فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب حجة الوداع

باب حَجَّةُ الْوَدَاعِ
( باب حجة الوداع) سميت بذلك لأنه ودع الناس فيها وبعدها، وسميت أيضًا بحجة الإسلام لأنه لم يحج من المدينة بعد فرض الحج غيرها، وحجة البلاغ لأنه بلّغ الناس فيها الشرع في الحج قولاً وفعلاً، وحجة التمام والكمال.
وسقط لفظ باب لأبي ذر.


[ قــ :4157 ... غــ : 4395 ]
- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَأَهْلَلْنَا بِعُمْرَةٍ ثُمَّ قَالَ لَنا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ كَانَ عِنْدَهُ هَدْيٌ فَلْيُهْلِلْ بِالْحَجِّ مَعَ الْعُمْرَةِ ثُمَّ لاَ يَحِلَّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا» فَقَدِمْتُ مَعَهُ مَكَّةَ وَأَنَا حَائِضٌ، وَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ وَلاَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَشَكَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «انْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ وَدَعِي الْعُمْرَةَ» فَفَعَلْتُ فَلَمَّا قَضَيْنَا الْحَجَّ أَرْسَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ إِلَى التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرْتُ فَقَالَ: «هَذِهِ مَكَانَ عُمْرَتِكِ» قَالَتْ: فَطَافَ الَّذِينَ أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ حَلُّوا ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا آخَرَ بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى.
وَأَمَّا الَّذِينَ جَمَعُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا.

وبه قال: ( حدّثنا إسماعيل بن عبد الله) الأويسي قال: ( حدّثنا مالك) هو ابن أنس إمام الأئمة ( عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري ( عن عروة بن الزبير) بن العوّام ( عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها ( قالت: خرجنا) من المدينة ( مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حجة الوداع) لخمس بقين من ذي القعدة ( فأهللنا) أي أحرمنا من ذي الحليفة ( بعمرة، ثم قال لنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بسرف:
( من كان عنده هدي فليهلّ) بلام مشددة، ولغير أبي ذر: فليهلل بلامين ( بالحج مع العمرة ثم لا يحل) بالرفع في الفرع والنصب في غيره ( حتى يحل منهما) من الحج والعمرة ( جميعًا) قالت عائشة ( فقدمت) بسكون الميم ( معه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( مكة وأنا حائض ولم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة) عطف على المنفي السابق على تقدير ولم أسع أو هو على طريق المجاز ( فشكوت إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ترك الطواف والسعي بسبب الحيض ( فقال: انقضي رأسك) أي حليّ ضفر شعر رأسك ( وامتشطي) سرحيه بالمشط ( وأهلي) أحرمي ( بالحج ودعي العمرة) أي عملها من الطواف والسعي والتقصير لا أنها تدع العمرة نفسها فتكون قارنة كما تأوله الشافعي -رحمه الله تعالى- عليه قالت ( ففعلت) بسكون اللام ما ذكر من النقض إلى آخره ( فلما قضينا الحج) أي وطهرت يوم النحر
( أرسلني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع) أخي ( عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق) -رضي الله عنهما- ( إلى التنعيم فاعتمرت فقال) عليه الصلاة والسلام: ( هذه) العمرة ( مكان عمرتك) برفع مكان خبر هذه أي عوضها أو بالنصب على الظرفية، والأول في الفرع، والثاني في أصله، وفيه بحث تقدم في باب: كيف تهل الحائض؟ ( قالت: فطاف الذين أهلّوا بالعمرة بالبيت و) سعوا ( بين الصفا والمروة) لأجل العمرة ( ثم حلّوا) منها بالحلق أو التقصير ( ثم طافوا طوافًا آخر) للحج ( بعد أن رجعوا من منى، وأما الذين جمعوا الحج والعمرة فإنما طافوا طوافًا واحدًا) لاندراج أفعال العمرة في أفعال الحج خلافًا للحنفية.

