فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر

باب كِتَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى كِسْرَى وَقَيْصَرَ
(كتاب النبي) وفي نسخة باليونينية باب كتاب النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى كسرى) إبرويز بن هرمز بن أنو شروان وهو كسرى الكبير المشهور لا أنوشروان لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخبر بأن ابنه يقتله، والذي قتله ابنه هو إبرويز وكسرى الكبير بكسر القاف لقب كل من يملك الفرس (و) إلى (قيصر) وهو هرقل.


[ قــ :4185 ... غــ : 4424 ]
- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَ بِكِتَابِهِ إِلَى كِسْرَى مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ الْبَحْرَيْنِ، فَدَفَعَهُ عَظِيمُ الْبَحْرَيْنِ إِلَى كِسْرَى، فَلَمَّا قَرَأَهُ مَزَّقَهُ فَحَسِبْتُ أَنَّ ابْنَ الْمُسَيَّبِ قَالَ: فَدَعَا عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُمَزَّقُوا كُلَّ مُمَزَّقٍ.

وبه قال: (حدّثنا إسحاق) بن راهويه قال: (حدّثنا يعقوب بن إبراهيم) قال: (حدّثنا أبي) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن صالح) هو ابن كيسان (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله) بن عتبة بن مسعود (أن ابن عباس) -رضي الله عنهما- (أخبره أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعث بكتابه إلى كسرى) إبرويز (مع عبد الله بن حذافة السهمي) القرشي أسلم قديمًا وكان من المهاجرين الأولين وكان مكتوبًا فيه على ما ذكره الواقدي فيما نقله صاحب عيون الأثر:
(بسم الله الرحمن الرحيم؛ من رسول الله محمد إلى كسرى عظيم فارس، سلام على مَن اتّبع الهدى وآمن بالله ورسوله وشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله أدعوك بدعاية الله فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة لينذر من كان حيًّا ويحق القول على الكافرين أسلم تسلم، فإن أبيت فعليك إثم المجوس".

(فأمره) أي أمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عبد الله بن حذافة (أن يدفعه) أي الكتاب (إلى عظيم البحرين) المنذر بن ساوى نائب كسرى على البحرين، فتوجه عبد الله بن حذافة إليه فأعطاه إياه (فدفعه عظيم البحرين إلى كسرى فلما قرأه) بنفسه أو قرأه غيره عليه (مزّقه) بالزاي والقاف أي قطّعه.

قال ابن شهاب الزهري: (فحسبت أن المسيب) سعيدًا (قال): بالسند السابق (فدعا عليهم) على كسرى وجنوده، ولأبي ذر عن المستملي فدعا عليه أي على كسرى (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يمزقوا
كل ممزق) بفتح الزاي فيهما أي يتفرقوا ويتقطعوا فاستجاب الله عز وجل دعاءه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فسلّط الله تعالى على كسرى ابنه شيرويه فمزق بطنه فقتله ولم يقم لهم بعد ذلك أمر نافذ، وأدبر عنهم الإقبال حتى انقرضوا بالكلية في خلافة عمر -رضي الله عنه-.

وهذا الحديث سبق في كتاب العلم في باب ما يذكر في المناولة.




[ قــ :4186 ... غــ : 445 ]
- حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: لَقَدْ نَفَعَنِي اللَّهُ بِكَلِمَةٍ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَيَّامَ الْجَمَلِ بَعْدَ مَا كِدْتُ أَنْ أَلْحَقَ بِأَصْحَابِ الْجَمَلِ فَأُقَاتِلَ مَعَهُمْ، قَالَ: لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ أَهْلَ فَارِسَ قَدْ مَلَّكُوا عَلَيْهِمْ بِنْتَ كِسْرَى، قَالَ: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً».
[الحديث 445 - أطرافه في: 7099] .

