فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب قوله: {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرءوف رحيم}

باب { وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 143]
( { وما} ) ولأبي ذر باب قوله: وما ( { جعلنا القبلة التي كنت عليها} ) قيل: القبلة مفعول أول والتي كنت عليها ثان، فإن الجعل بمعنى التصيير أي الجهة التي كنت عليها وهي الكعبة، فإنه عليه الصلاة والسلام كان يصلّي إليها بمكة ثم لما هاجر أمر بالصلاة إلى بيت المقدس تألفًا لليهود أي أن أصل أمرك أن تستقبل الكعبة وما جعلنا قبلتك بيت المقدس ( { إلا لنعلم} ) لنختبر ونتبين ( { من يتبع الرسول} ) في الصلاة إلى الكعبة ( { ممن ينقلب على عقبيه} ) من يرتد عن دينه بعد.
ومن: موصول، ويتبع صلته، والموصول وصلته في محل المفعول بنعلم، وعلى عقبيه في محل نصب على الحال.

قال البيضاوي: فإن قلت: كيف يكون علمه تعالى غاية الجعل وهو لم يزل عالمًا؟ وأجاب: بأن هذا وأشباهه باعتبار التعلق الحالي الذي هو مناط الجزاء والمعنى ليتعلق علمنا به موجودًا، وقيل ليعلم رسوله والمؤمنون، لكنه أسند إلى نفسه لأنهم خواصه أو ليتميز الثابت عن
المتزلزل كقوله تعالى: { ليميز الله الخبيث من الطيب} [الأنفال: 37] فوضع العلم موضع التميز المسبب عنه.

( { وإن كانت} ) أي التحويلة أو القبلة ( { لكبيرة} ) لثقيلة شاقة وإن مخففة من الثقيلة دخلت على ناسخ الابتداء والخبر واللام للفرق بينها وبين النافية ( { إلاّ على الّذين هدى الله} ) وهم التائبون الصادقون في اتّباع الرسول والاستثناء مفرغ وجاز ذلك وإن لم يتقدمه نفي ولا شبهه لأنه في معنى النفي ( { وما كان الله ليضيع إيمانكم} ) أي بالقبلة المنسوخة أو صلاتكم إليها ( { إن الله بالناس لرؤوف رحيم} ) [البقرة: 143] .
ولأبي ذر بعد قوله: { من يتبع الرسول} الآية وسقط ما بعدها عنده.


[ قــ :4241 ... غــ : 4488 ]
- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: بَيْنَا النَّاسُ يُصَلُّونَ الصُّبْحَ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ إِذْ جَاءَ جَاءٍ فَقَالَ: أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قُرْآنًا أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ فَاسْتَقْبِلُوهَا فَتَوَجَّهُوا إِلَى الْكَعْبَةِ.

وبه قال: ( حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: ( حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان ( عن سفيان) الثوري ( عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر) بن الخطاب ( رضي الله تعالى عنهما) أنه قال: ( بينا الناس) بغير ميم ( يصلون الصبح في مسجد قباء) بالصرف على الأشهر ( إذ جاء جاء) هو عباد بن بشر ( فقال) لهم: ( أنزل الله على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قرآنًا) هو قوله تعالى: { قد نرى تقلّب وجهك في السماء} [البقرة: 144] الآيات.
( أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها) بكسر الموحدة على الأمر في اليونينية وفرعها وبفتحها على الخبر ( فتوجهوا إلى الكعبة) من غير أن تتوالى خطاهم عند التوجه بل كانت مفرقة.

وهذا الحديث سبق في باب ما جاء في القبلة في أوائل كتاب الصلاة.