وهذا الحديث قد مرّ في باب كيف تهلّ الحائض، والغرض منه هنا قوله في حجة الوداع.




[ قــ :4158 ... غــ : 4396 ]
- حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، حَدَّثَنِي عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِذَا طَافَ بِالْبَيْتِ فَقَدْ حَلَّ فَقُلْتُ مِنْ أَيْنَ؟ قَالَ: هَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ؟ قَالَ: مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: { ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 33] وَمِنْ أَمْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَصْحَابَهُ أَنْ يَحِلُّوا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقُلْتُ: إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْمُعَرَّفِ قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَرَاهُ قَبْلُ وَبَعْدُ.

ويه قال: ( حدثني) بالإفراد ( عمرو بن علي) بفتح العين وسكون الميم ابن بحر الباهلي الصيرفي قال: ( حدّثنا يحيى بن سعيد) القطان قال: ( حدّثنا ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز قال: ( حدثني) بالإفراد ( عطاء) أي ابن أبي رباح ( عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه قال: ( اذا طاف) المعتمر مطلقًا قارنًا كان أو ممتعًا ( بالبيت) ولم يسع بين الصفا والمروة ولم يحلق ولم يقصر ( فقد حلّ) من إحرامه، وهذا مذهب مشهور لابن عباس.
قال ابن جريج ( فقلت) لعطاء: ( من أين قال هذا ابن عباس؟ قال: من قول الله تعالى: { ثم محلها إلى البيت العتيق} [الحج: 33] .

ومن أمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أصحابه أن يحلّوا في حجة الوداع)
قال ابن جريج: ( فقلت) لعطاء: ( إنما كان ذلك بعد المعرّف) بتشديد الراء المفتوحة أي الوقوف بعرفة ( قال) عطاء: ( كان ابن عباس يراه) أي الإحلال ( قبل وبعد) بالبناء على الضم فيهما أي قبل الوقوف وبعده.

وهذا الحديث أخرجه مسلم في المناسك.




[ قــ :4159 ... غــ : 4397 ]
- حَدَّثَنِي بَيَانٌ حَدَّثَنَا النَّضْرُ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَيْسٍ قَالَ: سَمِعْتُ طَارِقًا عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْبَطْحَاءِ فَقَالَ: «أَحَجَجْتَ»؟ قُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: «كَيْفَ أَهْلَلْتَ»؟ قُلْتُ: لَبَّيْكَ بِإِهْلاَلٍ كَإِهْلاَلِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «طُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ حِلَّ» فَطُفْتُ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَأَتَيْتُ امْرَأَةً مِنْ قَيْسٍ فَفَلَتْ رَأْسِي.

وبه قال: ( حدثني) بالإفراد ( بيان) بفتح الموحدة والتحتية المخففة آخره نون ابن عمرو وأبو محمد البخاري بالموحدة والخاء المعجمة قال: ( حدّثنا النضر) بالنون والضاد المعجمة ابن شميل
بالشين المعجمة مصغرًا قال: ( أخبرنا شعبة) بن الحجاج ( عن قيس) هو ابن مسلم أنه ( قال: سمعت طارقًا) بالقاف ابن شهاب الأحمسي البجلي الكوفي ( عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه-) أنه ( قال: قدمت على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه نازلاً ( بالبطحاء) مسيل وادي مكة ( فقال) :
( أحججت) ؟ بهمزة الاستفهام الإخباري أي أحرمت بالحج الشامل للأكبر والأصغر ( قلت: نعم قال: كيف أهللت) ؟ ( قلت: لبيك بإهلال كإهلال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: طف بالبيت وبالصفا والمروة ثم حلّ) بكسر الحاء من عمرتك بالحلق أو بالتقصير.
قال أبو موسى ( فطفت بالبيت وبالصفا والمروة) وفي رواية وبالمروة أي وحلقت أو قصرت ( وأتيت امرأة من قيس) لم تسم ( ففلّت رأسي) بتخفيف اللام أخرجت القمل منه.

