فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون} [البقرة: 183]

باب { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}
( باب) ذكر قوله تعالى: ( { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام} ) مصدر صام يصوم صيامًا الأصل صوامًا فأبدلت الواو ياء، والصوم لغة الإمساك وشرعًا الإمساك عن المفطرات الثلاث الأكل والشرب والجماع نهارًا مع النية ( { كما كتب على الذين عن قبلكم} ) قيل موضعه نصب نعت مصدر محذوف أي كتب كتبًا وقيل كاف كما في موضع نصب على النعت تقديره كتابًا كما أو صومًا كما أو علي الحال كان الكلام كتب عليكم الصيام مشبهًا ما كتب على الذين من قبلكم، والمعنى كما قيل صومكم كصومهم في عدد الأيام كما روي أن رمضان كتب على النصارى فوقع في برد أو حر شديد فحوّلوه إلى الربيع وزادوا عليه عشرين يومًا كفارة لتحويله فالتشبيه حقيقة.
وروى ابن أبي حاتم من حديث ابن عمر مرفوعًا بإسناد فيه مجهول صيام رمضان كتبه الله على الأمم قبلكم، أو المراد مطلق الصيام دون وقته وقدره، فالتشبيه واقع على نفس الصوم فقط وكان الصوم على آدم عليه الصلاة والسلام أيام البيض وعلى قوم موسى عاشوراء فالتشبيه لا يقتضي التسوية من كل وجه ( { لعلكم تتقون} ) [البقرة: 183] لأن الصوم فيه تزكية للبدن وتضييق لمسالك الشيطان.


[ قــ :4254 ... غــ : 4501 ]
- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: كَانَ عَاشُورَاءُ يَصُومُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ قَالَ: مَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ لَمْ يَصُمْهُ.

وبه قال: ( حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: ( حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان ( عن عبيد الله) بضم العين مصغرًا ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب أنه ( قال: أخبرني) بالإفراد ( نافع) مولى ابن عمر ( عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه ( قال: كان عاشوراء يصومه أهل الجاهلية) قريش ولعلهم اقتدوا في ذلك بشرع سبق ( فلما نزل رمضان) أي صوم رمضان في شعبان في السنة الثانية من الهجرة ( قال) عليه الصلاة والسلام: ( من شاء صامه ومن شاء لم يصمه) .




[ قــ :455 ... غــ : 450 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: كَانَ عَاشُورَاءُ يُصَامُ قَبْلَ رَمَضَانَ، فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ مَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ.

وبه قال: ( حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني ( عبد الله بن محمد) المسندي قال: ( حدّثنا ابن عيينة) سفيان ( عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب ( عن عروة) بن الزبير ( عن عائشة رضي الله تعالى
عنها)
أنها ( قالت: كان عاشوراء يصام قبل رمضان فلما نزل رمضان) أي فرض صومه زاد هنا لغير أبي ذر لفظة قال: ( من شاء صام) أي عاشوراء ( ومن شاء أفطر) .




[ قــ :456 ... غــ : 4503 ]
- حَدَّثَنِي مَحْمُودٌ أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: دَخَلَ عَلَيْهِ الأَشْعَثُ وَهْوَ يَطْعَمُ فَقَالَ: الْيَوْمُ عَاشُورَاءُ فَقَالَ: كَانَ يُصَامُ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ رَمَضَانُ، فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ تُرِكَ فَادْنُ فَكُلْ.

وبه قال: ( حدّثني) بالإفراد ( محمود) هو ابن غيلان قال: ( أخبرنا عبيد الله) بضم العين مصغرًا ابن موسى بن باذام الكوفي ( عن إسرائيل) بن يونس ( عن منصور) هو ابن المعتمر ( عن إبراهيم) النخعي ( عن علقمة) بن قيس ( عن عبد الله) بن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه ( قال: دخل عليه الأشعث) بفتح الهمزة وسكون الشين المعجمة وبعد العين المهملة المفتحة مثلثة ابن قيس الكندي، وكان ممن أسلم ثم ارتدّ بعد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثم رجع إلى الإسلام في خلافة الصديق رضي الله تعالى عنه ( وهو يطعم) بفتح أوّله وثالثه أي والحال أن عبد الله كان يأكل ( فقال) أي الأشعث: ( اليوم عاشوراء) وعند مسلم من رواية عبد الرحمن بن يزيد فقال أي ابن مسعود يا أبا محمد وهي كنية الأشعث ادن إلى الغداء قال أوليس اليوم يوم عاشوراء ( فقال) أي ابن مسعود: ( كان يصام) يعني عاشوراء ( قبل أن ينزل) بضم أوّله وفتح ثالثه لأبي ذر ولغيره بفتح ثم كسر ( رمضان فلما نزل رمضان ترك) بضم أوّله مبنيًّا للمفعول أي ترك صومه ( فادن) بهمزة الوصل أي فاقرب ( فكل) .

وهذا الحديث أخرجه مسلم في الصوم.




[ قــ :457 ... غــ : 4504 ]
- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَصُومُهُ، فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ كَانَ رَمَضَانُ الْفَرِيضَةَ وَتُرِكَ عَاشُورَاءُ، فَكَانَ مَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ لَمْ يَصُمْهُ.

وبه قال: ( حدّثنا) وفي الفرع كأصله حدّثني بالإفراد ( محمد بن المثنى) العنزي الزمن البصري قال: ( حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان قال: ( حدّثنا هشام) هو ابن عروة ( قال: أخبرني) بالإفراد ( أبي) عروة بن الزبير ( عن عائشة رضي الله تعالى عنها) أنها ( قالت: كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية، وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصومه) زاد في كتاب الصوم في رواية أبوي الوقت وذر وابن عساكر في الجاهلية ( فلما قدم المدينة صامه) على عادته ( وأمر) الناس ( بصيامه، فلما نزل رمضان كان رمضان الفريضة وترك عاشوراء فكان من شاء صامه ومن شاء لم يصمه) .

واستدل بهذا على أن صيام عاشوراء كان فريضة قبل نزول رمضان ثم نسخ، لكن في
حديث معاوية السابق في الصيام سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "هذا يوم عاشوراء ولم يكتب الله عليكم صيامه" وهو دليل مشهور ومذهب الشافعية والحنابلة أنه لم يكن فرضًا قط ولا نسخ برمضان وبقية مبحث ذلك سبقت في الصوم.