وبه قال: ( حدّثنا عثمان بن الهيثم) بالمثلثة المؤذن البصري قال: ( حدّثنا عوف) بفتح العين المهملة بعدها واو ساكنة ففاء الأعرابي ( عن الحسن) البصري ( عن أبي بكرة) نفيع بن الحارث أنه ( قال: لقد نفعني الله) عز وجل ( بكلمة سمعتها من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أيام الجمل) أي نفعني الله أيام وقعة الجمل بكلمة سمعتها فأيام متعلق بنفعني لا بسمعتها لأنه سمعها قبل ذلك ففيه تقديم وتأخير ( بعدما كدت أن ألحق) ولأبي ذر: كدت ألحق ( بأصحاب) وقعة ( الجمل) عائشة -رضي الله عنها- ومن معها ( فأقاتل معهم) وكان سببها أن عثمان -رضي الله عنه- لما قتل وبويع عليّ بالخلافة خرج طلحة والزبير إلى مكة فوجدا عائشة وكانت قد حجت فأجمع رأيهم على التوجه إلى البصرة يستنفرون الناس للطلب بدم عثمان، فبلغ عليًّا فخرج إليهم فكانت الوقعة ونسبت إلى الجمل التي كانت عائشة قد ركبته وهي في هودجها تدعو الناس إلى الإصلاح.

( قال) أبو بكرة مفسرًا لقوله: نفعني الله بكلمة ( لما بلغ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن أهل فارس قد ملكوا) بتشديد اللام ( عليهم بنت كسرى) بوران بضم الموحدة بنت شيرويه بن كسرى إبرويز، وذلك أن شيرويه لما قتل أباه كان أبوه علم أن ابنه عمل على قتله احتال على قتل ابنه بعد موته، فعمل في بعض خزائنه المختصة به حُقًّا مسمومًا كتب عليه حُق الجماع من تناول منه كذا جامع كذا فقرأه شيرويه فتناول منه فكان فيه هلاكه فلم يعش بعد أبيه سوى ستة أشهر، فلما مات لم يخلف أخًا لأنه كان قتل إخوته حرصًا على الملك ولم يخلف ذكرًا وكرهوا إخراج الملك عن ذلك البيت فملكوا أخته.

( قال) عليه الصلاة والسلام ( لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة) ومذهب الجمهور أن المرأة لا تلي الإمارة ولا القضاء، وأجازه الطبري في رواية عن مالك وعن أبي حنيفة تلي الحكم فيما تجوز فيه شهادة النساء، والغرض من ذكر هذا الحديث هنا بيان أن كسرى لما مزّق كتابه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ودعا عليه سقط الله عليه ابنه فمزقه وقتله ثم قتل إخوته حتى أفضى الأمر بهم إلى تأمير المرأة فجرّ ذلك إلى ذهاب ملكهم ومزقوا واستجاب الله دعاءه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.




[ قــ :4187 ... غــ : 446 ]
- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ يَقُولُ: أَذْكُرُ أَنِّي خَرَجْتُ مَعَ الْغِلْمَانِ إِلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ نَتَلَقَّى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،.

     وَقَالَ  سُفْيَانُ مَرَّةً: مَعَ الصِّبْيَانِ.

وبه قال: ( حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: ( حدّثنا سفيان) بن عيينة ( قال: سمعت الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب ( عن السائب بن يزيد) ولأبي ذر: سمع الزهري يقول: سمعت السائب بن يزيد -رضي الله عنه- ( يقول: أذكر أني خرجت مع الغلمان إلى ثنية الوداع نتلقى) بفتح القاف المشددة ( رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وثنية الوداع بفتح الواو: هي ما ارتفع من الأرض أو هي الطريق في الجبل، وسميت بذلك لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ودّعه بها بعض المقيمين بالمدينة في بعض أسفاره، وقيل لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شيّع إليها بعض سراياه فودّعه عندها، وقيل لأن المسافر من المدينة كان يشيع إليها ويودّع عندها قديمًا وما قيل من أنهم كانوا يشيعون الحاج ويودّعونهم عندها، ردّه الحافظ أو الفضل العراقي وابن القيم بأن ثنية الوداع إنما هي من ناحية الشام لا يراها القادم من مكة ولا يمر بها إلا إذا توجه من الشام، وإنما وقع ذلك عند قدومه من تبوك، ويحتمل أن تكون في جهة الحجاز ثنية إخرى.