والحديث مضى في باب: من أهلّ في زمن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كإهلاله.




[ قــ :4160 ... غــ : 4398 ]
- حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ أَنَّ حَفْصَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخْبَرَتْهُ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَ أَزْوَاجَهُ أَنْ يَحْلِلْنَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَالَتْ حَفْصَةُ: فَمَا يَمْنَعُكَ؟ فَقَالَ: «لَبَّدْتُ رَأْسِي وَقَلَّدْتُ هَدْيِي فَلَسْتُ أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ هَدْيِي».

وبه قال: ( حدثني) بالإفراد ( إبراهيم بن المندر) القرشي الحزامي قال: ( حدّثنا أنس بن عياض) المدني قال: ( حدّثنا موسى بن عقبة) الإمام في المغازي ( عن نافع) مولى ابن عمر ( أن ابن عمر) -رضي الله عنهما- ( أخبره أن حفصة) -رضي الله عنها- ( زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخبرته أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمر أزواجه أن يحللن) بالطواف والسعي والتقصير من العمرة ( عام حجة الوداع فقالت حفصة) : يا رسول الله ( فما يمنعك) ؟ أن تحل من عمرتك المضمومة إلى الحج إذ إن أكثر الأحاديث أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان قارنًا ( فقال) :
إني ( لبدت رأسي) أي بنحو الصمغ فلا يدخل فيه قمل ( وقلدت هديي) بالتعليق للنعل في عنقه ليعلم ( فلست أحل) بفتح الهمزة وكسر المهملة من إحرامي ( حتى أنحر هديي) ليس علة في بقائه على إحرامه بل إدخاله العمرة على الحج، ويؤيده قوله في رواية أخرى: حتى أحل من الحج خلافًا للحنفية والحنابلة القائلين بأنه جعل العلة ما ذكر في هذا الحديث، وسبق مزيد لذلك في باب التمتع والإقران.




[ قــ :4161 ... غــ : 4399 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، حَدَّثَنِي شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ،.

     وَقَالَ  مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ: حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- أَنَّ امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمَ اسْتَفْتَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَالْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ رَدِيفُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لاَ يَسْتَطِيعُ
أَنْ يَسْتَوِيَ عَلَى الرَّاحِلَةِ فَهَلْ يَقْضِي أَنْ أَحُجَّ عَنْهُ؟ قَالَ: «نَعَمْ».

وبه قال: ( حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: ( حدثني) بالإفراد ولأبي ذر: أخبرنا بالخاء المعجمة والجمع ( شعيب) هو ابن أبي حمزة ( عن الزهري) محمد بن مسلم قال البخاري ( وقال محمد بن يوسف) الفريابي ( حدّثنا الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو ( قال: أخبرني) بالإفراد ( ابن شهاب) محمد بن مسلم ( عن سليمان بن يسار) بالتحتية والسين المهملة المخففة ( عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن امرأة من خثعم) بالخاء المعجمة والمثلثة ولم تسم المرأة ( استفتت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حجة الوداع) يوم النحر ( والفضل بن عباس رديف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) راكب خلفه ( فقالت: يا رسول الله إن فريضة الله على عباده) أي في الحج كما في الأخرى ( أدركت أبي شيخًا كبيرًا) لم يسم ونصبهما على الحال ( لا يستطيع أن يستوي على الراحلة) حال أو صفة ( فهل يقضي) بفتح الياء أي يجزي أو يكفي عنه ( أن أحج عنه؟ قال) عليه الصلاة والسلام: ( نعم) يقضي عنه.

وهذا الحديث مرّ في باب الحج عمن لا يستطيع الثبوت على الراحلة.




