنمار وبجيلة اسم امرأة نسبت إليها القبيلة المشهورة.




[ قــ :410 ... غــ : 4356 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا قَيْسٌ، قَالَ: قَالَ
لِي جَرِيرٌ -رضي الله عنه- قَالَ لِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَلاَ تُرِيحُنِي مِنْ ذِي الْخَلَصَةِ»؟ وَكَانَ بَيْتًا فِي خَثْعَمَ يُسَمَّى الْكَعْبَةَ الْيَمَانِيَةَ، فَانْطَلَقْتُ فِي خَمْسِينَ وَمِائَةِ فَارِسٍ مِنْ أَحْمَسَ وَكَانُوا أَصْحَابَ خَيْلٍ، وَكُنْتُ لاَ أَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ فَضَرَبَ فِي صَدْرِي حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ أَصَابِعِهِ فِي صَدْرِي.

     وَقَالَ : «اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا» فَانْطَلَقَ إِلَيْهَا فَكَسَرَهَا وَحَرَّقَهَا ثُمَّ بَعَثَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ رَسُولُ جَرِيرٍ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا جِئْتُكَ حَتَّى تَرَكْتُهَا كَأَنَّهَا جَمَلٌ أَجْرَبُ قَالَ: فَبَارَكَ فِي خَيْلِ أَحْمَسَ وَرِجَالِهَا» خَمْسَ مَرَّاتٍ.

وبه قال: ( حدّثنا) ولأبي ذر حدثني بالإفراد ( محمد بن المثنى) العنزي قال: ( حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان قال: ( حدّثنا إسماعيل) بن أبي خالد البجلي الكوفي ولأبي ذر عن إسماعيل أنه قال: ( حدّثنا قيس) هو ابن أبي حازم ( قال: قال لي جرير -رضي الله عنه-: قال لي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( ألا تريحني من ذي الخلصة) والمراد بالراحة راحلة القلب لأنه ما كان شيء أتعب لقلبه عليه الصلاة والسلام من بقاء ما يشرك به من دون الله ( وكان بيتًا في خثعم) بفتح الخاء المعجمة وسكون المثلثة بوزن جعفر قبيلة من اليمن ينسبون إلى خثعم بن أنمار بفتح الهمزة وسكون النون ابن إراش بكسر الهمزة وتخفيف الراء وبعد الألف شين معجمة ابن عنز بفتح العين المهملة وسكون النون آخره زاي ( يسمى الكعبة) ولأبي ذر كعبة ( اليمانية فانطلقت في خمسين ومائة فارس من أحمس) سقط من أحمس لأبي ذر ( وكانوا) أي أحمس ( أصحاب خيل) أي لهم ثبات عليها ( وكنت لا أثبت على الخيل فضرب) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( في) ولأبي ذر على ( صدري حتى رأيت أثر أصابعه في صدري) وعند الحاكم من حديث البراء فشكا جرير إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- القلع أي بالقاف واللام المفتوحتين عدم الثبات على السرج فقال: "ادن مني" فدنا منه فوضع يده على رأسه ثم أرسلها على وجهه وصدره حتى بلغ عانته ثم وضع يده على رأسه وأرسلها على ظهره حتى انتهيت إلى أليته ( وقال: اللهم ثبته واجعله هاديًا مهديًا) قيل فيه تقديم وتأخير لأنه لا يكون هاديًا حتى يكون مهديًا وقيل معناه كاملاً مكملاً ( فانطلق) جرير ومن معه ( إليها) إلى ذي الخلصة ( فكسرها وحرقها) بتشديد الراء أي هدم بناءها ورمى النار في أخشابها ( ثم بعث إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يخبره بذلك وفي السابقة أن جريرًا هو الذي أخبر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذلك وهو محمول على المجاز ( فقال رسول جرير: والذي بعثك بالحق ما جئتك حتى تركتها) أي ذا الخلصة ( كأنها جمل أجرب) بالجيم والراء والموحدة أي سوداء من التحريق كالجمل الأجرب إذا طلي بالقطران أو هو كناية عن إذهاب بهجتها ( قال: فبارك) عليه الصلاة والسلام ( في خيل أحمس ورجالها خمس مرات) .

وهذا الحديث سبق في باب البشارة بالفتوح من الجهاد.




[ قــ :411 ... غــ : 4357 ]
- حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسٍ
عَنْ جَرِيرٍ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَلاَ تُرِيحُنِي مِنْ ذِي الْخَلَصَةِ»؟ فَقُلْتُ: بَلَى، فَانْطَلَقْتُ فِي خَمْسِينَ وَمِائَةِ فَارِسٍ مِنْ أَحْمَسَ وَكَانُوا أَصْحَابَ خَيْلٍ، وَكُنْتُ لاَ أَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَضَرَبَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِي حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ يَدِهِ فِي صَدْرِي.