( وقال سفيان) بن عيينة بالسند السابق ( مرة) أخرى ( مع الصبيان) بدل قوله الأوّل مع الغلمان وهما بمعنى.




[ قــ :4187 ... غــ : 447 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ السَّائِبِ أَذْكُرُ أَنِّي خَرَجْتُ مَعَ الصِّبْيَانِ نَتَلَقَّى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ مَقْدَمَهُ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ.

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي قال: ( حدّثنا سفيان) بن عيينة ( عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب ( عن السائب) بن يزيد بن سعيد بن ثمامة -رضي الله عنه- أنه قال: ( أذكر أني خرجت مع الصبيان نتلقى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى ثنية الوداع مقدمه) بفتح الميم وسكون القاف وفتح الدال أي وقت قدومه ( من غزوة تبوك) .
قال في الفتح: وفي إيراد هذا الحديث هنا إشارة إلى أن إرسال الكتب إلى الملوك كان في سنة غزوة تبوك وهي سنة تسع.

وتقدم هذا الحديث في باب استقبال الغزاة من الجهاد.


باب مَرَضِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَوَفَاتِه وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} [الزمر: 30 - 31]
( باب) ذكر ( مرض النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-و) وقت ( وفاته وقول الله تعالى) يخاطب نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( { إنك ميت} ) أي ستموت ( { وإنهم ميتون} ) [الزمر: 30] أي سيموتون وبالتخفيف من حلّ به الموت.

قال الخليل أنشد أبو عمرو:
أيا سائلي تفسير ميت وميت ... فدونك قد فسرت إن كنت تعقل
فمن كان ذا روح فذلك ميت ... وما الميت إلا من إلى القبر يحمل
وكانوا يتربصون برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- موته، فأخبر أن الموت يعمهم فلا معنى للتربص وشماتة الباقي بالفاني.
وعن قتادة: نعى إلى نبيه نفسه ونعى إليكم أنفسكم أي إنك إياهم في عداد الموتى لأن ما هو كائن فكأن قد كان ( { ثم إنكم} ) أي إنك وإياهم فغلب ضمير المخاطب على ضمير الغائب ( { يوم القيامة عند ربكم تختصمون} ) [الزمر: 30 - 31] فتحتج أنت عليهم بأنك بلغت فكذبوا، واجتهدت في الدعوة فلجوا في العناد ويعتذرون بما لا طائل تحته.
قالت الصحابة -رضي الله عنهم-: ما خصومتنا ونحن إخوان فلما قتل عثمان قالوا: هذه خصومتنا.
وعن أبي العالية نزلت في أهل القبلة وذلك في الدماء والمظالم التي بينهم والوجه هو الأوّل وسقط قوله ثم إنكم الخ لأبي ذر.


[ قــ :4187 ... غــ : 448 ]
- وَقَالَ يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ: قَالَ عُرْوَةُ قَالَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها-: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: «يَا عَائِشَةُ مَا أَزَالُ أَجِدُ أَلَمَ الطَّعَامِ الَّذِي أَكَلْتُ بِخَيْبَرَ فَهَذَا أَوَانُ وَجَدْتُ انْقِطَاعَ أَبْهَرِي مِنْ ذَلِكَ السَّمِّ».

( وقال) : ولأبي ذر فقال: ( يونس) بن يزيد الأيلي فيما وصله البزار والحاكم ( عن الزهري) محمد بن مسلم أنه قال: ( قال عروة) بن الزبير: ( قالت عائشة -رضي الله عنها-: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول في مرضه الذي مات فيه) :
( يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام) أي أحس الألم في جوفي بسبب الطعام المسموم ( الذي أكلت بخيبر) .
وعند الواقدي مما رواه ابن سعد عنه أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عاش بعد أكله ثلاث سنين ( فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري) بفتح الهاء عرق مستبطن بالصلب متصل بالقلب ثم تتشعب منه سائر الشرايين إذا انقطع مات صاحبه ( من ذلك السم) بفتح السين وضمها وأوان رفع على الخبرية وهو الذي في الفرع، وبالفتح لإضافته إلى مبني وهو الماضي لأن المضاف والمضاف إليه كالشيء الوحيد وهو في موضع رفع خبر المبتدأ.