[ قــ :416 ... غــ : 4400 ]
- حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: أَقْبَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامَ الْفَتْحِ وَهْوَ مُرْدِفٌ أُسَامَةَ عَلَى الْقَصْوَاءِ وَمَعَهُ بِلاَلٌ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ، حَتَّى أَنَاخَ عِنْدَ الْبَيْتِ ثُمَّ قَالَ لِعُثْمَانَ: «ائْتِنَا بِالْمِفْتَاحِ» فَجَاءَهُ بِالْمِفْتَاحِ فَفَتَحَ لَهُ الْبَابَ فَدَخَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأُسَامَةُ وَبِلاَلٌ وَعُثْمَانُ ثُمَّ أَغْلَقُوا عَلَيْهِمِ الْبَابَ فَمَكَثَ نَهَارًا طَوِيلاً ثُمَّ خَرَجَ وَابْتَدَرَ النَّاسُ الدُّخُولَ فَسَبَقْتُهُمْ فَوَجَدْتُ بِلاَلاً قَائِمًا مِنْ وَرَاءِ الْبَابِ فَقُلْتُ لَهُ: أَيْنَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَقَالَ: صَلَّى بَيْنَ ذَيْنِكَ الْعَمُودَيْنِ الْمُقَدَّمَيْنِ، وَكَانَ الْبَيْتُ عَلَى سِتَّةِ أَعْمِدَةٍ سَطْرَيْنِ صَلَّى بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ مِنَ السَّطْرِ الْمُقَدَّمِ، وَجَعَلَ بَابَ الْبَيْتِ خَلْفَ ظَهْرِهِ، وَاسْتَقْبَلَ بِوَجْهِهِ الَّذِي يَسْتَقْبِلُكَ حِينَ تَلِجُ الْبَيْتَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِدَارِ، قَالَ: وَنَسِيتُ أَنْ أَسْأَلَهُ كَمْ صَلَّى؟ وَعِنْدَ الْمَكَانِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ مَرْمَرَةٌ حَمْرَاءُ.

وبه قال: ( حدثني) بالإفراد ( محمد) هو ابن رافع بن أبي زيد القشيري النيسابوري فيما قاله الغساني أو هو ابن يحيى الذهلي قال: ( حدّثنا سريج بن النعمان) بالسين المهملة والجيم أبو الحسن البغدادي شيخ المؤلّف يروى عنه بالواسطة وبغيرها قال: ( حدّثنا فليح) بضم الفاء وفتح اللام ابن سليمان ( عن نافع) مولى ابن عمر ( عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه ( قال: أقبل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عام الفتح وهو) أي والحال أنه ( مردف أسامة) وراءه ( على القصواء) بفتح القاف وسكون المهملة ممدودًا ناقته عليه الصلاة والسلام ( ومعه بلال) المؤذن ( وعثمان بن طلحة) الحجبي ( حتى أناخ) راحلته ( عند البيت) الحرام ( ثم قال لعثمان) :
( ائتنا بالمفتاح) أي بمفتاح الكعبة ( فجاءه بالمفتاح) ولأبي ذر عن المستملي: بالمفتح بلا ألف
فيهما، وفي الفرع شطب بالحمرة على الألف في الموضعين ( ففتح له الباب، فدخل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأسامة) بن زيد ( وبلال) المؤذن ( وعثمان) بن طلحة الكعبة ( ثم أغلقوا عليهم الباب فمكث) بضم الكاف فيها ( نهارًا طويلاً ثم خرج) عليه الصلاة والسلام منها ( وابتدر الناس) بالواو ولأبوي ذر والوقت فابتدر الناس بالفاء بدل الواو ( الدخول فسبقتهم) بسكون القاف ( فوجدت بلالاً قائمًا من وراء الباب) وسقط لأبي ذر لفظ من ( فقلت له) : أي لبلال ( أين صلّى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فقال: صلى بين ذينك العمودين المقدمين، وكان البيت) قبل أن يهدم ويبنى في زمن ابن الزبير ( على ستة أعمدة سطرين) بالسين المهملة، ولأبي ذر عن المستملي: شطرين بالشين المعجمة ( صلى بين العمودين من السطر المقدم) بالسين المهملة ( وجعل باب البيت خلف ظهره واستقبل بوجهه) الشريف ( الذي يستقبلك) من الجدار ( حين تلج) أي تدخل ولأبي ذر عن الحموي والمستملي حتى تلج ( البيت) وفي الفرع شطب على حاء حين ( بينه وبين الجدار) الذي قبل وجهه قريبًا من ثلاثة أذرع ( قال) ابن عمر: ( ونسيت أن أسأله) أي بلالاً ( كم صلى) ؟ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم ( وعند المكان الذي صلى فيه مرمرة حمراء) بسكون الراء بين الميمين المفتوحتين واحدة المرمر جنس من الرخام نفيس معروف.