     وَقَالَ : «اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا» قَالَ: فَمَا وَقَعْتُ عَنْ فَرَسٍ بَعْدُ، قَالَ: وَكَانَ ذُو الْخَلَصَةِ بَيْتًا بِالْيَمَنِ لِخَثْعَمَ وَبَجِيلَةَ، فِيهِ نُصُبٌ يُعْبَدُ يُقَالُ لَهُ: الْكَعْبَةُ، قَالَ: فَأَتَاهَا فَحَرَّقَهَا بِالنَّارِ وَكَسَرَهَا، قَالَ: وَلَمَّا قَدِمَ جَرِيرٌ الْيَمَنَ كَانَ بِهَا رَجُلٌ يَسْتَقْسِمُ بِالأَزْلاَمِ فَقِيلَ لَهُ إِنَّ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَا هُنَا فَإِنْ قَدَرَ عَلَيْكَ ضَرَبَ عُنُقَكَ قَالَ: فَبَيْنَمَا هُوَ يَضْرِبُ بِهَا إِذْ وَقَفَ عَلَيْهِ جَرِيرٌ، فَقَالَ: لَتَكْسِرَنَّهَا وَلَتَشْهَدًا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ أَوْ لأَضْرِبَنَّ عُنُقَكَ، قَالَ: فَكَسَرَهَا وَشَهِدَ ثُمَّ بَعَثَ جَرِيرٌ رَجُلاً مِنْ أَحْمَسَ يُكْنَى أَبَا أَرْطَاةَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُبَشِّرُهُ بِذَلِكَ فَلَمَّا أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا جِئْتُ حَتَّى تَرَكْتُهَا كَأَنَّهَا جَمَلٌ أَجْرَبُ قَالَ: فَبَرَّكَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى خَيْلِ أَحْمَسَ وَرِجَالِهَا خَمْسَ مَرَّاتٍ.

وبه قال: ( حدّثنا يوسف بن موسى) بن راشد القطان الكوفي قال: ( أخبرنا) ولأبي ذر حدّثنا ( أبو أسامة) حماد بن أسامة ( عن إسماعيل بن أبي خالد) البجلي ( عن قيس) هو ابن أبي حازم ( عن جرير) -رضي الله عنه- أنه ( قال: قال لي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( ألا تريحني من ذي الخلصة فقلت: بلى) يا رسول الله ( فانطلقت) إليها ( في خمسين ومائة فارس من أحمس وكانوا أصحاب خيل وكنت لا أثبت على الخيل فذكرت ذلك للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فضرب يده على صدري حتى رأيت أثر يده في صدري فقال: اللهم ثبته) على الخيل ( واجعله هاديًا) لغيره حال كونه ( مهديًا) بفتح الميم في نفسه وحينئذٍ فلا يقال فيه تقديم وتأخير كما مر ( قال: فما وقعت عن فرس) وفي نسخة فرسي ( بعد.
قال: وكان ذو الخلصة بيتًا باليمن لخثعم وبجيلة فيه)
أي في البيت ( نصب) بضمتين حجر ينصب يذبحون عليه ( يعبد يقال له الكعبة.
قال فأتاها)
جرير ( فحرقها بالنار وكسرها) أي هدم بناءها ( قال: ولما قدم جرير اليمن كان بها رجل يستقسم بالأزلام) أي يطلب قسمه من الشر والخير بالقدح ( فقيل له: إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هاهنا فإن قدر عليك ضرب عنقك.
قال فبينما)
بالميم ( هو يضرب بها) بالأزلام ( إذ وقف عليه جرير فقال) له جرير: ( لتكسرنها ولتشهدًا) بتنوين الدال، ولأبي ذر عن الحموي والكشميهني: ولتشهدن بسكون اللام وبعد الدال نون توكيد ثقيلة ( أن لا إله إلا الله أو لأضربن عنقك.
قال: فكسرها وشهد)
أي أن لا إله إلا الله ( ثم بعث جرير رجلاً من أحمس يكنى) بضم الياء وسكون الكاف ( أبا أرطاة) بهمزة مفتوحة وراء ساكنة وطاء مهملة مفتوحة وبعد الألف تاء واسمه حصين بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين ابن ربيعة كما في مسلم ( إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يبشره بذلك فلما أتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: يا رسول الله والذي بعثك بالحق ما جئت حتى تركتها كأنها جمل أجرب) من سواد الإحراق ( قال: فبرك) بتشديد الراء، ولأبي ذر عن الكشميهني: فبارك ( النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على خيل أحمس ورجالها) أي
دعا له بالبركة ( خمس مرات) مبالغة واقتصر على الوتر لأنه مطلوب.