وقد استشكل دخول هذا الحديث في باب حجة الوداع للتصريح فيه بأنه كان في الفتح.




[ قــ :4163 ... غــ : 4401 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَخْبَرَتْهُمَا أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَاضَتْ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَحَابِسَتُنَا هِيَ»؟ فَقُلْتُ: إِنَّهَا قَدْ أَفَاضَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَطَافَتْ بِالْبَيْتِ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فَلْتَنْفِرْ».

وبه قال: ( حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: ( أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة ( عن الزهري) محمد بن مسلم أنه قال: ( حدثني) بالإفراد ( عروة بن الزبير) بن العوّام ( وأبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف ( أن عائشة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخبرتهما أن صفية بنت حيي زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حاضت في حجة الوداع) ليلة النفر بعدما أفاضت ( فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مستفهمًا من عائشة:
( أحابستنا هي) ؟ عن الرجوع إلى المدينة لأنه ظن أنها لم تطف طواف الإفاضة.
قالت عائشة ( فقلت: إنها قد أفاضت) إلى مكة ( يا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وطافت بالبيت فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فلتنفر) بكسر الفاء معنا إلى المدينة.

والحديث سبق في باب: إذا حاضت بعدما أفاضت من الحج.




[ قــ :4164 ... غــ : 440 ]
- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ بِحَجَّةِ الْوَدَاعِ وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ أَظْهُرِنَا وَلاَ نَدْرِي مَا حَجَّةُ الْوَدَاعِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ ذَكَرَ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ فَأَطْنَبَ فِي ذِكْرِهِ.

     وَقَالَ :
«مَا بَعَثَ اللَّهُ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ أَنْذَرَ أُمَّتَهُ أَنْذَرَهُ نُوحٌ، وَالنَّبِيُّونَ مِنْ بَعْدِهِ وَإِنَّهُ يَخْرُجُ فِيكُمْ فَمَا خَفِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ شَأْنِهِ، فَلَيْسَ يَخْفَى عَلَيْكُمْ أَنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ عَلَى مَا يَخْفَى عَلَيْكُمْ ثَلاَثًا، إِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، وَإِنَّهُ أَعْوَرُ عَيْنِ الْيُمْنَى كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ».

وبه قال: ( حدّثنا يحيى بن سليمان) أبو سعيد الجعفي ( قال: أخبرني) بالخاء المعجمة والإفراد ولأبي ذر حدثني بالإفراد أيضًا ( ابن وهب) عبد الله المصري ( قال: حدثني) بالإفراد ( عمر بن محمد) بضم العين ( أن أباه) محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر ( حدثه عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه ( قال: كنا نتحدث بحجة الوداع والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) الواو للحال ( بين أظهرنا ولا) ولأبوي ذر والوقت فلا ( ندري ما حجة الوداع) أي هل وداع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أم غيره حتى توفي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فعلموا أنه ودّع الناس بوصايا قرب موته ( فحمد الله وأثنى عليه ثم ذكر المسيح الدجال فأطنب) أي أتى بالبلاغة ( في ذكره) بالذم ( وقال) :
( ما بعث الله من نبي إلا أنذر أمته) وللأصيلي: أنذره أمته ( أنذره نوح) قومه ( والنبيون من بعده) أي أنذروه أممهم وعين نوحًا لأنه آدم الثاني ( وإنه يخرج فيكم) أيها الأمة المحمدية عند قرب الساعة ويدعي الربوبية ( فما) شرطية أي إن ( خفي عليكم من شأنه) أي بعض شأنه ( فليس يخفى عليكم أن ربكم ليس) بفتح همزة أن ( على ما ما يخفى عليكم ثلاثًا) وما بدل من ما السابقة أي لا يخفى أنه ليس مما يخفى عليكم ( إن ربكم ليس بأعور وإنه) بالواو أي الدجال وللأصيلي وأبي الوقت أنه ( أعور عين اليمنى) بإضافة أعور إلى ما بعده من إضافة الموصوف إلى صفته وهذا ظاهر عند الكوفيين وقدره البصريون عين صفحة وجهه اليمنى، ولأبوي ذر والوقت العين اليمنى ( كأن عينه عنبة طافية) بالتحتية أي بارزة.




[ قــ :4164 ... غــ : 4403 ]
- «أَلاَ إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ»؟ قَالُوا: نَعَمْ.
قَالَ: «اللَّهُمَّ اشْهَدْ ثَلاَثًا، وَيْلَكُمْ أَوْ وَيْحَكُمُ انْظُرُوا، لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ».

( ألا) بالتخفيف ( إن الله حرم عليكم دماءكم) أي أنفسكم ( وأموالكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا ألا) بالتخفيف ( هل بلغت) ما أرسلت به ( قالوا: نعم قال: اللهم اشهد) قال ذلك القول ( ثلاثًا.
ويلكم أو ويحكم)
بالشك من الراوي والأولى كلمة توجع ( انظروا لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض) أي لا تكن أفعالكم تشبه أفعال الكفار في ضرب رقاب المسلمين.

وقال في شرح المشكاة: وقوله يضرب بعضكم رقاب بعض جملة مستأنفة مبنية لقوله: فلا ترجعوا بعدي كفارًا فينبغي أن يحمل على العموم، وأن يقال: فلا يظلم بعضكم بعضًا فلا تسفكوا دماءكم ولا تهتكوا أعراضكم ولا تستبيحوا أموالكم، ونحوه في الإطلاق وإرادة العموم قوله
تعالى: { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا} [النساء: 10] .

وهذا الحديث أخرجه في الدّيات والأدب والحدود، ومسلم في الإيمان؟ وأبو داود في السنة والنسائي في المحاربة، وابن ماجه في الفتن.




[ قــ :4165 ... غــ : 4404 ]
- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ، أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَزَا تِسْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةً، وَأَنَّهُ حَجَّ بَعْدَ مَا هَاجَرَ حَجَّةً وَاحِدَةً لَمْ يَحُجَّ بَعْدَهَا حَجَّةَ الْوَدَاعِ، قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: وَبِمَكَّةَ أُخْرَى.

وبه قال: (حدّثنا عمرو بن خالد) بفتح العين الحراني قال: (حدّثنا زهير) بضم الزاي ابن معاوية قال: (حدّثنا أبو إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (قال: حدثني) بالإفراد (زيد بن أرقم) -رضي الله عنه- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غزا تسع عشرة غزوة وأنه حج بعدما هاجر) إلى المدينة (حجة واحدة لم يحج بعدها) لأنه توفي في أوائل العام التالي (حجة الوداع) بنصب حجة بدلاً من الأولى ويجوز الرفع بتقدير هي.

قال أبو إسحاق) السبيعي بالسند المذكور (و) حج (بمكة) حجة (أخرى) قبل أن يهاجر، وهذا يوهم أنه لم يحج قبل الهجرة إلا واحدة وليس كذلك، فالمروي أنه لم يترك وهو بمكة الحج قط.

وهذا الحديث مر في أوّل المغازي.